بحار الانوار الجزء 50
بسمه تعالى
موضوع: بحار50
-بحار الانوار جلد: 50 من صفحه 1 سطر 1 إلى صفحه 7 سطر 2
[ 1 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتى
الحمد لله خالق الارضين والسماوات ، وسامك المسموكات ، وداحي المدحوات
ومخرج عباده إلى النور من الظلمات ، مزوج الآباء العلوية ( 1 ) امهات السفليات
ومثمر المواليد من أرحام الاسطقسات ( 2 ) ومظهر الانواع المتوالدة والمتولدة من
مشائم القابليات . والصلاة على أشرف الخلائق والبريات وعين أعيان المكونات ( 3 )
وأفضل تتائج الآباء والامهات ، محمد المصطفى وأهل بيته الاقدسين الذين بهم جرت
جميع النعم على الكائنات ، وبنورهم يهتدى إلى مناهج السعادات ، وبذكر شفاعتهم
يشفى غليل صدور أرباب الجرائم والسيئات .
اما بعد فيقول أفقر العباد إلى عفو ربه الغافر محمد بن محمد تقي المدعو بباقر
رزقهما الله السعادة في اليوم الآخر ، وثبت أقدامهما في المزالق والمعاثر ( 4 ) :
هذا
هو المجلد الرابع عشر من كتاب بحار الانوار المسمى بكتاب السماء والعالم لاشتماله
على كشف الغطاء عن غوامض أسرار الآيات والروايات المتعلقة بخلق اللوح و
القلم والعرش والكرسي والحجب والسرادقات والسماوات ، وأصناف الملائكة و
الكواكب والنجوم وصفاتها وأحكامها وآثارها والارضين والعناصر والمواليد من
* ( هامش ) * ( 1 ) العلويات ( خ ل ) .
( 2 ) الاسطقس : لغة يونانية معناها بالعربية الاصل ، وفي اصطلاح الفلاسفة
الطبيعيين
أبسط أجزاء المركب .
( 3 ) المكنونات ( خ ل ) .
( 4 ) المزالق والمعاثر : المواضع التى تزل فيها الاقدام .
[ 2 ]
المعادن والنباتات والحيوانات ، وخواصها وحلها وحرمتها وصيدها وذبحها ، ومنافع
الادوية والثمار والحشايش والعقاقير وخواصها وفوائدها ، وأحوال الانسان و
النفس والروح وتشريح الابدان وعلم الطب ، وأحوال البقاع والبلدان والاصقاع
وساير ما يتعلق بتلك الاعيان . وهذا مما لم يسبقني إليه أحد من علمائنا والمخالفين
وأرجو بفضله سبحانه أن يكون مما تقربه أعين المؤمنين ويسخن ( 1 ) عيون المنافقين
والملحدين ، وأستمد المعونة في ذلك من ربي جل شأنه ثم من موالي الاكرمين
وحسبنا الله ونعم الوكيل .
( أبواب )
* ( كليات أحوال العالم وما يتعلق بالسماويات ) *
1 .
( باب )
* ( حدوث العالم وبدء خلقه وكيفيته وبعض كليات الامور ) * ( 2 )
الايات :
البقرة : هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا ثم استوى إلى السماء فسويهن
سبع سماوات وهو بكل شئ عليم ( 3 ) .
الانعام : الحمد لله الذي خلق السماوات وجعل الظلمات النور ( 4 ) .
الاعراف : إن ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في ستة أيام ثم
استوى على العرش ( 5 ) .
* ( هامش ) * ( 1 ) سخنت عينه ( بكسر الخاء المعجمة ) يسخن ( بفتحها ) : نقيض ( قرت
) وأسخن
عينه وسخنها : أبكاه .
( 2 ) الاحوال ( خ ل ) .
( 3 ) البقرة : 29 .
( 4 ) الانعام : 1 .
( 5 ) الاعراف : 54 .
[ 3 ]
يونس : إن ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في ستة أيام ثم استوى
على العرش يدبر الامر ( 1 ) .
هود : وهو الذي خلق السماوات والارض في ستة أيام وكان عرشه على
الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ( 2 ) .
الكهف : ما أشهدتم خلق السماوات والارض ولا خلق أنفسهم وما كنت
متخذ المضلين عضدا ( 3 ) .
الانبياء : أولم ير الذين كفروا أن السماوات والارض كانتا رتقا ففتقناهما
وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون ( 4 ) .
الفرقان : الذي خلق السماوات والارض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى
على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا ( 5 ) .
التنزيل : الله الذي خلق السماوات والارض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى
على العرش ( 6 ) .
السجدة : قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له
له أندادا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها
أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين * ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها و
للارض ائتيا طوعا أو كرهو قالتا أتينا طائعين * فقضيهن سبع سماوات في يومين و
أوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز
العليم ( 7 ) .
* ( هامش ) * ( 1 ) يونس : 3 .
( 2 ) هود : 7 .
( 3 ) الكهف : 51 .
( 4 ) الانبياء : 30 .
( 5 ) الفرقان : 59 .
( 6 ) الم السجدة : 4 .
( 7 ) حم السجدة : 9 12 .
[ 4 ]
ق : ولقد خلقنا السماوات والارض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من
لغوب ( 1 ) .
الحديد : هو الذي خلق السماوات والارض في ستة أيام ثم استوى على
العرش ( 2 ) .
النازعات : ءأنتم أشد خلقا أم السماء بناها * رفع سمكها فسويها * وأغطش
ليلها وأخرج ضحيها * والارض بعد ذلك دحيها * أخرج منها مائها ومرعيها * والجبال
أرسيها * متاعا لكم ولانعامكم ( 3 ) .
الاعلى : سبح اسم ربك الاعلى * الذي خلق فسوى * والذي قدر
فهدى ( 4 ) .
تفسير : ( هوالذي خلقلكم ما في الارض جميعا ) امتنان على العباد بخلق
ما يتوقف عليه بقاؤهم ويتم به معاشهم ومعنى ( لكم ) لاجلكم وانتفاعكم في دنياكم
باستعمالكم بهافي مصالح أبدانكم بوسط أو غير وسط وفي دينكم بالاستدلال والاعتبار
والتعرف بما يلائمها من لذات الآخرة وآلامها . وهذا مما يستدل به على إباحة
جميع الاشياء إلا ما أخرجه الدليل . و ( ما ) يعم كل ما في الارض ، لا الارض ، إلا
إذا اريد به جهة السفل كما يراد بالسماء جهة العلو . ( جميعا ) حال عن الموصول
الثاني ( ثم استوى إلى السماء ( 5 ) ) أي قصد إليها بإرادته من قولهم ( استوى إليه
)
* ( هامش ) * ( 1 ) ق : 38 .
( 2 ) الحديد : 4 .
( 3 ) النازعات : 27 33 .
( 4 ) الاعلى 1 3 .
( 5 ) قال والراغب في مفرداته : سماء كل شئ أعلاه ، قال الشاعر في وصف فرس :
وأحمر كالديباج أما سماؤه * فريا وأما أرضه فمحول
وسمى المطر سماء لخروجه منها ، وسمى النبات سماء إما لكونه من المطر الذى هو
سماء وإما لارتفاعه عن الارض . والسماء المقابل للارض مؤنث وقد يذكر ، ويستعمل
للواحد
والجمع لقوله ( ثم استوى إلى السماء فسواهن ) وقد يقال في جمعها ( سماوات ) قال : (
خلق
السموات ، قل من رب السماوات ) وقال ( السماء منفطر به ) فذكر وقال : ( إذا السماء
انشقت ) و ( إذا السماء انفطرت ) فأنث ( انتهى ملخصا ) .
[ 5 ]
إذا قصده قصدا مستويا من غير أن يلوي على شئ . وقيل : استوى أي استولى وملك
قال الشاعر :
قد استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق
والمراد بالسماء الاجرام العلوية أو ( 1 ) جهات العلو كما قيل .
( فسويهن ) أي عدلهن وخلقهن مصونة من العوج والفطور ، وقيل : ( هن )
ضمير السماء إن فسرت بالاجرام لانها جمع أوفي معنى الجمع ، وإلا فمبهم يفسره
ما بعده كقولهم : ربه رجلا ( سبع سماوات ) بدل أو تفسير ، والسبع لا ينافي التسع
التي أثبتوها أصحاب الارصاد ، إذالثامن والتاسع مسميان في لسان الشرع بالكرسي
والعرش ( 2 ) . ( وهو بكل شئ عليم ) قيل : فيه تعليل كأنه قال ولكونه عالما بتلك
الاشياء كلها خلق ما خلق على هذا النمط الاكمل والوجه الانفع ، والاستدلال
بأن من كان فعله على هذا النسق العجيب والترتيب الانيق كان عليما ، وتدل
الآية على حدوث السماوات بل الارض أيضا كا سيأتي بيانه .
