بحار الانوار الجزء 71
بسمه تعالى
اسم موضوع: بحار71
بحار الانوار جلد: 71 من صفحة 1 سطر 1 إلى صفحه 6 سطر 17
[ 1 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
49 - كتاب الغارات : ( 1 ) لابراهيم بن محمد الثقفي ، عن أبي زكريا الجريري
عن بعض أصحابه قال : خطبة لاميرالمؤمنين عليه السلام الحمد لله نحمده ونستعينه
ونعوذ بالله
من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعملنا . من يهدي الله فلامضل له ، ومن يضلل الله
فلا هادي له ، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده و
رسوله انتجبه بالولاية ، واختصه بالاكرام ، وبعثه بالرسالة ، أحب خلقه إليه .
وأكرمهم عليه ، فبلغ رسالات ربه ، ونصح لامته ، وقضى الذي عليه .
وصيكم بتقوى الله ، فان تقوى الله خير ما تواصت به العباد ، وأقربه من
رضون الله ، وخيره في عواقب الامور . فبتقوى الله امرتم ، ولها خلقتم ، فاخشوا
الله خشية ليست بسمعة ولا تعذير ( 2 ) فانه لم يخلقكم عبثا ، وليس بتارككم سدى ( 3
) قد
أحصى أعمالكم ، وسمى آجالكم ، وكتب آثاركم ، فلا تعرنكم الدنيا فإنها
غرارة ، . مغرور من اغتر بها ، وإلى فناء ما هي .
نسأل الله ربنا وربكم أن يرزقنا وإياكم خشية السعداء ، ومنازل الشهداء
ومرافقة الانبياء ، فإنما نحن به وله .
* ( الهامش ) * ( 1 ) مخطوط .
( 2 ) عذر في الامر تعذيرا : قصر فيه بعد جهد .
( 3 ) أي لا يترككم مهملا باطلا .
[ 2 ]
50 - وبهذا الاسناد خطبة له عليه السلام : الحمد لله نحمدة تسبيحا ، ونمجده تمجيدا
نكبر عظمته لعز جلاله ، ونهلله تهليلا ، موحدا مخلصا ، ونشكره في مصانعة
الحسنى ، أهل الحمد والثناء الاعلى ، ونستغفره للحت من الخطايا ، ونستعفيه من
متح ذنوب البلايا ( 1 ) ونؤمن بالله يقينا في أمره ، ونستهدي بالهدى العاصم المنقذ
العازم بعزمات خير قدر ( ؟ ) موجب فضل عدل قضاء نافذ بفوز سابق بسعادة في كتاب كريم
مكنون ، ونعوذ بالله من مضيق مضائق السبل على أهلها بعد اتساع مناهج الحق
لطمس آيات منير الهدى بلبس ثياب مضلات الفتن ، ونشهد غير ارتياب ، حال دون
يقين مخلص بأن الله واحد موحد ، وفي وعده ، وثيق عقده ، صادق قوله ، لا شريك
له في الامر ، ولا ولي له من الذل ، نكبره تكبيرا ، لاإله إلا الله هو العزيز
الحكيم .
ونشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله عبده بعيث الله لوحيه ، ونبيه بعينه ،
ورسوله بنوره ، مجيبا مذكرا مؤديا ، مبقيا مصابيح شهب ضياء مبصر . وماحيا
ماحقا مزهقا رسوم أباطيل خوض الخائضين ، بدار اشتباك ظلمة كفر دامس ، فجلا
غواشي أظلام لجي راكد ( 2 ) بتفصيل آياته من بعد توصيل قوله وفصل فيه القول
للذاكرين بمحكمات منه بينات ، ومشتبهات يتبعها الزايغ قلبه ابتغاء التأويل
تعرضا للفتن . والفتن محيطة بأهلها . والحق نهج مستنير ، من يطع الرسول يطع الله
ومن يطع الله يستحق الشكر من الله بحسن الجزاء ، ومن يعص الله ورسوله يعاين عسر
الحساب
لدى اللقاء ، قضاء بالعدل عند القصاص بالحق يوم إفضاء الخلق إلى الخالق .
أما بعد فمنصت سامع لواعظ نفعه إنصاته وصامت ذولب شغل قلبه بالفكر في
أمرالله حتى أبصر فعرف فضل طاعته على معصيته ، وشرف نهج ثوابه على احتلال
من عقابه ، ومخبر النائل رضاه عند المستوجبين غضبه عند تزايل الحساب . وشتى بين
الخصلتين وبعيد تقارب ما بينهما ، اوصيكم بتقوى الله بارئ الازواح وفالق الاصباح .
* ( الهامش ) * ( 1 ) الحت بتشديد التاء السقوط ، والمتح استقاء الماء بالدلو ،
والذنوب بفتح الذال
المعجمة : الدلو .
( 2 ) اللج : معظم الماء .
[ 3 ]
51 - من كتاب مطالب السؤول ( 1 ) لمحمد بن طلحة من كلام أميرالمؤمنين
عليه السلام : ذمتي بما أقول رهينة وأنا به زعيم إن من صرحت ( 2 ) له العبر عما
بين يديه من المثلات حجزه التقوى عن تقحم الشبهات ، ألا وإن الخطايا خيل
شمس ( 3 ) حمل عليها أهلها وخلعت لجمها فتقحمت بهم في النار ، ألا وإن التقوى
مطايا ذلل حمل عليها أهلها واعطوا أزمتها فأوردتهم الجنة . حق وباطل ولكل
أهل ، فلئن أمر الباطل ( 4 ) لقديما فعل ، ولئن قل الحق فلربما ولعل ولقلما أدبر
شئ فأقبل .
لقد شغل من الجنة والنار أمامه . ساع سريع نجا ، وطالب بطئ رجا ، ومقصر في
النار هوى ، اليمين والشمال مضلة ( 5 ) والطريق الوسطى هي الجادة ، عليها باقي
الكتاب ( 6 )
وآثار النبوة ، ومنها منفذ السنة ، وإليها مصير العاقبة ، هلك من ادعى ، وخاب من
افترى ، وخسر من باع الاخرة بالاولى ، ولكل نبأمستقر وكل ما هو آت قريب .
52 - ومنه : ( 7 ) لقد جاهرتكم العبر ، وزجرتم بمافيه مزدجر ، وما يبلغ عن الله
بعد رسل الله إلا البشر ، ألا وإن الغاية أمامكم ، وإن وراءكم الساعة ، تحدوكم
تخففوا تلحقوا ، فانما ينتظر بأولكم آخركم ( 8 ) .
* ( الهامش ) * ( 1 ) المصدر ص 28 .
( 2 ) الزعيم : الضامن . والتصريح : كشف الامر وانكشافه .
( 3 ) الشموس : معرب جموش .
( 4 ) أمر يأمر - من باب تعب - : كثر .
( 5 ) أى طرفى الافراط والتفريط .
( 6 ) هو مايبقى من أثر مشيه وموضع قدمه كانه مشى على الطريق الوسطى . وقيل
باقى الكتاب هو مالم ينسخ منه لكن الاول هو الصواب .
( 7 ) مطالب السؤول ص 33 .
( 8 ) تحدوكم أى تسوقكم . وقوله " تخففوا تلحقوا " أى تخففوا بالقناعة وترك الحرص
أو كناية عن عدم الركون الي الدنيا واتخاذها دارممر لادار مقر . والانتظار بالاول
كناية
[ 4 ]
53 - وقال عليه السلام يوما وقد أحدق الناس به : احذركم الدنيا فانها منزل قلعة
وليست بدار نجعة ( 1 ) هانت على ربها فخلط خيرها بشرها ، وحلوها بمرها ، لم يضعها
لاوليائه ، ولا يضنن بها علي أعدائه ، وهي دارممر لا دار مستقر ، والناس فيها
رجلان رجل باع نفسه فأوبقها ( 2 ) ورجل ابتاع نفسه فأعتقها ، إن اعذوذب منها جانب
فحلا ، أمر منها جانب فأوبى ( 3 ) أولها عناء ، وآخرها فناء ، من استغنى فيها فتن
ومن اقتفر فيها حزن ، من ساعاها فاتته ، ومن قعد عنها أتته ، ومن أبصر فيها بصرته
ومن أبصر إليها أعمته ، فالانسان فيها غرض المنايا ، مع كل جرعة شرق ، ومع
كل اكلة غصص ، لا تنال منها نعمة إلا بفراق اخرى .
54 - وقال يوما في مسجد الكوفة وعنده وجوه الناس : أيها الناس إنا قد أصبحنا
في دهر عنود ، وزمن شديد ، يعد فيه المحسن مسيئا ، ويزداد الظالم فيه عتوا ، لا
للتفع بما علمنا ، ولا نسأل عما جهلنا ، ولا نتخوف قارعة حتى تحل بنا ، والناس
على أربعة أصناف منهم من لا يمنعه الفساد في الارض إلا مهانة نفسه وكلالة حده
ونضيض وفره .
ومنهم المصلت بسيفه ، المعلن بشره ( 4 ) والمجلب بخيله ورجله ، قد أهلك نفسه ،
وأوبق دينه لحطام ينتهزه أو مقنب يقوده ، أو منبر يفرعه ( 5 ) ولبئس المتجر أن ترى
-
* ( الهامش ) * عن كونهم كمن سبق من الرفقة إلى بلدة لا يؤذن لهم في دخولها الا
بالاجتماع ولحوق
الاخرين أى لابد لكم من ترك هذه الدار ونزول دار القرار والاجتماع .
( 1 ) القلعة - بضم القاف - المال العارية أو مالا يدوم . والنجعة - بالضم - طلب
الكلاء
وقوله " هانت " من المهانة .
( 2 ) أوبقها أى أهلكها وأذلها .
( 3 ) أى يبتلى بالوباء .
( 4 ) القارعة : الداهية . ونض الماء نضيضا : سال قليلا قليلا ، واصلات السيف هو
اعلان الشر والفساد .
( 5 ) الانتهاز : الانتظار . والمقنب : جماعة من الخيل تجتمع للغارة جمع مقانب .
وفرع الجبل : صعده .
[ 5 ]
الدنيا لنفسك ثمنا ، ومما لك عندالله عوضا .
ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الاخرة ولا يطلب الاخرة بعمل الدنيا ، قد
طأمن من شخصه ، وقارب من خطوه ، وشمر من ثوبه ( 1 ) وزخرف من نفسه الامانة
واتخذ سر الله تعالى ذريعة إلى المعصية .
ومنهم من أقعده عن طلب الملك ضؤولة نفسه ( 2 ) وانقطاع سببه ، فقصرته
الحال على حاله ، فتحلى باسم القناعة ، وتزين بلباس أهل الزهادة ، وليس من
ذلك في مراح ، ولا مغدى ( 3 )
وبقي رجال غض أبصارهم ذكر المرجع ، وأراق دموعهم خوف المحشر ، فهم
بين شريد ناء ، وخائف مقموع ، وساكت مكعوم ( 4 ) وداع مخلص ، وثكلان موجع
قد أخملتهم التقية ، وشملتهم الذلة فهم في بحر اجاج ، أفواههم خامرة ( 5 ) وقلوبهم
قرحة ، قد وعظوا حتى ملوا ، وقهروا حتى ذلوا ، وقتلوا حتى قلوا ، فلتكن
الدنيا عندكم أصغر من حثالة القرظ ، وقراضة الجلم ( 6 ) .
واتعظوا بمن كان قبلكم قبل أن يتعظ بكم من بعدكم ، وارفضوها ذميمة
فانها رفضت من كان أشغف بها منكم ، فياما أغر خداعها مرضعة ، وياما أضر نكالها
فاطمة .
55 - وقد نقل عنه عليه السلام أنه قال وقد اجتمع حوله خلق كثير : اتقوا الله فما
* ( الهامش ) * ( 1 ) طأمن مقلوب طمأن أى سكن ، وطأمن منه أى سكنه ، وشمر ثوبه أى
رفعه عن
ساقيه للتنزه والحتراز من النجاسة والقذارة .
( 2 ) الضؤولة - بالضم - : الحقارة . ورجل ضئيل أى ضعيف نحيف .
( 3 ) المراح موضع يروح القوم منه أواليه . والمغدى اسم مكان من الغدو .
( 4 ) المقموع : المقهور . والمكعوم : الملحم .
( 5 ) خمر - كضرب ونصر - : سكت ولم يتكلم .
( 6 ) الحثالة - بالضم - ما يسقط من قشر الشعير والارز . والقرظ - بالتحريك - ورق
السلم يدبغ به الاديم . وقراضة الجلم يعنى ريزه دم قيجى .
[ 6 ]
خلق امرء عبثا فيلهو ، ولا ترك سدى فيلغو ، وما دنياه التي تحسنت له بخلف
من الاخرة التي قبحها سوء ظنه عنده ، وما المغرور بزخرفها الذي بناج من عذاب
ربه عند مرده إليه .
56 - وقال عليه السلام : عليكم بالعلم فانه صلة بين الاخوان ، ودال على المروة
وتحفة في المجالس ، وصاحب في السفر ، ومونس في الغربة ، وإن الله تعالى يحب
المؤمن العالم الفقيه ، الزاهد الخاشع ، الحيي العليم ، الحسن الخلق ، المقتصد
المنصف .
57 - وقال عليه السلام : من تواضع للمتعلمين وذل للعلماء ساد بعلمه ، فالعلم يرفع
الوضيع ، وتركه يضع الرفيع ، ورأس العلم التواضع ، وبصره البراءة من الحسد
وسمعه الفهم ، ولسانه الصدق ، وقلبه حسن النية ، وعقله معرفة أسباب الامور ، و
من ثمراته التقوى ، واجتناب الهوى ، واتباع الهدى ، ومجانبة الذنوب ، ومودة
الاخوان والاستماع من العلماء ، والقبول منهم ، ومن ثمراته ترك الانتقام عند القدرة
واستقباح مقارفة الباطل ، واستحسان متابعة الحق . وقول الصدق ، والتجافي عن
سرور في غفلة ، وعن فعل ما يعقب ندامة ، والعلم يزيد العاقل عقلا ، ويورث متعلمه
صفات حمد ، فيجعل الحليم أميرا ، وذا المشورة وزيرا ، ويقمع الحرص ، ويخلع
المكر ، ويميت البخل ، ويجعل مطلق الوحش مأسورا ( 1 ) وبعيد السداد قريبا .
58 - وقال عليه السلام ( 2 ) العقل عقلان عقل الطبع وعقل التجربة وكلاهما
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 71 من صفحة 6 سطر 18 إلى صفحه 14 سطر 2
يؤدي إلى المنفعة ، والموثوق به صاحب العقل والدين ، ومن فاته العقل والمروة
فرأس ماله المعصية ، وصديق كل امرء عقله ، وعدوه جهله ، وليس العاقل من
يعرف الخير من الشر ، ولكن العاقل من يعرف خير الشرين ، ومجالسة العقلاء
تزيد في الشرف ، والعقل الكامل قاهر الطبع السوء ، وعلى العاقل أن يحصي على
نفسه مساويها في الدين والرأي والاخلاق والادب فيجمع ذلك في صدره أو في كتاب
* ( الهامش ) * ( 1 ) المأسور : الاسير .
( 2 ) مطالب السؤول ص 49 .
[ 7 ]
ويعمل في إزالتها .
59 - وقال عليه السلام : الانسان ( 1 ) عقل وصورة فمن أخطأه العقل ولزمته الصورة لم
يكن كاملا ، وكان بمنزلة من لا روح فيه ، ومن طلب العقل المتعارف فليعرف صورة
الاصول والفضول ، فإن كثيرا من الناس يطلبون الفضول ويضعون الاصول ، فمن
أحرز الاصل اكتفى به عن الفضل ، وأصل الامور في الانفاق طلب الحلال لما ينفق
والرفق في الطلب ، وأصل الامور في الدين أن يعتمد على الصلوات ويجتنب الكبائر
وألزم ذلك لزوم مالا غنى عنه طرفة عين ، وإن حرمته هلك ، فان جاوزته إلى الفقه
والعبادة فهو الحظ ، وإن أصل العقل العفاف وثمرته البراءة من الاثام ، وأصل العفاف
القناعة وثمرتها قلة الاحزان . وأصل النجدة القوة وثمرتها الظفر ، وأصل العقل ( 2 )
القدرة وثمرتها السرور ، ولا يستعان على الدهر إلا بالعقل ، ولا على الادب إلا
بالبحث ، ولا على الحسب إلا بالوفاء ، ولا على الوقار إلا بالمهابة ، ولا على
السرور
إلا باللين ، ولا على اللب إلا بالسخاء ، ولا على البذل إلا بالتماس المكافأة ، ولا
على التواضع إلا بسلامة الصدر ، وكل نجدة يحتاج إلى العقل ، وكل معونة
تحتاج إلى التجارب ، وكل رفعة يحتاج إلى حسن احدوثة ، وكل سرور يحتاج
إلى أمن ، وكل قرابة يحتاج إلى مودة ، وكل علم يحتاج إلى قدرة ، وكل
مقدرة تحتاج إلى بذل ، ولا تعرض لما لا يعنيك بترك ما يعنيك . فرب متكلم في
غير موضعه قد أعطبه ذلك .
60 - وقال عليه السلام : لا تسترشد إلى الحزم بغير دليل العقل فتخطئ منهاج الرأي
فان أفضل العقل معرفة الحق بنفسه ، وأفضل العلم وقوف الرجل عند علمه ، و
أفضل المروة استبقاء الرجل ماء وجهه ، وأفضل المال ما وقي به العرض ، وقضيت به
الحقوق .
61 - وعن عبدالله بن عباس قال : ما انتفعت بكلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله
كانتفاعي
* ( الهامش ) * ( 1 ) المصدر ص 49 . ( 2 ) كذا وفي بعض النسخ " أصل الفعل " .
[ 8 ]
بكتاب كتبه إلي علي بن أبي طالب عليه السلام فإنه كتب إلي :
أما بعد ( 1 ) فان المرء قد يسره درك مالم يكن ليفوته ، ويسوؤه فوت مالم
يكن ليدركه ، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك ، وليكن أسفك على ما فاتك
منها ، وما نلت من دنياك فلا تكثرن به فرحا ، وما فاتك منه فلا تأس عليه جزعا ،
وليكن همك فيما بعد الموت . والسلام .
62 - وقال عليه السلام لجماعة : خذوا عني هذه الكلمات فلور كبتم المطي حتى تنضوها
ما صبتم مثلها ( 2 ) : لا يرجون عبد إلا ربه ، ولا يخافن إلا ذنبه ، ولا يستحي
إذا لم يعلم أن يتعلم ، ولا يستحي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول : لا أعلم ، واعلموا
أن الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد ، ولا خير في جسد لا رأس له ،
فاصبروا على ما كلفتموه رجاء ما وعدتموه .
63 - وقال عليه السلام : الشئ شيئان شئ قصر عني لم ارزقه فيما مضى ولا أرجوه
فيما بقي ، وشئ لا أناله دون وقته ولو استعنت عليه بقوة أهل السماوات والارض ،
فما أعجب أمر هذا الانسان يسره درك ما لم يكن ليدركه ، ولو أنه فكر لابصر
ولعلم أنه مدبر ، واقتصر على ما تيسر ، ولم يتعرض لما تعسر ، واستراح قلبه مما
استوعر ، فبأي هذين أفنى عمري ، فكونوا أقل ما يكونون في الباطن أموالا ،
أحسن ما يكونون في الظاهر أحوالا ، فان الله تعالى أدب عباده المؤمنين العارفين
أدبا حسنا فقال : جل من قائل : " يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم
بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافا " ( 3 ) .
64 - وقال عليه السلام : لا يكون غنيا حتى يكون عفيفا ، ولا يكون زاهدا حتى
يكون متواضعا ، ولا يكون حليما حتى يكون وقورا ، ولا يسلم لك قلبك حتى تحب
للمؤمنين ما تحب لنفسك ، وكفى بالمرء جهلا أن يرتكب ما نهي عنه ، وكفى به عقلا
* ( الهامش ) * ( 1 ) المصدر ص 55 . وفى النهج مثله .
( 2 ) أنضى البعير : هزله .
( 3 ) البقرة : 273 .
[ 9 ]
أن يسلم عن شره ، فأعرض عن الجهل وأهله ، واكفف عن الناس ما تحب أن يكف
عنك ، وأكرم من صافاك وأحسن مجاورة من جاورك ، وألن جانبك واكفف عن الاذى ،
واصفح عن سواء الاخلاق ، ولتكن يدك العليا إن استطعت ، ووطن نفسك على الصبر على ما
أصابك ، وألهم نفسك القنوع ، واتهم الرجاء ، وأكثر الدعاء تسلم من سورة الشيطان
ولا تناقس على الدنيا ، ولا تتبع الهوى ، وتوسط في الهمة تسلم ممن يتبع
عثراتك ، ولاتك صادقا حتى تكتم بعض ما تعلم ، احلم عن السفيه يكثر أنصارك
عليه ، عليك بالشيم العالية تقهر من يعاديك ، قل الحق ، وقرب المتقين ، واهجر
الفاسقين ، وجانب المنافقين ، ولا تصاحب الخائنين .
65 - وقال عليه السلام : قل عند كل شدة " لا حول ولا قوة إلا بالله " تكف بها
وقل عند كل نعمة " الحمد لله " تزدد منها ، وقل إذا أبطأت عليك الارزاق
" أستغفر الله " يوسع عليك . عليك بالمحجة الواضحة التي لا تخرجك إلى عوج ، و
لا تردك عن منهج . الناس ثلاث : عالم رباني ، ومتعلم على سبيل النجاة ، وهمج
رعاع . مفتاح . الجنة الصبر ، مفتاح الشرف التواضع ، مفتاح الغنى اليقين ، مفتاح
الكرم التقوى . من أراد أن يكون شريفا فيلزم التواضع ، عجب المرء بنفسه أحد
حساد عقله ، الطمأنينة قبل الحزم ضد الحزم ، المغتبط من حسن يقينه .
66 - وقال عليه السلام : اللهو يسخط الرحمن ويرضي الشيطان وينسى القرآن ،
عليكم بالصدق فان الله مع الصادقين ، المغبون من غبن دينه . جانبوا الكذب فانه
مجانب الايمان ، والصادق على سبيل نجاة وكرامة ، والكاذب على شفا هلك وهون .
قولوا الحق تعرفوا به ، واعملوا الحق تكونوا من أهله ، وأدوا الامانة إلى
من ائتمنكم ، ولا تخونوا من خانكم ، وصلوا أرحام من قطعكم ، وعودوا بالفضل
على من حرمكم ، أوفوا إذا عاهدتم ، واعدلوا إذا حكمتم ، لا تفاخروا بالاباء ، و
لا تنابزوا بالالقاب ، ولا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، ولا تقاطعوا ، وافشوا السلام ،
و
ردوا التحية بأحسن منها ، وارحموا الارملة واليتيم ، وأعينوا الضعيف والمظلوم
وأطيبوا المكسب ، وأجملوا في الطلب .
[ 10 ]
67 - وقال عليه السلام : لا راحة لحسود ، ولا مودة لملول ، ولا مروة لكذوب ، ولا
شرف لبخيل ، ولا همة لمهين ، ولا سلامة لمن أكثر مخالطة الناس ، الوحدة راحة
والعزلة عبادة ، والقناعة غنية ، والاقتصاد بلغة ( 1 ) وعدل السلطان خير من خصب
الزمان ، والعزيز بغير الله ذليل ، والغني الشره فقير ( 2 ) لا يعرف الناس إلا
بالاختبار ، فاختبر أهلك وولدك في غيبتك ، وصديقك في مصيبتك ، وذا القرابة عند
فاقتك ، وذا التودد والملق عند عطلتك ( 3 ) لتعلم بذلك منزلتك عندهم ، واحذر
ممن إذا حدثته ملك ، وإذا حدثك غمك ، وإن سررته أو ضررته سلك فيه معك
سبيلك ، وإن فارقك ساءك مغيبه بذكر سوأتك ، وإن مانعته بهتك وافترى ، وإن
وافقته حسدك واعتدى ، وإن خالفته مقتك ومارى ( 4 ) يعجز عن مكافأة من أحسن
إليه ، ويفرط على من بغى عليه ، يصبح صاحبه في أجر ، ويصبح هو في وزر ، لسانه
عليه لاله ، ولا يضبط قلبه قوله ، يتعلم للمراء ، ويتفقه للرياء ، يبادر الدنيا ،
ويواكل
التقوى ، فهو بعيد من الايمان ، قريب من النفاق ، مجانب للرشد ، موافق للغي
فهو باغ غاو ، لا يذكر المهتدين .
68 - وقال عليه السلام : ( 5 ) لا تحدث من غير ثقة فتكون كذابا ، ولا تصاحب همازا
فتعد مرتابا ، ولا تخالط ذافجور فترى متهما ، ولا تجادل عن الخائنين فتصبح ملوما
وقارن أهل الخير تكن منهم ، وباين أهل الشرتبن عنهم ، واعلم أن من الحزم العزم
واحذر اللجاج تنج من كبوته ( 6 ) ولا تخن من ائتمنك وإن خانك في أمانته ، ولا
* ( الهامش ) * ( 1 ) الغنية - بالضم - اليسار والكفاية . والبلغة - بالضم أيضا - :
ما يكفى من
العيش ولا يفضل .
( 2 ) الشره : الحريص .
( 3 ) العطلة - بالضم - : البقاء بلا عمل . والمراد الفقر .
( 4 ) المماراة : المنازعة والمجادلة
( 5 ) مطالب السؤول ص 56 .
( 6 ) الكبوة السقوط على الوجه .
[ 11 ]
تذع سر من أذاع سرك ، ولا تخاطر بشئ رجاء ما هو أكثر منه ، وخذ الفضل ، و
أحسن البذل ، وقل للناس حسنا ، ولا تتخذ عدو صديقك صديقا فتعادى صديقك ،
وساعد أخاك وإن جفاك ، وإن قطعته فاستبق له بقية من نفسك ، ولا تضيعن حق
أخيك فتعدم إخوته ، ولا يكن أشقى الناس بك أهلك ، ولا ترغبن فيمن زهد فيك
وليس جزاء من سرك أن تسوءه ، واعلم أن عاقبة الكذب الذم ، وعاقبة الصدق
النجاة .
69 - ونقل عنه عليه السلام : أنه رأى جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - وقد تنفس
الصعداء ( 1 ) فقال عليه السلام : يا جبار على م تنفسك أعلى الدنيا ؟ فقال جابر :
نعم
فقال له : يا جابر ملاد الدنيا سبعة : المأكول والمشروب والملبوس والمنكوح و
المركوب والمشموم والمسموع ، فألذ المأكولات العسل وهو بصق من ذبابة ، وأحلى
المشروبات الماء ، وكفى بإباحته وسباحته على وجه الارض ، وأعلى الملبوسات
الديباج وهو من لعاب دودة ، وأعلى المنكوحات النساء وهو مبال في مبال ، ومثال
لمثال ، وإنما يراد أحسن ما في المرأة لاقبح ما فيها ، وأعلى المركوبات الخيل وهو
قواتل ، وأجل المشمومات المسك وهو دم من سرة دابة ، وأجل المسموعات الغناء
والترنم وهو إثم ، فما هذه صفته لم يتنفس عليه عاقل .
قال جابر بن عبدالله : فوالله ما خطرت الدنيا بعدها على قلبي .
70 - وقال عليه السلام : في الامثال : بالصبر يناضل ( 2 ) الحدثان ، الجزع من أنواع
الحرمان ، العدل مألوف والهوى عسوف ( 3 ) والهجران عقوبة العشق ، البخل جلباب
المسكنة ، لا تأمنن ملولا ، إزالة الرواسي أسهل من تأليف القلوب المتنافرة ، من
اتبع
الهوى ضل ، الشجاعة صبر ساعة ، خير الامور أوسطها ، القلب بالتعلل رهين ، من ومقك
* ( الهامش ) * ( 1 ) الصعداء - بضم الصاد وفتح العين المهملتين - التنفس الطويل من
هم أوتعب .
( 2 ) ناضله مناضلة : باراه في رمى السهام وناضل عنه : حامى وجادل ودافع عنه .
وحدثان الدهر - بكسر الحاء وفتحها - نوائبه ومصائبه .
( 3 ) العسوف - بفتح العين - الشديد العسف أى الجور . والظلم .
[ 12 ]
أعتبك ( 1 ) القلة ذلة ، المجاعة مسكنة ، خير أهلك من كفاك ، ترك الخطيئة أهون
من طلب التوبة ، من ولع بالحسد ولم به الشؤم ، كم تلف من صلف ، كم قرف من
سرف ( 2 ) عدو عاقل خير من صديق أحمق ، التوفيق من السعادة ، والخذلان من
الشقاوة ، من بحث عن عيوب الناس فبنفسه بدأ ، من كان في حاجة أخيه كان الله في
حاجته ، من سلم من ألسنة الناس كان سعيدا ، من صحب الملوك تشاغل بالدنيا ،
الفقر طرف من الكفر ، من وقع في ألسنة الناس هلك ، من تحفظ من سقط الكلام
أفلح ، كل معروف صدقة ، كم من غريب خير من قريب ، لو القيت الحكمة على
الجبال لقلقلتها ( 3 ) ، كم من غريق هلك في بحر الجهالة ، وكم عالم قد أهلكته
الدنيا ، خير إخوانك من واساك ، وخير منه من كفاك ، خير مالك ما أعانك على
حاجتك ، خير من صبرت عليه من لابد لك منه ، أحق من أطعت مرشد لايعصيك ،
من أحب الدنيا جمع لغيره ، المعروف فرض ، والايام دول ، عند تناهي البلاء يكون
الفرج ، من كان في النعمة جهل قدر البلية ، من قل سروره كان في الموت راحته ،
قد ينمي القليل فيكثر ، ويضمحل الكثير فيذهب . رب اكلة يمنع الاكلات ، أفلج
الناس حجة من شهد له خصمه بالفلج ( 4 ) السؤال مذلة ، والعطاء محبة ، من حفر
لاخيه بئرا كان ، بترديه فيها جديرا .
أملك عليك لسانك ، حسن التدبير مع الكفاف أكفى من الكثير مع الاسراف .
الفاحشة كاسمها ، مع كل جرعة شرقة ، مع كل أكلة غصة ، بحسب السرور
يكون التنغيص ، الهوى يهوي بصاحب الهوى ، عدو العقل الهوى ، الليل أخفى للويل
صحبة الاشرار تورث سوء الظن بالاخيار ، من أكثر من شئ عرف به ، رب
كثير هاجه صغير ، رب ملوم لاذنب له ، الحر حر ولو مسه الضر ، ما ضل من
* ( الهامش ) * ( 1 ) ومقه : أحبه .
( 2 ) الصلف : التملق . والقرف : النكس من مرض .
( 3 ) القلقلة : التحريك .
( 4 ) الفلج : الظفر .
[ 13 ]
استرشد ، ولا حار من استشار ، الحازم لا يستبد برأيه ، آمن من نفسك عندك من
وثقت به على سرك ، المودة بين الاباء قرابة بين الابناء .
71 - وقال عليه السلام : من رضي عن نفسه كثر الساخط عليه ، ومن بالغ في الخصومة
أثم ، ومن قصر فيها ظلم ، من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهوته ، إنه ليس لانفسكم
ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها إلا بها ، من عظم صغار المصائب ابتلاه الله بكبارها ،
الولايات مضامير الرجال ، ليس بلد أحق منك من بلد ، وخير البلاد من حملك ،
إذا كان في الرجل خلة رائعة فانتظر أخواتها ، الغيبة جهد العاجز ، رب مفتون
بحسن القول فيه ، ما لابن آدم والفخر أوله نطفة ، وآخره جيفة ، لا يرزق نفسه ، و
لا يمنع حتفه ، الدنيا تغر وتضر وتمر إن الله تعالى لم يرضها ثوابا بأوليائه ولا
عقابا لاعدائه ، وإن أهل الدنيا كركب بيناهم حلوا إذ صاح سائقهم فارتحلوا ،
من صارع الحق صرعه ، القلب مصحف البصر ( 1 ) التقى رئيس الاخلاق ، ما أحسن
تواضع الاغنياء للفقراء طلبا لما عند الله . وأحسن منه تيه الفقراء على الاغنياء
إتكالا على الله .
كل مقتصر عليه كاف ( 2 ) الدهر يومان يوم لك ويوم عليك ، فان كان لك فلا
تبطر ، وإن كان عليك فلا تضجر ، من طلب شيئا ناله أو بعضه ، الركون إلى الدنيا
مع ما يعاين منها جهل ، والتقصير في حسن العمل مع الوثوق بالثواب عليه غبن
والطمأنينة إلى كل أحد قبل الاختبار عجز ، والبخل جامع لسماوي الاخلاق ،
نعم الله على العبد مجلبة لحوائج الناس إليه ، فمن قام لله فيها بما يجب عرضها
للدوام والبقاء ، ومن لم يقم فيها بما يجب عرضها للزوال والفناء ، الرغبة مفتاح
النصب ، والحسد مطية التعب . من علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه
من نظر في عيوب الناس فأنكرها ثم حببها ( 3 ) لنفسه فذلك الاحمق بعينه ، العفاف
* ( الهامش ) * ( 1 ) استعار لفظ المصحف للقلب باعتبار انتقاشه بصور ما ينبغى
التكلم به في طوح الخيال
وادراك الحس المشترك له من باطن فهو كالمصحف يقرأ منه .
( 2 ) أى كل ما يمكن الاقتصار عليه فهو كاف .
( 3 ) في بعض النسخ " ثم رضيها " .
[ 14 ]
زينة الفقر ، والشكر زينة الغنى ، رسولك ترجمان عقلك ، وكتابك أبلغ ما ينطق
عنك . الناس أبناء الدنيا ولا يلام الرجل على حب أمه ، الطمع ضامن غيروفي ، و
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 71 من صفحة 14 سطر 3 إلى صفحه 22 سطر 3
الاماني تعمى أعين البصائر ، لا تجارة كالعمل الصالح ، ولا ربح كالثواب ، ولا قائد
كالتوفيق ، ولا حسب كالتواضع ، ولا شرف كالعلم ، ولا ورع كالوقوف عند الشبهة ،
ولا قرين كحسن الخلق ، ولا عبادة كأداء الفرائض ، ولا عقل كالتدبير ، ولا وحدة
أوحش من العجب ، ومن أطال الامل أساء العمل .
72 - وسمع عليه السلام ( 1 ) رجلا من الحرورية يقرأ ويتهجد فقال : نوم على
يقين خير من صلاة في شك ، إذا تم العقل نقص الكلام ، قدر الرجل قدر همته
قيمة كل امرء ما يحسنه ، المال مادة الشهوات ، الناس أعداء ما جهلوه ، أنفاس
المرء خطاه إلى أجله .
73 - وقال عليه السلام : احذركم الدنيا فإنها خضرة حلوة ، حفت بالشهوات ، و
تحببت بالعاجلة ( 2 ) وعمرت بالامال ، وتزينت بالغرور ، ولا يؤمن فجعتها ، ولا
يدوم حبرتها ( 3 ) ضرارة غدارة غرارة زائلة بائدة أكالة عوالة ، لا تعد و
إذا تناهت إلى امنية أهل الرضا بها ( 4 ) والرغبة فيها أن يكون كما قال الله عز
وجل " ( 5 ) " كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض فأصبح هشيما تذروه
الرياح ( 6 ) على أن امرءا لم يكن فيها في حبرة إلا أعقبته بعدها عبرة ولم يلق
* ( الهامش ) * ( 1 ) مطالب السؤول ص 57 .
( 2 ) أى صارت محبوبة للناس بكونها لذة عاجلة . والنفوس مولعة بحب العاجل .
( 3 ) الحبرة : النعمة والسرور .
( 4 ) باد أى هلك . وغاله : أهلكه . وعداه يعدوه : جاوزه . والامنية : ما يتمناه
الانسان أى يريده ويأمله . ( 5 ) الكهف 45 .
( 6 ) أى غاية موافقة الدنيا لاهلها لا يجاوز المثل المضروب لها في الكتاب الكريم
والمراد بالماء المطر ، واختلاط النبات به دخوله في خلل النبات عند النمو ، والهشيم
نبت يابس مكسر . وتذروه الرياح أى تطيره فيصير كأن لم يكن .
[ 15 ]
من سرائها بطنا إلا منحته من ضرائها ظهرا ( 1 ) ولم تطله فيها ديمة رخاء إلا هتنت
عليه مزنة بلاء ( 2 ) وحري إذا أصبحت له متنصرة أن تمسى له متنكرة ، فإن
جانب منها اعذوذب لامرء واحلولى أمر عليه جانب فأوبي ، وإن لقى امرء من
غضارتها رغبا زودته من نوائبها تعبا ، ولا يمسي امرء منها في جناح أمن إلا أصبح في
خوافي خوف ( 3 ) غرارة غرور ما فيها ، فانية فان من عليها ، من أقل منها استكثر
مما يؤمنه ( 4 ) ومن استكثر منها لم يدم له وزال عما قليل عنه ، كم من واثق بها
قد فجعته ، وذي طمأنينة إليها قد صرعته ، وذي خدع قد خدعته ، وذي أبهة قد
صيرته حقيرا ، وذي نخوة قد صيرته خائفا فقيرا ، وذي تاج قد أكبته لليدين و
الفم . سلطانها دول ، وعيشها رنق ( 5 ) وعذبها اجاج ، وحلوها صبر ، وغذائها سمام
وأسبابها رمام ( 6 ) حيها بعرض موت وصحيحها بعرض سقم ، ومنيعها بعرض اهتضام
عزيزها مغلوب ، وملكها مسلوب ، وضيفها مثلوب ، وجارها محروب ( 7 ) ثم من وراء
* ( الهامش ) * ( 1 ) الحبرة بالفتح : النعمة . والعبرة : الدمعة . والسراء مصدر
بمعنى المسرة و
والضراء : الشدة . ويختص البطن بالسراء والظهر بالضراء لان الاقبال يكون بالاول كما
أن
الادبار بالثانى ، أولان الترس يكون بطنه اليك وظهره إلى عدوك .
( 2 ) الطل - بالفتح - : المطر الضعيف . والديمة - بالكسر - : مطر يدوم في سكون
بلا رعد وبرق . وهتنت أى انصبت . والحرى : الجدير والخليق .
( 3 ) الخوافى : ريشات من الجناح اذا ضم الطائر جناحيه خفيت . وفى المثل " ليس
القوادم كالخوافى " .
( 4 ) أى من أخذ القليل من متاعها أخذ الكثير مما يؤمنه .
( 5 ) الدولة - بالفتح - الانقلاب للزمان والجمع دول مثلثة . والرنق : الماء الكدر
.