( الحمد لله الذي خلق السماوات والارض ) أخبر بأنه تعالى حقيق بالحمد
* ( هامش ) * ( 1 ) أى ( خ ل ) .
( 2 ) غير خفى أن هذا التطيبق مبنى على الفرضية البطلميوسية في الهيئة وهى كون
الافلاك الكلية تسعة وفيه جهات من الاشكال .
الاولى أن عدد الافلاك بناء على تلك الفرضية تسعة والسماوات سبع بالنص غير القابل
للتأويل ، وتطبيق الثامن على الكرسى والعرش قول من غير دليل ، بل الدليل على خلافه
كما سيجئ في معنى العرش والكرسى .
الثانية أن القرآن يجعل الكواكب كلها مصابيح للسماء الدنيا ( وهى السماء الاولى
ظاهرا ) لا مثبتا فيها ولا في غيرها من السماوات بل يصرح بأنها تسبح في الفلك ،
وأما على
الفرض المذكور فمحل الثوابت هو الفك الثامن ومحل كل من السيارات التى ينحصر عددها
في السبع على الفرض فلك من الافلاك المحوية وكلها مركوزة في الافلاك يستحيل عليها
الانتقال
وتغير الوضع إلا بتبع الافلاك .
الثالثة أن الفلك بمعناه المصطلح في الهيئة القديمة لا أثر منها في الخارج وقد
استدل
عليه علماء الهيئة الحديثة بدلائل متعددة . إلى غير ذلك .
[ 6 ]
ونبه على أنه المتسحق له على هذه النعم الجسام حمد أو لم يحمد ليكون حجة
على الذين هم بربهم يعدلون ، وجمع السماوات دون الارض وهي مثلهن لان
طبقاتها مختلفة بالذات متفاوتة الآثار والحركات وقدمها لشرفهاو علو مكانها
( وجعل الظلمات والنور ) أي أنشأهما والفرق بين ( خلق ) و ( جعل ) الذي له مفعول
واحد أن ( خلق ) فيه معنى التقدير و ( جعل ) فيه معنى التضمين ، ولذلك عبر عن
إحداث النور والظلمة بالجعل تنبيها على أنهما لا يقومان بأنفسهما كما زعمت الثنوية
وجمع الظلمات لكثرة أسبابها والاجرام الحاملة لها أو لان المراد بالظلمة الضلال
وبالنور الهدى ، والهدى واحد والضلال متعدد . وتقديمها لتقدم الاعدام على
الملكات .
( في ستة أيام ) المشهور أن المراد بالايام هنا مقدار أيام الدنيا ، وروي
عن ابن عباس أنها من أيام الآخرة كل يوم منها ألف سنة مما تعدون .
اقول : وبمثل هذا الخبر لا يمكن صرف الآية عن ظاهرها . ثم إنه سبحانه
إنما خلق في هذه المدة مع أنه كان قادرا على خلقها في طرفة عين إما لعبرة من
خلقها من الملائكة ، إذ الاعتبار في التدريج أكثر كما ورد في الخبر ، أو ليعلم بذلك
أنها صادرة من قادر مختار عالم بالمصالح ووجوه الاحكام ، إذ لو حصلت من مطبوع
أو موجب لحصلت في حالة واحدة ، أو ليعلم الناس التأني في الامور وعدم الاستعجال
فيها كما روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام ( ولو شاء أن يخلقها في أقل من لمح البصر
لخلق ولكنه جعل الاناء ( 1 ) والمداراة مثالا لامنائه وإيجابا للحجة على خلقه ) .
واورد هنا إشكال وهو أن اليوم إنما يحصل بحركة الشمس وطلوعها وغروبها
فما معنى اليوم ههنا ؟ ويمكن أن يجاب بوجوه :
الاول : أن مناط تمايز الايام وتقدرها إنما هو حركة الفلك الاعلى
دون السماوات السبع ، والمخلوق في الايام المتمايزة إنما هو السماوات السبع و
* ( هامش ) * ( 1 ) الاناء ، بفتح الهمزة اسم من الايناء أى الابطاء والتأخير .
[ 7 ]
الارض وما بينهما دون ما فوقهما ، ولا يلزم من ذلك الخلا لتقدم الماء الذي خلق
منه الجميع على الجميع .
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 50 من صفحه 7 سطر 3 إلى صفحه 15 سطر 2
الثانى : أن المراد بالايام الاوقات ، كقوله تعالى ( ومن يولهم يومئذ
دبره ) ( 1 ) .
الثالث : أن المراد : في مقدار ستة أيام ، ومرجع الجميع إلى واحد ، إذ
قبل وجود الشمس لا يتصور يوم حقيقة ، فالمراد إما مقدار من الزمان مطلقا ، أو
مقدار حركة الشمس هذا القدر ، وعلى التقديرين إما مبني على كون الزمان أمرا
موهوما منتزعا من بقائه سبحانه ، أو من أول الاجسام المخلوقة كالماء ، أو من
الارواح
المخلوقة قبل الاجسام على القول به ، أو من الملائكة كما هو ظاهر الخبر الآتي
وإما بالقول بخلق فلك متحرك قبل ذلك بناء على القول بوجود الزمان وأنه
مقدار حركة الفلك ، فإن التجدد والتقضي والتصرم الذي هو منشأ تحقق الزمان
عندهم في الجميع متصور ( 2 ) .
* ( هامش ) * ( 1 ) الانفال : 16 .
( 2 ) يقع الكلام في قوله تعالى ( خلق الله السماوات والارض في ستة ايام ) تارة في
معنى
السماوات وماهيتها ، واخرى في معنى الايام المذكورة وكيفية تصويرها حين خلق
السماوات
والارض ، وثالثة في معنى الخلق وكيفية وقوعه في برهة من الزمان .
اما السماوات فالظاهر من الايات الكريمة والروايات الشريفة انها اجسام لطيفة خلقت
من مادة سماها القرآن ( دخانا ) قال تعالى : ثم استوى إلى السماء وهى دخان إلى ان
قال فقضيهن
سبع سماوات ) لكن قد يستعمل السماء بمعنى الموجود العالى سواء كان علوه حسيا او غير
حسى
كما ورد في صعود الاعمال إلى السماء ونزول الارزاق منها إلى غير ذلك ، ولعل قوله
تعالى
( وفتحت السماء فكانت ابوابا ) ايضا من هذا القبيل .
ثم الظاهر انه كان قبل خلق السماوات والارض شئ سماه القرآن ( ماء ) وانه مادة
جميع الاجسام ، قال تعالى ( خلق السماوات والارض في ستة ايام وكان عرشه على الماء )
ويؤيد
ذلك كله روايات كثيرة ستطلع عليها من قريب . والظاهر ان اصل السماء خلق قبل الارض
لكن
فتقها وتسويتها سبعا وقع بعده ، قال تعالى ( خلق لكم ما في الارض جميعا ثم استوى
إلى السماء
فسواهن سبع سماوات ) كما ان الظاهر ان دحو الارض كان بعد تسوية السماوات ، قال
تعالى
( والارض بعد ذلك دحيها ) وايضا الظاهر ان الكواكب كلها ولا اقل من المرئية منها
تحت
[ 8 ]
وقال بعض الصوفية : للزمان المادي زمان مجرد كالنفس للجسد ، وللمكان
* ( هامش ) * السماء الاولى ، قال تعالى ( وزينا السماء الدنيا بمصابيح ) وقال
تعالى ( انازينا السماء الدنيا
بزينة الكواكب ) .
واما الايام فالمتيقن انه لم يكن قبل خلق الارض يوم بمعناه المشهور ، اعنى ما يحصل
من حركة الارض الوضعية ، لان هذا المعنى انما يمكن قرضه بعد وجود ارض متحركة :
فالمراد
بها اما ساعات مساوية لها ، او مقادير اخرى من الزمان اعتبرت أياما بعناية : كما
يطلق الايام
على السنين والاعوام بلى على القرون والاحقاب وهو استعمال شائع . وعلى أى تقدير فان
قيل
بوجود الزمان قبل خلق السماوات والارض فلابد من الالتزام بوجود جسم متحرك بحركة
جوهرية أو عرضية قبلها وقد مر استظهار وجود الماء عندئذ والافمعنى وقوع خلق
السماوات
والارض في تلك الازمنة مقارنته لها : ويكفى في المقارنة كونها بحركتها راسمة للزمان
.