( 6 ) السمام - بالكسر - جمع سم بالضم والفتح . والسبب في اصل الحبل الذى
يتوصل به إلى الماء ، ثم استعير لكل ما يتوصل به إلى الشئ . والرمم - بالكسر - جمع
رمة - بالضم - وهى قطعة جبل بالية .
( 7 ) المثلوب : الملوم ، وثلبه أى عابه ولامه . والمحروب : المسلوب ماله
[ 16 ]
ذلك هول المطلع ، وسكرات الموت والوقوف بين يدي الحكم العدل " ليجزي
الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى " .
ألستم في منازل من كان أطول منكم أعمارا وآثارا ، وأعد منكم عديدا ، و
أكثف جنودا ( 1 ) وأشد منكم عتودا ، تعبدوا الدنيا أي تعبد ، وآثروها أي إيثار
ثم ظعنوا عنها بالصغار .
فهل بلغكم أن الدنيا سخت لهم بفدية ، أو أغنت عنهم فيما قد أهلكهم من
خطب ، بل قد أوهنتهم بالقوارع ( 2 ) وضعضعتهم بالنوائب ، وعفرتهم للمناخر ، و
أعانت عليهم ريب المنون ( 3 ) فقد رأيتم تنكرها لمن دان لها وأخلد إليها ، حتى
ظعنوا عنها لفراق أمد إلى آخر المستند ، هل أحلتهم إلا الضنك ؟ أو زودتهم إلا
التعب ؟ أو نورت لهم إلا الظلم ، أو أعقبتهم إلا النار ، فهذه تؤثرون ؟ أم على هذه
تحرصون ؟ إلى هذه تطمئنون ؟ يقول الله جل من قائل : " من كان يريد الحيوة الدنيا
وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * اولئك الذين ليس لهم في
الاخرة
إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون " ( 4 ) .
فبئست الدار لمن لايتهمها وإن لم يكن فيها على وجل منها ، إعلموا وأنتم
لا تعلمون أنكم تار كواها لابد ( 5 ) فانما هي كما نعتها الله تعالى " لهو ولعب "
واتعظوا
* ( الهامش ) * ( 1 ) أى أكثر جنودا .
( 2 ) القوارع جمع القارعة وهى الداهية .
( 3 ) أى سلطته عليهم وريب المنون : صروف الدهر . ( 4 ) هود : 18 و 19 .
( 5 ) لعل العلم المأمور به هو اليقين المستتبع وهو العمل أى أيقنوا بأنكم ستتر
كونها
وترتحلون عنها وأنتم تعلمون ذلك لكن علما لا يترتب عليه الاثر . ويحتمل أن يكون
المعنى
اعلموا ذلك وأنتم من أهل العلم وشأنكم المعرفة وتمييز الخير من الشر .
( 6 ) أى يبنون بكل مكان مرتفع علما للمارة للعبث بمن يمر عليهم او قصورا يفتخرون
بها ، والمصانع جمع المصنع : مأخذ الماء ، وقيل قصور مشيدة وحصونا .
[ 17 ]
بالذين كانوا يبنون بكل ريع آية تعبثون ويتخذون مصانع لعلهم يخلدون ( 1 ) و
اتعظوا بالذين قالوا : " من أشد منا قوة " واتعظوا باخوانكم الذين نقلوا إلى
قبورهم لا يدعون ركبانا ، قد جعل لهم من الضريح أكنانا ومن التراب أكفانا ومن
الرفات جيرانا ، فهم جيرة لا يجيبون داعيا ، ولا يمنعون ضيما ( 2 ) قد بادت أضغانهم
فهم كمن لم يكن وكما قال الله عزوجل " فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم
إلا قليلا وكنا نحن الوارثين " ( 3 ) استبدلوا بظهر الارض بطنا ، وبالسعة ضيقا ،
وبالاهل
غربة ، جاؤوها كما فارقوها بأعمالهم إلى خلود الابد كما قال عز من قائل " كما
بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين " ( 4 ) .
74 - وقال ( 5 ) أيها الذام للدنيا أنت المتجرم عليها أم هي المتجرمة عليك ( 6 )
فقال قائل من الحاضرين بل أنا المجترم عليها يا أمير المؤمنين فقال له : فلم ذممتها
؟
أليست دار صدق لمن صدقها ، ودار غنى لمن تزود منها ، ودار عافية لمن فهم عنها ؟
مسجد أحبائه ، ومصلى أنبيائه ، ومهبط الملائكة ، ومتجر أوليائه ، اكتسبوا فيها
الطاعة ، وربحوا فيها الجنة ، فمن ذا يذمها ؟ وقد آذنت بانتهائها ، ونادت بانقضائها
وأنذرت ببلائها ، فان راحت بفجيعة فقد غدت بمبتغى ، وإن أعصرت بمكروه فقد أسفرت
بمشتهى ( 7 ) ذمها رجال يوم الندامة ، ومدحها آخرون ، حدثتهم فصدقوا ،
وذكرتهم فتذكروا .
فيا أيها الذام لها ، المغتر بغرورها متى غرتك ؟ أم متى استذمت إليك أبمصارع
* ( الهامش ) * ( 1 ) الريع : المكن المرتفع . و " آية " أى علما للمارة ببنهائها .
( 2 ) الضيم : الظلم والتعدى . والضغن : الجقد ، الناحية ، الحضن ، الميل .
( 3 ) القصص : 58 .
( 4 ) الانبياء : 104 .
( 5 ) مطالب السؤول ص 51 .
( 6 ) تجرم على فلان اذا ادعى على ذنبا لم أفعله .
( 7 ) أعصرت : دخلت في العصر . وأسفر الصبح أى أضاء وأشرق .
[ 18 ]
آبائك من البلى ؟ أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى ؟ كم عللت بيديك ومرضت ؟
وأذاقتك شهدا وصبرا ؟ فان ذممتها لصبرها فامدحها لشهدها وإلا فاطرحها لامدح ولا
ذم ، فقد مثلت لك نفسك حين ما يغني عنك بكاؤك ولا يرحمك أحباؤك .
75 - وقال عليه السلام : إن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع ، وإن الاخرة قد أقبلت
وآذنت باطلاع ( 1 ) ألا وإن المضمار اليوم والسباق غدا ، ألا وإن السبقة الجنة
والغاية النار . ألا وإنكم في أيام مهل ، من ورائه أجل يحثه عجل ، فمن عمل في
أيام مهله قبل حلول أجله نفعه عمله ولم يضره أمله ، ومن لم يعمل أيام مهله قبل
حضور أجله ضره أمله ولم ينفعه عمله ، ولو عاش أحدكم ألف عام كان الموت بالغه ،
ونحبه لاحقه ( 2 ) فلا تغرنكم الاماني . ولا يغرنكم بالله الغرور ، وقد كان قبلكم
لهذه الدنيا سكان ، شيدوا فيها البنيان ، ووطنوا الاوطان ، أضحت أبدانهم ( 3 )
في قبورهم هامدة ، وأنفسهم خامدة ، فتلهف المفرط منهم على ما فرط يقول : يا ليتني
نظرت لنفسي ، ياليتني كنت أطعت ربي .
76 - وقال عليه السلام : إن الدنيا ليست بدار قرار ، ولا محل إقامة ، إنما أنتم
فيها كركب عرسوا وارتاحوا ( 4 ) ثم استقلوا فغدوا وراحوا ، دخلوها خفافا ، و
ارتحلوا عنها ثقالا ، فلم يجدوا عنها نزوعا ، ولا إلى ما تركوا بها رجوعا ، جد بهم
فجدوا ، وركنوا إلى الدنيا فما استعدوا ، حتى اخذ بكظمهم ، ورحلوا إلى دار
* ( الهامش ) * ( 1 ) آذنت أى أعلمت والايذان الاعلام . والاطلاع : الاشراف من مكان
عال والمقبل
على الانحدار أحرى بالوصول . والمضمار : مدة تضمير الفرس وموضعه أيضا وهو ان تعلفه
حتى يسمن ثم ترده إلى القوت وذلك في أربعين يوما . والسباق المسابقة .
( 2 ) النحب : الموت والاجل .
( 3 ) في المصدر " أصبحت أبدانهم " .
( 4 ) عرس القوم تعريسا : نزلوا في السفر للاستراحة ثم ارتحلوا . وارتاحوا أى نشطوا
وسروا واستراحوا ، ولعل الصواب " فأنا خوا " . واستقل القوم : ارتحلوا .
[ 19 ]
قوم لم يبق من أكثرهم خبر ولا أثر ، قل في الدنيا لبثهم ، وأعجل بهم إلى الاخرة
بعثهم ، وأصبحتم حلولا في ديارهم ، وظاعنين على آثارهم ، والمنايا بكم تسير سيرا
مافيه أين ولا بطوء ، نهاركم بأنفسكم دؤوب ( 1 ) وليلكم بأرواحكم ذهوب ، وأنتم
تقتفون من أحوالهم حالا ، وتحتذون من أفعالهم مثالا ، فلا تغرنكم الحياة الدنيا
فانما أنتم فيها سفر حلول ، والموت بكم نزول ، فتلتضل فيكم مناياه ، وتمضي بكم
مطاياه ، إلى دار الثواب والعقاب ، والجزاء والحساب ، فرحم الله من راقب ربه ، و
خاف ذنبه ، وجانب هواه ، وعمل لاخرته ، وأعرض عن زهرة الحياة الدنيا .
77 - وقال عليه السلام : كأن قد زالت عنكم الدنيا كما زالت عمن كان قبلكم
فأكثروا عباد الله اجتهادكم فيها بالتزود من يومها القصير ليوم الاخرة الطويل .
فإنها دار العمل ، والدار الاخرة دار القرار والجزاء ، فتجافوا عنها فان المغتر من
اغتربها ، لن تعد الدنيا إذا تناهت إليها امنية أهل الرغبة فيها ، المطمئنين إليها
المغترين بها أن تكون كما قال الله تعالى : ( 2 ) " كماء أنزلناه من السماء فاختلط
به
نبات الارض مما يأكل الناس والانعام " ألا إنه لم يصب امرء منكم من هذه الدنيا
حبرة إلا أعقبتها عبرة ، ولا يصبح امرء في حياة إلا وهو خائف منها أن تؤول جائحة
أو تغير نعمه أو زوال عافيته ، والموت من وراء ذلكم ، وهول المطلع ، والوقوف بين
يدي الحكم العدل لتجزى كل نفس بما كسبت ويجزي الذين أساؤوا بما عملوا
ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى .
78 - وقال عليه السلام : مالكم والدنيا فمتاعها إلى انقطاع ، وفخرها إلى
وبال ، وزينتها إلى زوال ، ونعيمها إلى بؤس ، وصحتها إلى سقم أو هرم ، ومآل
ما فيها إلى نفاد وشيك ( 3 ) وفناء قريب ، كل مدة فيها إلى منتهى ، وكل حي فيها
إلى مقارنة البلى ، أليس لكم في آثار الاولين وآبائكم الماضين عبرة وتبصرة إن
كنتم تعقلون ، ألم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون ، وإلى الخلف الباقين ، منكم
* ( الهامش ) * ( 1 ) الاين : الحين ، والتعب والمشقة والاعياء . والدؤوب : الجدو
التعب .
( 2 ) يونس : 26 .
( 3 ) الوشيك السريع .
[ 20 ]
لا يبقون ، أولستم ترون أهل الدنيا يمسون ويصبحون على أحوال شتى ميت يبكى
وآخر يعزى ، وصريع مبتلى ، وعايد يعود ، ودنف بنفسه يجود ( 1 ) وطالب للدنيا
والموت يطلبه ، وغافل وليس بمغفول عنه ، على أثر الماضي يمضى الباقي وإلى الله
عاقبة الامور .
79 - وقال عليه السلام : انظروا إلى الدنيا نظر الزاهدين فيها فإنها عن قليل
تزيل الساكن وتفجع المترف ( 2 ) فلا تغرنكم كثرة ما يعجبكم فيها لقلة ما يصحبكم
منها ، فرحم الله امرءا تفكر واعتبر ، وأبصر إدبار ما قد أدبر ، وحضور ما قد حضر
فكان ما هو كائن من الدنيا عن قليل لم يكن ، وكأن ما هو كائن من الآخرة لم يزل
وكل ما هو آت قريب ، فكم من مومل مالا يدركه ، وجامع مالا يأكله ، ومانع
مالا يتركه ، ولعله من باطل جمعه ، أو حق منعه ، أصابه حراما ، وورثه عدوانا ،
فاحتمل ما ضره ، وباء بوزره ( 3 ) وقدم على ربه آسفالا لاهفا خسر الدنيا والاخرة
وذلك هو الخسران المبين .
80 - وقال عليه السلام : الدنيا مثل الحية لين مسها ، قاتل سمها فأعرض عما
يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها ، وكن آنس ما يكون إليها أوحش ما تكون منها ( 4 )
فإن صاحبها كلما اطمئن منها ، إلى سرور أشخصته إلى مكروه ، فقد يسر المرء
بما لم يكن ليفوته وليحزن لفوات مالم يكن ليصيبه أبدا وإن جهد ، فليكن سرورك
بما قدمت من عمل أو قول ، ولتكن أسفك على ما فرطت فيه من ذلك ، ولا تكن
* ( الهامش ) * ( 1 ) الصريع : المطروح على الارض . والدنف : المريض . وجاد بنفسه
أى سمح بها
عند الموت فكانه يدفعها كما يدفع الانسان ماله .
( 2 ) المترف - كمكرم - : المتروك بنعمته يصنع فيها ما يشاء ولا يمنع .
( 3 ) باء يبوء اليه : رجع وباء بالحق أو بالذنب : أقر .
( 4 ) آنس حال و " ما " مصدرية وخبر كان احذر اى كن حال انسك بها أحذر اكوانك
منها . وقوله " فان صاحبها - الخ " أى ان سكون صاحبها الي اللذة بها مستلزم العذاب
المكروه
في الاخرة .
[ 21 ]
على ما فاتك من الدنيا حزينا ، وما أصابك منها فلا تنعم به سرورا ، واجعل همك
لما بعد الموت فإن ماتوعدون لات .
81 - وقال عليه السلام ( 1 ) : انظروا إلى الدنيا نظر الزاهدين فيها فانها والله
عن قليل تشقي المترف ، وتحرك الساكن ، وتزيل الثاوي ( 2 ) صفوها مشوب
بالكدر ، وسرورها منسوج بالحزن ، وآخر حياتها مقترن بالضعف ، فلا يعجبنكم
ما يغركم منها ، فعن كثب تنقلون عنها ( 3 ) وكلما هو آت قريب ، و " هناك تبلو كل
نفس ما أسلفت وردوا إلى الله موليهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون " ( 4 ) .
82 - وقال عليه السلام : احذركم الدنيا فإنها ليست بدار غبطة ، قد تزينت
بغرورها ، وغرت بزينتها لمن كان ينظر إليها ، فاعرفوها كنه معرفتها فإنها دار
هانت على ربها ، قد اختلط حلالها بحرامها ، وحلوها بمرها ، وخيرها بشرها ،
ولم يذكر الله شيئا اختصه منها لاحد من أوليائه ولا أنبيائه ، ولم يصرفها من أعدائه
،
فخيرها زهيد ، وشرها عتيد ( 5 ) وجمعها ينفد ، وملكها يسلب ، وعزها يبيد .
فالمتمتعون من الدنيا تبكي قلوبهم وإن فرحوا ، ويشتد مقتهم لانفسهم وإن
اغتبطوا ببعض مارزقوا ، الدنيا فانية لا بقاء لها ، والاخرة باقية لا فناء لها ،
الدنيا
مقبلة ، والاخرة ملجأ الدنيا ، وليس للاخرة منتقل ولا منتهى ، من كانت الدنيا همه
اشتد لذلك غمه ، ومن آثر الدنيا على الاخرة حلت به الفاقرة ( 6 ) .
* ( الهامش ) * ( 1 ) مطالب السؤول ص 52 .
( 2 ) الثاوى هو الذى قام في مكان .
( 3 ) الكثب : القرب ، يقال : رماه من كثب أو عن كثب أى رماه اذكان قريبا منه .
( 4 ) أى في ذلك المقام تختبر كل نفس ما قدمت من عمل . وقوله تعالى : " ردوا
إلى الله " أى إلى جزائه ، وقوله " ضل عنهم " أى بطل وهلك عنهم ما كانوا يدعونه
افتراء
على الله سبحانه .
( 5 ) العتيد : الحاضر المهيأ .
( 6 ) الفاقرة : الداهية الشديدة .
[ 22 ]
83 - وقال عليه السلام : إنما الدنيا دار فناء وعناء وغير وعبر ، فمن فنائها أنك
ترى الدهر موتر قوسه ، مفوق نبله ، يرمي الصحيح بالسقيم ، والحي بالميت و
البرئ بالمتهم ، ومن عنائها أنك ترى المرء يجمع مالا يأكل ، ويبني مالا يسكن
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 71 من صفحة 22 سطر 4 إلى صفحه 30 سطر 4
ويأمل مالا يدرك ، ومن غيرها أنك ترى المرحوم مغبوطا والمغبوط مرحوما ، ليس
بينهم إلا نعيم زال أو مثلة حلت أو موت نزل ، ومن عبرها أن المرء يشرف عليه
أمله حتى يختطفه دونه أجله .
84 - وقال عليه السلام : اجعل الدنيا شوكا وانظر أين تضع قدمك منها فإن
من ركن إليها خذلته ، ومن أنس فيها أوحشته ، ومن يرغب فيها أوهنته ، ومن
انقطع إليها قتلته ، ومن طلبها أرهقته ، ومن فرح بها أترحته ( 1 ) ومن طمع فيها
صرعته ، ومن قدمها أخرته ، ومن ألزمها هانته ، ومن آثرها باعدته من الاخرة
ومن بعد من الاخرة قرب إلي النار ، فهي دار عقوبة وزوال وفناء وبلاء ، نورها ظلمة
وعيشها كدر ، وغنيها فقير ، وصحيحها سقيم ، وعزيزها ذليل ، فكل منعم برغدها
شقي ، وكل مغرور بزينتها مفتون ، وعند كشف الغطاء يعظم الندم ، ويحمد الصدر
أو يذم .
85 - وقال عليه السلام يأتي على الناس زمان لا يعرف فيه إلا الماحل ولا يظرف
فيه إلا الفاجر ( 2 ) ولا يؤتمن فيه إلا الخائن ، ولا يخون إلا المؤتمن ، يتخذون
الفئ مغنما ، والصدقة مغرما ، وصلة الرحم منا ، والعبادة استطالة على الناس وتعديا
وذلك يكون عند سلطان النساء ، ومشاورة الاماء ، وإمارة الصبيان .
86 - وقال عليه السلام : احذروا الدنيا إذا أمات الناس الصلاة ، وأضاعوا
الامانات ، واتبعوا الشهوات ، واستحلوا الكذب ، وأكلوا الربا ، وأخذوا الرشى
وشيدوا البناء ، واتبعوا الهوى ، وباعوا الدين بالدنيا ، واستخفوا بالدماء
وركنوا إلى الرياء ، وتقاطعت الارحام ، وكان الحلم ضعفا ، والظلم فخرا
* ( الهامش ) * ( 1 ) الارهاق أن يحمل الانسان على مالا يطيقه . وأترحه أى أحزنه .
( 2 ) الماحل : الساعى إلى السلطان . ولا يظرف أى لا ينسب إلى الظرافة .
[ 23 ]
والامراء فجرة ، والوزراء كذبة ، والامناء خونة ، والاعوان ظلمة ، و
القراء فسقة ، وظهر الجور ، وكثر الطلاق وموت الفجأة ، وحليت المصاحف ،
وزخرفت المساجد ، وطولت المنابر ، ونقضت العهود ، وخربت القلوب ، و
استحلوا المعازف ، وشربت الخمور ، وركبت الذكور ، واشتغل النساء وشار كن
أزواجهن في التجارة حرصا على الدنيا ، وعلت الفروج السروج ، ويشبهن
بالرجال ، فحينئذ عدوا أنفسكم في الموتى ، ولا تغرنكم الحياة الدنيا فإن الناس
اثنان بر تقي وآخر شقي ، والدار داران لا ثالث لهما ، والكتاب واحد لا يغادر صغيرة
ولا كبيرة إلا أحصاها ، ألا وإن حب الدنيا رأس كل خطيئة ، وباب كل بلية
ومجمع كل فتنة ، وداعية كل ريبة ، الويل لمن جمع الدنيا وأورثها من لا يحمده ، وقدم
على من لا يعذره ، الدنيا دار المنافقين ، وليست بدار المتقين ، فلتكن حظك من
الدنيا
قوام صلبك ، وإمساك نفسك ، وتزود لمعادك .
87 - وقال عليه السلام : يا دنيا يا دنيا أبي تعرضت ، أم إلي تشوقت ، هيهات
هيهات غري غيري قد بتتك ثلاثة ، لا رجعة لي فيك ، فعمرك قصير ، وعيشك حقير
وخطرك كبير ، آه من قلة الزاد ، ووحشة الطريق .
88 - وقال عليه السلام : احذروا الدنيا فإن في حلالها حساب وفي حرامها عقاب
وأولها عناء وآخرها فناء ، من صح فيها هرم ، ومن مرض فيها ندم ، ومن استغنى
فيها فتن ، ومن افتقر فيها حزن ، ومن أتاها فاتته ، ومن بعد عنها أتته ، ومن نظر
إليها أعمته ، ومن بصر بها بصرته ، إن أقبلت غرت ، وإن أدبرت ضرت .
89 - في وصفه المؤمنين ( 1 ) قال عليه السلام ، المؤمنون هم أهل الفضائل
هديهم السكوت ، وهيئتهم الخشوع ، وسمتهم التواضع ( 2 ) خاشعين ، غاضين أبصارهم
عما حرم الله عليهم ، رافعين أسماعهم إلى العلم ، نزلت أنفسهم منهم في البلاء كما
نزلت
في الرخاء ، لولا الاجال التي كتبت عليهم لم تستقر أرواحهم في أبدانهم طرفة
* ( الهامش ) * ( 1 ) مطالب السؤول ص 53 .
( 2 ) الهدى - بالفتح - : الطريقة والسيرة . والسمت : هيئه أهل الخير .
[ 24 ]
عين ، شوقا إلى الثواب وخوفا من العقاب ، عظم الخالق في أنفسهم وصغر مادونه في
أعينهم ، فهم كأنهم قد رأوا الجنة ونعيمها والنار وعذابها ، فقلوبهم محزونة
وشرورهم مأمونة ، وحوائجهم خفيفة ، وأنفسهم ضعيفة ، ومعونتهم لاخوانهم عظيمة
اتخذوا الارض بساطا ، وماءها طيبا ، ورفضوا الدنيا رفضا ، وصبروا أياما قليلة
فصارت عاقبتهم راحة طويلة ، تجارتهم مربحة ، يبشرهم بها رب كريم ، أرادتهم
الدنيا فلم يريدوها ، وطلبتهم فهربوا منها .
أما الليل فأقدامهم مصطفة ( 1 ) يتلون القرآن يرتلونه ترتيلا ، فإذا مروا
بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا ، وتطلعت أنفسهم تشوقأ ( 2 ) فيصيرونها نصيب
أعينهم
وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها بقلوبهم وأبصارهم ، فاقشعرت منها جلودهم
ووجلت قلوبهم خوفا وفرقا ( 3 ) نحلت لها أبدانهم ، وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها
وصلصلة حديدها في آذانهم ، مكبين على وجوههم وأكفهم ، تجري دموعهم على
خدودهم . يجأرون إلى الله تعالى في فكاك رقابهم .
وأما النهار فعلماء أبرار أتقياء ، قد براهم الخوف فهم أمثال القداح ( 4 ) إذا
نظر إليهم الناظر يقول بهم مرض ، وما بهم مرض ، ويقول قد خولطوا وماخولطوا ( 5 )
إذا ذكروا عظمة الله وشدة سلطانه وذكروا الموت وأهوال القيامة وجفت قلوبهم
* ( الهامش ) * ( 1 ) اصطف القوم : قاموا صفوفا .
( 2 ) التطلع إلى الشئ : الاستشراف له والانتظار لوروده .
( 3 ) الفرق - بالتحريك - : الخوف . ونحلت أى هزلت وضعفت .
( 4 ) برى السهم نحته . والقداح جمع قدح بالكسر فيهما وهو السهم قبل أن يراش
وينصل وهو كناية عن نحاقة البدن وضعف الجسد .
( 5 ) خولط فلان في عقله اذا اختل عقله وصار مجنونا . وخالطه اذا مازجه والمعنى
كما قاله بعض شراح النهج يظن الناظر بهم الجنون وما بهم من جنة بل مازج قلوبهم أمر
عظيم
وهو الخوف فتولهوا لاحله .
[ 25 ]
وطاشت حلومهم وذهلت عقولهم ( 1 ) فاذا استفاقوا من ذلك بادروا إلى الله بالاعمال
الزاكية ، لا يرضون بالقليل ، ولا يستكثرون الكثير ، فهم لانفسهم متهمون ، ومن
أعمالهم مشفقون ، إن زكي أحدهم خاف الله وغايلة التزكية ( 2 ) قال : وأنا أعلم
بنفسي من غيري وربي أعلم بي مني ، اللهم لا تؤاخذني بما يقولون ، واجعلني
كما يظنون ، واغفرلي مالا يعلمون .
ومن علامات أحدهم أن يكون له حزم في لين ، وإيمان في يقين ، وحرص
في تقوى ، وفهم في فقه ، وحلم في علم ، وكيس في رفق ، وقصد في غنى ، وخشوع في عبادة
وتحمل في فاقة ، وصبر في شدة وإعطاء في حق ، وطلب لحلال ، ونشاط في
هدى ، وتحرج عن طمع ، وتنزه عن طبع ، وبر في استقامة ، واعتصام بالله من
متابعة الشهوات ، واستعاذة به من الشيطان الرجيم ، يمسي وهمه الشكر ، ويصبح
وشغله الفكر ( 3 ) اولئك الامنون المطمئنون الذين يسقون من كأس لا لغو فيها
ولا تأثيم ( 4 )
90 - وقال عليه السلام : المؤمنون هم الذين عرفوا أمامهم ، فذبلت شفاههم
وغشيت عيونهم ، وشحبت ألوانهم ( 5 ) حتى عرفت في وجوههم غبرة الخاشعين . فهم
عبادالله الذين مشوا على الارض هونا ، واتخذوها بساطا ، وترابها فراشا ، فرفضوا
الدنيا وأقبلوا على الاخرة على منهاج المسيح بن مريم ، إن شهدوا لم يعرفوا ، وإن
غابوا لم يفتقدوا ، وإن مرضوا لم يعادوا ، صوام الهواجر ، قوام الدياجر ( 6 )
* ( الهامش ) * ( 1 ) وجف الشئ اضطرب ، والقلب : خفق . وطاش أى ذهب عقله . والحلوم
جمع
حلم وهو العقل . والذهول . النيسان والغيبة .
( 2 ) الغائلة الداهية والفساد والمهلكة . وغائلة التزكية عطف على " الله " يعنى
خاف
الله أولا وغائلة التزكية ثانيا .
( 3 ) في بعض النسخ " يمسى وهمته الشكر ويصبح وشغله الذكر " .
( 4 ) أثمه من باب التفعيل نسبه إلى الاثم .
( 5 ) شحبت لونه : تغير من جوع أو مرض ونحوهما .
( 6 ) الهواجر جمع الهاجرة وهى شدة حرارة النهار . والديجور : الظلام .
[ 26 ]
يضمحل عندهم كل فتنة ، وينجلي عنهم كل شبهة ، اولئك أصحابي فاطلبوهم في
أطراف الارضين ، فإن لقيتم منهم أحدا فاسألوه أن يستغفر لكم .
- 91 وقال عليه السلام ( 1 ) : شيعتنا المتباذلون في ولايتنا ، المتحابون في مودتنا
المتوازرون في أمرنا ، الذين إن غضبوا لم يظلموا ، وإن رضوا لم يسرفوا ، بركة على
من جاوروه ، سلم لمن خالطوه ، اولئك هم السائحون الناحلون ، الزابلون ،
ذابلة شفاههم ، خميصة بطونهم ( 2 ) متغيرة ألوانهم ، مصفرة وجوههم كثير بكاؤهم
جارية دموعهم . يفرح الناس ويحزنون ، وينام الناس ويسهرون ، إذا شهدوا لم
يعرفوا ، وإذا غابوا لم يفتقدوا ، وإذا خطبوا الابكار لم يزوجوا ، قلوبهم محزونة
وشرورهم مأمونة ، وأنفسهم عفيفة ، وحوائجهم خفيفة ، ذبل الشفاه من العطش
خمص البطون من الجوع ، عمش العيون من السهر ، الرهبانية عليهم لايحة ، والخشية
لهم لازمة ، كلما ذهب منهم سلف خلف في موضعه خلف ، اولئك الذين يردون القيامة
وجوههم كالقمر ليلة البدر . تغبطهم الاولون والاخرون ، ولا خوف عليهم ولا
يحزنون .
92 - وقال عليه السلام : المؤمن يرغب فيما يبقى ويزهذ فيما يفنى ، يمزج الحلم
بالعلم ، والعلم بالعمل ، بعيد كسله ، دائم نشاطه ، قريب أمله ، حي قلبه ، ذاكر
لسانه ، لا يحدث بما لا يؤتمن عليه الاصدقاء ، ولا يكتم شهادة الاعداء ، لا يعمل
شيئا من الخير رياء ولا يتركه حياء ، الخير منه مأمول ، والشر منه مأمون ، إن كان
في الذاكرين لم يكتب في الغافلين ، وإن كان في الغافلين كتب في الذاكرين ، ويعفو
عمن ظلمه ، ويعطي من حرمه ، ويصل من قطعه ، ويحسن إلى من أساء إليه ، لا يعزب
حلمه ، ولا يعجل فيما يريبه ، بعيد جهله ، لين قوله ، قريب معروفه ، غائب منكره
صادق كلامه ، حسن فعله مقبل خيره ، مدبر شره ، في الزلازل وقور ، وفي المكاره
* ( الهامش ) * ( 1 ) مطالب السؤول ص 53 .
( 2 ) نحل جسمه أى سقم ، والناحل الرقيق الجسم من مرض أو تعب . وذبل النبات :
قل ماؤه وذهبت نضارته . والذبل : اليابسة الشفه . والخميصة أى الضامرة .
[ 27 ]
صبور ، وفي الرخاء شكور ، لا يحيف على من يبغض ، ولا يأثم فيمن يحب ، ولا
يدعي ما ليس له ، ولا يجحد حقا عليه ، يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه ، ولا
يضيع ما استحفظ ، ولا يرغب فيما لا تدعوه الضرورة إليه ، لا يتنابز بالالقاب ، ولا
يبغي على أحد ، ولا يهزء بمخلوق ، ولا يضار بالجار ، ولا يشمت بالمصائب ، مؤدب
بأداء الامانات ، مسارع إلى الطاعات ، محافظ على الصلوات ، بطئ في المنكرات .
لا يدخل على الامور بجهل ، ولا يخرج ، عن الحق بعجز ، إن صمت فلا
يغمه الصمت ، وإن نطق لا يقول الخطأ ، وإن ضحك فلا تعلو صوتع سمعه ، ولا
يجمح به الغضب ( 1 ) ولا تغلبه الهوى ، ولا يقهره الشح ، ولا تملكه الشهوة ، يخالط
الناس ليعلم ، ويصمت ليسلم ، ويسأل ليفهم ، ينصت إلى الخير ليعمل به ، ولا يتكلم
به ليفخر على ماسواه ، نفسه منه في عناء والناس منه في راحة ، يتعب نفسه لاخرته
ويعصي هواه لطاعة ربه ، بعده عمن تباعد منه نزاهة ، ودنوه ممن دنا منه لين
ورحمة ، ليس بعده بكبر ، والاقربه خديعة ، مقتدبمن كان قبله من أهل الايمان ،
إمام لمن بعده من البررة المتقين .
93 - وقال عليه السلام : طوبى للزاهدين في الدنيا ، الراغبين في الاخرة ، اولئك
قوم اتخذوا أرض الله مهادا ، وترابها وسادا ، وماءها طيبا ، وجعلوا الكتاب شعارا
والدعاء دثارا ، وإن الله أوحى إلى عبده المسيح عليه السلام أن قل لبني إسرائيل لا
تدخلوا
بيتا من بيوتي إلا بقلوب طاهرة ، وأبصار خاشعة ، وأكف نقية ، وأعلمهم أني
لا اجيب لاحد منهم دعوة ، ولاحد من خلقي قبله مظلمة .
94 - وقال عليه السلام : المؤمن وقور عند الهزاهز ، ثبوت عند المكاره ، صبور
عند البلاء ، شكور عند الرخاء ، قانع بما رزقه الله ، لا يظلم الاعداء ، ولا يتحامل
للاصدقاء ( 2 ) ، الناس منه راحة ونفسه منه في تعب ، العلم خليله ، والعقل قرينه
* ( الهامش ) * ( 1 ) جمح الفرس : تغلب على راكبه ولا ينقاد له .
( 2 ) أى لا يحتمل الوزر لاجلهم ، أو يتحمل عنهم مالا يطيق الاتيان به من الامور
المشاقة فيعجز عنها .
[ 28 ]
والحلم وزيره ، والصبر أميره ، والرفق أخوه ، واللين والده .
95 - وقوله عليه السلام لنوف البكالي : أتدري يانوف من شيعتي ؟ قال : لا والله ،
قال :
شيعتي الذبل الشفاه ، الخمص البطون ، الذين تعرف الرهبانية في وجوههم ، رهبان
بالليل ، أسد بالنهار ، الذين إذا جنهم الليل ائتزروا على أو ساطهم ، وارتدوا
على أطرافهم ( 1 ) وصفوا أقدامهم ، وافترشوا جباههم ، تجري دموعهم على خدودهم
يجأرون إلى الله في فكاك أعناقهم ( 2 ) وأما النهار فحلماء علماء كرام نجباء أبرار
أتقياء ، يا نوف شيعتي من لم يهر هرير الكلب ، ولم يطمع طمع الغراب ، ولم يسأل
الناس ولو مات جوعا ، إن رأى مؤمنا أكرمه ، وإن رأى فاسقأهجره ، هؤلاء
والله شيعتي .
96 - قال نوف : عرضت لي حاجة إلى أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
فاستتبعت إليه جندب بن زهير والربيع بن خثيم وابن أخيه همام بن عبادة بن
خثيم وكان من أصحاب البرانس المتعبدين فأقبلنا إليه فألفيناه حين خرج يؤم المسجد
فأفضى ونحن معه إلى نفر متدينين قد أفاضوا في الاحدوثات تفكها وهم يلهى بعضهم
بعضا ، فأسرعوا إليه قياما وسلموا عليه ، فرد التحية ، ثم قال : من القوم ؟ فقالوا
اناس من شيعتك يا أميرالمؤمنين ، فقال لهم : خيرا ، ثم قال : يا هؤلاء مالي لا
أرى فيكم سمة شيعتنا ، وحلية أحبتنا ؟ ! فأمسك القوم حياء ، فأقبل عليه جندب
والربيع فقالا له : ماسمة شيعتك يا أمير المؤمنين ؟ فسكت فقال همام - كان عابدا
مجتهدا - أسألك بالذي أكرمكم أهل البيت وخصكم وحباكم لما أنبأتنا بصفة
شيعتك ؟ فقال : لا تقسم فسأنبئكم جميعا ووضع يده على منكب همام وقال :
* ( الهامش ) * ( 1 ) أى يشدون المئزر على وسطهم احتياطا لستر العورة فانهم كانوا
لا يلبسون
السراويل أو المراد شد الوسط بالازار كالمنطقة ليجمع الثياب . وقيل هو كناية عن
الاهتمام
في العبادة . ( قاله المؤلف ) وقوله " وارتدوا على أطرافهم " أى يلبسون الرداءة أو
يشدونها
على أطرافهم ويشتملون بها .
( 2 ) جأر إلى الله : تضرع ورفع صوته بالبكاء .
[ 29 ]
شيعتناهم العارفون بالله ، العاملون بأمر الله ، أهل الفضائل ، الناطقون بالصواب
مأكولهم القوت ، وملبسهم الاقتصاد ، ومشيهم التواضع ، بخعوا لله تعالى بطاعته ( 1 )
وخضعوا له بعبادته ، فمضوا غاضين أبصارهم عما حرم الله عليهم ، واقفين أسماعهم
على العلم بدينهم ، نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت منهم في الرخاء ، رضوا
عن الله تعالى بالقضاء ، فلولا الاجال التي كتب الله تعالى لهم لم تستقر أرواحهم
في أبدانهم طرفة عين ، شوقا إلى لقاءالله والثواب ، وخوفا من أليم العقاب ، عظم
الخالق
في أنفسهم وصغر مادونه في أعينهم ، فهم والجنة كمن رآها فهم على أرائكها متكئون .
وهم والنار كمن رآها فهم فيها معذبون ، صبروا أياما قليلة ، فأعقبتهم راحة
طويلة ، أرادتهم الدنيا فلم يريدوها ، وطلبتهم فأعجزوها ، أما الليل فصافون
أقدامهم تالون لاجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا ، يعظون أنفسهم بأمثاله ، ويستشفون
لدائهم بدوائه تارة ، وتارة يفترشون جباههم وأنفسهم وركبهم وأطراف أقدامهم تجري
دموعهم على خدودهم ، يمجدون جبارا عظيما ويجأرون إليه في فكاك أعناقهم ، هذا
ليلهم ، وأما نهارهم فحلماء علماء بررة أتقياء ، براهم خوف باريهم ( 2 ) فهم
كالقداح
تحسبهم مرضى وقد خولطوا وما هم بذلك ، بل خامرهم من عظمة ربهم ، وشدة
سلطانه ماطاشت له قلوبهم ، وذهلت منه عقولهم ، فإذا اشتاقوا من ذلك بادروا إلى
الله تعالى بالاعمال الزكية ، لا يرضون له بالقليل ، ولا يستكثرون له الجزيل
فهم لانفسهم متهمون ، ومن أعمالهم مشفقون .
يرى لاحدهم قوة في دين ، وحزما في لين ( 3 ) وإيمانا في يقين ، وحرصا على
* ( الهامش ) * ( 1 ) بخع نفسه - بتقديم الباء على الخاء المعجمة المفتوحة - :
أنهكها وكاد يهلكها
من غم أو غضب . وبخع - بكسر الخاء - بالحق : أقر وأذعن .
( 2 ) أى نحتهم خوف ربهم ، فانما يخشى الله من عباده العلماء . والقداح جمع القدح
بالكسر فيهما : السهم .
( 3 ) الحزم في اللين أن يكون لبنه حزما وفى موضعه ، لا عن مهانة وذلة .
[ 30 ]
علم ، وفهما في فقه ، وعلما في حلم ، وكيسا في قصد ، وقصدا في غنى ، وتجملا في
فاقة ، وصبرا في شدة ، وخشوعا في عبادة ، ورحمة في مجهود ، وإعطاء في حق
ورفقا في كسب ، وطلبا من حلال وتعففا في طمع ، وطمعا في غير طبع ، ونشاطا في
هدى ، واعتصاما في شهوة ، وبرا في استقامة ، لا يغره ما جهله ، ولا يدع إحصاء
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 71 من صفحة 30 سطر 5 إلى صفحه 38 سطر 5
ما عمله ، يستبطئ نفسه في العمل وهو من صالح عمله على وجل ، يصبح وشغله الذكر
ويمسي وهمه الشكر ، يبيت حذرا من سنة الغفلة ، ويصبح فرحا بما أصاب من الفضل
والرحمة .
وإن استصعب عليه نفسه فيما تكره لم يطعها سؤلها مما إليه تسره ، رغبته
فيما يبقى ، وزهادته فيما يفنى ، قد قرن العلم بالعمل والعمل بالحلم ، ويظل دائما
نشاطه ، بعيدا كسله ، قريبا أمله ، قليلا زلله ، متوقعا أجله ، خاشعا قلبه ، ذاكرا
ربه ، قانعة نفسه ، عازبا جهله ، محرزا دينه ، ميتا داؤه ، كاظما غيظه ، صافيا خلقه
آمنا منه جاره ، سهلا أمره ، معدوما كبره ، متينا صبره ، كثيرا ذكره .
لا يعمل شيئا من الخير رياء ، ولا يتركه حياء . اولئك شيعتنا وأحبتنا ومنا
ومعنا ، آها وشوقا إليهم .
فصاح همام صيحة ووقع مغشيا عليه ، فحركوه فإذا هو قد فارق الدنيا
- رحمه الله تعالى - فغسل وصلى عليه أمير المؤمنين عليه السلام ونحن معه . فشيعته
عليه السلام هذه
صفتهم وهي صفة المؤمنين . وتقدم بعضها .
97 - وقال عليه السلام : الجنة التي أعدها الله تعالى للمؤمنين خطافة لابصار
الناظرين فيها درجات متفاضلات ، ومنازل متعاليات ، لا يبيد نعيمها ولا يضمحل
حبورها ولا ينقطع سرورها ولا يظعن مقيمها ولا يهرم خالدها ولا يبؤس ساكنها ، آمن
سكانها من الموت فلا يخافون ، صفالهم العيش ، ودامت لهم النعمة في أنهار من ماء
غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من
عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم . على فرش موزونة وأزواج
مطهرة وحورعين كأنهن اللؤلؤ المكنون ، وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة
[ 31 ]
" والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " .
أقول : قد مضى في كتاب الايمان والكفر في باب المؤمن وصفاته خبر همام
وطلبه عنه عليه السلام ذكر صفات المؤمن وأنه عليه السلام قال الخطبة بمسجد الكوفة
بعدة
طرق من كتب عديدة ولكن بينها أنواع من الاختلافات ، وكذلك بينها وبين هذا
الخبر فلا تغفل ، ثم قد سبق في ذلك الباب كلام ابن أبي الحديد من كون همام هذا
هو همام بن شريح بن يزيد بن مرة ، والمذكور هنا ينافيه كما لا يخفى .
98 - جع ، ( 1 ) جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال : جئتك لاسأل عن
أربعة مسائل ، فقال عليه السلام : سل وإن كان أربعين . فقال : أخبرني ما الصعب وما
الاصعب ؟ وما القريب وما الاقرب ؟ وما العجب وما الاعجب ؟ وما الواجب
وما الاوجب ؟ .
فقال عليه السلام : الصعب المعصية ، والاصعب فوت ثوابها ، والقريب كل ما هو آت
والاقرب هو الموت ، والعجب هو الدنيا وغفلتنا فيها أعجب ، والواجب هو
التوبة ، وترك الذنوب هو الاوجب .
99 - قيل : جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقال : جئتك من سبعمائة
فرسخ لاسألك عن سبع كلمات فقال عليه السلام : سل ما شئت ، فقال الرجال : أي شئ
أعظم من السماء ؟ وأي شئ أوسع من الارض ؟ وأي شئ أضعف من اليتيم ؟ وأي شي ه
أحر من النار ؟ وأي شئ أبرد من الزمهرير ؟ وأي شئ أغنى من البحر ؟ وأي
شئ أقسى من الحجر ؟ قال أمير المؤمنين عليه السلام : البهتان على البرئ أعظم من
السماء
والحق أوسع من الارض ، ونمائم الوشاة أضعف من اليتيم ( 2 ) والحرص أحر من
النار ، وحاجتك إلى البخيل أبرد من الزمهرير ، والبدن القانع أغنى من البحر ،
وقلب الكافر أقسى من الحجر .
100 - ختص ( 3 ) روى عن أميرالمؤمنين عليه السلام أنه قال : المفتخر بنفسه أشرف
* ( الهامش ) * ( 1 ) جامع الاخبار ص 161 . الفصل السادس والتسعون .
( 2 ) الواشى هو النمام عند الامير أو الحاكم او السلطان وجمعه الوشاة .
( 3 ) الاختصاص : 188 .
[ 32 ]
من المفتخر بأبيه لاني أشرف من أبي والنبي صلى الله عليه وآله أشرف من أبيه ،
وإبراهيم أشرف
من تارخ .
101 - قيل : وبم الافتخار ؟ قال : بإحدى ثلاث : مال ظاهر ، أو أدب بارع
أو صناعة لا يستحي المرء منها .
102 - قيل : لامير المؤمنين عليه السلام : كيف أصحبت يا أمير المؤمنين ؟ قال :
أصبحت آكل وأنتظر أجلي .
103 - قيل له عليه السلام : فما تقول في الدنيا ؟ قال : فما أقول في دار أولها
غم ، وآخرها الموت ، من استغنى فيها افتقر ، ومن افتقر فيها حزن ، في حلالها حساب
وفي حرامها النار .
104 - قيل : فمن أغبط الناس ؟ قال : جسد تحت التراب قد أمن من العقاب
ويرجو الثواب .
105 - وقال عليه السلام : من زار أخاه المسلم في الله ناداه الله أيها الزائر طبت
وطابت لك الجنة .
106 - وقال عليه السلام : ماقضى مسلم لمسلم حاجة إلا ناداه الله علي ثوابك
ولا أرضى لك بدون الجنة .
107 - وقال عليه السلام : ثلاثة يضحك الله إليهم يوم القيامة : رجل يكون على
فراشه مع زوجته وهو يحبها فيتوضأ ويدخل المسجد فيصلي ويناجي ربه ، ورجل
أصابته جنابة ولم يصب ماء فقام إلى الثلج فكسره ثم دخل فيه واغتسل ، ورجل لقى
عدوا وهو مع أصحابه وجاءهم مقاتل فقاتل حتى قتل .
108 - وقال عليه السلام : التعزية تورث الجنة .
109 - وقال عليه السلام : إذا حملت بجوانب سرير الميت خرجت من الذنوب
كما ولدتك أمك .
110 - وقال عليه السلام : من اشترى لعياله لحما بدرهم كان كمن أعتق نسمة
من ولد إسماعيل .
[ 33 ]
111 - وقال عليه السلام : من شرب من سؤر أخيه تبركا به خلق الله بينهما ملكا
يستغفر لهما حتى تقوم الساعة .
112 - وقال عليه السلام : في سؤر المؤمن شفاء من سبعين داء .
113 - ختص : ( 1 ) محمد بن الحسين ، عن محمد بن سنان ، عن بعض رجاله
عن أبي الجارود يرفعه قال : قال أميرالمؤمنين عليه السلام : من أوقف نفسه موقف
التهمة
فلا يلومن من أساء به الظن ، ومن كتم سره كانت الخيرة في يده ، وكل حديث
جاوز اثنين فشى ، وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك ، ولا تظنن
بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجدلها في الخير محملا ، وعليك بإخوان
الصدق فكثر في اكتسابهم عدة عند الرخاء ، وجندا عند البلاء ، وشاور حديثك
الذين يخافون الله ، وأحبب الاخوان على قدر التقوى ، واتقوا شرار النساء وكونوا
من خيارهن على حذر ، إن أمرنكم بالمعروف فخالفوهن حتى لا يطمعن في
المنكر .
114 - ما ( 2 ) عن جماعة ، عن أبي المفضل ، عن محمد بن جعفر الرزاز ، عن
أيوب بن نوح ، عن الشارب بن ذراع ( 3 ) عن أخيه يسار ، عن حمران ، عن أبي عبدالله
عن أبيه عليهما السلام ، عن جابر بن عبدالله قال : بينا أميرالمؤمنين عليه السلام
في جماعة من أصحابه
أنا فيهم إذ ذكروا الدنيا وتصرفها بأهلها فذمها رجل فذهب في ذمها كل مذهب
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : أيها الذام للدنيا ، أنت المتجرم عليها أم هي
المتجرمة
عليك ؟ فقال : بل أنا المتجرم عليها يا أميرالمؤمنين ، قال : فبم تذمها ؟ أليست
منزل
صدق لمن صدقها ، ودار غنى لمن تزود منها ، ودار عافية لمن فهم عنها ، ومساجد أنبياء
الله ، ومهبط وحيه ، ومصلى ملائكته ، ومتجر أوليائه ، اكتسبوا فيها الرحمة ، ورجوا
فيها الجنة ، فمن ذا يذمها ؟ وقد آذنت ببينها ، ونادت بانقطاءها ، ونعت نفسها
وأهلها
* ( الهامش ) * ( 1 ) المصدر ص 226 وفيه محمد بن الحسن .
( 2 ) الامالى ج 2 ص 207 .
( 3 ) في المصدر " بشار بن ذراع " .
[ 34 ]
فمثلت ببلائها البلى ، وشوقت بسرورها إلى السرور ، تخويفا وترغيبا فابتكرت
بعافية ، وراحت بفجيعة ، فذمها رجال فرطوا غداة الندامة ، وحمدها آخرون اكتسبوا
فيه الخير ، فياأيها الذام للدنيا ، المغتر بغرورها ! متى استذمت إليك أو متى
غرتك ؟ أم بمضاجع آبائك من البلى ، أم بمصارع امهاتك تحت الثرى ، كم مرضت
بيديك ، وعالجت بكفيك ، تلتمس لهم الشفاء ، وتستوصف لهم الاطباء ، لم تنفعهم
بشفاعتك ، ولم تسعفهم في طلبتك ، مثلت لك - ويحك - الدنيا بمصرعهم مصرعك ، و
بمضجعهم مضجعك ، حين لا يغني بكاؤك ، ولا ينفعك أحباؤك .
ثم التفت إلى أهل المقابر فقال : يا أهل التربة ، ويا أهل القربة أما المنازل
فقد سكنت ، وأما الاموال فقد قسمت ، وأما الازواج فقد نكحت ، هذا خبر
ما عندنا فما خبر ما عندكم ؟ ثم أقبل على أصحابه فقال : والله لو أذن لهم في الكلام
لاخبروكم أن خير الزاد التقوى .
115 - ما ( 1 ) عن جماعة ، عن أبي المفضل ، عن عبيد الله بن الحسين العلوي ، عن
محمد بن علي بن حمزة العلوي ، عن أبيه ، عن الرضا ، عن آبائه عليهم السلام قال :
قال
أميرالمؤمنين عليه السلام : الهيبة خيبة ( 2 ) والفرصة خلسته ، والحكمة ضالة المؤمن
فاطلبوها ولو عند المشرك تكونوا أحق بها وأهلها .
116 - ما ( 3 ) عن أحمد بن محمد بن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن محمد بن عيسى
الضرير ، عن محمد بن زكريا المكي ، عن كثير بن طارق ، عن زيد ، عن أبيه علي
ابن الحسين عليهما السلام قال : خطب علي بن أبي طالب عليه السلام بهذه الخطبة في
يوم الجمعة
فقال : الحمد لله المتوحد بالقدم والازلية الذي ليس له غاية في دوامه ، ولا له
أولية ، أنشأ صنوف البرية لا عن اصول كانت بدية ( 4 ) وارتفع من مشاركة الانداد
* ( الهامش ) * ( 1 ) الامالى ج 2 ص 237 و 238 .
( 2 ) يعنى من تهيب أمرا خاب من ادراكه . والخلسة - بضم الخاء - : الفرصة المناسبة
وفى المثل " الخلسة سريعة الفوت بطيئة العود " ويأتى نظيره عن قريب .
( 3 ) الامالى ج 2 ص 315 . ( 4 ) البدء والبديئة : اول الحال والنشأة .
[ 35 ]
وتعالى عن اتخاذ صاحبة وأولاد ، هوالباقي بغير مدة ، والمنشئ لا بأعوان ، لا بآلة
فطر ، ولا بجوارح صرف ماخلق ، لا يحتاج إلى محاولة التفكير ، ولا مزاولة مثال
ولا تقدير ، أحدثهم على صنوف من التخطيط والتصوير ، لا بروية ولا ضمير ، سبق
علمه في كل الامور ، ونفذت مشيته في كل ما يريد في الازمنة والدهور ، وانفرد
بصنعة الاشياء فأتقنها بلطائف التدبير ، سبحانه من لطيف خبير ، ليس كمثله شئ
وهو السميع البصير .
117 - كتاب الغارات ( 1 ) لابراهيم بن محمد الثقفي ، عن عبدالرحمن بن
نعيم عن أشياخ من قومه إن عليا عليه السلام كان كثيرا ما يقول في خطبته : أيها
الناس إن الدنيا
قد أدبرت وآذنت أهلها بوداع ، وإن الاخرة قد أقبلت وآذنت باطلاع ، ألا وإن
المضمار اليوم والسباق غدا ، ألا وإن السبق الجنة ، والغاية النار ، ألا وإنكم في
إيام مهل من ورائه أجل يحثه عجل ، فمن عمل في أيام مهله قبل حضور أجله نفعه
عمله ، ولم يضره أمله ، ألا وإن الامل يسهي القلب ويكذب الوعد ويكثر الغفلة
ويورث الحسرة ، فاعزبوا عن الدنيا ( 2 ) كاشد ما أنتم عن شئ تعزبون ، فإنها
من ورود صاحبها منها في غطاء معنى ، وافزعوا إلى قوام دينكم بإقامة الصلاة لوقتها و
أداء الزكاة لاهلها ( 3 ) والتضرع إلى الله والخشوع له ، وصلة الرحم ، وخوف المعاد
وإعطاء السائل ، وإكرام الضيف ، وتعلموا القرآن واعملوا به ، واصدقوا الحديث
وآثروه ، وأوفوا بالعهد إذا عاهدتم وأدوا الامانة إذا ائتمنتم ، وارغبوا في ثواب
الله
وخافوا عقابه فاني لم أر كالجنة نام طالبها ، ولا كالنار نام هاربها ، فتزودوا من
الدنيا ما تحوزوا به أنفسكم غدا من النار ، واعملوا بالخير تجزوا بالخير يوم يفوز
أهل الخير بالخير .
* ( الهامش ) * ( 1 ) مخلوط .
( 2 ) عزب : بعد وغاب وخفى .
( 3 ) في بعض النسخ " أداء الزكاة لمحلها " .
[ 36 ]
16 - * ( باب ) *
* " ( ما جمع من جوامع كلم ) " *
أمير المؤمنين صلى الله عليه وعلى ذريته
أقول : وقد جمع الجاحظ من علماء العامة مائة كلمة من مفردات كلامه
عليه السلام ، وهي رسالة معروفة شايعة ، وقد جمع بعض علمائنا أيضا كلماته عليه
السلام
في كتاب نثر اللالي ، والسيد الرضي - رحمه الله - قد أورد كلماته عليه السلام في
مطاوي
نهج البلاغة ، ولا سيما في أواخره ، وكذا في كتاب خصائص الائمة عليهم السلام ، ثم
جمع
بعده الامدي من أصحابنا أيضا كثيرا من ذلك في كتاب الغرر والدرر ، وهو كتاب
مشهور متداول .
ثم قد أوردها مع كلمات النبي وسائر الائمة عليهم السلام جماعة اخرى من
العامة والخاصة أيضا في مؤلفاتهم ومنهم الحسن بن علي بن شعبة في كتاب تحف
العقول ، والحسين بن محمد بن الحسن في كتاب النزهة الناظر ، والشهيد في كتاب
الدرة الباهرة من الاصداف الطاهرة ، وكذا الشيخ علي بن محمد الليثي الواسطي
في كتاب عيون الحكم والمواعظ وخيرة المتعظ والواعظ ، الذي قد سمينا بكتاب
العيون والمجاسن ، وهو يشتمل على كثير من كلماته ، وكلمات باقي الائمة عليهم السلام
.
وقد جمع الشيخ سعد بن عبد القاهر أيضا من علمائنا بين كلمات النبي صلى الله عليه
وآله
المذكور في كتاب الشهاب للقاضي القضاعي من العامة وبين كلماته عليه السلام المذكورة
في النهج في كتاب مجمع البحرين ونحن قد أوردنا كل كلام له عليه السلام وله خبر
في باب يناسبه في مطاوي هذا الكتاب أعني كتابنا بحار الانوار بقدر الامكان
والان لنذكر شطرا صالحا من ذلك إن شاء الله تعالى .
1 - ف ( 1 ) : قال عليه السلام : من كنوز الجنة البر وإخفاء العمل والصبر على
* ( الهامش ) * ( 1 ) التحف ص 200 .
[ 37 ]
الرزايا ( 1 ) وكتمان المصائب .
2 - وقال عليه السلام : حسن الخلق خير قرين ، وعنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه .
3 - وقال عليه السلام : الزاهد في الدنيا من لم يغلب الحرام صبره ، ولم يشغل
الحلال شكره .
4 - وكتب عليه السلام : إلى عبدالله بن عباس ( 2 ) : أما بعد فإن المرء
يسره درك مالم يكن ليفوته ، ويسوؤه فوت مالم يكن ليدركه ، فليكن سرورك
بمانلته من آخرتك ، وليكن أسفك على مافاتك منها . ومانلته من الدنيا فلا تكثرن
به فرحا ، ومافاتك منها فلا تأسفن عليه حزنا ، وليكن همك فيما بعد الموت .
5 - وقال عليه السلام : في ذم الدنيا : أولها عناء وآخرها فناء ( 3 ) ، في حلالها
حساب وفي حرامها عقاب . من صح فيها أمن ، ومن مرض فيها ندم ، من استغنى
فيها فتن ، ومن افتقر فيها حزن ، من ساعاها فاتته ( 4 ) ومن قعد عنها أتته ، ومن
نظر إليها أعمته ، ومن نظر بها بصرته ( 5 ) .
6 - وقال عليه السلام : احبب حبيبك هوناما عسى أن يعصيك يوما ما ( 6 )
وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما .
7 - وقال عليه السلام : لاغنى مثل العقل ، ولا فقر أشد من الجهل .
8 - وقال عليه السلام : قيمة كل امرء ما يحسن .
* ( الحامش ) * ( 1 ) الرزايا : جمع الرزية : المصيبة العظيمة .
( 2 ) منقول في النهج بادنى اختلاف .
( 3 ) العناء : النصب والتعب .
( 4 ) " ساعاها " أى غالبها في السعى ، وفى كنز الفوائد " فاتنه " .
( 5 ) أى نظرها بعين الحقيقة نظر تأمل وتفكر . وفى كنز الفوائد " ومن نظر اليها
ألهته ومن تهاون بها نصرته " .
( 6 ) الهون : الرفق ، السهل ، السكينة والمراد احببه حبا مقتصدا لا افراط فيه .
وأبغضه
بغضا مقتصدا .
[ 38 ]
9 - وقال عليه السلام : قرنت الهيبة بالخيبة ( 1 ) . والحياء بالحرمان . والحكمة
ضالة المؤمن فليطلبها ولو في أيدي أهل الشر .
10 - وقال عليه السلام : لو أن حملة العلم حملوه بحقه لاحبهم الله وملائكته
وأهل طاعته من خلقه ، ولكنهم حملوه لطلب الدنيا ، فمقتهم الله وهانوا على
الناس .
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 71 من صفحة 38 سطر 6 إلى صفحه 46 سطر 6
11 - وقال عليه السلام : أفضل العبادة الصبر ، والصمت ، وانتظار الفرج .
12 - وقال عليه السلام : إن للنكبات غايات لابد أن تنتهي إليها ، فإذا حكم
على أحدكم بها فليطأ طألها ويصبر حتى تجوز ( 2 ) فإن إعمال الحيلة فيها عند
إقبالها زائد في مكروهها .
13 - وقال عليه السلام للاشتر : يا مالك احفظ عني هذا الكلام وعه . يا مالك
بخس مروته من ضعف يقينه . وأزرى بنفسه من استشعر الطمع ( 3 ) ورضي [ ب ] الذل
من كشف [ عن ] ضره . وهانت عليه نفسه من اطلع على سره . وأهلكها من أمر
عليه لسانه ( 4 ) . الشره جزار الخطر ، من أهوى إلى متفاوت خذلته الرغبة ( 5 )
البخل عار ، والجبن منقصة ، والورع جنة ، والشكر ثروة ، والصبر شجاعة
والمقل غريب في بلده ( 6 ) ، والفقر يخرس الفطن عن حجته ( 7 ) ، ونعم القرين
* ( الهامش ) * ( 1 ) الهيبة . المخافة . والخيبة : عدم الظفر بالمطلوب . وقد مر
آنفا .
( 2 ) طأطأ : خفض وخضع .
( 3 ) أى احتقرها . يقال : أزرى به أى عابه ووضع من حقه .
( 4 ) أمر لسانه أى جعله أميرا على نفسه .
( 5 ) - الشره : اشد الحرص وطلب المال مع القناعة . والجزار : الذباح . والمتفاوت :
المتباعد وفى كنز الفوائد " إلى متفاوت الامور " وفى النهج " من أومأ إلى متفاوت
خذلته
الحيل " أى من طلب تحصيل المتباعدات وضم بعضها إلى بعض لم ينجح فيها فخذلته الحيل
والرغبة فيما يريد .
( 6 ) المقل : الفقير . وفى النهج " في بلدته " .
( 7 ) الفطن . - بفتح فكسر - : الفاطن أى صاحب الفطنة والحذاقة .
[ 39 ]
الرضى ، الادب حلل جدد ( 1 ) ، ومرتبة الرجل عقله ، وصدره خزانة سره
والتثبت حزم ، والفكر مرآه صافية ، والحلم سجية فاضلة ، والصدقة دواء
منجح ( 2 ) ، وأعمال القوم في عاجلهم نصب أعينهم في آجلهم ، والاعتبار تدبر
صلح ( 3 ) ، والبشاشة فخ المودة .
14 - وقال عليه السلام : الصبر من الايمان كمنزلة الرأس من الجسد ، فمن
لا صبر له لا إيمان له .
15 - وقال عليه السلام : أنتم في مهل ، من ورائه أجل ، ومعكم أمل يعترض
دون العمل ، فاغتنموا المهل ، وبادروا الاجل ، وكذبوا الامل ، وتزودوا من
العمل ، هل من خلاص ؟ أو مناص ؟ أو فرار ؟ أو مجاز ؟ أو معاذ ؟ أو ملاذ ؟ أولا ؟
فأنى
تؤفكون .
16 - وقال عليه السلام : اوصيكم بتقوى الله فإنها غبطة للطالب الراجي ، وثقة
للهارب اللاجي ، استشعروا التقوى شعارا باطنا ، واذكروا الله ذكرا خالصا
تحيوا به أفضل الحياة ، وتسلكوا به طرق النجاة ، وانظروا إلى الدنيا نظر الزاهد
المفارق ، فإنها تزيل الثاوي الساكن ( 4 ) . وتفجع المترف الامن ، لا يرجى منها
ماولى فأدبر ، ولا يدرى ما هو آت منها فيستنظر وصل الرخاء منها بالبلاء ، والبقاء
منها إلى الفناء ، سرورها مشوب بالحزن ، والبقاء منها إلى الضعف والوهن .
17 - وقال عليه السلام : إن الخيلاء من التجبر ، والتجبر من النخوة ، والنخوة
من التكبر ، وإن الشيطان عدو حاضر يعدكم الباطل ، إن المسلم أخ المسلم
* ( الهامش ) * ( 1 ) الحلل : جمع الحلة - بالضم - : كل ثوب جديد . والجدد : جمع
جديد .
( 2 ) انجحت حاجته : قضيت ، والرجل : فاز وظفر بها .
( 3 ) كذا والصحيح " والاعتبار منذر صالح " كما في النهج . والفخ . المصيدة أى آلة
يصادبها . وفى النهج " والبشاشة حبالة المودة " والحبالة - بالضم - شبكة الصيد .
( 4 ) الثاوى : القائم . يعنى أن الدنيا تزيل من اقام بها واتخذها وطنا .
[ 40 ]
فلا تخاذلوا ولا تنابزوا فإن شرايع الدين واحدة ، وسبله قاصدة ، فمن أخذ بها
لحق ، ومن فارقها محق ، ومن تركها مرق ( 1 ) . ليس المسلم بالكذوب إذا نطق
ولا بالمخلف إذا وعد ، ولا بالخائن إذا ائتمن .
18 - وقال عليه السلام : العقل خليل المؤمن ، والحلم وزيره ، والرفق والده ،
واللين أخوه . ولا بد للعاقل من ثلاث : أن ينظر في شأنه ، ويحفظ لسانه ، ويعرف
زمانه ، ألا وإن من البلاء الفاقة ، وأشد من الفافة مرض البدن وأشد من مرض البدن
مرض القلب ، ألا وإن من النعم سعة المال ، وأفضل من سعة المال صحة البدن ،
وأفضل من صحة البدن تقوى القلب .
19 - وقال عليه السلام : إن للمؤمن ثلاث ساعات : فساعة يناجي فيها ربه ، و
ساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يخلي بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل . و
ليس للعاقل أن يكون شاخصا إلا في ثلاث : مرمة لمعاشه ( 2 ) وخطوة لمعاده أو لذة
في غير محرم .
20 - وقال عليه السلام : كم مستدرج بالاحسان إليه ( 3 ) وكم من مغرور بالستر
عليه ، وكم من مفتون بحسن القول فيه ، وما ابتلى الله عبدا بمثل الاملاء له ( 4 ) .
قال الله عزوجل : " إنما نملي لهم ليزدادوا إثما " ( 5 ) .
21 - وقال عليه السلام : ليجتمع في قلبك الافتقار إلى الناس والاستغناء عنهم
يكون افتقارك إليهم في لين كلامك وحسن بشرك ( 6 ) ويكون استغناؤك عنهم في
* ( الهامش ) * ( 1 ) محق : هلك . ومرق : خرج من الدين بضلالة أو بدعة .
( 2 ) رممت الشئ - بالتئقيل - : اصلحته . والمرمة : الاصلاح .
( 3 ) استدرجه الله من حيث لا يعلم بالانعام والاحسان اليه ، وهو يعصى الله ولا
يعلم أن
ذلك بلاغا للحجة عليه واقامة للمعذرة في أخذه .
( 4 ) الاملاء : الامهال .
( 5 ) سورة آل عمران : 178 .
( 6 ) البشر - بالكسر - : بشاشة الوجه . والنزاهة : العفة والبعد عن المكروه .
[ 41 ]
نزاهة عرضك وبقاء عزك .
22 - وقال عليه السلام : لا تغضبوا ، ولا تعضبوا ( 1 ) افشوا السلام ، وأطيبوا
الكلام .
23 - وقال عليه السلام : الكريم يلين إذا استعطف واللئيم يقسوا إذا ألطف .
24 - وقال عليه السلام ألا اخبركم بالفقيه حق الفقيه ؟ من لم يرخص الناس
في معاصي الله ، ولم يقنطهم من رحمة الله ، ولم يؤمنهم من مكرالله ، ولم يدع القرآن
رغبة عنه إلى ماسواه ، ولا خير في عبادة ليس فيها نفقه ، ولا خير في علم ليس فيه
تفكر
ولا خير في قراءة ليس فيها تدبر .
25 - وقال عليه السلام : إن الله إذا جمع الناس نادى فيهم مناد أيها الناس إن
أقربكم اليوم من الله أشدكم منه خوفا ، وإن أحبكم إلى الله أحسنكم له عملا
وإن أفضلكم عنده منصبا أعملكم ( 2 ) فيما عنده رغبة ، وإن أكركم عليه أتقاكم .
26 - وقال عليه السلام : عجبت لاقوام يحتمون الطعام مخافة الاذى كيف
لا يحتمون الذنوب مخافة النار ؟ ( 3 ) وعجبت ممن يشتري المماليك بماله كيف
لا يشتري الاحرار بمعروفه فيملكهم ؟ ثم قال : إن الخير والشر لا يعرفان إلا
بالناس ، فاذا أردت أن تعرف الخير ( 4 ) فاعمل الخير تعرف أهله ، وإذا أردت أن
تعرف الشر فاعمل الشر تعرف أهله .
27 - وقال عليه السلام : إنما أخشى عليكم اثنين : طول الامل ، واتباع الهوى
أما طول الامل فينسي الاخرة ، وأما اتباع الهوى ، فانه يصد عن الحق .
28 - وسأله رجل بالبصرة عن الاخوان فقال : الاخوان صنفان : إخوان
الثقة وإخوان المكاشرة ، فأما إخوان الثقة فهم الكهف والجناح ( 5 ) والاهل و
( 1 ) في بعض النسخ " ولا تغضبوا " والصحيح كما في المتن " ولا تعضبوا " أى لا
تقطعوا .
( 2 ) في بعض النسخ " أعلمكم " .
( 3 ) يحتمون أى يتقون .
( 4 ) في بعض النسخ " أن تعمل الخير " .
( 5 ) المكاشرة - مفاعلة من كشر كضرب - وكشر الرجل عن أسنانه أى أبدى وأظهر
[ 42 ]
المال ، فإن كنت من أخيك على حد الثقة فابذل له مالك ويدك وصاف من
صافاه ( 1 ) وعاد من عاداه ، واكتم سره وعيبه ، وأظهر منه الحسن ، إعلم أيها السائل
أنهم أقل من الكبريب الاحمر ، وأما إخوان المكاشرة فإنك تصيب منهم لذتك
فلا تقطعن منهم لذتك ، ولا تطلبن ماوراء ذلك من ضميرهم ، وابذل لهم ما بذلوا
لك من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان .
29 - وقال عليه السلام : لا تتخذن عدو صديقك صديقا فتعدي صديقك .
30 - وقال عليه السلام : لا تصرم أخاك على ارتياب ولا تقطعه دون استعتاب ( 2 ) .
31 - وقال عليه السلام : ينبغي للمسلم أن يجتنب مؤاخاة ثلاثة : الفاجر ( 3 )
والاحمق ، والكذاب . فأما الفاجر فيزين لك فعله ، ويحب أنك مثله ، ولا يعينك
على أمر دينك ومعادك ، فمقارنته جفاء وقسوة ، ومدخله عار عليك ( 4 ) . وأما
ألاحمق فإنه لا يشير عليك بخير ، ولا يرجه لصرف السوء عنك ولو جهد نفسه ( 5 )
وربما أراد نفعك فضرك ، فموته خير من حياته ، وسكوته خير من نطقه ، و
بعده خير من قربه . وأما الكذاب فإنه لا يهنئك معه عيش ، ينقل حديثك و
ينقل إليك الحديث ، كلما أقنى أحدوثة مطاها باخرى مثلها ( 6 ) حتى أنه
* ( الهامش ) * ويكون في الضحك . والمكاشر : المتبسم في وجه . والكهف : الملجأ .
ورواه الصدوق في
الخصال وفيه " فهم الكف والجناح والاصل والاهل والمال " والجناح من الانسان : اليد
:
لانه بمنزلة جناح الطائر .
( 1 ) صافى فلانا : أخلص له الود .
( 2 ) لا تصرم أى لا تقطع . والاستعتاب : الاسترضاء .
( 3 ) رواه الكلينى رحمه الله في الكافى ج 2 ص 639 وفيه " الماجن الفاجر " .
( 4 ) في الكافى " مقاربته جفاء " . و " مدخله " أى زيارته ومواجهته .
( 5 ) في الكافى " ولو أجهد نفسه " .
( 6 ) مطايمطو ، أسرع في سيره ، ومطا بالقوم : مدبهم في السير ، وفى الكافى " مطرها
"
وفى بعض نسخه " مطها " .
[ 43 ]
يحدث بالصدق فلا يصدق ، يغري بين الناس بالعداوة ( 1 ) فيثبت الشحناء في
الصدور . فاتقوا الله وانظروا لانفسكم .
32 - وقال عليه السلام : لا عليك ( 2 ) أن تصحب ذا العقل وإن لم تجمد كرمه ( 3 )
ولكن انتفع بعقله واحترس من سيئ أخلاقه ، ولا تدعن صحبة الكريم وإن لم تنتفع
بعقله ، ولكن انتفع بكرمه بعقلك ، وافرر الفرار كله من اللئيم الاحمق .
33 - وقال عليه السلام : الصبر ثلاثة : الصبر على المصيبة ، والصبر على الطاعة
والصبر عن المعصية .
34 - وقال عليه السلام : من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق
بأن لا ينزل به مكروه أبدا ، قيل : وما هن ؟ قال : العجلة ، واللجاجة ، والعجب
والتواني .
35 - وقال عليه السلام : الاعمال ثلاثة : فرائض وفضائل ومعاصي ، فأما الفرائض
فبأمر الله ومشيئته وبرضاه وبعلمه وقدره ، يعملها العبد فينجو من الله بها . وأما
الفضائل فليس بأمر الله لكن بمشيئته وبرضاه وبعلمه وبقدره ، يعملها العبد فيثاب
عليها . وأما المعاصي فليس بأمر الله ولا بمشيئته ولا برضاه ، لكن بعلمه وبقدره
يقدرها لوقتها فيفعلها العبد باختياره فيعاقبه الله عليها ، لانه قدنهاه عنها فلم
ينته .
36 - وقال عليه السلام : يا أيها الناس إن لله في كل نعمة حقا ، فمن أداه زاده
ومن قصر عنه خاطر بزوال النعمة وتعجل العقوبة ، فليراكم الله من النعمة وجلين
كما يراكم من الذنوب فرقين ( 4 ) .
37 - وقال عليه السلام : من ضيق عليه في ذات يده فلم يظن أن ذلك حسن نظر
* ( الهامش ) * ( 1 ) يغرى أى القى بينهم العداوة والشحناء : العداوة والبغضاء
امتلات منها النفس
من شحن أى ملاء . وفى الكافى " يفرق بين الناس بالعداوة فينبت السخائم في الصدور "
.
( 2 ) أى لا بأس بك ولا حرج .
( 3 ) جمدت يده : بخل .
( 4 ) " وجلين " أى خائفين . " فرفين " أى فزعين .
[ 44 ]
من الله [ له ] فقد ضيع مأمولا . ومن وسع عليه في ذات يده فلم يظن أن ذلك
استدراج من الله فقد أمن مخوفا ( 1 ) .
38 - وقال عليه السلام : يا أيها الناس سلوا الله اليقين وارغبوا إليه في العافية
فإن أجل النعم العافية ، وخير مادام في القلب اليقين ، والمغبون من غبن دينة
والمغبوط من حسن يقينه .
39 - وقال عليه السلام : لا يجد رجل طعم الايمان حتى يعلم أن ما أصابه
لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه .
40 - وقال عليه السلام : ما ابتلي المؤمن بشئ هو أشد عليه من خصال ثلاث
يحرمها ، قيل : وماهن ؟ قال : المواساة في ذات يده ، والانصاف من نفسه ، وذكر
الله كثيرا ، أما إني لا أقول لكم : سبحان الله والحمد لله ، ولكن ذكر الله عند ما
أحل
له ، وذكرالله عند ما حرم عليه .
41 - وقال عليه السلام : من رضي من الدنيا بما يجزيه كان أيسر مافيه يكفيه ، و
من لم يرض من الدنيا بما يجزيه لم يكن فيها شئ يكفيه .
42 - وقال عليه السلام : المنية لا الدنية ، والتجلد لا التبلد ( 2 ) والدهر
يومان : فيوم لك ويوم عليك ، فإذا كان لك فلا تبطر ، وإذا كان عليك فلا تحزن ،
فبكليهما ستختبر .
43 - وقال عليه السلام : أفضل على من شئت يكن أسيرك .
44 - وقال عليه السلام : ليس من أخلاق المؤمن الملق ولا الحسد إلا في طلب -
* ( الهامش ) * ( 1 ) ذات يده : مايملكه . ومأمولا أى ما أمل ورجا . أى من كان في
ضيق بحسب
المال ولم يظن ان ذلك احسانا من الله وامتحانا منه فقد ضيع أجرا مأمولا ، وهكذا اذا
لم
يظن أن نعمته استدرجا منه فقد أمن من مكر الله .
( 2 ) المنية : الموت أى يكون الموت ولا يكون ارتكاب الدنية . والتجلد : تكلف
الجلد - محركة - والصبر عليه . والتبلد : ضد التجلد والتلهف . ونظير هذا الكلام
منقول في
النهج وفيه " والتقلل ولا التوسل " .
[ 45 ]
العلم . 45 - وقال عليه السلام : أركان الكفر أربعة : الرغبة والرهبة والسخط والغضب
.
46 - وقال عليه السلام : الصبر مفتاح الدرك . والنجح عقبى من صبر ( 1 )
ولكل طالب حاجة وقت يحركه القدر .
47 - وقال عليه السلام : اللسان معيار ، أطاشة الجهل ( 2 ) وأرجحه العقل .
48 - وقال عليه السلام : من طلب شفاغيظ بغير حق أذاقه الله هوانا بحق . إن
الله عدوا ماكره .
49 - من قال عليه السلام : ماحار من استخار ، ولا ندم من استشار ( 3 ) .
50 - وقال عليه السلام : عمرت البلدان بحب الاوطان .
51 - وقال عليه السلام : ثلاث من حافظ عليها سعد : إذا ظهرت عليك نعمة فأحمد
الله ، وإذا أبطأعنك الرزق فاستغفر الله ، وإذا أصابتك شدة فأكثر من قول : " لا حول
ولا قوة إلا بالله " .
52 - وقال عليه السلام : العلم ثلاثة : الفقه للاديان ، والطب لابدان ، والنحو
للسان .
53 - وقال عليه السلام : حق الله في العسر الرضى والصبر ، وحقه في اليسر
الحمد والشكر .
54 وقال عليه السلام : ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة . وكم من شهوة ساعة
قد أورثت حزنا طويلا . والموت فضح الدنيا ، فلم يترك لذي لب فيها فرحا ، ولا
لعاقل لذة .