وأما القول بان الزمان امر موهوم منتزع من بقاء ذات البارى سبحانه فان اريد ان
ذاته تعالى منشأ لا نتزاعه ففيه مضافا إلى انه ينافى مخلوقيته ان الزمان امر سيال
متصرم وحقيقته
التجدد والتغير وما هذا شانه يستحيل انتزاعه مما لا سبيل للتغير اليه بوجه ، وكذلك
القول
بانتزاعه من الملائكة أو الارواح ، الا ان يقال بكونها اجساما قابلة للحركة فتصير
كسائر
الاجسام في صحة انتزاع الزمان من حركتها فتأمل . وان اريد انه امر موهوم لا اثر منه
في
الخارج اصلا فلا يمكن اناطة الابحاث الحقيقية كبحث القدم والحدوث الزمانين وغيره من
الابحاث
الهامة : مع انه بناء عليه لا يبقى فرق حقيقى بين الحوادث الماضية والاتية ! وسيأتى
الكلام فيه .
واما الكلام في وقوع الخلق مقارنا للايام الستة فالذى يظهر من الايات الشريفة ان
المراد
بالخلق ليس هو الاحداث الدفعى بل المراد الايجاد التدريجى : قال تعالى ( هو الذى
خلق السماوات
والارض في ستة ايام ) وقال ( خلق الارض في يومين ) وقال ( وجعل فيها رواسى من فوقها
و
بارك فيها وقدر فيها اقواتها في اربعة ايام ) والظاهر انه ليس المراد بهذه الاربعة
اياما اخرى
غير اليومين الاولين ، والا لما بقى لخلق السماوات شئ من ستة ايام ، وهو تعالى يقول
بعيدهنا
( فقضيهن سبع سماوات في يومين ) فخلق الارض واكمالها إلى ان تستعد لوجود الرواسى و
تهيئة الاقوات كل ذلك وقع في اربعة أيام ، الا ان يقال بتداخل ايام خلق السماوات في
أيام
خلق الارض ووقوع خلق السماوات مقارنا ليومين من ايام خلق الارض وكيف كان فيشبه ان
يكون المراد بالايام التى خلقت فيها الارض الادوار التى مرت عليها من حين احداثها
إلى ان
صارت على حالها هذه واستعدت لنشوء الموجود الحى فيها ، فينطبق على ما ذكره علماء (
الجيولوجيا )
في ادوار الارض بعض الانطباق . وان يكون المراد باليومين اللذين خلق فيهما السماوات
الدورتين اللتين مرنا عليها اعنى الدورة التى كانت مرتتقة غير متميزة ، والدورة
التى فتقت وسويت
سبع سماوات متميزة . وسيأتى نقلا عن تفسير القمى ان المراد باربعة أيام الفصول
الاربعة لانها
التى يخرج الله تعالى فيها اقوات الناس والبهائم وسائر الحيوانات والله العالم .
[ 9 ]
المادي مكان مجرد وهما عارضان للمجردات ولا يمكن فهمه وخارج عن طور
العقل كسائر خيالاتهم وأقوالهم .
وعلى أي حال هذه الآية وما سيأتي من أشباهها تدل على حدوث السماوات
والارض وما بينهما لان الحادث في اليوم الاخير مثلا مسبوق بخمسة أيام فيكون
متناهي البقاء منقطع الوجود في جهة الماضي ، والموجود في اليوم الاول زمان
وجوده أزيد على الاخير بقدرمتناه فالجميع متناهي الوجود حادث فيرد على الحكماء
كون الزمان ايضا حادثا متناهيا لانه عندهم مقدار حركة الفلك .
وأما ما ذكره الرازي في تفسيره ( 1 ) من أن المراد بستة أيام ستة أحوال ( 2 )
وذلك لان السماء والارض وما بينهما ثلاثة أشياء ولكل واحد منهما ذات وصفة
فنظرا ( 3 ) إلى خلقه ( 4 ) ذات السماء حالة ، وإلى ( 5 ) خلقه ( 6 ) صفاتها اخرى ،
و
نظرا ( 7 ) إلى خلقه ( 8 ) ذات الارض وإلى صفاتها كذلك ، ونظرا ( 9 ) إلى ذوات
ما بينهما وإلى صفاتها اخرى ( 10 ) فهي ستة أشياء في ستة أحوال ، وإنما ذكر
الايام لان الانسان إذا رأى ( 11 ) إلى الخلق رآه فعلا ، والفعل ظرفه الزمان
والايام أشهر الازمنة ، وإلا فقبل السماوات لم يكن ليل ولا نهار ، وهذا مثل ما
يقول القائل لغيره ( إن يوما ولدت فيه كان يوما مباركا ) وقد يجوز أن يكون
ولد ذلك ليلا ( 12 ) ولا يخرج عن مراده لان المراد الزمان ( 13 ) الذي هو ظرف
* ( هامش ) * ( 1 ) مفاتيح الغيب ، ج 6 ص 751 في تفسير سورة السجدة .
( 2 ) في نظر الناظرين ( كذا في مفاتيح الغيب ) .
( 3 و 7 و 9 ) فنظر ( نسخة ) .
( 4 و 6 و 8 ) خلقة ( خ ل ) .
( 5 ) ونظرا لى خلقه ( كذا في المدر ) .
( 10 ) صفاتها كذلك ( في المصدر ) .
( 11 ) اذا نظر ( مفاتيح الغيب ) .
( 12 ) أن يكون ذلك قد ولد ليلا ( المصدر ) .
( 13 ) هو الزمان ( المصدر ) .
[ 10 ]
ولادته . فهو تكلف بعيد مستغنى عنه ، وما ذكرنا أقرب إلى لفظ الآية الكريمة
وأوفق بالمراد . وسيأتي معاني ( 1 ) ( العرش ) و ( استوى ( 2 ) عليه ) .
( وكان عرشه على الماء ) قال البيضاوي ( 3 ) : أي قبل خلقهما لم يكن حائل
بينهما لا أنه كان موضوعا على متن الماء واستدل به على إمكان الخلاء وأن الماء
أول حادث بعد العرش من أجرام هذا العالم وقيل : كان الماء على متن الريح
والله أعلم بذلك ( انتهى ) وقال الطبرسي ( 4 ) : وفي هذا دلالة على أن العرش و
الماء كانا موجودين قبل خلق السماوات والارض وكان الماء قائما بقدرة الله على
غير موضع قرار بل كان الله يمكسه بكمال قدرته وفي ذلك أعظم الاعتبار لاهل الانكار
وقيل : المراد ( 5 ) بقوله ( عرشه ) بناؤه يدل عليه ( ومما يعرشون ) أي يبنون
فالمعني ( 6 ) : وكان بناؤه على الماء ، فإن البناء على الماء أبدع وأعجب ، عن أبي
مسلم ( انتهى ) .
وقال الرازي في تفسيره ( 7 ) : قال كعب : خلق الله تعالى ياقوتة خضراء
ثم نظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها ثم وضع
العرش على الماء . قال أبوبكر الاصم : ومعنى قوله ( وكان عرشه على الماء )
كقولهم السماء على الارض ، وليس ذلك على سبيل كون أحدهما ملتصقا بالآخر
وكيف كانت الواقعة يدل ( 8 ) على أن العرش والماء كانا قبل السماوات والارض
قالت المعتزلة : وفي الآية دلالة على وجود الملائكة قبل خلقهما لانه لا يجوز أن
* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة : بيان العرش .
( 2 ) والاستواء ( خ ل ) .
( 3 ) أنوار التنزيل ، ج 1 س هود ى 7 .
( 4 ) مجمع البيان ، ج 5 ، سورة هود وليس فيه لفظة الواو .
( 5 ) ان المراد ( خ ل ) .
( 6 ) والمعنى ( خ ل ) .
( 7 ) مفاتيح الغيب ج 5 ص 57 في تفسير سورة هود .
( 8 ) فذلك يدل ( مفاتيح الغيب للرازى ) .
[ 11 ]
يخلق ذلك ولا أحد ينتفع بالعرش والماء ( انتهى ) .
وفي بعض الاخبار أن المراد حمل علمه ودينه الماء ، وربما يؤول من قال
بالهيولى الماء بها .
( ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) أي خلقهن لحكمة بالغة وهي أن يجعلها مساكن
لعباده وينعم عليهم فيها بفنون النعم ويكلفهم ويعرضهم لثواب الآخرة ولما أشبه
ذلك اختبارالمختبر ، قال ( ليبلوكم ) أي ليفعل بكم ما يفعل المبتلي لاحوالكم كيف
تعملون . وعن الصادق عليه السلام : ليس يعني أكثركم عملا ولكن أصوبكم عملا ، و
إنما الاصابة خشية الله والنية الصادقة .