55 - وقال عليه السلام : العلم قائد ، والعمل سائق ، والنفس حرون ( 4 ) .
56 - وقال عليه السلام : كن لما لاترجو أرجى منك لما ترجوا ، فإن موسى عليه السلام
* ( الهامش ) * ( 1 ) النجح - بالضم - : الفوز والظفر .
( 2 ) أطاشه أى خفه . وبالفارسية " يعنى سبك ميكند اورا " .
( 3 ) الحور - بالفتح - : التحير والرجوع إلى النقصان .
( 4 ) الحرون من الخيل : الذى لا ينقاد لراكبه فاذا استدرجريه وقف .
[ 46 ]
خرج يقتبس لاهله نارا فكلمه الله ورجع نبيا . وخرت ملكة سبأ فأسلمت مع
سليمان عليه السلام . وخرجت سحرة فرعون يطلبون العز لفرعون فرجعوا مؤمنين .
57 - وقال عليه السلام : الناس بامرائهم أشبه منهم بآبائهم .
58 - وقال عليه السلام : أيها الناس اعلموا أنه ليس بعاقل من انزعج ( 1 ) من
قول الزور فيه ، ولا بحكيم من رضي بثناء الجاهل عليه . الناس أبناء ما يحسنون ،
وقدر
كل امرء ما يحسن ، فتكلموا في العلم تبين أقداركم .
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 71 من صفحة 46 سطر 7 إلى صفحه 54 سطر 7
59 - وقال عليه السلام : رحم الله امرء راغب ربه ( 2 ) وتوكف ذنبه ، وكابر هواه ،
وكذب مناه ، زم نفسه من التقوى بزمام ، وألجمها من خشية ربها بلجام ، فقادها
إلى الطاعة بزمامها ، وقدعها عن المعصية بلجامها ( 3 ) رافعا إلى المعاد طرفه ،
متوقعا في كل أوان حتفه ، دائم الفكر ، طويل السهر ، عزوفا عن الدنيا ، كدوحا
لاخرته ( 4 ) ، جعل الصبر مطية نجاته ، والتقوى عدة وفاته ، ودواء [ داء ]
جواه ( 5 ) ، فاعتبر وقاس ، فوتر الدنيا والناس ، يتعلم للتفقه والسداد ، قد وقر
قلبه
ذكر المعاد ، فطوى مهاده ( 6 ) وهجر وساده ، قد عظمت فيما عندالله رغبته ، واشتدت
منه رهبته ، يظهر دون مايكتم ، ويكتفي بأقل مما يعلم ، أولئك ودائع الله في بلاده
المدفوع بهم عن عباده ، لو أقسم أحدهم على الله لابره ، آخر دعواهم أن الحمد لله
رب العالمين .
* ( الهامش ) * ( 1 ) ازعجه فانزعج : أقلقه وقلعه من مكانه فقلق وانقلع .
( 2 ) في بعض النسخ " راقب دينه " . والتوكف : التجنب . والمكابرة : المعاندة
والمغالبة .
( 3 ) قدع الفرس باللجام : كبحه أى جذبه به لتقف وتجرى .
( 4 سهر سهرا - كفرح - اذا لم ينم ليلا . عزفت نفسه عن الشئ : انصرفت وزهدت
فيه . والكدح : السعى في مشقة وتعب .
( 5 ) الجوى : الحرقة وشدة الوجد من عشق أو حزن .
( 6 ) طوى نقيض نشر . والمهاد : الفراش . وهجره أى تركه وأعرض عنه .
[ 47 ]
60 - وقال عليه السلام : وكل الرزق بالحمق ، ووكل الحرمان بالعقل ، ووكل
البلاء بالصبر .
61 - وقال عليه السلام : للاشعث ( 1 ) يعزيه بأخيه عبدالرحمن : إن جزعت
فحق عبدالرحمن وفيت ، وإن صبرت فحق الله أديت ، على أنك إن صبرت جرى
عليك القضاء وأنت محمود ، وإن جزعت جرى عليك القضاء وأنت مذموم ( 2 ) فقال
الاشعث : إنا لله وإنا إليه راجعون فقال أميرالمؤمنين عليه السلام : أتدري ما
تأويلها ؟
فقال الاشعث : لانت غاية العلم ومنتهاه فقال عليه السلام : أما قولك : " إنا لله "
فإقرار
منك بالملك . وأما قولك " وإنا إليه راجعون " فإقرار منك بالهلك ( 3 ) .
62 - وركب عليه السلام يوما فمشى معه قوم فقال عليه السلام لهم : أما علمتم أن مشي
الماشي مع الراكب مفسدة للراكب ومذلة للماشي ، انصرفوا .
63 - وقال عليه السلام : الامور ثلاثة : أمر بان لك رشده فاتبعه ( 4 ) وأمر بان
* ( الهامش ) * ( 1 ) الظاهر هواشعث بن قيس المكنى بأبى محمد ذكروه في جملة أصحاب
رسول الله
صلى الله عليه وآله وكان اسر بعد النبى " ص " في ردة أهل ياسر وعفا عنه أبوبكر
وزوجه
اخته ام فروة وكانت عوراء فولدت له محمد . وكان أشعث سكن الكوفة وهو عامل عثمان على
آذربيجان ، وكان أبا زوجة عمر بن عثمان وكتب أمير المؤمنين عليه السلام اليه بعد
فتح
البصرة فسار وقدم على على عليه السلام وحضر صفين ، ثم صار خارجيا ملعونا . وقال ابن
أبى الحديد كل فساد كان في خلافة أمير المؤمنين عليه السلام وكل اضطراب فأصله
الاشعث ، و
هو الذى شرك في دمه عليه السلم ، وابنته جعدة سمت الحسن عليه السلام ، ومحمد ابنه
شرك
في دم الحسين عليه السلام .
( 2 ) في النهج عزاه عن ابن له قال : " يا اشعث ان تحزن على ابنك فقد استحقت منك
ذلك الرحم . وان تصبر ففى الله من كل مصيبة خلف . يا أشعث ان صبرت جرى عليك القدر
وانت مأجور ، وان جزعت جرى عليك القدر وأنت مأزوريا أشعث ابنك سرك وهو بلاء وفتنة و
حزنك وهو ثواب ورحمة " .
( 3 ) الهلك - بالضم - : الهلاك .
( 4 ) في بعض النسخ " فارتكبه " .
[ 48 ]
لك غيه فاجتنبه ، وأمر أشكل عليك فرددته إلى عالمه ( 1 ) .
64 - وقال له عليه السلام : جابر يوما : كيف أصبحت يا أمير المؤمنين ؟ فقال عليه
السلام :
وبنا من نعم الله ربنا مالا نحصيه مع كثرة ما نعصيه ، فلا ندري ما نشكر ، أجميل ما
ينشر
أم قبيح مايستر .
65 - وعزى عبدالله بن عباس ، عن مولود صغير مات له ، فقال عليه السلام : لمصيبة
في غيرك لك أجرها أحب إلي من مصيبة فيك لغيرك ثوابها ، فكان لك الاجر
لابك ، وحسن لك العزاء لا عنك ، وعوضك الله عنه مثل الذي عوضه منك .
66 - وقيل له : ما التوبة النصوح ؟ فقال عليه السلام : ندم بالقلب ، واستغفار
باللسان ، والقصد على أن لا يعود ( 2 ) .
67 - وقال عليه السلام : إنكم مخلوقون اقتدارا ، ومربوبون اقتسارا ( 3 ) ومضمنون
أجداثا ، وكائنون رفاتا ، ومبعوثون أفرادا ومدينون حسابا ، فرحم الله عبدا اقترب
فاعترف ، ووجل فعمل ، وحاذر فبادر ، وعمر فاعتبر ، وحذر فازدجر ، وأجاب
فأناب ، وراجع فتاب ، واقتدى فاحتذى ( 4 ) ، فباحث طلبا ، ونجا هربا ، وأفاد ذخيرة
وأطاب سريرة ، وتأهب للمعاد ، واستظهر بالزاد ليوم رحيله ( 5 ) ووجه سبيله ، و
حال حاجته ، وموطن فاقته ، فقدم أمامه لدار مقامه ، فمهدوا لانفسكم ، فهل
ينتظر أهل غضارة الشباب إلا حواني الهرم ؟ وأهل بضاضة الصحة ( 6 ) إلا نوازل
السقم ، وأهل مدة البقاء إلا مفاجأة الفناء ، واقتراف الفوت ، ودنو الموت ؟ ! .
* ( الهامش ) * ( 1 ) في بعض النسخ " فرده إلى عالمه " .
( 2 ) في بعض النسخ " العقد على أن لا يعود " .
( 3 ) في بعض النسخ [ انتشارا ] . والاقتسار : عدم الاختيار ، أى ربا هم الله من
عند كونهم
أجنة في بطون أمهاتهم إلى كبرهم من غير اختيار منهم . وفى بعض النسخ " ومضمون
أحداثا .
( 4 ) الاحتذاء : الاقتداء أى أتى بكل ما للاقتداء من معنى .
( 5 ) استظهر بالزاد : استعان به .
( 6 ) الحوانى جمع حين . والبضاضة : رقة اللون وصفاؤه .
[ 49 ]
68 - وقال عليه السلام : اتقوا الله تقية من شمر تجريدا وجد تشميرا ، وانكمش
في مهل ، وأشفق في وجل ( 1 ) ونظر في كثرة المال ، وعاقبة الصبر ، ومغبة المرجع ( 2
)
فكفى بالله منتقما ونصيرا ، وكفى بالجنة ثوابا ونوالا ( 3 ) وكفى بالنار عقابا و
نكالا ، وكفى بكتاب الله حجيجا وخصيما ( 4 ) .
69 - وسأله رجل عن السنة والبدعة والفرقة والجماعة . فقال عليه السلام : أما
السنة فسنة رسول الله صلى الله عليه وآله . وأما البدعة فما خالفها ( 5 ) وأما
الفرقة فأهل الباطل
وإن كثروا ، وأما الجماعة فأهل الحق وإن قلوا . وقال صلى الله وعليه وآله ( 6 ) : "
لا يرجو العبد
إلا ربه ولا يخاف إلا ذنبه ، ولا يستحي العالم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول : الله
أعلم ( 7 ) والصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد .
70 - وقال له رجل : أوصني . فقال عليه السلام : اوصيك أن لا يكونن لعمل
الخير عندك غاية في الكثرة ، ولا لعمل الاثم عندك غاية في القلة .
71 - وقال له آخر : أوصني ، فقال عليه السلام : لا تحدث نفسك بفقر ولا طول
عمر .
72 - وقال عليه السلام : إن لاهل الدين غلامات يعرفون بها : صدق الحديث
وأداء الامانة ، ووفاء بالعهد ، وصلة للارحام ، ورحمة للضعفاء ، وقلة مؤاتاة
* ( الهامش ) * ( 1 ) التشمير : السرعة والخفة . وانكمش أى أسرع وجد فيه . والمهل -
بفتح فسكون
وبالتحريك - مصدر بمعنى الرفق والامهال .
( 2 ) المغبة - بفتح الميم والغين وتشديد الباء - : العاقبة .
( 3 ) النوال : العطاء والنصيب .
( 4 ) الحجيج : المغالب باظهار الحجة .
( 5 ) في بعض النسخ " فمن خالفها " .
( 6 ) كذا في جميع النسخ .
( 7 ) في الكافى عن أبى عبدالله عليه السلام قال : " للعالم اذا سئل عن شئ وهو لا
يعلمه
أن يقول : الله أعلم وليس لغير العالم أن يقولذلك . ج 1 ص 42 .
[ 50 ]
للنساء ( 1 ) وبذل المعروف ، وحسن الخلق ، وسعة الحلم ، واتباع العلم ، وما يقرب
من الله زلفى ، وطوبى لهم وحسن مآب .
73 - وقال عليه السلام : ما أطال [ ال ] عبد الامل إلا أنسا [ ه ] العمل .
74 - وقال عليه السلام : ابن آدم أشبه شئ بالمعيار : إما ناقص بجهل ، أو راجح
بعلم .
75 - وقال عليه السلام : سباب المؤمن فسق ، وقتاله كفر ، وحرمة ماله
كحرمة دمه .
76 - وقال عليه السلام : ابذل لاخيك دمك ومالك ، ولعدوك عدلك ، وإنصافك
وللعامة بشرك وإحسانك ، تسلم على الناس يسلموا عليك .
77 - وقال عليه السلام : سادة الناس في الدنيا الاسخياء ، وفي الاخرة الاتقياء .
78 - وقال عليه السلام : الشئ شيئان : فشئ غيري لم أرزقه فيما مضى ، ولا آمله
فيما بقي ، وشئ لا أناله دون وقته ، ولو أجلبت عليه بقوة السماوات والارض فبأي
هذين أفنى عمري .
79 - وقال عليه السلام : إن المؤمن إذا نظر اعتبر ، وإذا سكت تفكر ، وإذا تكلم
ذكر ، وإذا استغنى شكر ، وإذا أصابته شدة صبر ، فهو قريب الرضى ، بعيد السخط
يرضيه عن الله اليسير ، ولا يسخطه الكثير ، ولا يبلغ بنيته إرادته في الخير ، ينوي
كثيرا
من الخير ويعمل بطائفة منه ، ويتلهف على مافاته من الخير كيف لم يعمل
به ( 2 ) . والمنافق إذا نظر لها ، وإذا سكت سها ، وإذا تكلم لغا ( 3 ) وإذا استغنى
طغا ،
وإذا أصابته شدة ضغا ( 4 ) فهو قريب السخط بعيد الرضي ، يسخط على الله اليسير ، ولا
* ( الهامش ) * ( 1 ) المواتاة : المطاوعة .
( 2 ) تلهف أى حزن عليه وتحسر .
( 3 ) " لها " أى لعب . " سها " أى غفل ونسى وذهب قلبه إلى غيره . و " لغا " أى خطأ
وتكلم من غير تفكر وروية .
( 4 ) " ضغا " أى تذلل وضعف .
[ 51 ]
يرضيه الكثير ، ينوي كثيرا من الشر ويعمل بطائفة منه ، ويتلهف على ما فاته
من الشر كيف لم يعمل به .
80 - وقال عليه السلام : الدنيا والاخرة عدو ان متعاديان ، وسبيلان مختلفان ،
من أحب الدنيا ووالاها أبغض الاخرة وعاداها ، مثلهما مثل المشرق والمغرب ،
والماشي بينهما لا يزداد من أحدهما قربا إلا ازداد من الاخر بعدا .
81 - وقال عليه السلام : من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ( 1 ) ومن كان من قوت
الدنيا لا يشبع لم يكفه منها ما يجمع . ومن سعى للدنيا فاتته ، ومن قعد عنها أتته
إنما الدنيا ظل ممدود إلى أجل معدود ، رحم الله عبدا سمع حكما فوعى ، ودعي
إلى الرشاد فدنا ، وأخذ بحجزة ناج هادفنجا ( 2 ) قدم صالحا ، وعمل صالحا ،
[ قدم ] مذخورا ، واجتنب محذورا ، رمى غرضا ( 3 ) [ وقدم عوضا ] ، كابر هواه ،
وكذب مناه ، جعل الصبر مطية نجاته ، والتقوى عذة وفاته ( 4 ) لزم الطريقة الغراء
والمحجة البيضاء ، واغتنم المهل ، وبادر الاجل ، وتزود من العمل .
82 - وقال عليه السلام لرجل : كيف أنتم ؟ فقال : نرجو ونخاف ، فقال عليه السلام :
من رجا شيئا طلبه ، ومن خاف شيئا هرب منه ، ما أدري ما خوف رجل عرضت له
شهوة فلم يدعها لما خاف منه ، وما أدري ما رجاء رجل نزل به بلاء فلم يصبر عليه
لما يرجو .
83 - وقال عليه السلام لعباية بن ربعي : ( 5 ) وقد سأله عن الاستطاعة التي تقوم
* ( الهامش ) * ( 1 ) الوعيد يستعمل في الشر كما أن الوعد يستعمل في الخير غالبا .
( 2 ) الحجزة - كغرفة - : معقد الازار ، واستعير لهدى الهادى ، ولزوم قصده
والاقتداء به .
( 3 ) الغرض - بالتحريك - : الهدف الذى يرمى اليه . وكابر : عاند وغالب .
( 4 ) العدة - بالضم - الاستعداد وما أعددته . وفى الخبر " استعدوا للموت " أى
اطلبوا
العدة للموت وهى التقوى . والغراء : البيضاء .
( 5 ) هو عباية بن عمرو بن ربعى الاسدى من أصحاب أمير المؤمنين والحسن عليهما -
السلام بل من خواصهما ومعتمد عليه في الحديث .
[ 52 ]
ونقعد ونفعل : إنك سألت عن الاستطاعة فهل تملكها من دون الله أو مع الله ، فسكت
عباية ، فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام : إن قلت : تملكها مع الله قتلتك ، وإن
قلت :
تملكها دون الله قتلتك ، [ ف ] قال عباية : فما أقول ؟ قال عليه السلام : تقول :
إنك
تملكها بالله الذي يملكها من دونك ، فإن ملكك إياها كان ذلك من عطائه ، و
إن سلبكها كان ذلك من بلائه ، فهو المالك لما ملكك ، والقادر على ما عليه
أقدرك ( 1 ) .
84 - قال الاصبغ بن نباتة ( 2 ) : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام : يقول : أحدثكم
بحديث ينبغي لكل مسلم أن يعيه ، ثم أقبل علينا ، فقال عليه السلام : ما عاقب الله
عبدا
مؤمنا في هذه الدنيا إلا كان أجود وأمجد من أن يعود في عقابه يوم القيامة ، ولا ستر
الله على عبد مؤمن في هذه الدنيا وعفا عنه إلا كان أمجد وأجود وأكرم من أن يعود
في عفوه يوم القيامة ، ثم قال عليه السلام : وقد يبتلي الله المؤمن بالبلية في بدنه
أو ماله
أو ولده أو أهله وتلا هذه الاية : " ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن
كثير " ( 3 ) وضم يده ثلاث مرات ويقول : " ويعفو عن كثير " .
85 - وقال عليه السلام : أول القطيعة السجا ، ولا تأس أحدا إذا كان ملولا ( 4 )
* ( الهامش ) * ( 1 ) في بعض النسخ " والقادر لما عليه قدرك " .
( 2 ) اصبغ بن نباتة المجاشعى كان من خاصة أمير المؤمين عليه السلام وعمر بعده و
روى عهده لمالك الاشتر الذى عهد اليه أميرالمؤمنين عليه السلام لما ولاه مصر ، وروى
أيضا
وصية أمير المؤمنين إلى ابنه محمد الحنفية وكان يوم صفين على شرطة الخميس وكان شيخا
شريفا ناسكا عابدا وكان من ذخائر على عليه السلام ممن قد بايعه على الموت ، وهو من
فرسان أهل العراق وكان عند سلمان رضى الله عنه وقت وفاته وبكائه على أمير المؤمنين
" ع "
عند بابه لماضر به ابن ملجم لعنه الله ودخوله عليه - وهو معصوب الرأس بعمامة صفراء
وقد نزف
الدم واصفر وجه - مشهور .
( 3 ) سورة الشورى : 30 .
( 4 ) السجا : الستر ، سجا الليل يسجو : ستر بظلمته . وفى النهج " ولا تأمنن ملولا
"
[ 53 ]
أقبح المكافات المجازاة بالاساءة .
86 - وقال عليه السلام : أول إعجاب المرء بنفسه فساد عقله . من غلب لسانه أمنه
من لم يصلح خلائقه كثرث بوائقه ( 1 ) من ساء خلقه مله أهله ، رب كلمة سلبت
نعمة ، الشكر عصمة من الفتنة ، الصيانة رأس المروة ، شفيع المذنب خضوعه ، أصل
الحزم الوقوف عند الشبهة ، في سعة الاخلاق كنوز الارزاق .
87 - وقال عليه السلام : المصائب بالسوية مقسومة بين البرية ، لا ييأس لذنبك
وباب التوبة مفتوح ، الرشد في خلاف الشهوة ، تأريخ المنى الموت ، النظر إلى البخيل
يقسي القلب ، النظر إلى الاحمق يسخن العين ( 2 ) ، السخاء فطنة ، واللوم تغافل .
88 - وقال عليه السلام : الفقر الموت الاكبر ، وقلة العيال أحد اليسارين وهو
نصف العيش ، والهم نصف الهرم ، وما عال امر اقتصد ( 3 ) ، وما عطب امرء استشار
والصنيعة لا تصلح إلا عند ذي حسب أودين ، والسعيد من وعظ بغيره ، والمغبون
لا محمود ولا مأجور ، البر لا يبلى ، والذنب لا ينسى .
89 - وقال عليه السلام : اصطنعوا المعروف ( 4 ) تكسبوا الحمد . واستشعروا الحمد
يؤنس بكم [ العقلاء ] . ودعوا الفضول يجانبكم السفهاء ، وأكرموا الجليس تعمر
ناديكم ( 5 ) ، وحاموا عن الخليط يرغب في جواركم ، وأنصفوا الناس من أنفسكم
يوثق بكم ، وعليكم بمكارم الاخلاق فإنها رفعة ، وإياكم والاخلاق الدنية فإنها
تضع الشريف وتهدم المجد .
90 - وقال عليه السلام : اقنع تعز .
* ( الهامش ) * ( 1 ) الخلائق : جمع خليقة : الطبيعة . والبوائق جمع بائقة : الشر
والغائلة والداهية
( 2 ) سخنت عينه : نقيض قرت .
( 3 ) أى ما افتقر امرء ان أخذ بالاقتصاد . وفى النهج " ما أعال " . وما عطب أى
ما هلك .
( 4 ) اصطنعوا : اعطوا واحسنوا واكرموا .
( 5 ) النادى : المجلس جمعه أندية .
[ 54 ]
91 - وقال عليه السلام : الصبر جنة من الفاقة . والحرص علامة الفقر . والتجمل
اجتناب المسكنة . والموعظة كهف لمن لجأ إليها .
92 - وقال عليه السلام : من كساه العلم ثوبه اختفى عن الناس عيبه .
93 - وقال عليه السلام : لا عيش لحسود . ولا مودة لملوك . ولا مروة لكذوب .
94 - وقال عليه السلام : تروح إلى بقاء عزك بالوحدة .
95 - وقال عليه السلام : كل عزيز داخل تحت القدرة فذليل .
96 - وقال عليه السلام : أهلك الناس اثنان : خوف الفقر وطلب الفخر .
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 71 من صفحة 54 سطر 8 إلى صفحه 62 سطر 8
97 - وقال عليه السلام أيها الناس إياكم وحب الدنيا فإنها رأس كل
خطيئة ، وباب كل بلية ، وقران كل فتنة ، وداعي كل رزية ( 1 ) .
98 - وقال عليه السلام : جمع الخير كله في ثلاث خصال : النظر والسكوت والكلام
فكل نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو ، وكل سكوت ليس فيه فكرة فهو غفلة ، وكل
كلام ليس فيه ذكر فهو لغو ، فطوبى لمن كان نظره عبرة ، وسكوته فكرة ، و
كلامه ذكرا ، وبكى على خطيئته ، وأمن الناس من شره .
99 - وقال عليه السلام : ما أعجب هذا الانسان مسرور بدرك ما لم يكن ليفوته
محزون على فوت مالم يكن ليدركه ولو أنه فكر لابصر ، وعلم أنه مدبر ، وأن
الرزق عليه مقدر ، ولا قتصر على ما تيسر ، ولم يتعرض لما تعسر ( 2 ) .
100 - وقال عليه السلام إذا طاف في الاسواق ووعظهم قال : يا معشر التجار
قدموا الاستخارة ، وتبركوا بالسهولة ، واقتربوا من المبتاعين ( 3 ) وتزينوا
بالحلم ، وتناهوا عن اليمين ، وجانبوا الكذب ، وتخافوا عن الظلم ( 4 ) وأنصفوا
المظلومنى ، ولا تقربوا الربا " وأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم
* ( الهامش ) * ( 1 ) الرزية : المصيبة .
( 2 ) في بعض النسخ " لا قتصر على مايتيسر ، ولم يتعرض لما يتعسر " .
( 3 ) أى تغاربوا بالمشترى وامضوا المعاملة .
( 4 ) في بعض النسخ " تجافوا " .
[ 55 ]
ولا تعثوا في الارض مفسدين " .
101 - وسئل أي شئ مما خلق الله أحسن ؟ فقال عليه السلام : الكلام . فقيل :
أي شئ مما خلق الله أقبح ؟ قال : الكلام ، ثم قال : بالكلام ابيضت الوجوه ،
وبالكلام اسودت الوجوه .
102 - وقال عليه السلام : قولوا الخير تعرفوا [ به ] واعملوا به تكونوا من أهله .
103 - وقال عليه السلام : إذا حضرت بلية فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم ، وإذا
نزلت نازلة فاجعلوا أنفسكم دون دينكم ، واعلموا أن الهالك من هلك دينه ، و
الحرب من سلب دينه ( 1 ) ، ألا وإنه لافقر بعد الجنة ، ولا غنى بعد النار .
104 - وقال عليه السلام : لا يجد عبد طعم الايمان حتى يترك الكذب هزله
وجده ( 2 ) .
105 - وقال عليه السلام : ينبغي للرجل المسلم أن يجتنب مؤاخاه الكذاب ،
إنه يكذب حتى يجيئ بالصدق فما يصدق .
106 - وقال عليه السلام : أعظم الخطايا اقتطاع مال امرء مسلم بغير حق ( 3 ) .
107 - وقال عليه السلام : من خاف القصاص كف عن ظلم الناس .
108 - وقال عليه السلام : مارأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد .
109 - وقال عليه السلام : العامل بالظلم ، والمعين عليه ، والراضي به شركاء
ثلاثة .
110 - وقال عليه السلام : الصبر صبران : صبر عند المصيبة حسن [ جميل ] و
أحسن من ذلك الصبر عندما حرم الله عليك . والذكر ذكران : ذكر عند
المصيبة حسن جميل وأفضل من ذلك ذكر الله عند ما حرم [ الله ] عليك فيكون ذلك
حاجزا .
* ( الهامش ) * ( 1 ) الحرب الذى سلب ماله وترك بلا شئ .
( 2 ) الهزل في الكلام : ضد الجد أى المزح والهذى .
( 3 ) اقتطع مال فلان أى أخذه لنفسه .
[ 56 ]
111 - وقال عليه السلام : اللهم لا تجعل بي حاجة إلى أحد من شرار خلقك ، وما
جعلت بي من حاجة فاجعلها إلى أحسنهم وجها ، وأسخاهم بها نفسا ، وأطلقهم بها لسانا
وأقلهم علي بها منا .
112 - وقال عليه السلام : طوبى لمن يألف الناس ويألفونه على طاعة الله .
113 - وقال عليه السلام : إن من حقيقة الايمان أن يؤئر العبد الصدق حتى نفر
عن الكذب حيث ينفع . ولا يعد المرء بمقالته علمه .
114 - وقال عليه السلام : أدوا الامانة ولو إلى قاتل ولد الانبياء ( 1 ) .
115 - وقال عليه السلام : التقوى سنخ الايمان .
116 - وقال عليه السلام : ألا إن الذل في طاعة الله أقرب إلى العز من التعاون
بمعصية الله .
117 - وقال عليه السلام : المال والبنون حرث الدنيا ، والعمل الصالح حرث الاخرة
وقد جمعها الله لاقوام .
118 - وقال عليه السلام : مكتوب في التوارة في صحيفتين ، إحديهما : من أصبح
على الدنيا حزينا فقد أصبح لقضاء الله ساخطا ، ومن أصبح من المؤمنين يشكو مصيبة
نزلت به إلى من يخالفه على دينه فإنما يشكو ربه إلى عدوه . ومن تواضع لغني
طلبا لما عنده ذهب ثلثا دينه ( 2 ) ومن قرأ القرآن فمات فدخل النار فهو ممن يتخذ
آيات الله هزوا . وقال : في الصحيفه الاخرى : من لم يستشر يندم ، ومن يستأثر ن
الاموال يهلك ( 3 ) والفقر الموت الاكبر .
119 - وقال عليه السلام : الانسان لبه لسانه ، وعقله دينه ، ومروته حيث يجعل
* ( الهامش ) * ( 1 ) في كنز الفوائد " إلى قاتل الانبياء " .
( 2 ) لان الخضوع لغير الله اذاء عمل لغيره واستعظام المال ضعف في اليقين فلم يبق
الا الاقرار باللسان .
( 3 ) استأثر بالمال : اختص نفسه به واختاره .
[ 57 ]
نفسه ، والرزق مقسوم ، والايام دول ، والناس إلى آدم شرع سواء ( 1 ) .
120 - وقال عليه السلام لكميل بن زياد : رويدك لا تشهر ( 2 ) واخف شخصك لا
تذكر ، تعلم تعلم . واصمت تسلم ، لا عليك إذا عرفك دينه لا تعرف الناس
ولا يعرفونك .
121 - وقال عليه السلام : ليس الحكيم من لم يدار من لا يجد بدا من مداراته .
122 - وقال عليه السلام : أربع لو ضربتم فيهن أكباد الابل ( 3 ) لكان ذلك يسيرا :
لا يرجون أحد إلا ربه ، ولا يخافن إلا ذنبه ، ولا يستحي أن يقول : لا أعلم إذا
هو لم يعلم ، ولا يستكبر أن يتعلم إذا لم يعلم .
123 - وكتب إلى عبدالله بن العباس أما بعد فاطلب ما يعنيك واترك ما لا
يعنيك ، فإن في ترك مالا يعنيك درك ما يعنيك ، وإنما تقدم على ما أسلفت لا على
ما خلفت . وابن ما تلقاه غدا على ما تلقاه . السلام .
124 - وقال عليه السلام : إن أحسن ما يألف به الناس قلوب أودائهم ، ونفوا به
الضغن عن قلوب أعدائهم : حسن البشر عند لقائهم ، والتفقد في غيبتهم ، والبشاشة
بهم عند حضورهم .
125 - وقال عليه السلام : لا يجد عبد طعم الايمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن
ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه .
126 - وقال عليه السلام : يا رب ما أشقى جد من لم يعظم في عينه وقلبه ما رأى
من ملكك وسلطانك في جنب مالم تر عينه وقلبه من ملكك وسلطانك . وأشقى منه
من لم يصغر في عينه وقلبه ما رأى ومالم يرمن ملكك وسلطانك في جنب عظمتك
وجلالك ، لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .
127 - وقال عليه السلام : إنما الدنيا فناء وعناء وغير وعبر فمن فنائها أنك
* ( الهامش ) * ( 1 ) " دول " أى لا ثبات فيها ولا قرار . والشرع - بكسر فسكون
وبفتحتين - : المثل .
( 2 ) رويدك - مصدر - أى امهل .
( 3 ) ضرب أكباد الابل في طلب الشئ كناية من أن يرحل اليه .
[ 58 ]
ترى الدهر موترا قوسه مفوقا نبله ( 1 ) لا تخطئ سهامه ، ولا تشفي جراحه ، يرمي
الصحيح بالسقم ، والحي بالموت ، ومن عنائها أن المرء يجمع مالا يأكل ، ويبني
مالا يسكن ، ثم يخرج إلى الله لا مالا حمل ولا بناء نقل ، ومن غيرها أنك ترى
المغبوط مرحوما ، والمرحوم مغبوطا ، ليس بينهم إلا نعيم زال وبؤس نزل ، ومن
عبرها أن المرء يشرف على أمله فيتخطفه أجله ، فلا أمل مدروك ، ولا مؤمل متروك
فسبحان [ الله ] ما أعز سرورها وأظمأ ريها وأضحى فيئها ، فكأن ما كان من الدنيا
لم يكن وكأن ما هو كائن قد كان . [ و ] أن الدار الاخرة هي دارالمقام ودار القرار
وجنة ونار . صار أولياء الله إلى الاجر بالصبر وإلى الامل بالعمل .
128 - وقال عليه السلام : من أحب السبل إلى الله جرعتان : جرعة غيظ تردها
بحلم وجرعة حزن تردها بصبر . ومن أحب السبل إلى الله قطرتان : قطرة دموع
في جوف الليل ، وقطرة دم في سبيل الله ، ومن أحب السبل إلى الله خطوتان :
خطوة امرء مسلم يشد بها صفا في سبيل الله ، وخطوة في صلة الرحم [ وهي ]
أفضل من خطوة يشد ( 2 ) بها صفا في سبيل الله .
129 - وقال عليه السلام : لا يكون الصديق لاخيه صديقا حتى يحفظه في نكبته
وغيبته وبعد وفاته .
130 - وقال عليه السلام : إن قلوب الجهال تستفزها الاطماع ، وترهنا المنى
وتستعلقها الخدائع ( 3 ) .
* ( الهامش ) * ( 1 ) موترا قوسه : مشدوترها . " مفوقا نبله " أى موضع فوقته في
الوتر ليرمى به .
والفوق : موضع الوتر من رأس السهم حيث يقع الوتر .
( 2 ) في بعض النسخ [ يشهد ] في الموضعين .
( 3 ) " تستفزها " أى تستخفها وتخرجها من مقرها و " ترهنها المنى " في الكافى "
ترتهنها "
وهى اراده مالا يتوقع حصوله ، أو المراد بها ما يعرف للانسان من أحاديث النفس ،
وتسويل
الشيطان . أى تأخذها وتجعلها مشغولة بها ولا تتركها الا بحصول ما تتمناه ، كما أن
الرهن
لا ينفك الابأداء المال وقوله : " تستعلقها " بالعين المهملة ثم القاف أى تصيدها
وتربطها
[ 59 ]
131 - وقال عليه السلام : من استحكمت [ لي ] فيه خصلة من خصال الخير اغتفرت
ما سواها ولا أغتفر فقد عقل ولا دين ، مفارقة الدين مفارقة الامن ، ولا حياة
مع مخافة وفقد العقل فقد الحياة ولا يقاس [ إلا ] بالاموات ( 1 ) .
132 - وقال عليه السلام : من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن
ومن كتم سره كانت الخيرة في يده ( 2 ) .
133 - قال عليه السلام : إن الله يعذب ستة بستة : العرب بالعصبية ، والدهاقين
بالكبر ، والامراء بالجور ، والفقهاء بالحسد ، والتجار بالخيانة ، وأهل الرستاق
بالجهل .
134 - وقال عليه السلام : أيها الناس اتقوا الله ، فإن الصبر على التقوى أهون
من الصبر على عذاب الله .
135 - وقال عليه السلام : الزهد في الدنيا قصر الامل وشكر كل نعمة والورع
عن كل ما حرم الله .
136 - وقال عليه السلام : إن الاشياء لما ازدوجت ازدوج الكسل والعجز فنتج
منهما الفقر ( 3 ) .
* ( الهامش ) * بالحبال من قولهم : " علق الوحش بالحبالة " اذا تعوق وتشب فيها .
وفى بعض النسخ بالقافين
أى تجعلها الخدائع منزعجة منقلعة من مكانها . وفى بعضها بالغين المعجمة ثم القاف من
قولهم : " استغلقنى في بيعه " أى لم يجعل لى خيارا في رده . ( قاله المؤلف )
( 1 ) كذا . وفى الكافى ج 1 ص 27 " عن امير المؤمنين عليه السلام من استحكمت
لى فيه خصلة من خصال الخير احتملته عليها واعتفرت فقد ماسواها ، ولا أغتقر فقد عقل
ولا
دين ، لان مفارقة الدين مفارقة الامن فلا يتهنأ بحياة مع مخافة ، وفقد العقل فقد
الحياة
ولا يقاس الا بالاموات " . واستحكمت أى أثبتت وصارت ملكة راسخة : واحتملته أى قبلته
ورحمته
على تلك الخصلة . وقوله " لا يقاس الا بالاموات " ذلك لعدم اطلاعه على وجوه مفاسده
ومصالحه
وعدم اهتدائه إلى دفع مضاره وجلب منافعه .
( 2 ) الخيرة : الخيار وذلك لان من أسر عزيمة فله الخيار بخلاف من أفشاها .
( 3 ) في بعض النسخ من المصدر " بينهما الفقر " .
[ 60 ]
137 - وقال عليه السلام : ألا إن الايام ثلاثة : يوم مضى لا ترجوه ، ويوم بقي
لا بد منه ( 1 ) ويوم يأتي لا تأمنه ، فالامس موعظة ، واليوم غنيمة ، وغدا لا تدري
من أهله ، أمس شاهد مقبول ، واليوم أمين مؤد ، وغد يجعل بنفسك سريع الظعن ( 2 )
طويل الغيبة ، أتاك ولم تأته . أيها الناس إن البقاء بعد الفناء ، ولم تكن إلا وقد
ورثنا من كان قبلنا ، ولنا وارثون بعدنا ، فاستصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه
واسلكوا سبل الخير ، ولا تستوحشوا فيها لقلة أهلها ، واذكروا حسن صحبة الله لكم
فيها ، ألا وإن العواري اليوم ، والهبات غدا ، وإنما نحن فروع لاصول قد مضت فما
بقاء الفروع بعد اصولها ، أيها الناس إنكم إن آثرتم الدنيا على الاخرة أسرعتم
إجابتها
إلى العرض الادنى ، ورحلت مطايا آمالكم إلى الغاية القصوى ، يورد مناهل
عاقبتها الندم ، وتذيقكم ما فعلت بالامم الخالية ، والقرون الماضية ، من تغير
الحالات ، وتكون المثلات .
138 - وقال عليه السلام : الصلاة قربان كل تقي ، والحج جهاد كل ضعيف
ولكل شئ زكاة وزكاة البدن الصيام ، وأفضل عمل المرء انتظاره فرج الله ، والداعي
بلا عمل كالرامي بلا وتر ، ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية ، استنزلوا الرزق بالصدقة
وحصنوا أموالكم بالزكاة ، ما عال امرء اقتصد ، والتقدير نصف العيش ، والتودد
نصف العقل ، والهم نصف الهرم ، وقلة العيال أحد اليسارين ، ومن حزن والديه عقهما
ومن ضرب بيده على فخذه عند المصيبة حبط أجره ، والصنيعة لا تكون صنيعة إلا
عند ذي حسب أو دين ، والله ينزل الرزق على قدر المصيبة ، فمن قدر رزقه الله ، ومن
بذر حرمه الله ، والامانة تجر الرزق ، والخيانة تجر الفقر ، ولو أراد الله بالنملة
صلاحا ما أنبت [ لها ] جناحا .
139 - وقال عليه السلام : متاع الدنيا حطام وتراثها كباب ، بلغتها أفضل من
* ( الهامش ) * ( 1 ) في بعض النسخ من المصدر " لا تدمنه " أى لا تدومه .