( ما أشهدتهم خلق السماوات والارض ) قال الطبرسي ( 1 ) ره أي ما
أحضرت إبليس وذريته خلق السماوات والارض ولا خلق أنفسهم مستعينا بهم
على ذلك ، ولا استعنت ببعضهم على خلق بعض ، وهذا إخبار عن كمال قدرته و
استغنائه عن الانصار والاعوان ، ويدل عليه قوله ( وما كنت متخذ المضلين عضدا )
أي الشياطين الذين يضلون الناس أعوانا يعضدونني عليه ، وكثيرا ما يستعمل العضد
بمعنى العون ( 2 ) . وقيل : المعنى أنكم اتبعتم الشياطين كما يتبع من يكون عنده
علم لا ينال إلا من جهته وأنا ما طلعتهم على خلق السماوات ( 3 ) ولا على خلق
أنفسهم ، ولم اعطهم العلم بأنه كيف يخلق الاشياء فمن أين يتبعونهم ؟ وقيل : معناه
ما أحضرت مشركي العرب وهؤلاء الكفار خلق السماوات والارض ولا بعضهم
خلق بعض بل لم يكونوا موجودين فخلقتهم فمن أين قالوا إن الملائكة بنات الله و
من أين ادعوا ذلك ؟ ( انتهى )
وزاد الرازي وجهين آخرين ( 4 ) : أحدهما أن الضمير عائد إلى الكفار
* ( هامش ) * ( 1 ) مجمع البيان ج 6 ص 476 في تفسير سورة الكهف ى 51 .
( 2 ) وانما وحده هنا لوفاق الفواصل ( مجمع البيان ) .
( 3 ) والارض ( مجمع البيان ) .
( 4 ) نقل عن مفاتيح الغيب ، ج 5 ص 729 في تفسير سورة الكهف ملخصا .
[ 12 ]
الذين قالوا له صلى الله عليه وآله : إن لم تطرد عن مجلسك هؤلاء الفقراء فلا نؤمن
بك ، فكأنه
تعالى قال : إن هؤلاء الذين أتوا بهذا الاقتراح الفاسد والتعنت الباطل ما كانوا
شركائي في خلق العالم وتدبير الدنيا والآخرة بل هم كسائر الخلق ، فلم أقدموا
على هذا الاقتراح ؟ ونظيره أن من اقترح عليك اقتراحات عظيمة فإنك تقول له :
لست بسلطان البلد ولا وزير الملك حتى نقبل منك هذه الاقتراحات .
وثانيهما : أن يكون المراد هؤلاء الكفار أيضا ويكون المعنى : أنتم جاهلون
بماجرى به القلم من أحوال السعادة والشقاوة فكيف يمكنكم أن تحكموا لانفسكم
بالرفعة والكمال والعلو ولغيركم بالذل والدفاءة ( انتهى ) .
وروى العياشي عن الباقر عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : اللهم
أعز ( 1 )
الاسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام فأنزل الله هذه الآية يعنيهما .
وفي الكافي ( 2 ) عن الجواد عليه السلام : إن الله تعالى لم يزل متفردا بوحدانيته ،
ثم خلق
محمدا وعليا وفاطمة فمكثوا ألف دهر ، ثم خلق جميع الاشياء فأشهدهم خلقها وأجرى
طاعتهم عليها ، وفوض أمرها ( 3 ) إليهم ( الخبر ) وهذا الخبر صريح في حدوث
جميع أجزاء العالم .
( أولم يرالذين كفروا ) قال الطبرسي ره : استفهام يراد به التقريع ( 4 )
والمعنى : أو لم يعلموا أن الله سبحانه ( 5 ) الذي يفعل هذه الاشياء ولا يقدر عليها
غيره فهو الاله المستحق للعبادة دون غيره ( أن السماوات والارض كانتا رتقا
ففتقناهما ) تقديرها : كاتتاذواتي رتق ( 6 ) والمعنى : كانتا ملتزقتين منسدتين
ففصلنا
* ( هامش ) * ( 1 ) أعن ( خ ل ) .
( 2 ) ج 1 ص 440 من الطبعة الحديثة .
( 3 ) في المصدر : امورها .
( 4 ) التقريع : التعنيف والعتاب الشديد .
( 5 ) في المصدر : أنه سبحانه .
( 6 ) في المصدر : تقديره : كانتا ذواتى رتق فجعلناهما ذواتى فتق .
[ 13 ]
بينهما بالهواء ، عن ابن عباس وغيره ( 1 ) . وقيل : كانت السماوات مرتتقة مطبقة
ففتقناها سبع سماوات ، وكانت الارض كذلك ففتقناها سبع أرضين ، عن مجاهد و
السدي . وقيل : كانت السماء رتقا لا تمطر ، والارض رتقا لا تنبت ، ففتقنا السماء
بالمطر والارض بالنبات ، عن عكرمة وعطية وابن زيد ، وهو المروي عن أبي
جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام ( 2 ) ( انتهى ) .
وقال الرازي : الرؤية إما بمعنى الابصار أو العلم ، والاول مشكل لان
القوم ما رأوهما ، ولقوله تعالى ( ما أشهدتهم خلق السماوات والارض ) والثاني
أيضا مشكل لان ( 3 ) الاجسام قابلة للرتق والفتق في أنفسها فالحكم عليها بالرتق
أولا وبالفتق ثانيا لا سبيل إليه إلا السمع ، والمناظرة مع الكفار المنكرين
للرسالة ، فكيف يجوز مثل هذا الاستدلال ؟ ودفع الاشكال بعد اختيار الثاني بوجوه :
أحدها أنا نثبت نبوة محمد صلى الله عليه وآله بسائر المعجزات ثم نستدل بقوله ، ثم
نجعلهما
دليلا على حصول المصالح في العالم وانتفاء الفساد عنه . وثانيها أن نحمل الرتق
والفتق على إمكانهما والعقل يدل عليه لان الاجسام يصح عليها الاجتماع و
الافتراق فاختصاصها بالاجتماع دون الافتراق أو بالعكس يستدعي مخصصا وثالثها
أن اليهود والنصارى كانوا عالمين بذلك ، فإنه جاء في التوراة أن الله تعالى خلق
جوهرة ثم نظر إليها بعين الهيبة فصارت ماء ، ثم خلق السماوات والارض وفتق
بينهما . وكان بين عبدة الاوثان وبين اليهود نوع صداقة بسبب الاشتراك في عداوة
محمد صلى الله عليه وآله فاحتج الله تعالى عليهم بهذه الحجة بناء على أنهم يقبلون
قول اليهود
في ذلك .
ثم قال : اختلف المفسرون في المراد من الرتق والفتق على أقوال : أحدها
وذكر الوجه الاول من وجوه الطبرسي ثم قال : هذا القول يوجب أن خلق
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : عن ابن عباس والضحاك وعطاء وقتادة .
( 2 ) مجمع البيان ، ج 7 ص 45 .
( 3 ) في بعض النسخ : لان القوم ما رأوا الاجسمام القابلة .
[ 14 ]
الارض مقدم على خلق السماء لانه تعالى لما فصل بينهما ترك الارض حيث هي
وأصعد الاجزاء السماوية ، قال كعب : خلق الله السماوات والارضين ملتصقتين
ثم خلق ريحا توسطهما ففتقاتبها ، ثم ذكر الثاني والثالث ورجح الثالث بقوله
تعالى ( والسماء ذات الرجع والارض ذات الصدع ) وبقوله سبحانه ( وجعلنا
من الماء كل شئ حي ) ثم قال : ورابعها قول أبي مسلم الاصفهاني ، قال :
يجوز أن يراد بالفتق ، الايجاد والاظهار كقوله ( فاطر السماوات والارض )
فأخبر عن الايجاد بلفظ الفتق ، وعن الحال قبل الايجاد بلفظ الرتق .
اقول : وتحقيقته أن العدم نفي محض فليس فيه ذوات متميزة ، وأعيان متبائنة
بل كأنه أمر واحد متصل متشابه ، فإذا وجدت الحقائق فعند الوجود والتكوين
يتميز بعضها عن بعض ، فبهذا الطريق جعل الرتق مجازا عن العدم ، والفتق عن
الوجود . وخامسها أن الليل سابق على النهار بقوله ( وآية لهم الليل نسلخ
منه النهار ) فكانت السماوات والارض مظلمة ففتقهما الله بإظهار النهار المبصرة
( انتهى ) ( 1 ) .
وأقول : سيأتي في الاخبار ما يؤيد الوجه الثالث ، ويومئ بعض خطب
أميرالمؤمنين عليه السلام إلى الثاني كما ستعرف . وروى الكليني في الروضة عن عدة
من أصحابه عن أحمد بن محمد بن خالد عن الحسن بن محبوب عن أبي حمزة الثمالي ( 2 )
* ( هامش ) * ( 1 ) مفاتيح الغيب ، ج 6 ص 144 ( نقل عنه ملخصا )
( 2 ) في المصدر : ( عن الحسن بن محبوب عن أبى حمزة ثابت بن دينار الثمالى ، و
أبومنصور عن أبى الربيع ) . . والحسن بن محبوب السراد ويقال الزراد مولى بجيلة كوفى
ثقة جليل القدر من أصحاب الكاظم والرضا عليهما السلام وروى عن ستين رجلا من أصحاب
أبى
عبدالله عليه السلام مات رحمه الله سنة ( 224 ) وكان من ابناء خمس وسبعين سنة . و
أبوحمزة الثمالى ثابت من دينار ثقة من خيار اصحابنا ومعتمديهم لقى على بن الحسين
وابا جعفر
وأبا عبدالله وابا الحسن عليهم السلام وروى عنهم ومات رحمه الله سنة ( 150 ) وكان
ابن محبوب عندئذ صبيا يرضع وعلى هذا فروايته عنه إما بالوجادة أو بالواسطة .
[ 15 ]
قال : سأل نافع أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزوجل ( أو لم ير الذين كفروا أن
السماوات والارض كانتا رتقا ففتقناهما ) قال : إن الله تبارك وتعالى أهبط ( 1 )
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 50 من صفحه 15 سطر 3 إلى صفحه 23 سطر 3
آدم إلى الارض وكانت السماوات رتقا لا تمطر شيئا وكانت الارض رتقا لا تنبت
شيئا ، فلما تاب ( 2 ) الله عزوجل على آدم عليه السلام أمر السماء فتقطرت بالغمام ،
ثم
أمرها فأرخت عزالاها ( 3 ) ثم أمر الارض فأنبتت الاشجار وأثمرت الثمار ، و
تفهقت بالانهار ، فكأن ذلك رتقها وهذا فتقها . فقال نافع : صدقت يا ابن رسول
الله ( إلى آخر الخبر ) وهذا يدل على الثالث .
( وجعلنا من الماء كل شئ حي ) قال الطبرسي : أي أحيينا بالماء الذي
ننزله من السماء كل شئ حي ، وقيل : وخلقنا من النطفة كل مخلوق ( 4 ) .
والاول أصح . وروى العياشي بإسناده عن الحسين بن علوان ( 5 ) قال : سئل
أبوعبدالله عليه السلام عن طعم الماء فقال : ( 6 ) سل تفقها ولا تسأل تعنتا ( 7 )
طعم الماء طعم
الحياة ، قال الله سبحانه : ( وجعلنا من الماء كل شئ حي ) . وقيل : معناه و
جعلنا من الماء حياة كل ذي روح ونماء كل نام فيدخل فيه الحيوان والنبات
والاشجار ، عن أبي مسلم ( 8 ) .
( أفلا يؤمنون ) أي أفلا يصدقون بالقرآن وبما يشاهدون من الدليل و
البرهان . ( الرحم ) قيل : خبر للذي إن جعلته مبتدأ ، ولمحذوف إن جعلته صفة
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : لما أهبط .
( 2 ) في المصدر : فلما أن تاب .
( 3 ) وفي نسخة ( عزاليها ) والعزالى بالالف الاخيرة والعزالى بالياء الخفيفة جمع
( العزلاء ) بفتح العين المهملة وسكون الزاى وهو مصب الماء من القربة ونحوها ،
وأرخت
عزاليها أى أمطرت بشدة .
( 4 ) في المصدر : كل مخلوق حى ، عن أبى العالية .
( 5 ) كذا في المصدر وفي بعض النسخ ( الحسن بن علوان ) .
( 6 ) في المصدر : فقال له .
( 7 ) تعنته : طلب زلته ومشقته ، وتعنت عليه في السؤال : سأله على وجه التلبيس عليه
.
( 8 ) مجمع البيان ، ج 7 ، ص 45 .
[ 16 ]
للحي ، أو بدل من المستكن في ( استوى ) وقرئ بالجر صفة للحي ( فاسأل به
خبيرا ) أي فاسأل عما ذكر من الخلق والاستواء عالما يخبرك بحقيقته وهو الله
تعالى أو جبرئيل أو من وجده في الكتب المتقدمة ليصدقك فيه . وقيل : الضمير
للرحمن ، والمعنى : إن أنكروا إطلاقه على الله فاسئل عنه من يخبرك من أهل الكتاب
ليعرفوا ما يرادفه في كتبهم . وعلى هذا يجوز أن يكون الرحمن مبتدأ والخبر ما
بعده والسؤال كما يعدى بعن لتضمنه معنى التفتيش يعدى بالباء لتضمنه معنى
الاعتناء . وقيل : إنه صلة خبيرا .
( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين ) قال البيضاوي : أي
مقدار يومين أو بنوبتين ، وخلق في كل نوبة ما خلق في أسرع ما يكون ولعل المراد
بالارض ما في جهة السفل من الاجرام البسيطة ، ومن خلقها في يومين أنه خلق
لها أصلا مشتركا ثم خلق لها صورا صارت بها أنواعا ، وكفرهم به إلحادهم في
ذاته وصفاته ( وتجعلون له أندادا ) ولا يصح أن يكون له ند ( ذلك ) الذي خلق
الارض في يومين ( رب العالمين ) خالق جميع ما وجد من الممكنات ومربيها ( وجعل
فيها رواسي ) استئناف غير معطوف على ( خلق ) للفصل بما هو خارج عن الصلة
( من فوقها ) مرتفعة عليها ليظهر للنظار ما فيها من وجوه الاستبصار ، وتكون منافعها
معرضة للطلاب ( 1 ) .
اقول : وقال الرازي : إذ لوجعلت تحتها لاوهم ذلك أنها أساطين تمسكها
فجعلها فوقها ليرى الانسان أن الارض والجبال أثقال على أثقال وكلها مفتقرة
إلى ممسك وحافظ وليس ذلك إلا الله سبحانه ( 2 ) .
( وبارك فيها ) قال البيضاوي : أي وأكثر خيرها بأن خلق فيها أنواع
النبات والحيوانات ( وقدر فيها أقواتها ) أي أقوات أهلها بأن عين لكل نوع
ما يصلحه ويعيش به ، أو أقواتا تنشأ منها بأن خص حدوث كل قوت بقطر من
* ( هامش ) * ( 1 ) أنوار التنزيل ، ج 2 ، ص 384 .
( 2 ) مفاتيح الغيب ، ج 7 ، ص 353 . نقل عنه ملخصا .
[ 17 ]
أقطارها . وقرئ ( وقسم فيها أقواتها ) . ( في أربعة أيام ) أي في تتمة أربعة أيام
كقولك سرت من البصرة إلى بغداد في عشر ( 1 ) وإلى الكوفة في خمس عشرة ( 2 ) .
ولعله قال ذلك ولم يقل في يومين للاشعار باتصالهما لليومين ( 3 ) الاولين ، و
التصريح على الفذلكة ( 4 ) .
اقول : وقد يحمل على أن المراد أربعة أوقات ، وهي التي يخرج الله فيها
أقوات العالم من الناس والبهائم والطير وحشرات الارض وما في البر والبحر من
الخلق ، من الثمار والنبات والشجر وما يكون فيه معاش الحيوان كله ، وهي
الربيع والصيف والخريف والشتاء . ولا يخفى بعده عن السياق .
( سواء ) أي استوت سواء بمعنى استواء ، والجملة صفة أيام ، ويدل عليه
قراءة يعقوب بالجر ، وقيل : حال من الضمير في ( أقواتها ) أو في ( فيها ) وقرئ
بالرفع على ( هي سواء ) . ( للسائلين ) متعلق بمحذوف تقديره : هذا الحصر
للسائلين عن مدة خلق الارض وما فيها ، أو ب ( مقدر ) أي قدر فيها الاقوات
للطالبين .
( ثم استوى إلى السماء ) قصد نحوها ، من قولهم ( استوى إلى مكان كذا )
إذا توجه إليه توجها لا يلوي على غيره ( وهي دخان ) قال البيضاوي : أي أمر
ظلماني ، ولعله أراد به مادتها والاجزاء ( 5 ) المتصغرة التي ركبت منها ( 6 ) . و
قال الطبرسي : قال ابن عباس : كانت بخار الارض ، وقيل : معناه ثم استوى أمره
إلى السماء ( 7 ) . وقال الرازي : وذكر صاحب الاثر أنه كان عرش الله على الماء
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : في عشرة .
( 2 ) في المصدر : في خمسة عشر .
( 3 ) في المصدر : باليومين .
( 4 ) أنوار التنزيل ، ج 2 ، ص 384 .
( 5 ) في المصدر : أو الاجزاء .
( 6 ) أنوار التنزيل ، ج 2 ، ص 385 .
( 7 ) مجمع البيان ، ج 9 ، ص 6 .