( 2 ) الطعن : الرحلة .
[ 61 ]
أثرتها ، وقلعتها أركن من طمأنينتها ( 1 ) حكم بالفاقة على مكثرها ، واعين
بالراحة من رغب عنها ، من راقه رواؤها ( 2 ) أعقبت ناظريه كمها ( 3 ) ومن استشعر
شعفها ملات قلبه أشجانا ، لهن رقص على سويداء قلبه كرقيص الزبدة على أعراض
المدرجة ( 4 ) هم يحزنه ، وهم يشغله ( 5 ) كذلك حتى يؤخذ بكظمه ، ويقطع
أبهراه ، ويلقى هاما للقضاء ، طريحا هينا على الله مداه ( 6 ) وعلى الابرار ملقاه (
7 )
وإنما ينظر المؤمن إلى الدنيا بعين الاعتبار ويقتات منها ببطن الاضطرار ، ويسمع
فيها باذن النفث ( 8 ) .
* ( الحامش ) * ( 1 ) الحطام - كغراب - : ماتكسر من يبس النبات . والكباب - كغراب -
: الكثير
من الابل والغنم والتراب والطين اللازب وأمثالها . والبلغة : الكفاف . والاثرة -
كقصبة - :
الاختيار واختصاص المرء بالشئ دون غيره . والقلعة : الرحلة .
( 2 ) في بعض نسخ المصدر " من راقه زبرجها " وفى بعضها " من فاقه رواها " . وراقه
الشى :
أعجبه ، والرواء - بضم الراء - : حسن المنظر ، والزبرج : الزينة وكل شئ حسن والذهب
.
( 3 ) الكمه . - محركة - : العمى .
( 4 ) في بعض النسخ " من استشعف برواها " والشعف - محركة - : الولوع وشدة
التعلق وغلبة الحب . وفى بعض نسخ الحديث والنهج " ومن استشعر الشعف بها " .
والاشجان :
الاحزان ، والرقص الغليان والاضطراب ، واستعار عليه السلام لفظ الرقص لتعاقب
الاحزان
والهموم واضطرابهما في قلبه . والزبدة ما يستخرج من اللبن بالمخض .
( 5 ) في بعض نسخ المصدر " هم يعمره وهم يسفره " .
( 6 ) الكظم - بالضم والتحريك - : مخرج النفس . والابهران : العرقان اللذان
يخرجان من القلب . والهامة : الجثة . والمدى : الغاية والمنتهى . وفى النهج " هينا
على الله
فناؤه وعلى الاخوان القاؤه " أى طرحه في قبره .
( 7 ) الملقى : الموضع .
( 8 ) " يقتات " في بعض النسخ " بقبات " وهو تصحيف من النساخ . وفى النهج " ويسمع
فيها باذن المقت والابغاض " . ولعله هو الصحيح .
[ 62 ]
140 - وقال عليه السلام : تعلموا الحلم فإن الحلم خليل المؤمن ووزيره ، والعلم
دليله ، والرفق أخوه ، والعقل رفيقه ، والصبر أمير جنوده .
141 - وقال عليه السلام لرجل تجاوز الحد في التقشف ( 1 ) : يا هذا أما سمعت
قول الله : " وأما بنعمة ربك فحدث ( 2 ) " فوالله لا بتذالك نعم الله بالفعال أحب
إليه
من ابتذالها بالمقال .
142 - وقال لابنه الحسن عليهما السلام : اوصيك بتقوى الله ، وإقام الصلاة لوقتها
وإيتاء الزكاة عند محلها ، واوصيك بمغفرة الذنب ، وكظم الغيظ ، وصلة الرحم
والحلم عند الجاهل ، والتفقه في الدين ، والتثبت في الامر ، والتعهد للقرآن ، وحسن
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 71 من صفحة 62 سطر 9 إلى صفحه 70 سطر 9
الجوار ، والامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، واجتناب الفواحش كلها في كل ما
عصى الله فيه .
143 - وقال عليه السلام : قوام الدنيا بأربعة : بعالم مستعمل لعلمه ، وبغني باذل
لمعروفه ، وبجاهل لا يتكبر أن يتعلم ، وبفقير لا يبيع آخرته بدنيا غيره ، وإذا عطل
العالم علمه ، وأمسك الغني معروفه ، وتكبر الجاهل أن يتعلم ، وباع الفقير آخرته
بدنيا غيره فعليهم الثبور .
144 - وقال عليه السلام : من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق
بأن لا ينزل به مكروه أبدا ، قيل : وماهن يا أمير المؤمنين ؟ قال : العجلة ،
واللجاجة
والعجب ، والتواني .
145 - وقال عليه السلام : اعلموا عباد الله أن التقوى حصن حصين ، والفجور حصن
ذليل ، لا يمنع أهله ، ولا يحرز من لجأ إليه ، ألا وبالتقوى تقطع حمة الخطايا ( 3 )
وبالصبر على طاعة الله ينال ثواب الله ، وباليقين تدرك الغاية القصوى ، عباد الله
إن
الله لم يحظر على أوليائه مافيه نجاتهم ( 4 ) إذ دلهم عليه ، ولم يقنطهم من رحمته
* ( الهامش ) * ( 1 ) تقشف الرجل في لباسه اذا لم يتعاهد النظافة .
( 2 ) سورة الضحى : 11 .
( 3 ) الحمة : السم . وحمة البرد : شدته .
( 4 ) لم يحظر اى لم يمنع . وفى بعض نسخ المصدر " مافيه تجارتهم " .
[ 63 ]
لعصيانهم إياه إن تابوا إليه .
146 - وقال : الصمت حكم ، والسكوت سلامة ، والكتمان طرف من
السعادة .
147 - وقال عليه السلام : تذل الامور للمقدور حتى تصير الافة في التدبير ( 1 ) .
148 - وقال عليه السلام : لا يتم مروة الرجل حتى يتفقه [ في دينه ] ويقتصد في
معيشته ، ويصبر على النائبة إذا نزلت به ، ويستعذب مرارة إخوانه .
149 - وسئل عليه السلام ما المروة ؟ فقال : لا تفعل شيئا في السر تستحيي منه في
العلانية .
150 - وقال عليه السلام : الاستغفار مع الاصرار ذنوب مجددة .
151 - وقال عليه السلام : سكنوا في أنفسكم معرفة ما تعبدون حتى ينفعكم ما
تحركون من الجوارج بعبادة من تعرفون .
152 - وقال عليه السلام : المستأكل بدينه حظه من دينه ما يأكله .
153 - وقال عليه السلام : الايمان قول مقبول ( 2 ) وعمل معمول وعرفان بالعقول .
154 - وقال عليه السلام : الايمان على أربعة أركان التوكل على الله ، والتفويض
إلى الله ، والتسليم لامر الله ، والرضى بقضاء الله ، وأركان الكفر أربعة : الرغبة
والرهبة
والغضب والشهوة ( 3 ) .
155 - وقال عليه السلام : من زهد في الدنيا ، ولم يجزع من ذلها ، ولم ينافس في
عزها ( 4 ) هداه الله بغير هداية من مخلوق ، وعلمه بغير تعليم ، وأثبت الحكمة في
* ( الهامش ) * ( 1 ) وفى النهج " تذل الامور للمقادير حتى يكون الحتف في التدبير "
. وأيضا في
موضع آخر منه " يغلب المقدار على التقدير حتى تكون الافة في التدبير " . والتقدير :
القياس .
( 2 ) وفى بعض النسخ " مقول " .
( 3 ) وفى الكافى ج 2 ص 47 ، 289 بتقديم وتأخير .
( 4 ) نافس فلانا في الامر : فاخره وباراه فيه .
[ 64 ]
صدره ، وأجراها على لسانه .
156 - وقال عليه السلام : إن الله عبادا عاملوه بخالص من سره ، فشكر لهم بخالص
من شكره ، فأولئك تمر صحفهم يوم القيامة فرغا ( 1 ) فإذا وقفوا بين يديه ملا هالهم
من سر ما أسروا إليه .
157 - وقال عليه السلام : ذللوا أخلاقكم بالمحاسن وقودوها إلى المكارم ، وعودوا
أنفسكم الحلم ، واصبروا على الايثار على أنفسكم فيما تحمدون عنه ، ولا تداقوا
الناس وزنا بوزن ( 2 ) وعظموا أقداركم بالتغافل عن الدني من الامور ، وأمسكوا
رمق الضعيف ( 3 ) بجاهكم وبالمعونة له إن عجزتم عما رجاه عندكم ، ولا تكونوا
بحاثين عما غاب عنكم ( 4 ) فيكثر عائبكم ( 5 ) ، وتحفظوا من الكذب ، فإنه من
أدنى الاخلاق قدرا وهو نوع من الفحش ، وضرب من الدناءة ، وتكرموا
بالتعامي عن الاستقصاء - وروي بالتعامس من الاستقصاء - ( 6 ) .
158 - وقال عليه السلام : كفى بالاجل حرزا إنه ليس أحد من الناس إلا ومعه
حفظة من الله يحفظونه أن لا يتردى في بئر ، ولا يقع عليه حائط ، ولا يصيبه سبع ،
فإذا جاء أجله خلوا بينه وبين أجله .
أقول : وجدت في مناقب ابن الجوزي ( 7 ) فصلا في كلام أميرالمؤمنين عليه السلام
فأحببت إيراده قال : قال أبونعيم في الحلية :
1 - حدثنا عمربن محمد ، حدثنا الحسين بن محمد بن عفير ، حدثنا الحسن بن
علي ، حدثنا خلف بن تميم حدثنا عمربن الرحال ، عن العلاء بن المسيب ، عن
* ( الهامش ) * ( 1 ) فرغا أى خاليا فارغا .
( 2 ) أى لا تحاسبهم بالدقة في الامور ولا تستقصهم فيها .
( 3 ) في بعض نسخ المصدر " من الضعيف " . والجاه : القدر والشرف .
( 4 ) في بعض نسخ المصدر " بحانين " .
( 5 ) في بعض النسخ " فيكبر غائبكم " .
( 6 ) تعامى فلان : اظهر من نفسه العمى والمراد التغافل عنه . والتعامس : التغافل .
( 7 ) المصدر ص 77 مع اختلاف كثير .
[ 65 ]
عبد خير قال : قال لي أميرالمؤمنين عليه السلام : ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ،
ولكن
الخير أن يكثر علمك ويعظم حلملك [ وأن تباهي الناس بعبادة ربك ، فإن أحسنت
حمدت الله ، وإن أسأت استغفرت الله ] . ولا خير في الدنيا إلا لاحد رجلين : رجل
أذنب ذنبا فهو يتدارك ذلك بتوبة ، أو رجل يسارع في الخيرات . ولا يقل عمل
في تقوى ، وكيف يقل ما يتقبل .
2 - وقال أبونعيم : حدثنا أبي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن قال : كتب
إلي أحمد بن إبراهيم بن هشام الدمشقي حدثنا أبوصفوان القاسم بن يزيد بن
عوانة ، عن ابن حرث ، عن ابن عجلان ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده عليهم
السلام
قال : شيع أمير المؤمنين عليه السلام جنازة فلما وضعت في لحدها عج أهلها ( 1 )
وبكوا
فقال : ما تبكون ؟ أما والله لوعاينوا ما عاين ميتهم لاذهلهم ذلك عن البكاء عليه
أما والله إن له إليهم لعودة ، ثم عودة ، حتى لا يبقي منهم أحدا ، ثم قام فيهم فقال
:
اوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ضرب لكم الامثال ، ووقت لكم الاجال ، وجعل
لكم أسماعا تعي ما عناها [ وأبصارا لتجلوا عن غشاها ] وأفئدة تفهم مادها ها [ في
تركيب صورها وما أعمرها ] فإن الله لم يخلقكم عبثا ، ولم يضرب عنكم الذكر
صفحا ، بل أكرمكم بالنعم السوابغ [ وأرفدكم بأوفر الروافغ ، وأحاط بكم
الاحصاء ، وأرصد لكم الجزاء في السراء والضراء ] .
فاتقوا الله عباد الله ، وجدوا في الطلب ، وبادروا بالعمل قبل [ مقطع
النهمات ( 2 ) و ] هاذم اللذات ( 3 ) ومفرق الجماعات ، فإن الدنيا لا يدوم نعيمها
ولا تؤمن فجائعها ، غرور حائل [ وشبح فائل ( 4 ) ] ، وسناد مائل ، ونعيم زائل .
* ( الهامش ) * ( 1 ) عج يعج عجا : صاح ورفع صوته .
( 2 ) النهمة : بلوغ الهمة والشهوة في الشئ ، يقال " له في هذا الامر نهمة " أى
شهوة
و " قضى منه نهمته " أى شهوته .
( 3 ) الهاذم بالذال المعجمة بمعنى الهادى ويستعمل مع الموت .
( 4 ) الشبح : الشخص . وما ينظر بالعين من ابل وغنم وبناء . والفائل - فاعل عن
فال يفيل رأيه : أخطأ وضعف .
[ 66 ]
وجيد عاطل .
فاتعظوا عباد الله بالعبر [ واعتبروا بالايات والاثر ] وازدجروا بالنذر
[ وانتفعوا بالمواعظ ] فكأن قد علقتكم مخالب المنية [ وأحاطت بكم البلية
وضمكم بيت التراب ] ودهمتكم مفظعات الامور بنفخة الصور ، وبعثرة القبور
وسياقة المحشر ، وموقف الحساب في المنشر ، وبرز الخلائق حفاة عراة ، وجاءت
كل نفس معها سائق وشهيد ، ونوقش الناس على القليل والكثير ، والفتيل
والنقير ( 1 ) وأشرقت الارض بنور ربها ، ووضع الكتاب وجئ بالنبيين والشهداء
وقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون " فارتجت ( 2 ) لذلك اليوم البلاد ، وخشع العباد
وناد المناد من مكان قريب ، وحشرت الوحوش ، وزوجت النفوس [ مكان مواطن
الحشر ، وبدت الاسرار ، وهلكت الاشرار ، وارتجت الافئدة ، فنزلت بأهل النار
من الله سطوة مجيحة ، وعقوبة منيحة ( 3 ) ] وبرزت الجحيم ، لها كلب ولجب ، وقصيف
رعد ( 4 ) وتغيظ ووعيد ، قد تأجج جحيمها ( 5 ) وغلا حميمها .
فاتقوا الله عباد الله تقية [ من كنع فخنع ] ( 6 ) وجل و [ رحل ] وحذر
فأبصر وازدجر ، فاحتث طلبا ( 7 ) ونجا هربا ، وقدم للمعاد ، واستظهر من الزاد
وكفى بالله منتقما ، وبالكتاب خصيما [ وحجيجا ] ، وبالجنة ثوابا [ ونعيما ]
وبالنار وبالا وعقابا ، وأستغفر الله لي ولكم .
* ( الهامش ) * ( 1 ) النقير . النكتة في ظهر النواة . وهو كناية عن القليل .
( 2 ) ارتج البحر : اضطراب .
( 3 ) المجيحة : المهلكة والمستأصلة - والمنيحة أى الشديدة المحرقة .
( 4 ) الكلب : الشدة ، واللجب : صوت الهياج واضطراب الامواج . وقصيف الرعد :
شدة صوته . ( 5 ) التأجج : التلهب والاضطرام .
( 6 ) كنع أى جبن وهرب . وخنع أى خضع وذل . وجل أى خرج من بلده .
( 7 ) احتث على الامر واحتثه : حضه ونشطه على فعله .
[ 67 ]
قلت ( 1 ) : قد رفعت إلينا ألفاظا من هذا الكتاب يشتمل على فصل الخطاب
حذفنا إسنادها طلبا للاختصار وخوفا للاكثار .
3 - قوله عليه السلام : الدنيا دار ممر ، والاخرة دار مقر ، فخذوا من ممركم
لمقركم ، ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم ، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم
قبل أن تخرج منها أبدانكم ، ففيها اختبرتم ، ولغيرها خلقتم ، إن الجنازة إذا
حملت قال الناس : ماذا ترك ؟ وقالت الملائكة ماذا قدم ؟ فقدموا بعضا يكن لكم
ولا تؤخروا كلا يكن عليكم .
4 - وقال عليه السلام : إذا رأيتم الله تتابع نعمه عليكم وأنتم تعصونه فاحذروه .
5 - وقال عليه السلام : من كفارة الذنوب العظام إغاثة الملهوف ، والتنفس
عن المكروب .
6 - وقال عليه السلام : إذا كنت في إدبار والموت في إقبال فما أسرع الملتقى .
7 - وقال عليه السلام : من أطال الامل أساء العمل ، وسيئة تسوؤك خير من
حسنة تسرك .
8 - وقال عليه السلام : الدهر يخلق الابدان ( 2 ) ويجدد الامال ، ويقرب المنية
ويباعد الامنية ، من ظفر به تعب ، ومن فاته نصب .
9 - وقال عليه السلام : عجبت لمن يقنط ومعه الاستغفار .
10 - وقال عليه السلام : لكان في الارض أمانان فرفع أحدهما وهو رسول الله صلى الله
عليه وآله
فتمسكوا بالاخر وهو الاستغفار قال تعالى " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم - الاية
" .
11 - وقال عليه السلام : من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس ،
ومن عمل لاخرته كفاه الله أمر دنياه ، ومن كان له في نفسه واعظ كان عليه من الله
حافظ .
12 - وقال عليه السلام : كم من مستدرج بالاحسان إليه ، ومغرور بالستر عليه
ومفتون بحسن القول فيه ، وشتان بين عملين عمل تذهب لذته ويبقى تبعته ، وعمل
* ( الهامش ) * ( 1 ) القائل هو سبط ابن الجوزى قاله في المناقب ص 78 .
( 2 ) خلق الثوب - بكسر اللام - : بلى .
[ 68 ]
تذهب مؤونته وتبقى أجره .
13 - وقال عليه السلام : استنزلوا الرزق بالصدقة ، فمن أيقن بالخلف جاد
بالعطاء .
14 - وقال عليه السلام : من اعطى أربعا لم يحرم أربعا : من اعطى الدعاء لم يحرم
الاجابة ، ومن اعطى التوبة لم يحرم القبول ، ومن اعطى الاستغفار لم يحرم
المغفرة ، ومن اعطى الشكر لم يحرم الزيادة ، وقال : مصداق ذلك في كتاب الله
قال الله تعالى في الدعاء " ادعوني أستجب لكم " وقال في التوبة " إنما التوبة على
الله للذين يعلمون السوء بجهالة الاية " وقال في الاستغفار " ومن يعمل سواء أو يظلم
نفسه ثم يستغفر الله الاية " وقال في الشكر " لئن شكرتم لازيدنكم " .
15 - وقال عليه السلام : الاستغفار درجة العليين ، وهو اسم واقع على ستة معان :
أولها الندم على الفعل ، والثاني العزم على الترك وأن لا يعود ، والثالث تأدية
الحقوق
ليلقى الله تعالى وليس عليه تبعة ، والرابع أن يعمد إلى كل فريضة فيؤدي حقها
والخامس أن يذيب اللحم الذي نبت منه السحت بالهموم والاحزان حتى يكتسي
لحما آخر من الحلال ، والسادس أن يذيق جسمه ألم الطاعة كما أذاقه لذة
المعصية .
16 - وقال صلوات الله عليه : لا تكن ممن يريد الاخرة بعمل الدنيا أو بغير
عمل ، ويؤخر التوبة بطول الامل ، يقول في الدنيا قول الزاهدين ، ويعمل فيها عمل
الراغبين ، إن اعطى منها لم يشبع ، وإن ملك الكثير لم يقنع ، يأمر بالمعروف ولا
يأتمر ، وينهى ولا ينتهي ، يحب الصالحين ولا يعمل بعملهم ، ويبغض العاصين وهو
أحدهم ، يكره الموت لكثرة ذنوبه ويقيم على ما يكره الله منه ، تعجبه نفسه إذا عوفي
ويقنط إذا ابتلي ، إن أصابه بلاء دعا مضطرا ، وإن ناله رخاء أعرض مغترا ، تغلبه
نفسه على ما يظن ، ولا يغلبها على ما يستيقن ، إن استغنى بطر ، وإن افتقر قنط ،
يقدم
المعصية ويسوف التوبة ، يصف العبر ولا يعتبر ، ويبالغ في الموعظة ولا يتعظ ، فهو
من القول مكثر ، ومن العمل مقل ، يناقش فيما يفنى ، ويسامح فيما يبقى ، يرى
[ 69 ]
المغنم مغرما ، والمغرم مغنما ، يخشى الموت ولا يبادر الفوت ، يستعظم من معاصي غيره
ما يستقله من معاصي نفسه ، ويستكثر من طاعته ما يحتقره من طاعة غيره ، فهو على
الناس طاعن ، ولنفسه مداهن ، اللغو مع الاغنياء أحب إليه من الذكر مع الفقراء
يرشد غيره ويغوي نفسه " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب
أفلا تعقلون " .
17 - وقال عليه السلام : من أصبح على الدنيا حزينا أصبح لقضاء الله ساخطا ومن
أصبح يشكو مصيبة نزلت به إلى مخلوق مثله فإنما يشكو ربه ، ومن أتى غنيا
يتواضع له لاجل دنياه ذهب ثلثا دينه . قالوا : ومعنى هذا أن المرء إنسان بجسده
وقلبه ولسانه والتواضع يحتاج فيه إلى استعمال الجسد واللسان فإن أضاف إلى
ذلك القلب ذهب جميع دينه .
18 - وقال عليه السلام : إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار ، وإن قوما
عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد ، وإن قوما عبدوه شكرا فتلك عبادة الاحرار .
19 - وقال عليه السلام : احذروا نفار النعم فماكل شارد بمردود ( 1 ) .
20 - وقال عليه السلام : أفضل الاعمال ما اكرهت عليه نفسك .
21 - وقال عليه السلام : لولم يتواعد الله عباده على معصيته لكان الواجب ألا يعصى
شكرا لنعمه ، ومن ههنا أخذ القائل - وقيل إنها لاميرالمؤمنين عليه السلام :
هب البعث لم تأتنا رسله * وجاحمة النار لم تضرم
أليس من الواجب المستحق * حياء العباد من المنعم ( 2 )
22 - وقال عليه السلام : ما أكثر العبر : وما أقل المعتبرين .
23 - وقال عليه السلام : أقل ما يلزمك لله تعالى ألا تستعينوا بنعمه على معاصيه .
24 - وقال عليه السلام : المدة وإن طالت قصيرة ، والماضي للمقيم عبرة ، والميت
للحي عظة ، وليس الامس عودة ، ولا أنت من غد على ثقة ، وكل لكل مفارق
* ( الهامش ) * ( 1 ) نفار النعم : النعم الزائلة . ونفورها بعدم أداء الحق منها .
والشادر : النافر .
( 2 ) جحم النار : أوقدها ، وجحمة النار توقدها ، وضرمت النار : اشتعلت .
[ 70 ]
وبه لا حق ، فاستعدوا ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
واصبروا على عمل لا غنى لكم عن ثوابه ، وارجعوا عن عمل لا صبر لكم على عقابه
فإن الصبر على الطاعة أهون من الصبر على العذاب ، وإنما أنتم نفس
معدود ، وأمل ممدود ، وأجل محدود ، ولابد للاجل أن يتناهى ، وللنفس أن
يحصى ، وللعمل أن يطوى " وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون " .
25 - وقال عليه السلام : اتقوا معاصي الله في الخلوات فإن الشاهد هو الحاكم .
26 - وقال عليه السلام : كم من مؤمل مالا يبلغه ، وبان مالا يسكنه مما سوف يتركه
ولعله من باطل جمعة ، أصابه حراما ، واحتمل منه آثاما ، وربما استقبل الانسان يوما
ولم
يستدبره ، ورب مغبوط في أول يومه قامت بواكيه في آخره ، ومن ههنا أخذ القائل :
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 71 من صفحة 70 سطر 10 إلى صفحه 78 سطر 10
يا راقد الليل مسرورا بأوله * إن الحوادث قد يطرقن أسحارا
أفنى القرون التي كانت مسلطة * من الحوادث إقبالا وإدبارا
يا من يكابد دنيا لا بقاء لها * يمسي ويصبح تحت الارض سيارا
كم قد أبادت صروف الدهر من ملك * قد كان في الارض نفاعا وضرارا
27 - وقال عليه السلام : الزهد كله في كلمتين من القرآن قال الله تعالى : " لكيلا
تأسوا على مافاتكم ولا تفرحوا بما آتيكم " فمن لم يأس على الماضي ولم يفرح
بالاتي فهو الزاهد .
28 - وقال عليه السلام : أفضل الزهد إخفاؤه .
29 - وقال عليه السلام : أخذوا من الله ما حذركم من نفسه ، واخشوه خشية يظهر
أثرها عليكم ، واعملوا بغير رياء ولا سمعة فان من عمل لغير الله وكله الله إلى من
عمل له .
30 - وقال عليه السلام : يوشك أن يفقد الناس ثلاثا : درهما حلالا ، ولسانا صادقا ،
وأخا
يستراح إليه .
31 - وقال عليه السلام : استعدوا للموت فقد أظلكم غمامه ، وكونوا قوما صيح بهم
فانتبهوا وانتهوا فما بينكم وبين الجنة والنار سوى الموت ، وإن غاية تنقصها اللحظة
[ 71 ]
وتهدمها الساعة لجديرة بقصر المدة ، وإن غائبا يحدوه الجديد ان لحري بسرعة
الاوبة ( 1 ) .
فرحم الله عبدا سمع حكمة فوعى ، ودعي إلى خلاص نفسه فدنا ، واستقام على
الطريقة فنجا ، وأحب ربه ، وخاف ذنبه ، وقدم صالحا ، وعمل خالصا ، واكتسب
مذخورا ، واجتنب محذورا ، ورمى غرضا ، وأحرز عوضا ، وكابد هواه ، وكذب مناه ،
وجعل الصبر مطية نجاته ، والتقوى عدة عند وفاته ، ركب الطريق الغراء ، ولزم
المحجة البيضاء واغتنم المهل ، وبادر الاجل ، وتزود من العمل .
32 - وقال عليه السلام في صفة الدنيا : دار أولها عناء ، وآخرها فناء ، وحلالها
فيه حساب ، وحرامها فيه عقاب ، من استغنى فيها فتن ، ومن افتقر فيها حزن ، ومن
سعى إليها فاتته ، ومن قعد عنها أتته ، ومن أبصر بها بصرته ، ومن أبصر إليها
أعمته .
33 - وقال عليه السلام : من لم يقنعه اليسير ( 2 ) لم ينفعه الكثير .
34 - وقال عليه السلام : عليك بمداراة الناس ، وإكرام العلماء ، والصفح عن زلات
الاخوان فقد أدبك سيد الاولين والاخرين بقوله صلى الله عليه وآله " اعف عمن ظلمك ،
وصل
من قطعك ، وأعط من حرمك " .
35 - وقال عليه السلام : وقدمر على المقابر قال : السلام عليكم يا أهل القبور
أنتم لنا سلف ، ونحن لكم خلف ، وإنا إن شاءالله بكم لا حقون ، أما المساكن فسكنت
وأما الازواج فنكحت ، وأما الاموال فقسمت ، هذا خبر ما عندنا ، فليت شعري
ما خبر ما عندكم ، ثم قال : أما إنهم إن نطقوا لقالوا : وجدنا التقوى خير زاد .
* ( الهامش ) * ( 1 ) " غاية تنقصها اللحظة " الغاية هى الاجل و " تنقصها " أى نتقص
أمد الانتهاء اليها
وكل لحظة تمر فهى تنقص في الامد بيننا وبين الاجل . والساعة تهدم ركنا من ذلك الامد
وما كان كذلك فهو جدير بقصر المدة . والمراد بالغائب : الموت . ويحدوه أى يسوقه .
والمراد بالجديدان : الليل والنهار . والاوبة : الرجوع .
( 2 ) في المصدر " من لم ينفعه اليسير " .
[ 72 ]
36 - وقال كميل بن زياد : سمع أمير المؤمنين - كرم الله وجهه - قائلال ينشد
أبيات الاسود بن يعفر :
ماذا اؤمل بعد آل محرق * تركوا منازلهم وبعد إباد
فقال : هلا قرأتم " كم تركوا من جنات وعيون - الاية " ( 1 ) .
[ 37 - وقال عليه السلام : العجب ممن يدعو ويستبطئ الاجابة وقد سد طريقها
بالمعاصي ] .
38 - وقال عليه السلام في وصف التائبين : غرسوا أشجار ذنوبهم نصب عيونهم وقلوبهم
وسقوها بمياه الندم ، فأثمرت لهم السلامة ، وأعقبتهم الرضا والكرامة .
39 - وقال عليه السلام في صفة الاولياء : قال أبونعيم : حدثنا عبدالله محمد ، حدثنا
أبويحيى الرازي ، حدثنا هناد ، عن ابن الفضيل ، عن الحسن البصري قال : قال
أميرالمؤمنين - كرم الله وجهه - طوبى لمن عرف الناس ولم يعرفه الناس اولئك مصابيح
الهدى ، بهم يكشف الله عن هذه الامة كل فتنة مظلمة ، اولئك سيدخلهم الله في رحمة
منه وفضل . ليسوا بالمذاييع البذر ( 2 ) ولا الجفاة المرائين .
المذياع الذي لا يكتم السر .
40 - وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا علي بن الجعدي ، أخبرنا عمروبن شمر
عن السدي ، عن أبي أراكة قال : صليت مع أميرالمؤمنين عليه السلام صلاة الفجر فلما
سلم انفتل عن يمينه ، ثم مكث كأن عليه كآبة حتى إذا كانت الشمس على حائط
المسجد قيد رمح أو رمحين ( 3 ) قلب يده وقال لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه
وآله فما أرى
اليوم شيئا يشبههم لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا صفرا ، بين أعينهم أمثال ركب
المعزى ، قد باتو الله سجدا وقياما ، يتلون كتاب الله ، يراوحون بين جباههم
* ( الهامش ) * ( 1 ) الدخان : 25 .
( 2 ) والبذر - ككتف - : الذى يفشى السر .
( 3 ) القيد - بفتح القاف - : القدر .
[ 73 ]
وأقدامهم ( 1 ) فإذا أصبحوا فذكروا الله مادوا كما تميد الشجر في يوم ريح عاصف
وهملت عيونهم ( 2 ) حتى تبل ثيابهم والله لكأن القوم باتوا غافلين ، ثم نهض فما
رئي مفترا حتى ( 3 ) ضربه اللعين ابن ملجم .
41 - وروى مجاهد ، عن ابن عباس قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام يومأ قد
وصف المؤمن فقال : حزنة في قلبه وبشره في وجهه ، وأوسع الناس صدرا ، وأرفعهم
قدرا ، يكره الرفعة ، ولا يحب السمعة ، طويل غمه ، بعيد همه ، كثير صمته
مشغول بما ينفعه ، صبور شكور ، قلبه بذكر الله معمور ، سهل الخليقة لين
العريكة .
42 - وفي رواية ، عن أبي أراكة ، وعن ابن عباس أيضا قالا : سمعنا
أمير المؤمنين - كرم الله وجهه - يقول : أما بعد فإن الله سبحانه خلق الخلائق
حين خلقهم وهو غني عن طاعتهم ، ولا يتضرر بمعصيتهم لانه سبحانه لا تضره معصية
من عصاه ، ولا ينفعه طاعة من أطاعه واتقاه ، فالمتقون في هذه الدار هم أهل
الفضائل ، منطقهم الصواب ، وملبسهم الاقتصاد ، وعيشهم التواضع ، غضوا أبصارهم
عن المحارم ، ووقفوا أسماعهم على العلم النافع ، ولولا الرجاء لم تستقر أرواحهم
في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى جزيل الثواب ، وخوفا من وبيل العقاب ( 4 ) عظم
الخالق في أنفسهم فصغر مادونه في أعينهم ، فهم في الجنة كمن قدرآها منعمون وفي
النار كمن قدر آها معذبون ، قلوبهم محزونة ، وشرورهم مأمونة ، أجسادهم نحيفة
وحاجاتهم خفيفة صبروا اياما يسيرة فأعقبهم راحة طويلة .
أما الليل فصافون أقدامهم تالين كلام ربهم يحبرونه تحبيرا ( 5 ) ويرتلونه
* ( الهامش ) * ( 1 ) المراوحة بين العملين أن يعمل هذا مرة ، وهذا مرة ، والمراوحة
بين الرجلين
أن يقوم على كل مرة .
( 2 ) ماديميد : - تحرك . والريح العاصف : الشديدة . وهملت عينه : فاضت دموعا .
( 3 ) فتر يفتر تفتيرا - سكن بعد حدة ولان بعد شدة .
( 4 ) الوبيل : الشديد .
( 5 ) حبر الكلام أو الخط أو الشعر : حسنه وزينه .
[ 74 ]
ترتيلا ، فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا ، وتطلعت نفوسهم إليها
شوقا وهلعا ( 1 ) وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها بمسامع قلوبهم ، ومثلوا
زفير جهنم في آذانهم ، فهم مفترشون جباههم وركبهم وأطراف أقدامهم يجأرون إلى
الله في فك رقابهم .
وأما النهار فعلماء حلماء بررة أتقياء ، قد براهم الخوف بري القداح ، ينظر
إليهم الناظر فحسبهم مرضى وما بالقوم مرض ، ويقول : قد خولطوا ، ولقد خالطهم أمر
عظيم
لا يرضون في أعمالهم بالقليل ، ولا يستكثرون الكثير ، فهم لانفسهم متهون ، ومن
أعمالهم مشفقون ، إذا زكى أحدهم خاف أشد الخوف يقول : أنا أعلم بنفسي من
غيري اللهم فلا تؤاخذني بما يقولون ، واجعلني أفضل مما يظنون ، واغفرلي مالا
يعلمون ، ومن علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين ، وورعا في يقين ، وحزما في
علم ، وعزما في حلم ، وقصدا في غنا ، وخشوعا في عبادة ، وتجملا في فاقة ، وصبرا
في شدة ، وطلبا للحلال ، وتحرجا عن الطمع . يعمل الاعمال الصالحة على وجل
ويجتهد في إصلاح ذات البين ، يمسي وهمه الشكر ، ويصبح وشغله الفكر ، الخير منه
مأمول ، والشر منه مأمون ، ويعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه ، ويصل من قطعه وفي
الزلازل
صبور ، وفي المكاره وقور ، وفي الرضا شكور ، لا ينابز بالالقاب [ ولا يعرف العاب ]
ولا
يؤذي الجار ، ولا يشمت بالمصائب ، ولا يدخل في الباطل ، ولا يخرج من الحق
إن بغي عليه صبر ليكون الله تعالى هو المنتقم له ، نفسه منه في عناء والناس منه في
راحة ، أتعب نفسه لاخراه وزهد في الفاني شوقا إلى مولاه .
43 - قال عليه السلام في صفة الفقيه قال أبونعيم : حدثنا أبي ، حدثنا أبوجعفر محمد
ابن إبراهيم بن الحكم ، عن يعقوب ، عن إبراهيم الدورقي ، عن شجاع بن الوليد
عن زياد بن خيثمة ، عن أبي إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة ، عن أمير المؤمنين - كرم
الله وجهه - قال : ألا إن الفقيه كل الفقيه هو الذي لم يقنط الناس من رحمة الله
تعالى
ولا يؤمنهم من عذابه . ولا يرخص لهم في معصيته ، ولا يدع القرآن رغبة في غيره
* ( الهامش ) * ( 1 ) الهلع - بكسر اللام - : الحزين .
[ 75 ]
ولا خير في عبادة لا علم فيها ، ولا خير في قراءة لا تدبر فيها .
44 - وسأله رجل عن المروة فقال عليه السلام : إطعام الطعام ، وتعاهد الاخوان
وكف الاذى عن الجيران ، ثم قرأ " إن الله يأمر بالعدل والاحسان - الاية " ( 1 ) .
45 - ومن وصاياه عليه السلام أخبرنا عبدالوهاب بن عبدالله المقري ، أخبرنا محمد
ابن ناصر ، أخبرنا عبدالقادر بن يوسف ، أخبرنا أبوإسحاق البرمكي ، حدثنا
إسحاق بن سعد بن الحسن بن سفيان النسوي ، حدثنا جدي الحسن بن سفيان ، حدثنا
حرملة بن يحيى ، عن ابن وهب ، عن سفيان ، عن السري بن إسماعيل ، عن عامر الشعبي
قال : قال أمير المؤمنين - كرم الله وجهه : يا أيها الناس خذوا عني هذه الكلمات
فلو ركبتم المطي حتى تنضوها ما أصبتم مثلها لا يرجون عبد الا ربه ، ولا يخافن
إلا ذنبه ، ولا يستحي إذا لم يعلم أن يتعلم ، ولا يستحي إذا سئل عما لا يعلم أن
يقول : لا أعلم ، واعلم أن الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد ، ولا خير
في جسد لا رأس له . وقد بلغني أن الله تعالى أوحى إلى نبي من أنبيائه أنه ليس
من أهل بيت ولا أهل دار ولا أهل قرية يكونون لي على ما احب فيتحولون إلى
ما أكره إلا تحولت لهم مما يحبون إلى ما يكرهون ، ليس من أهل دار ولا
قرية يكونون لي على ما أكره فيتحولون إلى ما أحب إلا تحولت لهم مما
يكرهون إلى ما يحبون .
46 - ذكر وصيته عليه السلام لكميل بن زياد : أخبرنا عبدالوهاب بن علي الصوفي
أخبرنا علي بن محمد بن عمر ، أخبرنا رزق الله بن عبدالوهاب التميمي ، أخبرنا
أحمد بن علي بن الباد ، أخبرنا حبيب بن الحسن القزاز ، حدثنا موسى بن إسحاق
الانصاري ، حدثنا ضرار بن ضمرة ( 2 ) حدثنا عاصم بن حميد ، حدثنا أبوحمزة
الثمالي ، عن عبدالرحمن بن جندب ، عن كميل بن زياد قال : أخذ بيدي أميرالمؤمنين
- كرم الله وجهه - فأخرجني إلى ناحية الجبان فلما أصحرنا جلس فتنفس الصعداء .
* ( الهامش ) * ( 1 ) النحل : 9 .
( 2 ) في المصدر " ضرار بن صرد " وكذا في الحلية .
[ 76 ]
ثم قال : يا كميل بن زياد إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها ، احفظ ما
أقول لك : الناس ثلاثة : عالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع ، أتباع
كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى
ركن وثيق .
يا كميل : العلم خير من المال . العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، العلم
يزكو على الانفاق ، والمال يزول ، ومحبة العالم دين يدان به ، وبه يكسب العالم
الطاعة في حياته وجميل الاحدوثة بعد مماته ، المال تنقصه النفقة ، العلم حاكم ،
والمال
محكوم عليه . يا كميل مات خزان المال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ،
أعيانهم
مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة .
ثم قال : آه آه إن ههنا علما جما لو أصبت له حملة وأشار بيده إلى صدره
ثم قال : أللهم بلى قد أصبت لقنا غير مأمون عليه ، يستعمل آلة الدين للدنيا
يستظهر بنعم الله على عباده ، وبحججه على كتابه ، أو معاند لاهل الحق ينقدح الشك
في قلبه بأول عارض من شبهة ، لاذا ولا ذاك ، بل منهوما باللذات ، سلس القياد
للشهوات ، مغري بجمع الاموال والادخار ، ليس من الدين في شئ ، أقرب
شبها بالبهائم السائمة ، كذلك يموت العلم بموت حامليه ، أللهم بلى لن تخلو الارض
من قائم لله بحجة لكيلا تبطل حجج الله على عباده اولئك هم الاقلون عددا
الاعظمون عندالله قدرا ، بهم يحفظ الله دينه حتى يؤدونه إلى نظرائهم ، ويزرعونه
في قلوب أشباههم ( وفي رواية بهم يحفظ الله حججه ) هجم بهم العلم على حقيقة الامر
فاستلانوا ما استوعر منه المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، صحبوا
الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الاعلى ، اولئك خلفاء الله في أرضه ، ودعاته
إلى دينه آه ثم آه واشوقاه إلى رؤيتهم ، واستغفر الله لي ولك إذا شئت فقم .
47 - وصيته لبنيه عليه وعليهم السلام ، وبه قال أبوحمزة الثمالي حدثنا
إبراهيم بن سعيد ، عن الشعبي ، عن ضرار بن ضمرة قال : أوصى أميرالمؤمنين عليه
السلام
[ 77 ]
بنيه فقال : يا بني عاشروا الناس بالمعروف معاشرة إن عشتم حنوا إليكم ، وإن متم
بكوا عليكم ، ثم قال :
اريد بذاكم أن تهشوا لطلقتي * وأن تكثروا بعدي الدعاء على قبري
وأن يمنحوني في المجالس ودهم * وإن كنت عنهم غائبا أحسنوا ذكري
48 - وقال ابن عباس : سأل رجل أمير المؤمنين عليه السلام فقال : أوصني فقال : لا
تحدث نفسك بفقر ، ولا بطول عمر .
49 - وقال عليه السلام وقد سئل عن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله من رواية
الشعبي
عن ضراربن ضمرة وعبد خير قالا : قيل له : ما سبب اختلاف الناس في الحديث فقال
الناس أربعة : منافق مظهر للاسلام ، وقلبه يأبى الايمان ، لا يتحرج عن الكذب
كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدا ، فلو علم الناس حاله ما أخذوا عنه ،
ولكنهم
قالوا : صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله فأخذوا بقوله ، وقد أخبر الله عن
المنافقين بما أخبر
ووصفهم بما وصف ثم إنهم عاشوا بعده فتقربوا إلى أئمة الضلال والدعاة إلى النار
بالزور والبهتان ، فولوهم الاعمال وجعلوهم على رقاب الناس ، فأكلوا بهم الدنيا
وإنما هم تبع للملوك إلا من عصمه الله تعالى ورجل سمع رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول :
قولا أو رآه يعمل عملا ، ثم غاب عنه ونسخ ذلك القول والفعل ، ولم يعلم ، فلو
علم أنه نسخ ما حدث به ، ولو علم الناس أيضا أنه نسخ لما نقلوه عنه . ورجل سمع
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول قولا فوهم فيه ، ولو علم أنه وهم فيه لما حدث
عنه ولا
عمل به ، ورجل لم يكذب ولم يغب حدث بما سمع وعمل به .
فأما الاول فلا اعتبار بروايته ، ولا يحل الاخذ عنه ، وأما الباقون فينزعون
إلى غاية ويرجعون إلى نهاية ، ويسقون من قليب واحد وكلامهم أشرق بنور النبوة
ضياؤه ومن الشجرة المباركة اقتبست ناره .
وفي رواية إنه قال : في أيدي الناس حقا وباطلا ، وصدقا وكذبا ، وناسخا
ومنسوخا ، وعاما وخاصا ، ومحكما ومتشابها ، وحفظا ووهما ، وقد كذب على
رسول الله صلى الله عليه وآله في عهده حتى قام خطيبا فقال : من كذب علي [ متعمدا ]
فليتبوء مقعده
[ 78 ]
من النار ، وإنما يأتيك الحديث أربعة رجال ليس لهم خامس . وذكرهم ، قلت وقد
روي عن رسول الله صلى الله وعليه وآله هذا الحديث وهوقوله " من كذب علي عامدا
فليتبوء
مقعده من النار " عدة من الصحابة منهم العشرة ( 1 ) فأما الطريق إلى أميرالمؤمنين
فأنبأ غير واحد عن عبد الاول الصوفي أنبأ ابن المظفر الداودي ، أنبأ ابن أعين
أنبأ السرخسي ، أنبأ الفربري ، أنبأ البخاري ، أنبأ علي بن الجعد ، أنبأ شعبة
عن منصور ، عن ربعي بن خراش قال : سمعت عليا عليه السلام يقول : سمعت النبي صلى
الله عليه وآله
يقول : " من كذب علي " وذكر متفق عليه وقد أخرجه أحمد في المسند والجماعة .
50 - كشف ( 2 ) : ذكر محمد بن طلحة أخبارا رواها الجواد عليه السلام عن آبائه عليهم
السلام
عن علي عليه السلام قال : بعثني النبي صلى الله عليه وآله إلى اليمن فقال لي وهو
يوصيني : يا علي
ماحار من استخار ، ولا ندم من استشار ، يا علي عليك بالدلجة ( 3 ) فإن الارض
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 71 من صفحة 78 سطر 11 إلى صفحه 86 سطر 11
تطوى بالليل مالا تطوى بالنهار ، يا على اغد باسم الله فإن الله عزوجل بارك
لامتي في بكورها .
51 - وقال عليه السلام : من استفاد أخا في الله فقد استفاد بيتا في الجنة .
52 - وعنه عليه السلام : وقد سئل عن حديث النبي صلى الله عليه وآله " إن فاطمة
أحصنت
فرجها فحرم الله ذريتها على النار " فقال خاص للحسن والحسين .
53 - وعنه ، عن علي عليه السلام قال في كتاب علي بن أبي طالب عليه السلام : ابن آدم
أشبه شئ بالمعيار ، إما راجح بعلم - وقال مرة بعقل - أو ناقص بجهل .
54 - وعنه عن علي عليه السلام : قال لابي ذر - رضي الله عنه - إنما غضبت الله عزوجل
فارج من غضبت له ، إن القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك ، والله لو كانت
السماوات والارضون رتقا على عبد ثم اتقى الله لجعل الله له منها مخرجا ، لا يؤنسنك
إلا الحق ، ولا يوحشنك إلا الباطل .
* ( الهامش ) * ( 1 ) في المصدر " مائة وعشرون من الصحابة ذكرتهم في كتابى المترجم
بحق اليقين " .
( 2 ) كشف الغمة ج 3 ص 135 في احوال الامام التاسع أبى جعفر الجواد عليه السلام .
( 3 ) الدلجة : السير في الليل .
[ 79 ]
55 - وعنه عن علي عليه السلام إنه قال لقيس بن سعد وقد قدم عليه من مصر :
يا قيس إن للمحن غايات لابد أن تنتهي إليها فيجب على العاقل أن ينام لها إلى
إدبارها ، فإن مكابدتها بالحيلة عند إقبالها زيادة فيها .
56 - وعنه عليه السلام قال : من وثق بالله أراه السرور ، ومن توكل عليه كفاه
الامور ، والثقة بالله حصن لا يتحصن فيه إلا مؤمن أمين ، والتوكل على الله نجاة من
كل سوء وحرز من كل عدو . والدين عز ، والعلم كنز ، والصمت نور ، وغاية الزهد
الورع ، ولا هدم للدين مثل البدع ، ولا أفسد للرجال من الطمع ، وبالراعي
تصلح الرعية ، وبالدعاء تصرف البلية ، ومن ركب مركب الصبر اهتدى إلى مضمار
النصر ، ومن عاب عيب ، ومن شتم اجيب ، ومن غرس أشجار التقى اجتنى
ثمار المنى .
57 - وقال عليه السلام : أربع خصال تعين المرء على العمل : الصحة والغنى والعلم
والتوفيق .
58 - وقال : إن لله عبادا يخصهم بالنعم ويقرها فيهم ما بذلوها فإذا منعوها
نزعها عنهم وحو لها إلى غيرهم .
59 - وقال : ما عظمت نعمة الله على أحد إلا عظمت عليه مؤونة الناس ، فمن لم
يحتمل تلك المؤونة عرض النعمة للزوال .
60 - وقال عليه السلام : أهل المعروف إلى اصطناعه أحوج من أهل الحاجه إليه لان
لهم أجره وفخره ، وذكره ، فمهما اصطنع الرجل من معروف فإنما يبدء فيه بنفسه
فلا يطلبن شكر ما صنع إلى نفسه من غيره .
61 - وقال عليه السلام : من أمل إنسانا فقد هابه ، ومن جهل شيئا عابه ، والفرصة
خلسة ، ومن كثر همه سقم جسده ، والمؤمن لا يشتفي غيظه ، وعنوان صحيفة المؤمن
حسن خلقه . وقال في موضع آخر : عنوان صحيفة السعيد حسن الثناء عليه .
62 - وقال عليه السلام : من استغنى بالله افتقر الناس إليه ، ومن اتقى الله أحبه
الناس وإن كرهوا .
[ 80 ]
63 - وقال عليه السلام : عليكم بطلب العلم فإن طلبه فريضة ، والبحث عنه نافلة
وهو صلة بين الاخوان ، ودليل على المروة ، وتحفة في المجالس ، وصاحب في السفر
وانس في الغربة .
64 - وقال عليه السلام : العلم علمان : مطبوع ومسموع ، ولا ينفع مسموع إذا لم
يك مطبوع ، ومن عرف الحكمة لم يصبر عن الازدياد منها ، الجمال في اللسان
والكمال في العقل .
65 - وقال عليه السلام : العفاف زينة الفقر ، والشكر زينة الغنى ، والصبر زينة
البلاء ، والتواضع زينة الحسب ، والفصاحة زينة الكلام ، والعدل زينة الايمان
والسكينة زينة العبادة ، والحفظ زينة الرواية ، وخفض الجناح زينة العلم ، وحسن
الادب زينة العقل ، وبسط الوجه زينة الحلم ، والايثار زينة الزهد ، وبذل المجهود
زينة النفس ، وكثرة البكاء زينة الخوف ، والتقلل زينة القناعة ، وترك المن زينة
المعروف ، والخشوع زينة الصلاة . وترك مالا يعني زينة الورع .
66 - وقال عليه السلام : حسب المرء من كمال المروة تركه مالا يجمل به . ومن
حيائه أن لا يلقى أحدا بما يكره . ومن عقله حسن رفقه ، ومن أدبه أن لا يترك
مالا بد له منه . ومن عرفانه علمه بزمانه ، ومن ورعه غض بصره وعفة بطنه ، ومن
حسن خلقه كفه أذاه ، ومن سخائه بره بمن يجب حقه عليه ، وإخراجه حق الله
من ماله ، ومن إسلامه تركه مالا يعنيه وتجنبه الجدال والمراء في دينه ، ومن كرمه
ايثاره على نفسه ، ومن صبره قلة شكواه ، ومن عقله إنصافه من نفسه ، ومن حلمه
تركه الغضب عند مخالفته ، ومن إنصافه قبوله الحق إذا بان له ، ومن نصحه نهيه عما
لا يرضاه لنفسه ، ومن حفظه جوارك تركه توبيخك عند إساءتك مع علمه بعيونك
ومن رفقه تركه عذلك عند غضبك بحضرة من تكره ( 1 ) ومن حسن صحبته لك
إسقاطه عنك مؤونة أذاك ، ومن صداقته كثرة موافقته وقلة مخالفته ، ومن صلاحه
شدة خوفه من ذنوبه ، ومن شكره معرفة إحسان من أحسن إليه ، ومن تواضعه
* ( الهامش ) * ( 1 ) العذل - محركة - : الملامة .
[ 81 ]
معرفته بقدره ، ومن حكمته علمه بنفسه ، ومن سلامته قلة حفظه لعيوب غيره ، وعنايته
بإصلاح عيوبه .
67 - وقال عليه السلام : لن يستكمل العبد حقيقة الايمان حتى يؤثر دينه على شهوته
ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه .
68 - وقال عليه السلام : الفضائل أربعة أجناس : أحدها الحكمة وقوامها في الفكرة
والثاني العفة وقوامها في الشهوة ، والثالث القوة وقوامها في الغضب . والرابع
العدل وقوامه في اعتدال قوى النفس .
69 - وقال عليه السلام : العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء .
70 - وقال عليه السلام : يوم العدل على الظالم أشد من يوم الجور على المظلوم .
71 - وقال عليه السلام : أقصد العلماء للمحجة الممسك عند الشبهة ، والجدل يورث
الرياء ( 1 ) ومن أخطأ وجوه المطالب خذلته الحيل ، والطامع في وثاق الذل ،
ومن أحب البقاء فليعد للمصائب قلبا صبورا .
72 - وقال عليه السلام : العلماء غرباء لكثرة الجهال بينهم .
73 - وقال عليه السلام : الصبر على المصيبة مصيبة على الشامت بها .
74 - وقال عليه السلام : التوبة على أربعة دعائم : ندم بالقلب ، واستغفار باللسان
وعمل بالجوارح ، وعزم أن لا يعود ، وثلاث من عمل الابرار إقامة الفرائض واجتناب
المحارم واحتراس من الغفلة في الدين ، وثلاث يبلغن بالعبد رضوان الله : كثرة
الاستغفار وخفض الجانب وكثرة الصدقة ، وأربع من كن فيه استكمل الايمان :
من أعطى لله ومنع في الله وأحب لله وأبغض فيه ، وثلاث من كن فيه لم يندم : ترك
العجلة والمشورة والتوكل عند العزم على الله عزوجل .
75 - وقال عليه السلام : لوسكت الجاهل ما اختلف الناس .
76 - وقال عليه السلام : مقتل الرجل بين لحييه ، والرأي مع الاناة ، وبئس
الظهير الرأي الفطير ( 2 ) .
* ( الهامش ) * ( 1 ) في بعض نسخ المصدر " يورث الشك " .
( 2 ) الفطير : كل ما أعجل عن ادراكه يقال : " اياك والرأى الفطير " أى بديهى
[ 82 ]
77 - وقال عليه السلام : ثلاث خصال تجتلب بهن المحبة : الانصاف في المعاشرة
والمواساة في الشدة والانطواع ، والرجوع على قلب سليم ( 1 ) .
78 - وقال عليه السلام : فساد الاخلاق بمعاشرة السفهاء وصلاح الاخلاق بمنافسة
العقلاء ، والخلق أشكال فكل يعمل على شاكلته ، والناس إخوان ، فمن كانت إخوته
في غير ذات الله فإنها تحوز عداوة ، وذلك قوله تعالى " الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض
عدو إلا المتقين " ( 2 ) .
79 - وقال عليه السلام : من استحسن قبيحا كان شريكا فيه .
80 - وقال عليه السلام : كفر النعمة داعية المقت ، ومن جازاك بالشكر فقد أعطاك
أكثر مما أخذ منك .
81 - وقال عليه السلام : لا يفسدك الظن على صديق وقد أصلحك اليقين له . ومن وعظ
أخاه سرا فقد زانه ، ومن وعظه علانية فقد شانه ، استصلاح الاخيار بإكرامهم
والاشرار بتأديبهم ، والمودة قرابة مستفادة ، وكفى بالاجل حرزا ، ولا يزال العقل
والحمق يتغالبان على الرجل إلى ثمانية عشر سنة فإذا بلغها غلب عليه أكثرهما فيه
وما أنعم الله عزوجل على عبد نعمة فعلم أنها من الله إلا كتب الله جل اسمه له شكرها
قبل
أن يحمده عليها ، ولا أذنب ذنبا فعلم أن الله مطلع عليه إن شاء عذبه وإن شاء غفر له
إلا غفر الله له قبل أن يستغفره .
82 - وقال عليه السلام : الشريف كل الشريف من شرفه علمه ، والسؤدد حق
السؤدد ( 3 ) لمن اتقى الله ربه ، والكريم ( 4 ) من أكرم عن ذل النار وجهه .
* ( الهامش ) * من غير روية .
( 1 ) الانطواع : الانقياد . والقياس الانطياع بالياء .
( 2 ) الزخرف : 67 .
( 3 ) السؤدد : القدر الرفيع ، كرم المنصب ، السيادة .
( 4 ) كذا والظاهر سقط " كل الكريم " من قلم الناسخ .
[ 83 ]
83 - وقال عليه السلام : من أمل فاجرا كان أدنى عقوبته الحرمان .
84 - وقال عليه السلام : اثنان عليلان أبدا : صحيح محتم ، وعليل مخلط ( 1 ) . موت
الانسان بالذنوب أكثر من موته بالاجل ، وحياته بالبر أكثر من حياته بالعمر .
85 - وقال عليه السلام : لا تعاجلوا الامر قبل بلوغة فتندموا ، ولا يطولن عليكم
الامد فتقسوا قلوبكم ، وارحموا ضعفاءكم ، واطلبوا الرحمة من الله بالرحمة لهم .
من كتاب مطالب السؤول ( 2 ) .
86 - من كلامه عليه السلام غرك غرك ، فصار قصار ذلك ذلك ، فاخش فاحش فعلك
فعلك بهذا تهدا .
87 - ومن كلامه عليه السلام : العالم حديقة سياحها الشريعة ، والشريعة سلطان
تجب له الطاعة ، والطاعة سياسة يقوم بها الملك ، والملك راع يعضده الجيش ، والجيش
أعوان يكفلهم المال ، والمال رزق يجمعه الرعية ، والرعية سواد يستعبدهم العدل
والعدل أساس به قوام العالم .
88 - نهج ( 3 ) : قال عليه السلام : الاقاويل محفوظة والسرائر مبلوة ( 4 ) وكل
نفس بما كسبت رهينة ، والناس منقوصون مدخولون إلا من عصم الله ( 5 ) سائلهم
متعنت ، ومجيبهم متكلف ، يكاد أفضلهم رأيا يرده عن فضل رأيه الرضا والسخط ، ويكاد
أصلبهم عودا تنكؤه اللحظة ، وتستحيله الكلمة الواحدة ( 6 ) . معاشر الناس اتقوا
الله
* ( الهامش ) * ( 1 ) احتمى المريض : امتنع ومنه اتقاه . وخلط المريض - من باب
التفعيل - :
أكل ما يضره .
( 2 ) المصدر ص 61 .
( 3 ) المصدر أبواب الحكم تحت رقم 343 .
( 4 ) بلاها الله واختبرها وعلمها . يريد أن ظاهر الاعمال وخفيها معلوم لله .
( 5 ) منقوصون : أى مغبونون . أو مأخوذون عن رشدهم وكمالهم . ومدخولون أى
مغشوشون مصابون بالدخل - محركة - وهو مرض العقل والقلب .
( 6 ) أصلبهم : أى أثبتهم قدما في دينه . وتنكؤه - كتمنعه - أى تسيل جرحه وتأخذ
بقلبه . واللحظة : النظرة إلى مشتهى . وتسحيلة : تحوله عما هو عليه ، أراد اللحظة
والكلمة
ممن تستهويه الدنيا وتسحيله لغيره .
[ 84 ]
فكم من مؤمل مالا يبلغه ، وبان مالا يسكنه وجامع ما سوف يتركه ، ولعله من باطل
جمعه ، ومن حق منعه . أصابه حراما واحتمل به آثاما ، فباء بوزره ، وقدم على ربه
آسفا لاهفا ، قد خسر الدنيا والاخرة ، ذلك هو الخسران المبين .
89 - وقال عليه السلام : ( 1 ) المنية ولا الدنية ؟ والتقلل ولا التوسل ( 2 ) ومن
لم
يعط قاعدا لم يعط قائما ، والدهر يومان : يوم لك ويوم عليك ، فإذا كان لك فلا
تبطر ، وإذا كان عليك فاصبر .
90 - وقال عليه السلام : ( 3 ) مسكين ابن آدم : مكتوم الاجل ، مكنون العلل ،
محفوظ العمل ، تؤلمه البقة ، وتقتله الشرقة ، وتنتنه العرقة ( 4 ) .
91 - كنز الكراجكى : ( 5 ) وروي أن أميرالمؤمنين عليه السلام مر على المدائن
فلما رأى آثار كسرى وقرب خرابها قال رجل ممن معه :
جرت الرياح على رسوم ديارهم * فكأنهم كانوا على ميعاد
فقال أميرالمؤمنين عليه السلام : أفلا قلتم " كم تركوا من جنات وعيون * وزروع
ومقام كريم 8 ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك وأورثناها قوما آخرين * فما
بكت عليهم السماء والارض وما كانوا منظرين " ( 6 ) .
92 - من كتاب مطالب السؤول ( 7 ) لكمال الدين محمد بن طلحة : من
* ( الهامش ) * ( 1 ) النهج أبواب الحكم تحت رقم 396 .
( 2 ) المنية : الموت . والدنية : التذلل والنفاق . والتقليل : الاكتفاء بالقليل .
يعنى الشريف يرضى بالقليل ولا يتوسل إلى الناس أو الدنيا .
( 3 ) النهج أبواب الحكم تحت رقم 419 .
( 4 ) البقة : حيوان عدسى مفرطح ، خبيث الرائحة ، لذاع . وشرق بريقه غص .
والعرقة واحدة العرق .
( 5 ) المصدر ص 145 .
( 6 ) الدخان : 25 إلى 29 .
( 7 ) المصدر ص 61 .
[ 85 ]
نظمه عليه السلام :
دليلك أن الفقر خير من الغنى * وأن قليل المال خير من المثري ( 1 )
لقاؤك مخلوقا عصى الله بالغنى * ولم تر مخلوقا عصى الله بالفقر
وقوله :
لكل اجتماع من خليلين فرقة * وكل الذي دون الوفات قليل
وإن افتقادي واحدا بعد واحد * دليل على أن لا يدوم خليل
وقوله :
علل النفس بالكفاف وإلا * طلبت منك فوق ما يكفيها
ما لما قد مضى ولا للذي لم * يأت من لذة لمستحليها
إنما أنت طول مدة ما * عمرت كالساعة التي أنت فيها
وقوله عليه السلام يرثى رسول الله صلى الله عليه وآله :
أمن بعد تكفين النبي ودفنه * بأثوابه آسى على هالك ثوى
رزينا رسول الله فينا فلن نرى * بذاك عديلا ما حيينا من الرزى
وكان لنا كالحصن من دون أهله * لهم معقل فيها حصين من العدى
وكنا بمرآه نرى النور والهدى * صباح مساء راح فينا أو اغتدى
فقد غشيتنا ظلمة بعد موته * نهارا وقد زادت على ظلمة الدجى
فياخير من ضم الجوانح والحشا * ويا خير ميت ضمه التراب والثرى
كأن امور الناس بعدك ضمنت * سفينة موج البحر والبحر قدسما ( 2 )
وضاق فضاء الارض عنهم برحبه لفقد رسول الله إذ قيل قد مضى
فقد نزلت للمسلمين مصيبة * كصدع الصفا لا شعب للصدع في الصفا
فلن يستقل الناس تلك مصيبة * ولن يجبر العظم الذي منهم وهى
وفي كل وقت للصلاة يهيجه * بلال ويدعو باسمه كل من دعا
* ( الهامش ) * ( 1 ) المثرى من الثروة وهو كثير المال .
( 2 ) في المصدر " والبحر قد طمى " وراجع في شرح مشكل هذه الاشعار أواخر ج 12 .
[ 86 ]
ويطلب أقوام مواريث هالك وفينا مواريث النبوة والهدى
وقد نقلت ( 1 ) هذه المرثية عنه بزيادة اخرى فما رأيت إسقاطها فأثبتها على
صورتها وهي هذه :
أمن بعد تكفين النبي ودفنه بأثوابه آسى على ميت ثوى
لقد غاب في وقت الظلام لدفنه * عن الناس من هو خير من وطئ الحصا
رزينا رسول الله فينا فلن نرى * لذاك عديلا ما حيينا من الرزى
رزينا رسول الله فينا ووحيه * فخير خيار ما رزينا ولا سوى
فمثل رسول الله إذ حان يومه * لفقدانه فليبك يا عيش من بكى
وكان لنا كالحصن من دون أهله * لهم معقل منه حصين من العدى
وكنا برؤياه نرى النور والهدى * صباح مساء راح فينا أو اغتدى
فقد غشيتنا ظلمة بعد موته * نهارا فقد زادت على ظلمة الدجى
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 71 من صفحة 86 سطر 12 إلى صفحه 94 سطر 12
وكنابه شم الانوف بنجوة * على موضع لا يستطاع ولا يرى
فيا خير من ضم الجوانح والحشا * وياخير ميت ضمه التراب والثرى
كأن امور الناس بعدك ضمنت * سفينة موج البحر والبحر قد طمى
وهم كالاسارى من توقع هجمة * من الشر يرجو من رجاها على شفا
وضاق فضاء الارض عنهم برحبه لفقد رسول الله إذ قيل قد قضى
فيالانقطاع الوحي عنا بنوره * إذا أمرنا أعشى لفقدك أو دجى
لقد نزلت بالمسلمين مصيبة * كصدع الصفا لا شعب للصدع في الصفا
فياحزننا إنا رزينا نبينا * على حين تم الدين واشتدت القوى
فلن يستقل الناس تلك مصيبة * ولن يجبر العظم الذي منهم وهى
كأنا لاولى شبهة سفر ليلة * أضلوا الهدى لا نجم فيها ولا ضوا
فيامن لامر اعترانا بظلمة ؟ * وكنت له بالنور فينا إذا اعترى
* ( الهامش ) * ( 1 ) من كلام المؤلف أو أحد تلاميذه لان ما يأتى من المراثى إلى
قوله " الاطرق
الناعى " ليس في مطالب السؤول .
[ 87 ]
فتجلو العمى عنا فيصبح مسفرا * لنا الحق من بعد الرخا مسفر اللوا
وتجلو بنور الله عنا ووحيه * عمى الشرك حتى يذهب الشك والعمى
تطاول ليلى أنني لا أرى له * شبيها ولم يدرك له الخلق منتهى
وفي كل وقت للصلاة يهيجه * بلال ويدعو باسمه كل من دعا
يذكرني رؤيا الرسول بدعوة * ينوه فيها باسمه كل من دعا
فولى أبابكر إمام صلاتنا * وكان الرضا منا له حين يجتبى
أبى الصبر إلا أن يقوم مقامه * وخاف بأن يقلب الصبر والعنا ( 1 )
وقوله عليه السلام يرثيه صلى الله عليه وآله ( 2 ) :
ألا طرق الناعي بليل فراعني * وأرقني لما استهل مناديا
فقلت له لما رأيت الذي أتى * أغير رسول الله إذ كنت ناعيا
فحقق ما أشفقت منه ولم يبل * وكان خليلي عزنا وجماليا
فوالله ما أنساك أحمد ما مشت بى العيس في أرض تجاوزن واديا
وكنت متى أهبط من الارض تلعة * أرى أثرا منه جديدا وعافيا
شديد جري الصدر نهد مصدر * هو الموت معذور عليه وعاديا
ومما نقل عنه عليه السلام قوله - وقيل هما لغيره - :
زعم المنجم والطبيب كلاهما * أن لا معاد فقلت ذاك إليكما
إن صح قولكما فلست بخاسر * أوصح قولي فالوبال عليكما
ومما نقل عنه عليه السلام قوله :
ولي فرس للخير بالخير ملجم * ولي فرس للشر بالشر مسرج
فمن رام تقويمي فإني مقوم * ومن رام تعويجي فإني معوج
ومما نقل عنه عليه السلام قوله :
ولو أني اطعت حملت قومي * على ركن اليمامة والشأم
* ( الهامش ) * ( 1 ) كذا ، وما أدرى من أى كتاب نقلها هنا من نقلها مع لحن الالفاظ
وتكرارها و
مادس فيها من زيادة بعض الابيات . ( 2 ) مطالب السؤول ص 62 .
[ 88 ]
ولكني متى أبرمت أمرا * تتازعني أقاويل الطغام
وقوله يرثي عمه حمزة لما قتل باحد :
أتاني أن هندا حل صخر * دعت دركا وبشرت الهنودا
فإن تفخر بحمزة يوم ولى * مع الشهداء محتسبا شهيدا
فإنا قد قتلنا يوم بدر * أبا جهل وعتبة والوليدا
وشيبة قد قتلنا يوم احد * علي أثوابه علقا جسيدا
فبوء في جهنم شر دار * عليه لم يجد عنها محيدا
فما سيان من هو في حميم * يكون شرابه فيها صديدا
ومن هو في الجنان يدر فيها عليه الرزق مغتبطا حميدا
وقوله :
ألا أيها الموت الذي ليس تاركي * أرحني فقد أفنيت كل خليل
أراك بصيرا بالذين أحبهم * كانك تسعى نحوهم بدليل
وقوله أيضا فيه يرثيه :
رأيت المشركين بغوا علينا * ولجو في الغواية والضلال
وقالوا نحن أكثر إذ نفرنا * غداة الروع بالاسل النبال
فان يبغوا ويفتخروا علينا * بحمزة فهو في غرف العوالي
فقد أودى بعتبة يوم بدر * وقد أبلى وجاهد غير آل
وقد غادرت كبشهم جهادا * بحمد الله طلحة في المجال
فخر لوجهه ورفع عنه * رقيق الحد حودث بالصقال
وحضر لديه إنسان فقال : يا أميرالمؤمنين أسألك أن تخبرني عن واجب وأوجب
وعجب وأعجب ، وصعب وأصعب ، وقريب وأقرب ؟ فما انبجس بيانه بكلماته ولاخنس
لسانه في لهواته حتى أجابه عليه السلام بأبياته وقال :
توب رب الورى واجب عليهم * وتركهم للذنوب أوجب
والدهر في صرفه عجيب * وغفلة الناس فيه أعجب
[ 89 ]
والصبر في النائبات صعب * لكن فوت الثواب أصعب
وكلما يرتجى قريب * والموت من كل ذاك أقرب
فياما أوضح لذوي الهداية جوابه المتين ، ويا ما أفصح عند اولى الدراية نظم
خطابه المستبين ، فلقد عبرا سلوبا من علم البيان مستوعرا عند المتأدبين ، ومهد
مطلوبا
من حقيقه الايمان مستعذبا عند المقربين .
وقال عليه السلام : إذا أقبلت الدنيا فأنفق منها فإنها لا بقى ، وإذا ما أدبرت
فأنفق
منها فإنها لا تفنى وأنشد :
لا تبخلن بدنيا وهي مقبلة * فليس ينقصها التبذير والسرف
وإن تولت فأحرى أن تجودبها * فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف
وقوله عليه السلام :
إذا جادت الدنيا عليك فجد بها * على الخلق طرا أنها تتقلب
فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت * ولا البخل يبقيها إذا هي تذهب
وقوله عليه السلام :
أصم عن الكلم المحفظات * وأحلم والحلم بي أشبه
وإني لا ترك بعض الكلام * لئلا اجاب بما أكره
إذا ما اجتررت سفاه السفيه * علي فإني إذن أسفه
فلا تغترر برواء الرجال * وإن زخرفوا لك أو موهوا
فكم من فتى تعجب الناظرين * له ألسن وله أوجه
وقوله عليه السلام :
أتم الناس أعلمهم بنقصه * وأقمعهم لشهوته وحرصه
فلا تستغل عافية بشئ * ولا تسترخصن داء لرخصه
93 - الدرة الباهرة من الاصداف الطاهرة : ( 1 ) : قال أمير المؤمنين عليه السلام :
العفو عن المقر لا عن المصر ، وما أقبح الخشوع عند الحاجة ، والجفاء عند الغناء
* ( الهامش ) * ( 1 ) مخطوط .
[ 90 ]
بلاء الانسان من اللسان ، اللسان سبع إن خلى عنه عقر العافية ، والعافية عشرة أجزاء
تسعة منها في الصمت إلا بذكر الله ، وواحد في ترك مجالسته السفهاء ، والعاقل من رفض
الباطل ، عماد الدين الورع ، وفساده الطمع .
94 - دعوات الراوندى ( 1 ) : قال أمير المؤمنين عليه السلام : كيف يكون حال من
يفنى ببقائه ، ويسقم بصحته ، ويؤتى ما منه يفر .
وقال عليه السلام : في كل جرعة شرقة ، ومع كل اكلة عصة ، وقال : الناس في
أجل منقصوص وعمل محفوظ .
نهج ( 2 ) : قال : عيبك مستور ما أسعدك جدك .
95 - كنز الكراجكى ( 3 ) : قال أمير المؤمنين عليه السلام : من ضاق صدره لم يصبر
على أداء حق ، من كسل لم يؤد حق الله ، من عظم أوامر الله أجاب سؤاله ، من تنزه عن
حرمات الله سارع إليه عفوالله ، ومن تواضع قلبه لله لم يسأم بدنه من طاعة الله ،
الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر ، ليس مع قطيعة الرحم نماء ، ولا مع الفجور
غنى ، عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر ، تصفية العمل خير من العمل ، عند الخوف
يحسن العمل ، رأس الدين صحة اليقين ، أفضل ما لقيت الله به نصيحة من قلب وتوبة
من ذنب ، إياكم والجدال فإنه يورث الشك في دين الله ، بضاعة الاخرة كاسدة
فاستكثروا منها في أوان كسادها ، دخول الجنة رخيص ، ودخول النار غال ، التقي
سابق إلى كل خير ، من غرس أشجار التقى جنى ثمار الهدى ، الكريم من أكرم
عن ذل النار وجهه ، ضاحك معترف بذنبه أفضل من باك مدل علي ربه ، من عرف
عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره ، من نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره ، ومن نظر
في عيوب الناس ورضيها لنفسه فذاك الاحمق بعينه ، كفاك أدبك لنفسك ما كرهته
* ( الهامش ) * ( 1 ) مخطوط .
( 2 ) المصدر باب الحكم والمواعظ تحت رقم 51 . والجد - بالفتح - : الحظ أى
مادامت الدنيا مقبلة عليك .
( 3 ) المصدر ص 128 .
[ 91 ]
لغيرك ، اتعظ بغيرك ولا تكن متعظا بك ، لا خير في لذة تعقب ندامة ، تمام الاخلاص
تجنب المعاصي ، من أحب المكارم اجتناب المحارم ، جهل المرء بعيوبه من أكبر
ذنوبه ، من أحبك نهاك ، ومن أبغضك أغراك ، من أساء استوحش ، من عاب عيب
ومن شتم اجيب ، ادوا الامانة ولو إلى قاتل الانبياء ، الرغبة مفتاح العطب ، والتعب
مطية النصب ، والشر داع إلى التقحم في الذنوب ، ومن تورط في الامور غير
ناظر في العواقب فقد تعرض لمدرجات النوائب ، من لزم الاستقامة لزمته السلامة .
96 - وقال عليه السلام : ( 1 ) العفاف زينة الفقر ، والشكر زينة الغنى ، والصبر
زينة البلاء ، والتواضع زينة الحسب ، والفصاحة زينة الكلام ، والعدل زينة الامارة
والسكينة زينة العبادة ، والحفظ زينة الرواية ، وخفض الجناح زينة العلم ، وحسن
الادب زينة العقل ، وبسط الوجه زينة الحلم ، والايثار زينة الزهد ، وبذل المجهود
زينة المعروف ، والخشوع زينة الصلاة ، ترك مالا يعني زينة الورع .
97 - ومن بديع كلامه عليه السلام ( 2 ) : إن رجلا قطع عليه خطبته وقال
له صف لنا الدنيا فقال : أولها عناء وآخرها بلاء ، حلالها حساب ، حرامها عقاب
من صح فيها أمن ، ومن مرض فيها ندم ، ومن استغنى فيها فتن ، ومن افتقره فيها
حزن ، ومن ساعاها فاتته ، ومن قعد عنها أتته ، ومن نظر إليها ألهته ، ومن تهاون
بها نصرته ، ثم عاود إلى مكانه من خطبته .
98 - كنز الكراجكى ( 3 ) : عن أمير المؤمنين عليه السلام : الجواد من بذل ما يضن
بنفسه . من كرم أصله حسن فعله .
وقال عليه السلام ( 4 ) : أزرى بنفسه من استشعر الطمع ، من أهوى إلى متفاوت
الامور خذلته الرغبة ، أشرف الغنى ترك المنى ، من ترك الشهوات كان حرا ، الحرص
مفتاح التعب وداع إلى التقحم في الذنوب ، والشره جامع لمساوي العيوب
الحرص علامة الفقر ، من أطلق طرفه كثر أسفه ، قل ما تصدقك الامنية ، رب
* ( الهامش ) * ( 1 ) الكنز ص 138 . ( 2 ) المصدر ص 160 .
( 3 ) المصدر ص 163 . ( 4 ) المصدر ص 163 .
[ 92 ]
طمع كاذب ، وأمل خائب ، من لجأ إلى الرجاء سقطت كرامته ، همة الزاهد مخالفة
الهوى والسلو عن الشهوات ، ما هدم الدين مثل البدع ، ولا أفسد الرجل مثل
الطمع ، إياك والاماني فإنها بضائع النوكى ( 1 ) لن يكمل العبد حقيقة الايمان
حتى يؤثر دينه على شهوته ، ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه ، من تيقن أن الله
سبحانه يراه وهو يعمل بمعاصيه فقد جعله أهون الناظرين .
99 - وقال عليه السلام : ( 2 ) إياكم وسقطات الاسترسال فإنها لا تستقال ( 3 ) .
100 - وقال عليه السلام : ( 4 ) صديق كل إنسان عقله ، وعدوه جهله ، والعقول
ذخائر ، والاعمال كنوز ، والنفوس أشكال فما تشاكل منها اتفق ، والناس إلى
أشكالهم أميل .
101 - وقال عليه السلام : ( 5 ) الفكرة مرآة صافية ، والاعتبار منذر ناصح ، من
تفكر اعتبر ، ومن اعتبر اعتزل ، ومن اعتزل سلم ، العجب ممن خاف العقاب فلم
يكف ورجا الثواب فلم يعمل ، الاعتبار يقود إلى الرشاد ، كل قول ليس لله فيه
ذكر فلغو ، وكل صمت ليس فيه فكر فسهو ، وكل نظر ليس فيه اعتبار فلهو .