[ 18 ]
منذ ( 1 ) خلق السماوات والارض ، فأحدث الله في ذلك الماء سخونة فارتفع منه زبد
ودخان ( 2 ) فبقي على وجه الماء ، فخلق الله تعالى فيه ( 3 ) اليبوسة وأحدث منه
الارض
وأما الدخان فارتفع وعلا فخلق الله منه السماوات . واعلم أن هذه القصة غير
موجودة في القرآن فإن دل عليها دليل صحيح قبلت ( 4 ) وإلا فلا ، وهذه القصة
مذكورة في أول الكتاب الذى تزعم اليهود أنه التوراة ، وفيه أنه تعالى خلق
السماء من أجزاء مظلمة ، وهذا هو المعقول لانا ( 5 ) قد دللنا في المعقولات على
أن الظلمه ليست كيفية وجودية بل هي عبارة عن عدم النور ( 6 ) فالله سبحانه لما
خلق الاجزاء التي لا تتجزى فقبل أن يخلق فيها كيفية الضوء كانت مظلمة عديمة
النور ، ثم إذركبها ( 7 ) وجعلها سماوات وكواكب وشمسا وقمرا وأحدث صفة
الضوء فيها فحينئذ صارت مستنيرة ، فثبت أن تلك الاجزاء حين قصد الله تعالى أن
يخلق منها السماوات والشمس والقمر كانت مظلمة فصح تسميتها بالدخان ، لانه
لا معنى للدخان إلا أجزاء متفرقة غير متواصلة عديمة النور ( 8 ) .
( فقال لها وللارض إتيا ) قال البيضاوي : أي بما خلقت فيكما من التأثير
والتأثر ، وأبرزا ما أودعتكما من الاوضاع المختلفة والكائنات المتنوعة أوائتيا
في الوجود على أن الخلق السابق بمعنى التقدير أو الترتيب للرتبة أو الاخبار
أو إتيان السماء بحدوثها وإتيان الارض أن تصير مدحوة ، أو ليأت كل منكما
الاخرى في حدوث ما اريد توليده منكما ، ويويده قراءة ( آتيا ) من المؤاتاة أي
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : قبل حلق .
( 2 ) في المصدر : أما الزبد فبقى .
( 3 ) في المصدر : منه اليبوسة .
( 4 ) في المصدر : قبل .
( 5 ) في المصدر : لانه .
( 6 ) والدليل مذكور في المصدر .
( 7 ) في المصدر : لما ركبها .
( 8 ) مفاتيح الغيب ، ج 7 ، ص 385 .
[ 19 ]
ليوافق كل واحدة منكما اختها فيما أردت منكما ( طوعا أو كرها ) شئتما ذلك
أو أبيتما ، أو المراد إظهار كمال قدرته ووجوب وقوع مراده لا إثبات الطوع و
الكره لهما ، وهما مصدران وقعا موقع الحال . ( قالتا أتينا طائعين ) أي منقادين
بالذات . والاظهر أن المراد تصوير تأثير قدرته فيهما وتأثرهما بالذات عنها و
تمثيلها ( 1 ) بأمر المطاع وإجابة المطيع الطائع كقوله ( كن فيكون ) وما قيل أنه
تعالى خاطبهما وأقدرهما على الجواب إنما يتصور على الوجه الاول والاخير
وإنما قال ( طائعين ) على المعنى باعتبار كونهما مخاطبتين كقوله تعالى ( ساجدين ) .
وقال الطبرسي قدس سره : قال ابن عباس : أتت السماء بما فيها من
الشمس والقمر والنجوم ، وأتت الارض بما فيها من الانهار والاشجار والثمار
وليس هناك أمر بالقول حقيقة ( 2 ) ولا جواب لذلك القول ، بل أخبر ( 3 ) سبحانه عن
اختراعه السماوات والارض وإنشائه لهما من غير تعذر ولا كلفة ولا مشقة بمنزلة
ما يقال ( 4 ) افعل فيفعل من غير تلبث ولا توقف ولا تأن ( 5 ) فعبر عن ذلك بالامر
والطاعة ، وهو كقوله ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) وإنما
قال ( أتينا طائعين ) ولم يقل طائعتين لان المعنى : أتينا بمن فينا من العقلاء ،
فغلب
حكم العقلاء ( 6 ) . وقيل : إنه لما خوطبن خطاب من يعقل جمعن جمع من يعقل
كما قال : ( وكل في فلك يسبحون ) ( 7 ) .
( فقضيهن سبع سماوات ) قال البيضاوي : أي فخلقهن خلقا إبداعيا وأتقن
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : وتمثيلهما .
( 2 ) في المصدر : على الحقيقة .
( 3 ) في المصدر : بل أخبر الله .
( 4 ) في المصدر : ما يقال للمأمور .
( 5 ) في المصدر : ليس لفظة ( ولا تأن ) .
( 6 ) في المصدر : عن قطرب .
( 7 ) مجمع البيان ، ج 9 ص 6 .
[ 20 ]
أمرهن ، والضمير للسماء على المعنى ( 1 ) أومبهم . ( وسبع سماوات ) حال على
الاول ، وتمييز على الثاني . ( في يومين ) قيل : خلق السماوات يوم الخميس
والشمس والقمر والنجوم يوم الجمعة ( وأوحى في كل سماء أمرها ) شأنها وما
يتأتى منها بأن حملها عليه اختيارا أو طبعا ، وقيل : أوحى إلى أهلها بأوامره .
( وزينا السماء الدنيا بمصابيح ) فإن الكواكب كلها ترى كأنها تتلالا عليها .
( وحفظا ) أي وحفظناها من الآفات أو من المسترقة حفظا . وقيل : مفعول له على
المعنى ، كأنه قال : خصصنا السماء الدنيا بمصابيح زينة وحفظا . ( ذلك تقدير
العزيز العليم ) البالغ في القدرة والعلم .
( وما مسنا من لغوب ) قال الطبرسي : أي تعب ونصب ، أكذب الله تعالى
بهذا اليهود ، فانهم قالوا : استراح الله يوم السبت فلذلك لا نعمل فيه شيئا ( 2 ) .
وقال الرازي في تفسيره : قال بعض المفسرين : المراد من الآية الرد على اليهود
حيث قالوا : بدأ الله خلق العالم يوم الاحد وفرغ منه في ستة أيام آخرها يوم الجمعة
واستراح يوم السبت واستوى ( 3 ) على عرشه . فقال تعالى : ( وما مسنا من لغوب )
رادا ( 4 ) عليهم ، والظاهر أن المراد الرد على المشرك أي ما تعبنا بالخلق الاول
حتى لا نقدر على الاعادة ثانيا وأما ما قاله اليهود ونقلوه من التورية فهو إما
تحريف منهم أولم يعلموا تأويله ، وذلك لان الاحد والاثنين أزمنة متميزة بعضها
عن بعض فلو كان خلق السماوات ابتداء يوم الاحد لكان الزمان متحققا قبل
الاجسام ، والزمان لا ينفك عن الاجسام ، فيكون قبل الاجسام ( 5 ) أجسام اخر
* ( هامش ) * ( 1 ) أى كانت المناسب صيغة التثنية ولما كان في كل منهما كثرة اعتبر
جانب المعنى ، و
انما جمع على صيغة جمع العقلاء باعتبار جعلهما مخاطبتين ( منه ) .
( 2 ) مجمع البيان ، ج 9 ، 150 .
( 3 ) في المصدر : استلقى .
( 4 ) في المصدر : ردا .
( 5 ) في المصدر : قبل خلق الاجسام .
[ 21 ]
فيلزم القول بقدم العالم وهو مذهب الفلاسفة ( انتهى ) ( 1 ) .
وأقول : تعيين تلك الايام موجودة في الاخبار المعتبرة كما ستعرف ، وما
توهم من لزوم قدم العالم خطاء كما عرفت سابقا أنه يمكن تصحيحه بوجوه متعددة
شئ منها لا يستلزم ذلك ، وأما تعيين الايام فيمكن أن تقدر الازمنة بحيث تكون
بعد خلق الشمس وحركة الافلاك وتعيين الايام تلك الازمان الماضية موافقة لهذه
الايام الستة ، بحيث إذا كانت الشمس متحركة فيها كانت تلك الايام بعينها
فتأمل .
( ءأنتم أشد خلقا ) قال البيضاوي : أي أصعب خلقا أم السماء ؟ ثم بين كيف
خلقها وقال ( 2 ) : ( بناها ) ثم بين البناء فقال : ( رفع سمكها ) أي جعل مقدار
ارتفاعها
من الارض أو ثخنها الذاهب في العلو رفيعا ( فسويها ) أي فعد لها ، أو جعلها ( 3 )
مستوية ، أو فتممها بما به يتم ( 4 ) كما لها من الكواكب والتداوير وغيرها ، ( 5 )
من قولهم ( سوى فلان أمره ) إذا أصلحه ( وأغطش ليلها ) أي أظلمه منقول من
( غطش الليل ) إذا أظلم . وأضاف ( 6 ) إليها لانه يحدث بحركتها ( وأخرج ضحيها )
أي وأبرزضوء شمسها كقوله تعالى ( والشمس وضحيها ) يريد النهار ( والارض
بعد ذلك دحيها ) بسطها ومهدها للسكني ، ( أخرج منها ماءها ) بتفجير العيون
( ومرعيها ) أي ورعيها ، وهو في الاصل لمواضع الرعي ( 7 ) . وتجريد الجملة
عن العاطف لانها حال بإضمار قد ، أو بيان للدحو ( والجبال أرسيها ) أي أثبتها
( متاعا لكم ولانعامكم ) تمتيعا لكم ولمواشيكم ( 8 ) .
* ( هامش ) * ( 1 ) مفاتيح الغيب ، ج 7 ص 644 .
( 2 ) في المصدر : فقال .
( 3 ) في بعض النسخ : فجعلها .
( 4 ) في المصدر : بمايتم به .
( 5 ) في المصدر : وغيرهما .
( 6 ) في المصدر : وإنما أضاف .
( 7 ) في المصدر : لموضع الرعى .
( 8 ) انوار التنزيل ، ج 2 : ص 644 .
[ 22 ]
( الذي خلق فسوى ) أي خلق كل شئ فسوى خلقه بأن جعل له ما به
يتأتي كما له ويتم معاشه ( والذي قدر ) أي قدر أجناس الاشياء وأنواعها و
أشخاصها ومقاديرها وصفاتها وأفعالها وآجالها ( فهدى ) فوجهه إلى أفعاله طبعا
أو اختيارا بخلق الميول والالهامات ، ونصب الدلائل وإنزال الآيات .
* ( تحقيق في دفع شبهة ) *
اعلم أن بعض الملاحدة أوردوا تناقضا بين آيات سورتي البقرة والسجدة و
بين آيات سورة النازعات ، حيث زعموا أن الاولة تدل على تقدم خلق الارض على
السماء والاخيرة على العكس . واجيب عنه بوجوه :
احدها : أن خلق الارض قبل السماء إلا أن دحوها متأخر عن خلق السماء .
واستشكل بوجهين : الاول : أن الارض جسم عظيم فامتنع انفكاك خلقها عن التدحية
فإذا كانت التدحية متأخرة عن خلق السماء كان خلقها لا محالة أيضا متأخرا عن
خلق السماء . والثانى : أن الآية الاولى تدل على أن خلق الارض وخلق كل
ما فيها مقدم على خلق السماء ، وخلق الاشياء في الارض لا يكون إلا بعد ما كانت
مدحوة . واجيب : عن الاول بأنالا نسلم امتناع انفكاك خلق الارض عن دحوها
والمناقشة في إطلاق خلق الارض على إيجادها غير مدحوة مناقشة لفظية . وعر
الثاني بأن قوله تعالى ( والارض بعد ذلك دحيها ) يقتضي تقدم خلق السماء على
دحوالارض ، ولا يقتضي تقدم تسوية السماء على دحو الارض ، فجاز أن تكون
تسوية السماء متأخرة عن دحوالارض فيكون خلق الارض قبل السماء وخلق السماء
قبل دحو الارض ، ودحوالارض قبل تسوية السماء ، فارتفع التنافي . ويرد عليه
أن الآية الثالثة تقتضي تقدم تسوية السماء على دحوالارض ، والثانية تقتضي
تقدم خلق الارض بما فيها على تسويتها سبع سماوات ، وخلق ما في الارض قبل
دحوها مستبعد . ويمكن أن يجاب بأن المراد بالخلق في الاولى التقدير وهو شائع
في العرف واللغة ، أو بأن المراد بخلق ما في الارض خلق موادها كما أن خلق
[ 23 ]
الارض قبل دحوها عبارة عن مثل ذلك فتكون تسوية السماء متقدمة على دحو الارض
كما هو ظاهر الآية الثالثة ، أو بأن يفرق بين تسويتها المذكورة في الثالثة وبين
تسويتها سبع سماوات كما في الاولى ، وحينئذ فتسويتها مطلقا متقدمة على دحو
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 50 من صفحه 23 سطر 4 إلى صفحه 31 سطر 4
الارض ، وتسويتها سبعا متأخرة عنه ، ولعل هذا أوفق في الجمع ، أو بأن يقال :
الفاء في قوله تعالى ( فسويها ) بمعنى ثم ، والمشار إليه بذلك في قوله تعالى (
والارض
بعد ذلك دحيها ) هو بناء السماء وخلقها لا مجموع ما ذكر قبله ، أو بأن يقال كلمة
( ثم ) في الاولى للترتيب الذكري ، وتقديم خلق ما في الارض في معرض الامتنان
لمزيد الاختصاص ، فيكون خلق ما في الارض بعد دحوها كما هو الظاهر ، وتسوية
السماء متقدمة عليه وعلى دحو الارض كما هو ظاهر الآية الثالثة . لكن هذا لا يخلو
من نوع ( 1 ) منافرة لظاهر الآية الثانية ، وقد أوردنا بعض التوجيهات لها في شرح
بعض الاخبار الآتية .
وقال البيضاوي : كلمة ( ثم ) في آيتي البقرة والسجدة لتفاوت ( 2 ) ما بين
الخلقين ، وفضل خلق السماء على خلق الارض كقوله تعالى ( ثم كان من الذين
آمنوا ) لا للتراخي في المدة ( 3 ) فإنه يخالف ظاهر قوله تعالى ( والارض بعد ذلك
دحيها ) فإنه يدل على تأخر دحو الارض المتقدم على خلق ما فيها عن خلق
السماء وتسويتها ، إلا أن يستأنف بدحيها مقدر النصب الارض فعلا آخر دل عليه
( أنتم أشد خلقا ) مثل : تعرف الارض وتدبر أمرها بعد ذلك . لكنه خلاف
الظاهر ( 4 ) ( انتهى ) .
والوجه الثانى : مما قد اجيب به عن أصل الاشكال أن يقال : كلمة ( بعد )
في الآية الثالثة ليست للتأخر الزماني ، إنما هو على جهة تعداد النعم والاذكار
* ( هامش ) * ( 1 ) في بعض النسخ : عن نوع .
( 2 ) في المصدر : لعله لتفاوت .
( 3 ) في المصدر : في الوقت .
( 4 ) أنوار التنزيل ج ، 1 ص 62 .
[ 24 ]
لها ، كما يقول القائل : أليس قد أعطيتك وفعلت بك كذا وكذا وبعد ذلك
خلطتك ؟ وربما يكون بعض ما تقدم في اللفظ متأخرا بحسب الزمان لانه لم
يكن الغرض الاخبار عن الاوقات والازمنة بل المراد ذكر النعم والتنبية عليها
وربما اقتضت الحال إبراد الكلام على هذا الوجه .
والثالث : ما ذكره الرازي ، وهو أن لا يكون معنى ( دحيها ) مجرد
البسط ، بل يكون المراد أنه بسطها بسطا هيئات لنبات الاقوات ، وهذا هو الذي
بينه بقوله ( أخرج منها ماءها ومرعيها ) وذلك لان ( 1 ) الاستعداد لا يحصل للارض
إلا بعد وجود السماء ، فإن الارض كالام والسماء كالاب ، ومالم يحصلا لم يتولد
أولاد المعادن والنبات والحيوان .
والرابع : ماذكره أيضا وهو أن يكون قوله ( والارض بعد ذلك ) أي
مع ذلك ، كقوله ( عتل بعد ذلك زنيم ) أي مع ذلك ، وكقولك للرجل : أنت
كذا وكذا ، ثم أنت بعدها كذا . لا تريد ( 2 ) الترتيب ، وقال تعالى ( فك رقبة )
إلى قوله ( ثم كان من الذين آمنوا . ) والمعنى : وكان وهذا تقرير ما نقل
عن ابن عباس وغيره قالوا في قوله ( والارض بعد ذلك دحيها ) : أي مع مياده
دحيها ( 3 ) .
اقول : وهذا قريب من الثاني . ثم المشهور أن خلق الارض قبل خلق السماء
وهو الاظهر ، وقيل بالعكس ، نقل الواحدي في البسيط عن مقاتل أنه قال : خلق
الله السماء قبل الارض ، وتاويل قوله ( ثم استوى إلى السماء ) : ثم كان قد استوى
وهي دخان قبل أن يخلق الارض . فاضمر فيه كان كما قال تعالى : ( قالوا إن
يسرق فقد سرق أخ له من قبل ) معناه : إن يكن سرق .
وقال الرازى : المختار عندي أن يقال : خلق السماء مقدم على خلق الارض
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : لان هذا الاستعداد .
( 2 ) في المصدر : لا تريد به الترتيب .
( 3 ) مفاتيح الغيب ، ج 8 ، ص 465 ( نقل عنه ملخصا ) .