102 - وتروى ( 6 ) هذه الابيات عن أمير المؤمنين عليه السلام :
إذا كنت تعلم أن الفراق فراق الحياة قريب قريب
وأن المعد جهاز الرحيل ليوم الرحيل مصيب مصيب
وإن المقدم مالا يفوت على ما يفوت معيب معيب
* ( الهامش ) * ( 1 ) النوكى جمع أنوك وهو الاحمق .
( 2 ) الكنز ص 194 .
( 3 ) الاسترسال في الكلام : الاتساع والانبساط . واستقاله عثرته : سأله أن ينهضه
من سقوطه .
( 4 ) المصدر ص 194 .
( 5 )
المصدر ص 255 .
( 6 ) المصدر ص 271 .
[ 93 ]
وأنت على ذاك لا ترعوي فأمرك عندي عجيب عجيب
103 - قال أمير المؤمنين عليه السلام ( 1 ) : مازالت نعمة عن قوم ، ولا غضارة عيش
إلا بذنوب اجترحوها ، إن الله ليس بظلام للعبيد .
104 - وقال عليه السلام : ( 2 ) المرء حيث يجعل نفسه ، من دخل مداخل السوءاتهم
من عرض نفسه التهمة فلا يلومن من أساء به الظن ، من أكثر من شئ عرف به
من مزح استخف به ، من اقتحم البحر غرق ، المزاح يورث العداوة ، من عمل في
السر عملا يستحيي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر ، ماضاع امرء عرف قدره
اعرف الحق لمن عرفه لك رفيعا كان أم وضيعا ، من تعدى الحق ضاق مذهبه ،
من جهل شيئا عاداه ، أسوء الناس حالا من لم يثق بأحد لسوء ظنه ، ولم يبق به
أحد لسوء فعله ، لا دليل أنصح من استماع الحق ، من نظف ثوبه قل همه ، الكريم
يلين إذا استعطف ، واللئيم يقسو إذا لوطف . حسن الاعتراف يهدم الاقتراف ، أخر
الشر فإنك إذا شئت تعجلته ، أحسن إذا أحببت أن يحسن إليك ، إذا جحد الاحسان
حسن الامتنان ، العفو يفسد من اللئيم بقدر إصلاحه من الكريم ، من بالغ في الخصومة
أثم ، ومن قصر عنها خصم ، لا تظهر العداوة لمن لا سلطان لك عليه .
105 - وقال عليه السلام : الهم نصف الهرم ، والسلامة نصف الغنيمة .
106 - أعلام الدين ( 3 ) : قال أمير المؤمنين عليه السلام : أفضل رداء تردى به
الحلم
وإن لم تكن حليما فتحلم فإنه من تشبه بقوم أوشك أن يكون منهم .
قال عليه السلام : الناس في الدنيا صنفان : عامل في الدنيا للدنيا ، قد شغلته دنياه
عن
آخرته ، يخشى على من يخلفه الفقر ، ويأمنه على نفسه ، فيفني عمره في منفعة غيره
وآخر عمل في الدنيا لما بعدها ، فجاءه الذي له من الدنيا بغير عمله فأصبح ملكا لا
يسأل
الله تعالى شيئا فيمنعه .
* ( الهامش ) * ( 1 ) الكنز ص 271 .
( 2 ) المصدر ص 283 .
( 3 ) مخطوط .
[ 94 ]
107 - وقال عليه السلام : عجبت للبخيل الذي استعجل الفقر الذي منه هرب
وفاته الغنى الذي إياه طلب ، يعيش في الدنيا عيش الفقراء ، ويحاسب في الاخرة
حساب الاغنياء ، وعجبت للمتكبر الذي كان بالامس نطفة وهو غدا جيفة ، وعجبت
لمن شك في الله وهو يرى خلق الله ، وعجبت لمن نسي الموت وهو يرى من يموت ،
وعجبت لمن أنكر النشأة الاخرة وهو يرى النشأة الاولى ، وعجبت لعامر الدنيا
دار الفناء ، وهو نازل دار البقاء .
108 - وقال عليه السلام : الفقيه كل الفقيه الذي لا يقنط الناس من رحمة الله ، ولا
يؤمنهم
من مكر الله ، ولا يؤيسهم من روح الله ، ولا يرخص لها في معاصي الله .
17 .
* ( باب ) *
* " ( ما صدر عن أمير المؤمنين عليه السلام في العدل ) " *
* " ( في القسمة ووضع الاموال في مواضعها ) " *
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 71 من صفحة 94 سطر 13 إلى صفحه 102 سطر 13
1 - ف ( 1 ) : أما بعد أيها الناس فإنا نحمد ربنا وإلهنا وولي النعمة علينا
ظاهرة وباطنة ، بغير حول منا ولا قوة إلا امتنانا علينا وفضلا ليبلونا أنشكر أم
نكفر فمن شكرزاده ، ومن كفر عذبه . وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له
أحدا صمدا . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، بعثه رحمة للعباد والبلاد والبهائم
والانعام
نعمة أنعم بها ومنا وفضلا صلى الله عليه وآله .
فأفضل الناس - أيها الناس - عند الله منزلة وأعظمهم عندالله خطرا أطوعهم
لامر الله وأعملهم بطاعة الله وأتبعهم لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وأحياهم
لكتاب الله فليس
لاحد من خلق الله عندنا فضل إلا بطاعة الله ، وطاعة رسوله ، واتباع كتابه ، وسنة
نبيه صلى الله عليه وآله هذا كتاب الله بين أظهرنا ، وعهد نبي الله وسيرته فينا ،
لا يجهلها إلا
جاهل مخالف معاند عن الله عزو جل ، يقول الله : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر
* ( الهامش ) * ( 1 ) التحف ص 183 ومنقول في النهج .
[ 95 ]
وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عندالله أتقيكم ( 1 ) " فمن اتقى
الله فهو الشريف المكرم المحب ، وكذلك أهل طاعته وطاعة رسول الله ، يقول الله
في كتابه : " إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور
رحيم ( 2 ) . وقال : " وأطيعوا الله واطيعوا الرسول فان توليتم فإن الله لا يحب
الكافرين ( 3 ) " .
ثم صاح بأعلى صوته : يا معاشر المهاجرين والانصار ، ويا معاشر المسلمين
أتمنون على الله وعلى رسوله بإسلامكم ، ولله ولرسوله المن عليكم إن كنتم
صادقين .
ثم قال : ألا إنه من استقبل قبلتنا ، وأكل ذبيحتنا ، وشهد أن لا إله إلا الله
وأن محمدا عبده ورسوله أجرينا عليه أحكام القرآن ، وأقسام الاسلام ، ليس لاحد
على أحد فضل إلا بتقوى الله وطاعته ، جعلنا الله وإياكم من المتقين ، وأوليائه
وأحبائه
الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
ثم قال : ألا إن هذه الدنيا التي أصبحتم تتمنونها وترغبون فيها ، وأصبحت
تعظكم وترميكم ليست بداركم ولا منزلكم الذي خلقتم له ، ولا الذي دعيتم إليه
ألا وإنها ليست بباقية لكم ولا تبقون عليها . فلا يغرنكم عاجلها فقد حذرتموها
ووصفت لكم وجربتموها ، فأصبحتم لا تحمدون عاقبتها . فسابقوا - رحمكم الله - إلى
منازلكم التي امرتم أن تعمروها فهي العامرة التي لا تخرب أبدا ، والباقية التي لا
تنفد
رغبكم الله فيها ودعاكم إليها ، وجعل لكم الثواب فيها .
فانظروا يا معاشر المهاجرين والانصار ، وأهل دين الله ما وصفتم به في كتاب الله
ونزلتم به عند رسول الله صلى الله عليه وآله وجاهدتم عليه فيما فضلتم به أبالحسب
والنسب ؟ أم
بعمل وطاعة ، فاستتموا نعمه عليكم - رحمكم الله - بالصبر لانفسكم والمحافظة على
* ( الهامش ) * ( 1 ) سورة الحجرات : 14 . ( 2 ) سورة آل عمران : 31 .
( 3 ) مضمون مأخوذ من الاية 32 سورة آل عمران .
[ 96 ]
من استحفظكم الله من كتابه . ألا وإنه لا يضركم تواضع شئ من دنياكم بعد حفظكم
وصية الله والتقوى ، ولا ينفعكم شئ حافظتم عليه من أمر دنياكم بعد تضييع ما
امرتم به من التقوى ، فعليكم عبادالله بالتسليم لامره والرضا بقضائه والصبر
على بلائه .
فأما هذا الفئ فليس لاحد فيه على أحد أثرة ( 1 ) قد فرغ الله عزوجل من قسمه
فهو مال الله ، وأنتم عباد الله المسلمون ، وهذا كتاب الله ، به أقررنا ، وعليه
شهدنا
وله أسلمنا ، وعهد نبينا بين أظهرنا . فسلموا - رحمكم الله -
فمن لم يرض بهذا فليتول كيف شاء ، فإن العامل بطاعة الله ، والحاكم
بحكم الله لا وحشة عليه " اولئك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون " ، " اولئك
هم المفلحون " ونسأل الله ربنا وإلهنا أن يجعلنا وإياكم من أهل طاعته ، وأن يجعل
رغبتنا ورغبتكم فيما عنده . أقول ما سمعتم ، وأستغفر الله لي ولكم .
2 - ف ( 2 ) : لما رأت طائفة من أصحابه بصفين ما يفعله معاوية بمن انقطع
إليه وبذله لهم الاموال - والناس أصحاب دنيا - قالوا لامير المؤمنين عليه السلام :
أعط
هذا المال ، وفضل الاشراف ومن تخوف خلافه وفراقه . حتى إذا استتب ( 3 ) لك
ماتريد عدت إلى أحسن ما كنت عليه من العدل في الرعية والقسم بالسوية ( 4 ) .
فقال : أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه من أهل الاسلام
والله لا أطور به ماسمر به سمير ( 5 ) وما أم نجم في السماء نجما ( 6 ) ولو كان
مالهم
* ( الهامش ) * ( 1 ) الاثرة - محركة - : الاختيار واختصاص المرء باحسن شئ دون غيره
.
( 2 ) التحف ص 185 .
( 3 ) استتب : استقام واطرد واستمر .
( 4 ) رواه الشيخ أبوعلى ابن الشيخ في أماليه مع اختلاف يسير أشرنا إلى بعضها .
( 5 ) لا أطور به : لا أقاربه . والسمير : الدهر أى لا أقاربه مدى الدهر ولا أفعله
أبدا .
وفى الامالى ( أتأمرونى أن أطلب النصر بالجور والله لا افعلن ماطلعت شمس ولاح في
السماء
نجم والله لو كان مالى لواسيت بينهم وكيف وانما هو أموالهم ) .
( 6 ) أم : قصد أى ماقصد نجم نجما .
[ 97 ]
مالي لسويت بينهم فكيف وإنما هي أموالهم .
ثم أزم طويلا ساكتا ( 1 ) ، ثم قال : من كان له مال فإياه والفساد ، فإن
إعطاءك المال في غير وجهه تبذير ( 2 ) وإسراف وهو يرفع ذكر صاحبه في الناس
ويضعه عندالله ( 3 ) .
ولم يضع امرء ماله في غير حقه وعند غير أهله إلا حرمه شكرهم
وكان خيره لغيره ، فإن بقي معه منهم من يريه الود . ويظهر له الشكر ، فإنما
هو ملق وكذب ( 4 ) وإنما يقرب لينال من صاحبه مثل الذي كان يأتي إليه قبل ،
فان زلت بصاحبة النعل واحتاج إلى معونته ومكافأته فأشر خليل وآلم خدين ( 5 )
مقالة جهال مادام عليهم منعما ، وهو عن ذات الله بخيل ، فأي حظ أبور وأخس
من هذا الحظ ؟ ! . وأي معروف أضيع وأقل عائدة من هذا المعروف ؟ ! . فمن أتاه
مال فليصل به القرابة ، وليحسن به الضيافة ، وليفك به العاني ( 6 ) والاسير
وليعن به الغارمين وابن السبيل والفقراء والمهاجرين ، وليصبر نفسه على الثواب
والحقوق ، فإنه يحوز بهذه الخصال شرفا في الدنيا ( 7 ) ودرك فضائل الاخرة .
* ( الهامش ) * ( 1 ) أزم : امسك .
( 2 ) في بعض النسخ " في غيره تبذير " وفى الامالى " في غير حقه تبذير " .
( 3 ) في الامالى " وهو وان كان ذكرا لصاحبه في الدنيا والاخرة فهو يضيعه عند الله
" .
( 4 ) ملق - بفتح فكسر ككذب مصدر - : التودد والتذلل والاظهار باللسان من
الاكرام والود ماليس في القلب . وفى الامالى " وكان لغيره ودهم فان بقى معه من يوده
يظهر له الشكر - الخ " .
( 5 ) كذا ولعله ألام فصحف والخدين : الحبيب والصديق .
( 6 ) العانى : السائل .
( 7 ) في الامالى " فان النور بهذه الخصال شرف مكارم الدنيا " .
[ 98 ]
18 .
* ( باب ) *
* " ( ما أوصى به أمير المؤمنين عليه السلام عند وفاته ) " *
1 - جا ، ما ( 1 ) : عن المفيد ، عن عمر بن محمد المعروف بابن الزيات ، عن
محمد بن همام الاسكافي ، عن جعفر بن محمد بن مالك ، عن أحمد بن سلامة الغنوي ، عن
محمد بن الحسن العامري ، عن أبي معمر ، عن أبي بكر بن عياش ، عن الفجيع العقيلي
قال : حدثني الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام قال : لما حضرت والدي الوفاة
أقبل يوصي فقال :
هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أخو محمد رسول الله وابن عمه وصاحبه أول
وصيتي أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله وخيرته ، اختاره بعلمه ، وارتضاه
لخيرته ، وأن الله باعث من في القبور ، وسائل الناس عن أعمالهم ، عالم بما في
الصدور
ثم إني اوصيك يا حسن وكفى بك وصيا بما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وآله ،
فإذا
كان ذلك يابني ألزم بيتك ، وابك على خطيئتك ، ولا تكن الدنيا أكبر همك ،
واوصيك يابني بالصلاة عند وقتها ، والزكاة في أهلها عند محلها ، والصمت عند
الشبهة ، والاقتصاد والعدل في الرضا والغضب ، وحسن الجوار ، وإكرام الضيف ، ورحمة
المجهود وأصحاب البلاء ، وصلة الرحم ، وحب المساكين ومجالستهم ، والتواضع
فإنه من أفضل العبادة ، وقصر الامل ، واذكر الموت ، وازهد في الدنيا فإنك
رهين موت ، وغرض بلاء ، وصريع سقم ، واوصيك بخشية الله في سر أمرك وعلانيتك
وأنهاك عن التسرع بالقول والفعل ، وإذا اعرض شئ من أمر الاخرة فابدء به ، وإذا
عرض شئ من أمرالدنيا فتأن حتى تصيب رشدك فيه ، وإياك ومواطن التهمة
والمجلس المظنون به السوء ، فإن قرين السوء يغير جليسه ، وكن الله يا بني عاملا
وعن الخنى زجورا ( 2 ) وبالمعروف آمرا ، وعن المنكر ناهيا ، وواخ الاخوان في الله
* ( الهامش ) * ( 1 ) مجالس المفيد ص 129 وامالى الطوسى ج 1 ص 6 .
( 2 ) الخنى - مقصورا - : الفحش .
[ 99 ]
وأحب الصالح لصلاحه ، ودار الفاسق عن دينك . وأبغضه بقلبك ، وزايله بأعمالك
كيلا تكون مثله ، وإياك والجلوس في الطرقات ، ودع الممارات ومجاراة من لا
عقل له ولا علم ، واقصد يا بني في معيشتك ، واقتصد في عبادتك ، وعليك فيها
بالامر الدائم الذي تطيقه ، وألزم الصمت تسلم ، وقدم لنفسك تغنم ، وتعلم الخير
تعلم ، وكن لله ذاكرا على كل حال ، وارحم من أهلك الصغير ، ووقر منهم
الكبير ، ولا تأكلن طعاما حتى تصدق منه قبل أكله ، وعليك بالصوم فإنه زكاة
البدن وجنة لاهله ، وجاهد نفسك ، واحذر جليسك ، واجتنب عدوك ، وعليك
بمجالس الذكر وأكثر من الدعاء فاني لم آلك يا بني نصحا ، وهذا فراق
بيني وبينك .
واوصيك بأخيك محمد خيرا فإنه شقيقك وابن أبيك وقد تعلم حبي له .
وأما أخوك الحسين فهو ابن امك ولا اريد الوصاة بذلك ( 1 ) ، والله الخليفة
عليكم ، وإياه أسأل أن يصلحكم وأن يكف الطغاة والبغاة عنكم ، والصبر الصبر
حتى ينزل الله الامر ، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
2 - ف ( 2 ) : وصيته عليه السلام عند الوفاة :
هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب . أوصى المؤمنين بشهادة أن لا إله إلاالله
وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على
الدين كله ولو كره المشركون ، وصلى الله على محمد وسلم . ثم إن صلاتي ونسكي
ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك امرت وأنا أول المسلمين .
ثم إني اوصيك يا حسن وجميع ولدي ، وأهل بيتي ، ومن بلغه كتابي من
المؤمنين بتقوى الله ربكم ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، واعتصموا بحبل الله
جميعا ولا تفرقوا ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : " صلاح ذات
البين أفضل
من عامة الصلاة والصوم " وإن المبيرة وهي الحالقة للدين ( 3 ) فساد ذات البين ،
* ( الهامش ) * ( 1 ) في أمالى الطوسى " ولا ازيد الوطأة بذلك " .
( 2 ) التحف ص 197 . وفى الكافى باب صدقات النبى " ص " .
( 3 ) في الكافى " من عامة الصلاة والصيام . وان المبيرة الحالقة للدين فساد ذات
البين " .
[100]
ولا قوة إلا بالله . انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب .
الله الله في الايتام ( 1 ) لا يضيعوا بحضرتكم ، فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه
وآله
يقول : " من عال يتيما حتى يستغني أوجب الله له بذلك الجنة كما أوجب لاكل
مال اليتيم النار " .
الله الله في القرآن فلا يسبقنكم إلى العلم ( 2 ) به غير كم .
الله الله في جيرانكم ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى بهم ، مازال يوصي
بهم
حتى ظننا أنه سيورثهم .
الله الله في بيت ربكم فلا يخلومنكم ما بقيتم ، فإنه إن ترك لم تناظروا .
وأدنى ما يرجع به من أمه أن يغفر له ما سلف ( 3 ) .
الله الله في الصلاة ، فإنها خير العمل ، إنها عماد دينكم .
الله الله في الزكاة ، فإنها تطفئ غضب ربكم .
الله الله في صيام شهر رمضان ، فإن صيامه جنة من النار .
الله الله في الفقراء والمساكين ، فشاركوهم في معا ؟ شكم .
الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ، فإنما يجاهد رجلان إمام
هدى أو مطيع له مقتد بهداه .
الله الله في ذرية نبيكم ، لا تظلمن بين أظهركم وأنتم تقدرون على المنع عنهم .
الله الله في أصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثا ولم يأووا محدثا ، فإن
رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى بهم ولعن المحدث منهم ومن غيرهم ، والمؤوي
للمحدثين .
الله الله في النساء وما ملكت أيمانكم ، فإن آخر ما تكلم به نبيكم أن قال :
" اوصيكم بالضعيفين : النساء وما ملكت أيمانكم " .
الصلاة ، الصلاة ، الصلاة ، لا تخافوا في الله لومة لائم يكفكم من أرادكم
* ( الهامش ) * ( 1 ) في الكافى " لا يغيروا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم " .
( 2 ) في الكافى " إلى العمل به " .
( 3 ) " من أمه " أى من قصده .
[101]
وبغي عليكم ( 1 ) . قولوا للناس حسنا كما أمركم الله ، ولا تتركوا الامر بالمعروف ،
والنهي عن المنكر فيولي الله أمركم شراركم ، ثم تدعون فلا يستجاب لكم عليهم .
عليكم يا بني بالتواصل والتباذل والتبادر ، وإياكم والتقاطع والتدابر
والتفرق ، وتعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ،
واتقوا الله إن الله شديد العقاب ، وحفظكم الله من أهل بيت وحفظ نبيكم فيكم ( 2 )
استودعكم الله وأقرأ عليكم السلام ، ورحمة الله وبركاته . ثم لم يزل يقول :
لا إله إلا الله حتى مضى .
19 .
* ( باب ) *
* " ( مواعظ الحسن بن على عليهما السلام ) " *
1 - مع ( 3 ) : الطالقاني ، عن محمد بن سعيد بن يحيي ، عن إبراهيم بن الهيثم ،
عن امية البلدي ، عن أبيه ، عن المعافى بن عمران ، عن إسرائيل ، عن المقدام بن شريح
ابن هاني ، عن أبيه شريح قال : سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن ابنه الحسن بن علي
عليهما السلام
فقال : يا بني ما العقل ؟ قال : حفظ قلبك ما استودعته ، قال : فما الحزم ؟ قال :
أن تنتظر فرصتك وتعاجل ما أمكنك ، قال : فما المجد ؟ قال : حمل المغارم وابتناء
المكارم ، قال : فما السماحة ؟ قال : إجابة السائل وبذل النائل ( 4 ) ، قال : فما
الشح ؟
قال : أن ترى القليل سرفا ، وما أنفقت تلفا ، وقال : فما الرقة ؟ قال : طلب اليسير
،
ومنع الحقير ، قال : فما الكلفة ؟ قال : التمسك بمن لا يؤمنك ، والنظر فيما لا
يعنيك ، قال : فما الجهل ؟ قال : سرعة الوثوب على الفرصة قبل الاستمكان منها
* ( الهامش ) * ( 1 ) في الكافى " يكفيكم الله من أذاكم وبغى عليكم " .
( 2 ) أى حفظ رعايته وامتثال أمره . وفى الكافى بتقديم " نبيكم " على " فيكم " .
( 3 ) معانى الاخبار ص 401 .
( 4 ) النائل : ما ينال .
[102]
والامتناع عن الجواب ، ونعم العون الصمت في مواطن كثيرة وإن كنت فصيحا .
ثم أقبل على الحسين ابنه عليهما السلام فقال له : يا بني ما السؤدد ؟ قال : اصطناع
-
العشيرة واحتمال الجريرة ، قال : فما لغنى ؟ قال : قلة أمانيك ، والرضا بما يكفيك ؟
قال : فما الفقر ؟ قال : الطمع وشدة القنوط ، قال : فما اللؤم ؟ قال : احراز
المرء نفسه ، وإسلامه عرسه ، قال : فما الخرق ؟ قال : معاداتك أميرك ، ومن يقدر
على ضرك ونفعك .
ثم التفت إلى الحارث الاعور فقال : يا حارث علموا هذه الحكم أولادكم
فإنها زياده في العقل والحزم والرأي .
2 - ف ( 1 ) : أجوبة الحسن بن علي عليهما السلام عن مسائل سأله عنها أميرالمؤمنين
عليه السلام أو غيره في معان مختلفة .
قيل له عليه السلام : ما الزهد ؟ قال : الرغبة في التقوى والزهادة في الدنيا . قيل
:
فما الحلم ؟ قال : كظم الغيظ وملك النفس . قيل : ما السداد ؟ قال : دفع المنكر
بالمعروف قيل : فما الشرف ؟ قال : إصطناع العشيرة وحمل الجريرة . قيل : فما
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 71 من صفحة 102 سطر 14 إلى صفحه 110 سطر 14
النجدة ؟ ( 2 ) قال : الذب عن الجار والصبر في المواطن والاقدام عند الكريهة .
قيل : فما المجد ؟ قال : أن تعطي في الغرم ( 3 ) وأن تعفو عن الجرم . قيل : فما
المروة ؟ قال : حفظ الدين وإعزاز النفس ولين الكنف ( 4 ) وتعهد الصنيعة وأداء
الحقوق ، والتحبب إلى الناس . قيل فما الكرم ؟ قال : الابتداء بالعطية قبل
* ( الهامش ) * ( 1 ) التحف ص 225 .
( 2 ) اصطناع العشيرة : الاحسان اليهم . والجريرة : الذنب والجناية . والنجدة :
الشجاعة والشدة والبأس .
( 3 ) الغرم - بتقديم المعجمة المضمومة : ما يلزم اداؤه .
( 4 ) الكنف - محركة - : الجانب والناحية . وكنف الانسان : حضنه والعضدان الصدر .
وقوله : " وتعهد الصنيعة " أى اصلاحها وانماؤها .
[103]
المسألة وإطعام الطعام في المحل ( 1 ) قيل : فما الدنيئة ؟ قال : النظر في اليسير
ومنع
الحقير . قيل : فيما اللؤم ؟ قال : قلة الندى وأن ينطق بالخنى ( 2 ) . قيل : فما
السماح ؟ قال : البذل في السراء والضراء . قيل : فما الشح ؟ قال : أن ترى ما
في يديك شرفا وما أنفقته تلفا . قيل : فما الاخاء ؟ قال : الاخاء في الشدة
والرخاء . قيل : فما الجبن ؟ قال : الجرأة على الصديق والنكول عن العدو .
قيل : فما الغنى ؟ قال : رضى النفس بما قسم لها وإن قل . قيل : فما الفقر ؟ قال :
شره النفس إلى كل شئ . قيل : فما الجود ؟ قال : بذل المجهود . قيل : فما
الكرم ؟ قال : الحفاظ في الشدة والرخاء ( 3 ) قيل : فما الجرأة ؟ قال : مواقفة
الاقران ( 4 ) . قيل : فما المنعة ؟ قال : الشدة البأس ومنازعة أعز الناس ( 5 ) .
قيل : فما الذل ؟ قال : الفرق عند المصدوقة ( 6 ) . قيل : فما الخرق ؟ قال :
مناواتك أميرك ومن يقدر على ضرك ( 7 ) . قيل : فما السناء ؟ قال : إتيان الجميل
وترك القبيح ( 8 ) . قيل : فما الحزم ؟ قال : طول الاناة والرفق بالولاة والاحتراس
* ( الهامش ) * ( 1 ) المحل - بالفتح - : الشدة والجدب . يقال : زمان ماحل أى مجدب
.
( 2 ) اللؤم - مصدر من لؤم الرجل لؤما وملاءمة - كان دنى الاصل شحيح النفس فهو
لئيم . والندى - كعمى - : الجود والفضل والخير . والخنى - مقصورا - : الفحش في
الكلام .
( 3 ) الحفاظ - ككتاب - : الذب عن المحارم المنع لها والمحافظة على العهد
والوفاء والتمسك بالود .
( 4 ) في بعض النسخ " قيل : فما الجزاء " . والمواقفة - بتقديم القاف - : المحاربة
،
يقال : واقفه في الحرب أو الخصومة أى وقف كل منهما مع الاخر .
( 5 ) المنعة : العز والقوة . ولعل المراد بالبأس والمنازعة : الجهاد في الله أو
الهيبة
في أعين الناس . وبأعز الناس أقواهم .
( 6 ) الفرق - محركة - : الخوف والفزع . والمصدوقة : الصدق .
( 7 ) المناواة : المعاداة .
( 8 ) السناء - بالمهملة ممدودا - : الرفعة .
[104]
من جميع الناس ( 1 ) . قيل : فما الشرف ؟ قال : موافقة الاخوان وحفظ الجيران .
قيل : فما الحرمان ؟ قال : تركك حظك وقد عرض عليك . قيل : فما السفه ؟
قال : اتباع الدناة ومصاحبة الغواة . قيل : فما العي ( 2 ) ؟ قال : العبث باللحية
وكثرة التنحنح عند المنطق . قيل : فما الشجاعة ؟ قال : مواقفة الاقران والصبر
عند الطعان . قيل فما الكلفة ؟ قال : كلامك فيما لا يعنيك . قيل : وما السفاه ( 3 )
؟
قال : الاحمق في ماله المتهاون بعرضه . قيل : فما اللؤم ؟ قال : إحراز المرء نفسه
وإسلامه عرسه ( 4 ) .
3 - ف ( 5 ) : ومن حكمه عليه السلام :
أيها الناس إنه من نصح لله وأخذ قوله دليلا هدي للتي هي أقوم ، ووفقه الله
للرشاد ، وسدده للحسنى ، فإن جار الله آمن محفوظ ، وعدوه خائف مخذول ،
فاحترسوا من الله بكثرة الذكر ، واخشوا الله بالتقوى ، وتقربوا إلى الله بالطاعة
فإنه قريب مجيب ، قال الله تبارك وتعالى : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب
اجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ( 6 ) "
فاستجيبوا لله وآمنوا به ، فإنه لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعاظم ، فإن رفعة
الذين يعلمون عظمة الله أن يتواضعوا و [ عز ] الذين يعرفون ما جلال الله أن
يتذللوا [ له ] وسلامة الذين يعلمون ما قدرة الله أن يستسلموا له ، ولا ينكروا
أنفسهم
* ( الهامش ) * ( 1 ) الاناة : الوقار والحلم . وفى بعض النسخ " الاناة " .
( 2 ) العى : العجر في الكلام .
( 3 ) السفاه - بالكسر - : الجهل وأيضا جمع سفيه .
( 4 ) العرس - بالكسر - : حليلة الرجل ورحلها .
( 5 ) التحف ص 227 ومضمون هذا الخبر مروى في روضة الكافى عن أميرالمؤمنين ( ع )
في خطبته التى خطبها بذى قار ولا عجب أن يشتبه الكلامان لان مستقاهما من قليب
ومفرغهما
من ذنوب كما قال المعصوم عليه السلام .
( 6 ) سورة البقرة 182 .
[105]
بعد المعرفة ، ولا يضلوا بعد الهدى ( 1 ) .
واعلموا علما يقينا أنكم لن تعرفوا التقى حتى تعرفوا صفة الهدى ( 2 ) ولن
تمسكوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نبذه ، ولن تتلوا الكتاب حق تلاوته
حتى تعرفوا الذي حرفه ، فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلف ، ورأيتم الفرية
على الله والتحريف ، ورأيتم كيف يهوي من يهوي . ولا يجهلنكم الذين لا يعلمون .
والتمسوا ذلك عند أهله ، فإنهم خاصة نور يستضاء بهم ، وأئمة يقتدى بهم ، بهم
عيش العلم وموت الجهل ، وهم الذين أخبركم حلمهم عن جهلهم ( 3 ) وحكم منطقهم
عن صمتهم ، وظاهرهم عن باطنهم ، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه . وقد خلت
لهم من الله سنة ( 4 ) ومضى فيهم من الله حكم ، إن في ذلك لذكرى للذاكرين ،
واعقلوه إذا سمعتموه عقل رعايته ولا تعقلوه عقل روايته ، فإن رواة الكتاب كثير ،
ورعاته قليل ، والله المستعان .
4 - ف ( 5 ) : وروى عنه عليه السلام في قصار هذه المعاني :
1 - قال عليه السلام : ما تشاور قوم إلا هدوا إلى رشدهم .
2 - وقال عليه السلام : اللؤم أن لا تشكر النعمة .
3 - وقال عليه السلام لبعض ولده : يا بني لا تواخ أحدا حتى تعرف موارده
* ( الهامش ) * ( 1 ) في بعض النسخ " ولا ينكرن أنفسهم بعد المعرفة ولا يضلن بعد
الهدى " .
( 2 ) في بعض النسخ " حتى تعرفوا بصبغة الهدى " .
( 3 ) كذا . ولعل الضمير في " جهلهم " راجع إلى المخالفين كما يظهر من السياق
والمعنى أخبركم حلمهم عن جهل مخالفيهم . أو عن عدم جهلهم أوانه تصحيف " جهدهم " .
وفى الروضة " هم عيش العلم وموت الجهل ، يخبركم حكمهم عن علمهم وظاهرهم عن
باطنهم الخ " .
( 4 ) في بعض النسخ " من الله سبقة " .
( 5 ) التحف 333 .
[106]
ومصادره فإذا استنبطت الخبرة ( 1 ) ورضيت العشرة فآخه على إقالة العثرة والمواساة
في العسرة .
4 - وقال عليه السلام : لا تجاهد الطلب جهاد الغالب ، ولا تتكل على القدر اتكال
المستسلم فإن ابتغاء الفضل من السنة ، والاجمال في الطلب من العفة ، وليست العفة
بدافعة رزقا ، ولا الحرص بجالب فضلا ، فإن الرزق مقسوم ، واستعمال الحرص
استعمال المآثم .
5 - وقال عليه السلام : القريب من قربته المودة وإن بعد نسبه ، والبعيد من
باعدته المودة وإن قرب نسبه ، لا شئ أقرب من يد إلى جسد ، وإن اليد تفل
فتقطع وتحسم ( 2 ) .
6 - وقال عليه السلام : من اتكل على حسن الاختيار من الله لم يتمن ( 3 ) أنه في
غير الحال التي اختارها الله له .
7 - وقال عليه السلام : الخير الذي لا شرفيه : الشكر مع النعمة ، والصبر على
النازلة .
8 - وقال عليه السلام لرجل أبل من علة ( 4 ) : إن الله قد ذكرك فاذكره ، وأقالك
فاشكره ( 5 ) .
9 - وقال عليه السلام : العار أهون من النار .
10 - وقال عليه السلام عند صلحه لمعاوية : إنا والله ماثنانا عن أهل الشام بالسلامة
* ( الهامش ) * ( 1 ) الخبرة - مصدر - : الاختيار والعلم عن تجربة . والعشرة -
بالكسر - المخالطة
والصحبة .
( 2 ) تفل : تكسر وتثلم . و " تحسم " أصله القطع والمراد به تتابع بالمكواة
حتى يبرد .
( 3 ) في بعض النسخ " يتميز " .
( 4 ) أبل من مرضه : برئ منه .
( 5 ) الاقالة : فسخ البيع وأقالك الله أى غفر لك وتجاوز عنك .
[107]
والصبر ، فثبت السلامة ( 1 ) بالعداوة والصبر بالجزع ، وكنتم في مبداكم إلى صفين
ودينكم أمام دنياكم وقد أصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم .
11 - وقال عليه السلام : ما أعرف أحدا إلا وهو أحمق فيما بينه وبين ربه .
12 - وقيل له : فيك عظمة فقال عليه السلام : بل في عزة قال الله : " ولله العزة
ولرسوله وللمؤمنين ( 2 ) " .
* ( الهامش ) * ( 1 ) فيه تصحيف والصحيح " فسلبت السلامة " كما في اسد الغابة ج 2 ص
13 وهذه الخطبة
تكشف الغطاء عن سر صلح الامام المجتبى سبط المصطفى عليهما آلاف التحية والثناء .
مختارها
في هذا الكتاب وكتاب الملاحم والفتن للسيد بن طاووس رحمة الله وتمامها في كتاب اسد
الغابة
قد يعجبنى ذكرها بنصحها :
قال الجزرى : " أخبرنا أبومحمد القاسم بن على بن الحسن الدمشقى اجازة أخبرنا
أبى أخبرنا أبو السعود ، حدثنا أحمد بن محمد بن العجلى ، أخبرنا محمد بن محمد
ابن أحمد العكبرى ، أخبرنا محمد بن أحمد بن خاقان ، أخبرنا أبوبكر بن دريد قال :
قام الحسن بعد موت أبيه أميرالمؤمنين فقال بعد حمد الله عزوجل : انا والله ماثنانا
عن أهل
الشأم شك ولا ندم وانما كنا نقاتل أهل الشأم بالسلامة والصبر ، فسلبت السلامة
بالعداوة ،
والصبر بالجزع ، وكنتم في منتدبكم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم ، فاصبحتم اليوم
ودنياكم
أمام دينكم ، ألا وانا لكم كما كنا ولستم لنا كما كنتم ، ألا وقد اصبحتم ، بين
قتيلين قتيل
بصفين تبكون له ، وقتيل بالنهروان تطلبون بثاره ، فاما الباقى فخاذل ، وأما الباكى
فثائر ،
ألا وان معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عزولا نصفة ، فان اردتم الموت رددناه عليه
وحاكمناه
إلى الله عزوجل بظباء السيوف ، وان أردتم الحياة قبلناه واخذنا لكم الرضى " .
فناداه القوم
من كل جانب : البقية البقية فلما أفردوه امضى الصلح " . انتهى ، وقوله : " البقية
البقية " تحذير
يعنى احفظ البقية .
( 2 ) المنافقون : 8 . وفى نسخة " فيكم " مكان " فيك " . ورواه الساروى في المناقب
وفيه :
" فيك عظمة " .
[108]
13 - وقال عليه السلام في وصف أخ كان له صالح ( 1 ) : كان من أعظم الناس في
عيني ، صغر الدنيا في عينه ( 2 ) كان خارجا من سلطان الجهالة ، فلا يمد يدا إلا
على ثقة لمنفعة ، كان لا يشتكي ولا يتسخط ولا يتبرم ، كان أكثر دهره صامتا ،
فإذا قال بذ القائلين ( 3 ) كان ضعيفا مستضعفا ، فإذا جاء الجد فهو الليث عاديا ( 4
) .
كان إذا جامع العلماء على أن يستمع أحرص منه على أن يقول ، كان إذا غلب على
الكلام لم يغلب على السكوت ، كان لا يقول مالا يفعل ، ويفعل مالا يقول ، كان إذا
عرض له أمر ان لا يدري أيهما أقرب إلى ربه نظر أقربهما من هواه فخالفه ، كان
لا يلوم أحدا على ما قد يقع العذر في مثله . 14 - وقال عليه السلام : من أدام
الاختلاف إلى المسجد أصاب إحدى ثمان : آية
محكمة ، وأخا مستفادا ، وعلما مستطرفا ، ورحمة منتظرة ، وكلمة تدله على
الهدى ، أو ترده عن ردى ، وترك الذنوب حياء أو خشية .
* ( الهامش ) * ( 1 ) رواه الكلينى ( ره ) في الكافى عن الحسن بن على عليهما السلام
بنحو أبسط .
وأورده الرضى ( ره ) في النهج عن أمير المؤمنين عليه السلام هكذا " وقال ( ع ) كان
لى فيما
مضى اخ في الله - الخ " قال ابن ميثم : ذكر هذا الفصل ابن المقفع في ادبه ونسبه إلى
الحسن
ابن على عليهما السلام والمشار اليه قيل : أبوذر الغفارى وقيل : هو عثمان بن مظعون
انتهى .
وقيل : لا يبعد أن يكون المراد به أباه عليه السلام عبر عنه عليه السلام هكذا
لمصلحة .
( 2 ) أى كان أعظم الصفات التى صارت سببا لعظمته في عينى هو أن صغرالدنيا في عينه ،
والصغر كعنب وقفل : خلاف الكبر وبمعنى الذل والهوان وهو خبر " كان " وفاعل " عظم "
ضمير الاخ وضمير " به " عائد إلى الموصول والباء للسببية .
( 3 ) يتبرم اى لا يتسأم ولا يتضجر ولا يغتم . وبذ القائلين . أى غلبهم وسبقهم
وفاقهم .
( 4 ) " كان ضعيفا مستضعفا " كناية عن تواضعه ولين كلامه وسجاحة أخلاقه . " فاذا
جاء الجد كان ليثا عاديا " الليث : الاسد وهو كناية عن التصلب في ذات الله وترك
المداهنة
في أمر الدين واظهار الحق وفى لفظ الجد بعد ذكر الضعف أشعار بذلك . ولعل المراد
البسالة
في الحرب والشجاعة .
[109]
15 - ورزق غلاما فأتته قريش تهنيه فقالوا : يهنيك الفارس ، فقال عليه السلام :
أي شئ هذا القول ؟ ولعله يكون راجلا ، فقال له جابر : كيف نقول يا ابن
رسول الله ؟ فقال عليه السلام : إذا ولد لاحدكم غلام ؟ فأتيتموه فقولوا له : شكرت
الواهب
وبورك لك في الموهوب ، بلغ الله به أشده ( 1 ) ورزقك بره .
16 - وسئل عن المروة ؟ فقال عليه السلام : شح الرجل على دينه ، وإصلاحه
ماله ، وقيامه بالحقوق .
17 - وقال عليه السلام : إن أبصر الابصار ما نفذ في الخير مذهبه . وأسمع
الاسماع ما وعى التذكير وانتفع به . أسلم القلوب ما طهر من الشبهات .
18 - وسأله رجل أن يخيله ( 2 ) قال عليه السلام : إياك أن تمدحني فأنا أعلم بنفسي
منك ، أو تكذبني فإنه لا رأي لمكذوب ، أو تغتاب عندي أحدا . فقال له الرجل :
ائذن لي في الانصراف ، فقال عليه السلام : نعم إذا شئت .
19 - وقال عليه السلام : إن من طلب العبادة تزكى لها ، إذا أضرت النوافل
بالفريضة فارفضواها ، اليقين معاذ للسلامة ، من تذكر بعد السفر اعتد ، ولا يغش
العاقل من استنصحه ، بينكم وبين الموعظة حجاب العزة ، قطع العلم عذر المتعلمين ( 3
) ،
كل معاجل يسأل النظرة ( 4 ) ، وكل مؤجل يتعلل بالتسويف .
20 - وقال عليه السلام : اتقوا الله عباد الله وجدوا في الطلب وتجاه الهرب ،
وبادروا العمل قبل مقطعات النقمات ( 5 ) وهاذم اللذات ، فإن الدنيا لا يدوم نعيمها
ولا تؤمن فجيعها ولا تتوقى في مساويها ، غرور حائل ، وسناد مائل ( 6 ) ، فاتعظوا
* ( الهامش ) * ( 1 ) وفى بعض النسخ " رشده " . ورواه الكلينى في الكافى قسم الفروع
.
( 2 ) في بعض النسخ " يعظه " مكان يخيله اى يغيره وهو أيضا كناية عن الموعظة .
( 3 ) كذا وفى كلام أبيه عليه السلام في النهج " المعللين " .
( 4 ) النظرة : الامهال والتأخيرر .
( 5 ) النقمات : جمع نقمة : اسم من الانتقام .
( 6 ) السناد - ككتاب - : النافة الشديدة القوية . ومن الشئ عماده .
[110]
عباد الله بالعبر ، واعتبروا بالاثر ، وازدجروا بالنعيم ( 1 ) وانتفعوا بالمواعظ ،
فكفى
بالله معتصما ونصيرا ، وكفى بالكتاب حجيجا وخصيما ( 2 ) وكفى بالجنة ثوابا ،
وكفى بالنار عقابا ووبالا .
21 - وقال عليه السلام : إذا لقى أحدكم أخاه فليقبل موضع النور من جبهته .
22 - ومر عليه السلام في يوم فطر بقوم يلعبون ويضحكون فوقف على رؤوسهم
فقال : إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه ( 3 ) فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته
فسبق قوم ففازوا ، وقصر آخرون فخابوا ، فالعجب كل العجب من ضاحك لاعب
في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون ، ويخسر فيه المبطلون ، وأيم الله لو كشف الغطاء
لعلموا أن المحسن مشغول بإحسانه ، والمسيئ مشغول بإساءته ، ثم مضى .
5 - ف ( 4 ) : موعظة منه عليه السلام :
إعلموا أن الله لم يخلقكم عبثا ، وليس بتارككم سدى ، كتب آجالكم ،
وقسم بينكم معائشكم ، ليعرف كل ذي لب منزلته ، وأن ما قدر له أصابه ، وما
صرف عنه فلن يصيبه ، قد كفاكم مؤونة الدنيا ، وفرغكم لعبادته ، وحثكم على
الشكر ، وافترض عليكم الذكر ، وأوصاكم بالتقوى ، وجعل التقوى منتهى رضاه ، والتقوى
باب كل توبة ، ورأس كل حكمة ، وشرف كل عمل ، بالتقوى فاز من
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 71 من صفحة 110 سطر 15 إلى صفحه 118 سطر 15
فاز من المتقين . قال الله تبارك وتعالى : " إن للمتقين مفازا ( 5 ) " . وقال :
" وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون ( 6 ) " فاتقوا
الله عباد الله ، واعلموا أنه من يتق الله يجعل له مخرجا من الفتن ، ويسدده في
* ( الهامش ) * ( 1 ) كذا ، والظاهر " بالنقم " .
( 2 ) الحجيج : المغالب باظهار الحجة .
( 3 ) المضمار : المدة والايام التى تضمر فيها للسباق . وموضع السباق أيضا .
( 4 ) التحف ص . 232
( 5 ) سورة النبأ : 32 .
( 6 )
سورة الزمر : 61 .
[111]
أمره ، ويهيئ له رشده ، ويفلجه بحجته ، ويبيض وجهه ، ويعطيه رغبته مع الذين
أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا .
6 - كشف ( 1 ) : عن الحسن بن علي عليهما السلام قال : لا أدب لمن لا عقل له ، ولا
مروة لمن لا همة له ، ولا حياء لمن لا دين له ، ورأس العقل معاشرة الناس
بالجميل ، وبالعقل تدرك الداران جميعا ، ومن حرم من العقل حرمهما جميعا .
وقال عليه السلام : علم الناس علمك وتعلم علم غيرك فتكون قد أتقنت علمك
وعلمت مالم تعلم .
وسئل عليه السلام عن الصمت فقال : هو ستر العمى ، وزين العرض ، وفاعله في
راحة وجليسه آمن .
وقال عليه السلام : هلاك الناس في ثلاث : الكبر والحرص والحسد ، فالكبر هلاك
الدين وبه لعن إبليس ، والحرص عدو النفس وبه اخرج آدم من الجنة ، والحسد
رائد السوء ومنه قتل قابيل هابيل .
وقال عليه السلام : لا تأت رجلا إلا أن ترجو نواله وتخاف يده ، أو يستفيد من
علمه ، أو ترجو بركة دعائه ، أو تصل رحما بينك وبينه .
وقال عليه السلام : دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام وهو يجود بنفسه لما ضربه
ابن ملجم فجزعت لذلك فقال لي : أتجزع فقلت : وكيف لا أجزع وأنا أراك على
حالك هذه فقال عليه السلام : ألا اعلمك خصالا أربع إن أنت حفظتهن نلت بهن النجاة
وإن أنت ضيعتهن فاتك الداران ، يا بني لا غنى أكبر من العقل ، ولا فقر مثل
الجهل ، ولا وحشة أشد من العجب ، ولا عيش ألذ من حسن الخلق . [ فهذه
سمعت عن الحسن يرويها عن أبيه عليهما السلام فاروها إن شئت في مناقبه أو مناقب أبيه
] ( 2 ) .
وقال عليه السلام : ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد .
وقال عليه السلام : اجعل ما طلبت من الدنيا فلن تظفر به بمنزلة ما لم يخطر
ببالك ، واعلم أن مروة القناعة والرضا أكثر من مروة الاعطاء ، وتمام الصنيعة
خير من ابتدائها
* ( الهامش ) * ( 1 ) كشف الغمة ج 2 ص 196 .
( 2 ) بين القوسين كلام الاردبيلى في ( كشف ) ولا يناسب هذا الكتاب .
[112]
وسئل عن العقوق فقال : أن تحرمهما وتهجرهما ( 1 ) .
وروي أن أباه عليا عليه السلام قال له : قم فاخطب لاسمع كلامك ، فقام فقال :
الحمد لله الذي من تكلم سمع كلامه ، ومن سكت علم ما في نفسه ، ومن عاش فعليه
رزقه ، ومن مات فإليه معاده ، أما بعد فإن القبور محلتنا ، والقيامة موعدنا ، والله
عارضنا ، إن عليا باب من دخله كان مؤمنا ، ومن خرج عنه كان كافرا .
فقام إليه علي عليه السلام فالتزمه فقال : بأبي أنت وامي " ذرية بعضها من بعض
والله سميع عليم " .
ومن كلامه عليه السلام : يا ابن آدم عف عن محارم الله تكن عابدا ، ومن ارض
بما قسم الله سبحانه تكن غنيا ، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلما ، وصاحب
الناس بمثل ما تحب أن يصاحبوك به تكن عدلا ، إنه كان بين أيديكم أقوام
يجمعون كثيرا ويبنون مشيدا ، ويأملون بعيدا ، أصبح جمعهم بوارا وعملهم غرورا ،
ومساكنهم قبورا ، يا ابن آدم إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن امك
فخذ مما في يديك لما بين يديك ، فإن المؤمن يتزود ، والكافر يتمتع ، وكان عليه
السلام
يتلو بعد هذه الموعظة : " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " .
ومن كلامه عليه السلام إن هذا القرآن فيه مصابيح النور وشفاء الصدور ،
فليجل جال بضوئه وليلجم الصفة فإن التلقين ( 2 ) حياة القلب البصير ، كما
يمشي المستنير في الظلمات بالنور .
7 - د ( 3 ) : قال عليه السلام : العقل حفظ قلبك ما استودعته ، والحزم أن تنتظر
فرصتك ، وتعاجل ما أمكنك ، والمجد حمل المغارم وابتناء المكارم ، والسماحة
إجابة السائل ، وبذل النائل ، والرقة طلب اليسير ومنع الحقير ، والكلفة
* ( الهامش ) * ( 1 ) يعنى الوالدين .
( 2 ) كذا وفى المصدر " وليلجم الصفة قلبه فان التفكير حياة القلب البصير " والصواب
كما في الكافى ج 2 ص 599 " فليجل جال بصره ، وليبلغ الصفة نظره فان التفكر حياة قلب
البصير " .
( 3 ) مخطوط .
[113]
التمسك لمن لا يؤاتيك ، والنظر بما لا يعنيك ، والجهل وإن كنت فصيحا .
وقال عليه السلام : ما فتح الله عزوجل على أحد باب مسألة فخزن عنه باب الاجابة ،
ولا فتح الرجل باب عمل فخزن عنه باب القبول ، ولا فتح لعبد باب شكر فخزن عنه
باب المزيد .
وقيل له عليه السلام : كيف أصبحت يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال :
أصبحت ولي
رب فوقي ، والنار أمامي ، والموت يطلبني ، والحساب محدق بي ، وأنا مرتهن بعملي
لا أجد ما احب ، ولا أدفع ما أكره ، والامور بيد غيري ، فإن شاء عذبني وإن شاء
عفا عني ، فأي فقير أفقر مني ؟ .
وقال عليه السلام : المعروف مالم يتقدمه مطل ، ولا يتبعه من ، والاعطاء قبل
السؤال من أكبر السؤدد .
وسئل عليه السلام عن البخل : فقال : هو أن يرى الرجل ما أنفقه تلفا وما
أمسكه شرفا ، وقال عليه السلام : من عدد نعمه محق كرمه .
وقال عليه السلام : الوحشة من الناس على قدر الفطنة بهم .
وقال عليه السلام : الوعد مرض في الجود ، والانجاز دواؤه .
وقال عليه السلام : الانجاز دواء الكرم .
وقال عليه السلام : لا تعاجل الذنب بالعقوبة واجعل بينهما للاعتذار طريقا .
وقال عليه السلام : المزاح يأكل الهيبة ، وقد أكثر من الهيبة الصامت .
وقال عليه السلام : المسؤول حر حتى يعد ومسترق المسؤول حتى ينجز ( 1 ) .
وقال عليه السلام : المصائب مفاتيح الاجر .
وقال عليه السلام : النعمة محنة فإن شكرت كانت نعمة ، فإن كفرت صارت نقمة .
وقال عليه السلام : الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود .
وقال عليه السلام : لا يعرف الرأي إلا عند الغضب .
وقال عليه السلام : من قل ذل ، وخير الغنى القنوع ، وشر الفقر الخضوع .
* ( الهامش ) * ( 1 ) " يعد " مضارع من وعد ، والمسترق هو السائل يعنى هو الذى يطلب
الرق .
[114]
وقال عليه السلام : كفاك من لسانك ما أوضح لك سبيل رشدك من غيك .
8 - د : روي أن أميرالمؤمنين عليه السلام قال للحسن عليه السلام : قم فاخطب لاسمع
كلامك فقام وقال : الحمد لله الذي من تكلم سمع كلامه ، ومن سكت علم ما في
نفسه ، ومن عاش فعليه رزقه ، ومن مات فإليه معاده ، وصلى الله على محمد وآله
الطاهرين وسلم .
أما بعد فإن القبور محلتنا ، والقيامة موعدنا ، والله عارضنا ، وإن عليا باب من
دخله كان آمنا ، ومن خرج منه كان كافرا ، فقام إليه عليه السلام فالتزمه وقال :
بأبي أنت
وامي ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم .
9 - د : اعتل أميرالمؤمنين عليه السلام بالبصرة فخرج الحسن عليه السلام يوم الجمعة
فصلى الغداة بالناس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وآله ، ثم
قال : إن الله
لم يبعث نبيا إلا اختار له نفسا ورهطا وبيتا والذي بعث محمدا بالحق لا ينقص أحد
من حقنا إلا نقصه الله من علمه ، ولا يكون علينا دولة إلا كانت لنا عاقبة ،
ولتعلمن نبأه بعد حين .
10 - د : قال مولينا الحسن عليه السلام : إن الله عزوجل أدب نبيه أحسن
الادب فقال : " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ( 1 ) " فلما وعى
الذي أمره قال تعالى : " ما آتيكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا ( 2 ) "
فقال لجبرئيل عليه السلام : وما العفو ؟ قال : أن تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ،
وتعفو عمن ظلمك ، فلما فعل ذلك أوحى الله إليه " إنك لعلى خلق عظيم ( 3 ) " .
وقال : السداد دفع المنكر بالمعروف ، والشرف اصطناع العشيرة وحمل
الجريرة ، والمروة العفاف وإصلاح المرء ماله ، والرقة النظر في اليسير ومنع
الحقير ، واللؤم إحراز المرء نفسه وبذله عرسه ، السماحة البذل في العسر واليسر ،
الشح أن ترى ما في يديك شرفا ، وما أنفقته تلفا ، الاخاه الوفاء في الشدة
* ( الهامش ) * ( 1 ) الاعراف : 199 . ( 2 ) الحشر : 7 .
( 3 ) القلم : 4 .
[115]
الرخاء ، الجبن الجرأة على الصديق والنكول عن العدو ، والغنيمة في التقوى
والزهادة في الدنيا في الغنيمة البادرة ، الحلم كظم الغيظ ، وملك النفس
الغنى بما قسم الله لها وإن قل فإنما الغنى غني النفس ، الفقر شدة النفس في
كل شئ ، المنعة شدة البأس ومنازعة أشد الناس ، الذل التضرع عند المصدوقة
الجرأة مواقفة الاقران ، الكلفة كلامك فيما لا يعنيك ، والمجد أن تعطي في العدم
وأن تعفو عن طول الاناة ، والاقرار بالولاية ، والاحتراس من الناس بسوء الظن
هو الحزم ، السرور موافقة الاخوان وحفظ الجيران ، السفه اتباع الدناة ومصاحبة
الغواة ، الغفلة تركك المسجد وطاعتك المفسد ، الحرمان ترك حظك وقد عرض
عليك ، السفيه الاحمق في ماله ، المتهاون في عرضه ، يشتم فلا يجيب ، المتحرم بأمر
عشيرته هو السيد .
11 - الدرة الباهرة ( 1 ) : قال الحسن بن علي عليهما السلام : المعروف مالم يتقدمه
مطل ولم يتعقبه من ، والبخل أن يرى الرجل ما أنفقه تلفا وما أمسكه شرفا ، من
عدد نعمه محق كرمه ، الانجاز دواء الكرم ، لا تعاجل الذنب بالعقوبة واجعل
بينهما للاعتذار طريقا ، التفكر حياة قلب البصير ، أوسع ما يكون الكريم بالمغفرة
إذا صاقت بالمذنب المعذرة .
12 - اعلام الدين ( 2 ) : قال الحسن بن علي عليهما السلام : المصائب مفاتيح
الاجر .
وقال عليه السلام : تجهل النعم ما أقامت فإذا ولت عرفت .
وقال عليه السلام : عليكم بالفكر فإنه حياة قلب البصير ومفاتيح أبواب الحكمة .
وقال عليه السلام : أوسع ما يكون الكريم بالمغفرة إذا ضاقت بالمذنب المعذرة .
وقيل له عليه السلام : فيك عظمة قال : لا بل في عزة قال الله تعالى : " ولله العزة
ولرسوله وللمؤمنين ( 3 ) " .
* ( الهامش ) * ( 1 ) مخطوط .
( 2 ) مخطوط .
( 3 ) المنافقون : 8 .
[116]
وقال عليه السلام : صاحب الناس مثل ما تحب أن يصاحبوك به .
وكان يقول عليه السلام : ابن آدم إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن امك ،
فخذ مما في يديك لما بين يديك ، فإن المؤمن يتزود وإن الكافر يتمتع ، وكان
ينادي مع هذه الموعظة " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " .
20 .
* ( باب ) *
* " ( مواعظ الحسين بن أمير المؤمنين صلوات الله عليهما ) " *
1 - لى ( 1 ) : ابن المتوكل ، عن السعد آبادي ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن
محمد بن سنان ، عن المفضل ، عن الصادق ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام قال : سئل
الحسين بن علي عليهما السلام فقيل له : كيف أصبحت يا ابن رسول الله ؟ قال : أصبحت
ولي
رب فوقي ، والنار أمامي ، والموت يطلبني ، والحساب محدق بي ، وأنا مرتهن
بعملي ، لا أجد ما احب ، ولا أدفع ما أكره ، والامور بيد غيري ، فإن شاء عذبني
وإن شاء عفا عني ، فاي فقير أفقرمني ؟ .
2 - ف ( 2 ) : عن الحسين عليه السلام في قصار هذه المعاني :
1 - قال عليه السلام : في مسيره إلى كربلا ( 3 ) : إن هذه الدنيا قد تغيرت
وتنكرت ، وأدبر معروفها ، فلم يبق منها إلا صبابة كصابة الاناء ، وخسيس عيش
كالمرعى الوبيل ( 4 ) ، ألا ترون أن الحق لا يعمل به ، وأن الباطل لا ينتهى
* ( الهامش ) * ( 1 ) المجالس : المجلس التاسع والثمانون ص 362 .
( 2 ) التحف ص 245 .
( 3 ) ذلك في موضع يقال : ذى حسم ونقل هذا الكلام الطبرى في تاريخه " عن عقبة
ابن أبى العيزار قال : قام الحسين عليه السلام بذى حسم فحمد الله واثنى عليه ثم قال
: " أما
بعد انه قد نزل من الامر ما قد ترون . . الخ " مع اختلاف يسير .
( 4 ) الصبابة - بالضم - : بقية الماء في الاناء . والمرعى : الكلاء . والوبيل :
الوخيم .
[117]
عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا ، فإني لا أرى الموت إلا الحياة ، ولا الحياة
مع الظالمين إلا برما . إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم ( 1 )
يحوطونه مادرت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء ( 2 ) قل الديانون .
2 - وقال عليه السلام لرجل اغتاب عنده رجلا : يا هذا كف عن الغيبة فإنها إدام
كلاب النار .
3 - وقال عنده رجل : إن المعروف إذا اسدي إلى غير أهله ضاع ( 3 ) فقال
الحسين عليه السلام : ليس كذلك ، ولكن تكون الصنيعة مثل وابل المطر تصيب البر
والفاجر .
4 - وقال عليه السلام : ما أخذ الله طاقة أحد إلا وضع عنه طاعته ، ولا أخذ قدرته
إلا وضع عنه كلفته .
5 - وقال عليه السلام : إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار ، وإن قوما
عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد ، وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبداة الاحرار
، وهي
أفضل العبادة .
6 - وقال له رجل : ابتداء كيف أنت عافاك الله ؟ فقال عليه السلام له : السلام قبل
الكلام عافاك الله ، ثم قال عليه السلام : لا تأذنوا لاحد حتى يسلم .
7 - وقال عليه السلام : الاستدراج من الله سبحانه لعبده أن يسبغ عليه النعم
ويسلبه الشكر .
8 - وكتب إلى عبدالله بن العباس حين سيره عبدالله بن الزبير ( 4 ) إلى
* ( الهامش ) * ( 1 ) في بعض النسخ " لغو على ألسنتهم " .
( 2 ) محص الله الرجل : اختبره .
( 3 ) اسدى اليه : أحسن اليه . والوابل : المطر الشديد .
( 4 ) انما وقع هذا التسيير بعد قتل المختار الناهض الوحيد لطلب ثار الامام السبط
المفدى فالكتاب هذا لا يمكن أن يكون للحسين السبط عليه السلام ولعله لولده الطاهر
على بن الحسين
السجاد سلام الله عليهما فاشتبه على الراوى على بن الحسين بالحسين بن على صلوات
الله عليهم .
[118]
اليمن : أما بعد بلغني أن ابن الزبير سيرك إلى الطائف فرفع الله لك بذلك ذكرا
وحط به عنك وزرا وإنما يبتلى الصالحون . ولو لم توجر إلا فيما تحت لقل
الاجر ( 1 ) ، عزم الله لنا ولك بالصبر عند البلوى ، والشكر عند النعمى ( 2 ) ولا
أشمت بنا ولا بك عدوا حاسدا أبدا ، والسلام .
9 - وأتاه رجل فسأله فقال عليه السلام : إن المسألة لا تصلح إلا في غرم فادح ، أو
فقر مدقع ، أو حمالة مقطعة ( 3 ) ، فقال الرجل : ما جئت إلا في إحديهن ، فأمر له
بمائة دينار .
10 - وقال لابنه علي بن الحسين عليهما السلام : أي بني إياك وظلم من لا يجد عليك
ناصرا إلا الله عزوجل .
11 - وسأله رجل عن معنى قول الله : " وأما بنعمة ربك فحدث ( 4 ) "
قال عليه السلام : أمره أن يحدث بما أنعم الله به عليه في دينه .
12 - وجاءه رجل من الانصار يريد أن يسأله حاجة فقال عليه السلام : يا أخا
الانصار صن وجهك عن بذلة المسألة ( 5 ) وارفع حاجتك في رقعة ، فإني آت فيها
ما سارك إن شاء الله ، فكتب : يا أبا عبدالله إن لفلان علي خمسمائة دينار وقد ألح
بي فكلمه ينظرني إلى ميسرة ، فلما قرأ الحسين عليه السلام الرقعة دخل إلى منزله
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 71 من صفحة 118 سطر 16 إلى صفحه 126 سطر 16
فأخرج صرة ( 6 ) فيها ألف دينار ، وقال عليه السلام له : أما خمسمائة فاقض بها دينك
وأما خمسمائة فاستعن بها على دهرك ، ولا ترفع حاجتك إلا إلى أحد ثلاثة : إلى
* ( الهامش ) * ( 1 ) في بعض النسخ " لقاء الاجر " .
( 2 ) والنعمى : الدعة والراحة وخفض العيش .
( 3 ) الغرم : أداء شئ لازم ، وما يلزم أداؤه ، والضرر والمشقة . والفادح : الصعب
المثقل . والمدقع : الملصق بالتراب . والحمالة : الدية والغرامة والكفالة .
( 4 ) سورة الضحى : 11 .
( 5 ) البذلة : ترك الصون .
( 6 ) الصرة - بالضم فالتشديد - : ما يصرفيه الدراهم والدينار .
[119]
ذي دين ، أو مروة ، أو حسب ، فأما ذوالدين فيصون دينه ، وأما ذوالمروة فإنه
يستحيي لمروته ، وأما ذوالحسب فيعلم أنك لم تكرم وجهك أن تبذله له في
حاجتك ، فهو يصون وجهك أن يردك بغير قضاء حاجتك .
13 - وقال عليه السلام : الاخوان أربعة : فأخ لك وله ، وأخ لك ، وأخ عليك
وأخ لا لك ولا له . فسئل عن معنى ذلك ؟ فقال عليه السلام : الاخ الذي هو لك وله
فهو الاخ الذي يطلب بإخائه بقاء الاخاء ولا يطلب بإخائه موت الاخاء ، فهذا لك وله
لانه
إذا تم الاخاء طابت حياتهما جميعا ، وإذا دخل الاخاء في حال التناقص بطل جميعا .
والاخ الذي هو لك فهو الاخ الذي قد خرج بنفسه عن حال الطمع إلى حال الرغبة ،
فلم يطمع في الدنيا إذا رغب في الاخاء ، فهذا موفر ( 1 ) عليك بكليته . والاخ الذي
هو عليك فهو الاخ الذي يتربص بك الدوائر ( 2 ) ويغشي السرائر ، ويكذب عليك
بين العشائر ، وينظر في وجهك نظر الحاسد ، فعليه لعنة الواحد . والاخ الذي لا لك
ولاله فهو الذي قد ملاه الله حمقا فأبعده سحقا ( 3 ) فتراه يؤثر نفسه عليك ويطلب
شحا مالديك .
14 - وقال عليه السلام : من دلائل علامات القبول : الجلوس إلى أهل العقول .
ومن علامات أسباب الجهل المماراة لغير أهل الكفر ( 4 ) ومن دلائل العالم انتقاده
لحديثه ، وعلمه بحقائق فنون النظر .
15 - وقال عليه السلام : إن المؤمن اتخذ الله عصمته ، وقوله مرآته . فمرة ينظر في
نعت المؤمنين ، وتارة ينظر في وصف المتجبرين ، فهو منه في لطائف ، ومن نفسه في
تعارف ، ومن فطنته في يقين ، ومن قدسه على تمكين ( 5 ) .
* ( الهامش ) * ( 1 ) في بعض النسخ " موفور عليك " .
( 2 ) الدوائر . النوائب ، يقال : دارت الدوائر أى نزلت الدواهى والنوائب .
( 3 ) اى فابعده الله من رحمته بعدا .
( 4 ) الممارة : المجادلة والمنازعة . وفى بعض النسخ " لغير أهل الفكر " .
( 5 ) أى ومن طهارة نفسه على قدرة وسلطنة .
[120]
16 - وقال عليه السلام : إياك وما تعتذر منه ، فإن المؤمن لا يسيئ ولا يعتذر
والمنافق كل يوم يسيئ ويعتذر .
17 - وقال عليه السلام : للسلام سبعون حسنة ، تسع وستون للمبتدئ وواحدة
للراد .
18 - وقال عليه السلام : البخيل من بخل بالسلام .
19 - وقال عليه السلام : من حاول امرا ( 1 ) بمعصية الله كان أفوت لما يرجو ، وأسرع
لما يحذر ( 2 ) .
3 - ف ( 3 ) موعظة منه عليه السلام : أوصيكم بتقوى الله واحذركم أيامه وأرفع
لكم أعلامه ، فكان المخوف قد أفد بمهول وروده ، ونكير حلوله ، وبشع مذاقه ،
فاعتلق مهجكم ( 4 ) وحال بين العمل وبينكم ، فبادروا بصحة الاجسام في مدة
الاعمار كأنكم ببغتات طوارقه ( 5 ) فتنقلكم من ظهر الارض إلى بطنها ، ومن علوها
إلى سفلها ، ومن انسها إلى وحشتها ، ومن روحها وضوئها إلى ظلمتها ، ومن سعتها
إلى ضيقها ، حيث لا يزار حميم ، ولا يعاد سقيم ، ولا يجاب صريخ . أعاننا الله
وإياكم
على أهوال ذلك اليوم ، ونجانا وإياكم من عقابه ، وأوجب لنا ولكم الجزيل من ثوابه .
عباد الله فلو كان ذلك قصر مرماكم ومدى مظعنكم ( 6 ) كان حسب العامل
* ( الهامش ) * ( 1 ) في بعض النسخ " من حاول أمرعا " .
( 2 ) في بعض النسخ " أسرع لمجئ ما يحذر " .
( 3 ) التحف ص 239 .
( 4 ) أفد - كفرح - : عجل ودنا وأزف . والمهول : ذوالهول . وبشع : ضد حسن
وطيب اى كريه الطعم والرائحة . والمهج - كغرف - : جمع مهجة - كغرفة - : الدم ، أودم
القلب
والمراد به الروح .
( 5 ) بغتات : جمع بغتة . والطوارق : جمع الطارقة : الداهية .
( 6 ) القصر : الجهد والغاية . والمرمى : مصدر ميمى أو مكان الرمى وزمانه . والمدى
:
الغاية والمنتهى . ويذهل : ينسى ويسلو - من الذهول - : الذهاب عن الامر
[121]
شغلا يستفرغ عليه أحزانه ، ويذهله عن دنياه ، ويكثر نصبه لطلب الخلاص منه ،
فكيف وهو بعد ذلك مرتهن باكتسابه ، مستوقف على حسابه ، لا وزير له يمنعه ، ولا
ظهير عنه يدفعه ، ويومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في
إيمانها خيرا ، قل انتظروا إنا منتظرون .
اوصيكم بتقوى الله فإن الله قد ضمن لمن اتقاه أن يحوله عما يكره إلى
ما يحب ، ويرزقه من حيث لا يحتسب ، فإياك أن تكون ممن يخاف على العباد من
ذنوبهم ، ويأمن العقوبة من ذنبه ، فإن الله تبارك وتعالى لا يخدع عن جنته ولا ينال
ما عنده إلا بطاعته إن شاءالله .
4 - كشف ( 1 ) : خطب الحسين عليه السلام فقال : أيها الناس نافسوا في المكارم ،
وسارعوا في المغانم ، ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجلوا ، واكسبوا الحمد بالنجح ،
ولا تكتسبوا بالمطل ذما ، فمهما يكن لاحد عند أحد صنيعة له رأى أنه لا يقوم
بشكرها فالله له بمكافأته ، فإنه أجزل عطاء وأعظم أجرا ، واعلموا أن حوائج
الناس إليكم من نعم الله عليكم فلا تملوا النعم فتحور نقما ( 2 ) ، واعلموا أن
المعروف مكسب حمدا ، ومعقب أجرا ، فلو رأيتم المعروف رجلا رأيتموه حسنا
جميلا تسر الناظرين ، ولو رأيتم اللؤم رأيتموه سمجا ( 3 ) مشوها تنفر منه القلوب
وتغض دونه الابصار .
أيها الناس من جاد ساد ، ومن بخل رذل ، وإن أجود الناس من أعطى من
لا يرجوه ، وإن أعفى الناس من عفا عن قدرة ، وإن أوصل الناس من وصل من
* ( الهامش ) * بدهشة . اى لو كانت الدنيا آخر أمركم وليس وراءها شئ لجدير بأن
الانسان يجد
ويتعب ويسعى لطلب الخلاص من الموت وتبعاته ويشغل عن غيره .
( 1 ) كشف النعمة ج 2 ص 241 .
( 2 ) حار يحور حورا : رجع .
( 3 ) السمج : القبيح .
[122]
قطعه ، والاصول على مغارسها بفروعها تسموا ، فمن تعجل لاخيه خيرا وجده إذا
قدم عليه غدا ، ومن أراد الله تبارك وتعالى بالصنيعة إلى أخيه كافأه بها في وقت
حاجته ، وصرف عنه من بلاء الدنيا ما هو أكثر منه ، ومن نفس كربة مؤمن فرج الله
عنه كرب الدنيا والاخرة ، ومن أحسن أحسن الله إليه ، والله يحب المحسنين .
5 - وخطب عليه السلام ( 1 ) فقال : إن الحلم زينة ، والوفاء مروة ، والصلة نعمة ،
والاستكبار صلف ( 2 ) والعجلة سفه ، والسفه ضعف ، والغلو ورطة ، ومجالسة أهل
الدناءة شر ، ومجالسة أهل الفسق ريبة .
6 - كشف ( 3 ) : وأما شعر الحسين عليه السلام فقد ذكر الرواة له شعرا
ووقع إلي شعره عليه السلام بخط الشيخ عبدالله بن أحمد بن الخشاب النحوى ( ره )
وفيه قال أبومخنف لوط بن يحيى : أكثر ما يرويه الناس من شعر سيدنا أبي عبدالله
الحسين عليهما السلام إنما هو ما تمثل به وقد أخذت شعره من مواضعه واستخرجته من
مظانه وأماكنه ، ورويته عن ثقات الرجال منهم عبدالرحمن بن نجبة الخزاعي وكان
عارفا بأمر أهل البيت عليهم السلام ومنهم : المسيب بن رافع المخزومي وغيره رجال
كثير
ولقد أنشدني يوما رجل من ساكني سلع ( 4 ) هذه الابيات فقلت له اكتبنيها فقال
لي : ما أحسن رداءك هذا ، وكنت قد اشتريته يومي ذاك بعشرة دنانير فطرحته عليه
فاكتبنيها وهي :
قال أبوعبدالله الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم بن
عبد مناف بن قصى عليه السلام :
ذهب الذين احبهم وبقيت فيمن لا احبه
في من أراه يسبني * ظهر المغيب ولا اسبه
* ( الهامش ) * ( 1 ) المصدر ج 2 ص 242 .
( 2 ) الصلف مجاوزة القدر في الظرف والبراعة والادعاء فوق ذلك تكبرا .
( 3 ) المصدر ج 2 ص 245 .
( 4 ) بفتح السين موضع بقرب المدينة .
[123]
يبغى فسادي ما استطاع * وأمره مما أربه
حنقا يدب إلى الضراء * وذاك مما لا أدبه
ويرى ذباب الشر من * حولي يطن ولا يذبه
وإذا خبا وغر الصدور * فلا يزال به يشبه ( 1 )
أفلا يعيج بعقله * أفلا يتوب إليه لبه ( 2 )
أفلا يرى أن فعله * مما يسور إليه غبه
حسبي بربي كافيا * ما أختشى والبغي حسبه
ولقل من يبغى عليه فما كفاه الله ربه ( 3 )
وقال عليه السلام :
إذا ما عضك الدهر فلا تجنح إلى خلق * ولا تسأل سوى الله تعالى قاسم الرزق
فلو عشت وطوفت من الغرب إلى الشرق لما صادفت من يقدر أن يسعد أو يشقى
وقال عليه السلام :
الله يعلم أن ما يبدي يزيد لغيره * وبأنه لم يكتسبه بغيره وبميره ( 4 )
لو أنصف النفس الخؤن لقصرت من سيره * ولكان ذلك منه أدنى شره من خيره
كذا بخط ابن الخشاب " شره " بالاضافة ، وأظنه وهما منه لانه لا معنى
له على الاضافة ، والمعنى أنه لو أنصف نفسه أدنى الانصاف شره على المفعولية .
من خيره أي صار ذا خير .
قال عليه السلام : إذا استنصر المرء امرءا لا يدي له * فناصره والخاذلون سواء
* ( الهامش ) * ( 1 ) خبا أى سكن . ووغر الصدور : حرها . ويشبه اى يشعله ويوقده .
( 2 ) يعيج أى يقيم ويرجع . ويثوب أى يرجع ، واللب : العقل .
( 3 ) في بعض النسخ " الاكفاه الله ربه " .
( 4 ) غار الرجل . وغار لهم . ومارلهم ، ومار بهم وهى الغيرة والميرة .
[124]
أنا ابن الذي قد تعلمون مكانه * وليس على الحق المبين طخاء ( 1 )
أليس رسول الله جدي ووالدي * أنا البدران خلا النجوم خفاء
ألم ينزل القرآن خلف بيوتنا * صباحا ومن بعد الصباح مساء
ينازعني والله بيني وبينه * يزيد وليس الامر حيث يشاء
فيا نصحاء الله أنتم ولاته * وأنتم على أديانه امناء
بأي كتاب أم بأية سنة * تناولها عن أهلها البعداء
وهي طويلة ، وقال عليه السلام : ( 2 )
أنا الحسين بن علي بن أبي * طالب البدر بأرض العرب
ألم تروا وتعلموا أن أبي * قاتل عمرو ومبير مرحب
ولم يزل قبل كشوف الكرب * مجليا ذلك عن وجه النبي
أليس من أعجب عجب العجب * أن يطلب الا بعد ميراث النبي
" والله قد أوصى بحفظ الاقرب "
وقال عليه السلام : ( 3 )
ما يحفظ الله يصن ما يضع الله يهن
من يسعد الله يلن له الزمان إن خشن
أخي اعتبر لا تغترر كيف ترى صرف الزمن
يجزى بما اوتي من فعل قبيح أو حسن
أفلح عبد كشف الغطاء عنه ففطن
وقر عينا من رأى إن البلاء في اللسن
فماز من ألفاظه في كل وقت ووزن
* ( الهامش ) * ( 1 ) الطخاء : السحاب المرتفع ، وما في السماء طخية - بالضم - أى
شئ من
السحاب . والطخياء : الليلة المظلمة وظلام طاخ .
( 2 ) الكشف : ج 2 ص 248 .
( 3 ) المصدر : ج 2 ص 248 .
[125]
وخاف من لسانه عزبا حديدا فخزن
ومن يكن معتصما بالله ذي العرش فلن
يضره شئ ومن يعدى على الله ومن
من يأمن الله يخف وخائف الله أمن
وما لما يثمره الخوف من الله ثمن
يا عالم السر كما يعلم حقا ما علن
صلى على جدي أبي القاسم ذي النور المنن
أكرم من حي ومن لفف ميتا في كفن
وامنن علينا بالرضى فأنت أهل للمنن
وأعفنا في ديننا من كل خسر وغبن
ما خاب من خاب كمن يوما إلى الدنيا ركن
طوبى لعبد كشفت عنه غبابات الوسن
والموعد الله وما يقض به الله يك