[ 25 ]
بقي أن يقال : كيف تأويل هذه الآية يعني آية السجدة ؟ فنقول : الخلق ليس عبارة
عن التكوين والايجاد ، والدليل عليه قوله تعالى ( إن مثل عيسى عند الله كمثل
آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) فلو كان الخلق عبارة عن الايجاد و
التكوين لصار معنى الآية : أوجده من تراب ثم قال له كن فيكون ، وهذا محال
لانه يلزم أنه تعالى قد قال لشئ وجد : كن وإذا ثبت هذا فنقول : قوله ( خلق
الارض في يومين ) معناه أنه قضى بحدوثها في يومين وقضاء الله بأنه سيحدث كذا
في مدة كذا لا يقتضي حدوث ذلك الشئ في الحال ، فقضاء الله بحدوث الارض في
يومين مقدم على إحداث السماء ولا يلزم منه تقدم إحداث الارض على إحداث
السماء ( 1 ) ( انتهى ) ولا يخفى ما فيه وستطلع على حقيقة الامر في ضمن شرح
الاخبار إن شاء الله تعالى .
* ( الاخبار ) *
1 نهج : قال أميرالمؤمنين عليه السلام في خطبة له : المعروف ( 2 ) من غير رؤية
والخالق من غير روية ، الذي لم يزل قائما دائما ، إذ لاسماء ذات أبراج ، ولا حجب
ذات أرتاج ، ولا ليل داج ، ولا بحر ساج ، ولا جبل ذو فجاج ، ولا فج ذواعوجاج
ولا أرض ذات مهاد ، ولا خلق ذو اعتماد ، ذلك مبتدع الخلق ووارثه ، وإله الخلق
ورازقه ( 3 ) .
بيان : من غير روية أي تفكر ، لانه يستلزم الجهل السابق ، وحدوث أمر
فيه لم يكن ، والاستكمال بعد النقص ( الذي لم يزل قائما ) أي بذاته أو بأحوال
الخلق ، وقد مر مرارا ( دائما ) أي باقيا بذاته من غير علة ( ذات أبراج ) أي بروج
أو كواكب نيرة . و ( الحجب ) جمع الحجاب والمراد هنا ما سيأتي من الحجب
النورانية التي تحت العرش أو السماوات عبر عنها بلفظين ، و ( الارتاج ) في بعض
* ( هامش ) * ( 1 ) مفاتيح الغيب ، ج 7 ، ص 358 ( نقل عنه ملخصا ) .
( 2 ) في المصدر : الحمد لله المعروف .
( 3 ) نهج البلاغة : 158 .
[ 26 ]
النسخ بكسر الهمزة مصدر ( أرتج الباب ) أي أغلقه ، وفي بعضها بالفتح جمع ( رتج )
بالتحريك ، أو ( رتاج ) بالكسر . والاول الباب العظيم ، والثاني الباب المغلق
أو الذي عليه باب صغير ، و ( الداجي ) المظلم ، و ( الساجي ) الساكن ، و ( الفجاج )
جمع ( الفج ) بالفتح وهو الطريق الواسع بين الجبلين ، و ( المهاد ) بالكسر :
الفراش . واعتمدت على الشئ : اتكأت عليه ، وكل حي يعتمد على رجله في
المشي وعلى غيرها ، ويمكن أن يراد به القوة والتصرف . وأبدعت الشئ ، و
ابتدعته : أي استخرجته وأحدثته ، و ( الابتداع ) الخلق على غير مثال ، و ( وارثه )
أي الباقي بعد فنائهم ، والمالك لما ملكوا ظاهرا ، ولا يخفي صراحته في حدوث العالم
.
2 النهج : قال عليه السلام : الاول قبل كل أول ، والآخر بعد كل آخر ( 1 ) .
بيان : الغرض إثبات الاولية والآخرية الحقيقيتين له سبحانه ، وظاهر
الاول حدوث ما سواه ، واستدل بالثاني على ما ذهب إليه كثير من المتكلمين من
انعدام العالم بأسره قبل قيام الساعة ، ويمكن أن يكون الآخرية باعتبار أن كل
ما عداه في التغير والتحول من حال إلى حال ، كما ورد في الرواية ، وقيل :
أوليته بحسب الخارج ، وآخريته بحسب الذهن ، أو الآخر في سلسلة الافتقار
لاحتياج الكل إليه سبحانه ( 2 ) .
* ( هامش ) * ( 1 ) نهج البلاغة : 194 .
( 2 ) الاولية والاخرية وصفان اضافيان ، فاذا قويس شئ إلى آخر وجد بعده وصف
بالاولية ، وإذا قويس إلى شئ وجد قبله وصف بالاخرية . وللتقدم والتأخر أقسام مذكورة
في محلها وقد اختلف القوم في تقدم الواجب على الممكنات ، فقيل : إن تقدمه زمانى ، و
قيل : على ، وقيل : سرمدى إلى غير ذلك .
لكن التقدم الزمانى بمعناه المصطلح وهو وقع المتقدم مقارنا لجزء من الزمان
متقدم على الجزء الذى وقع المتأخر مقارنا له مما يتسحيل في حق الحق سبحانه وتقدس
لعاليه عن مقارنة الزمان ومقايسته بالحدثان . على أن يستلزم قدم الزمان وهو كر على
ما
فرمنه .
وأما تفسير التقدم الزمانى بأن الواجب كان في زمان لم يكن شئ ، وتتميمه بأن
[ 27 ]
3 النهج : قال عليه السلام : الحمد لله الدال على وجوده بخلقه ، وبمحدث خلقه
على أزليته ( 1 ) ومنه ( 2 ) قال عليه السلام : الحمد لله خالق العباد ، وساطح
المهاد ، ومسيل
الوهاد ، ومخصب النجاد ، ليس لاوليته ابتداء ، ولا لازليته انقضاء ، هو الاول
لم يزل ، والباقي بلا أجل إلى قوله عليه السلام قبل كل غاية ومدة ، وكل إحصاء
وعدة إلى قوله عليه السلام لم يخلق الاشياء من اصول أزلية ، ولا من أوائل أبدية ( 3
)
بل خلق ما خلق فأقام حده ، وصور ما صور فأحسن صورته ( 4 ) .
* ( هامش ) * الزمان أمر موهوم منتزع عن ذاته ، مما لا يجدى شيئا ولا يسمن ولا يغنى
من جوع . لان الزمان
إن كان أمرا موهوما فلا يمكن تأثيره في الواقعيات وإناطة البحث الحقيقى به ، غاية
الامر
تسميته تعالى بالقديم الزمانى تسمية ليس وراءه حقيقه ولا تجاوز حد الاسم والوهم وإن
كان
أمرا واقعيا فلا يمكن انتزاعه من ذات البارئ سبحانه وإلا لتطرق التغير والحدوث
إليها .
وأما آخرية الواجب فقيل بالاخرية الزمانة بمعنى أنه يفتى كل شئ إلا الواجب
تعالى فيكون زمان ليس فيه غيره سبحانه ولما كان ظاهر هذا القول مخالفا لظواهر
الكتاب
والسنة من أبدية نشأة الاخرة وخلود أهلها فسر بفناء الموجودات قبل قيام الساعة !
ولقائل أن يقول : هل يكون عند فناء جميع الموجودات زمان أولا ؟ فان كان فلا يكون
الواجب آخرا بالنسبة إلى نفس الزمان ، وإلا فلا يكون آخرا زمانيا ، على أنه تعالى
يكون
على هذا آخرا بالنسبة إلى الموجودات قبل قيام الساعة لا بعده وله توال فاسدة اخرى .
وحق القول أن الواجب تعالى محيط بجميع العوالم ، مهيمن على كافة الموجودات ، و
يكون وجوده أوسع وأرفع من كل الوجودات ، بل هى بأسرها ظل وجوده وشعاع نوره تبارك
وتعالى وليس لها استقلال أصلا ، فليس بين الوجودات الامكانية وبين وجوده السرمدى
الواجب
المحيط الغير المتناهى بل فوق ما لا يتناهى بما لا يتناهى نسبة . فأين المتناهى من
غير المتناهى ؟
وما للتراب ورب الارباب ؟ !
فكلما قويس وجود إمكانى إلى وجوده المتعالى كان من بين يديه ومن خليفة ، ومن فوقه
ومن تحته ، ومن كل جهة من جهاته ، وكل شأن من شؤونه محدودا محاطا بوجوده تبارك و
تعالى . فاذا لوحظ الجهة السابقة على الموجودات كان سبحانه هو الاول ، وإذا لوحظ
الجهة
اللاحقة كان هو الاخر ، وإذا لوحظ ظاهرها كان هو الباطن ، وإذا لوحظ باطنها كان هو
الظاهر
( هو الاول والاخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم ) ( ألا إنه بكل شئ محيط ) .
( 1 ) نهج البلاغة ، ج 1 ، ص 274 .
( 2 ) في بعض النسخ : وفي خطبة .
( 3 ) سيأتى من المؤلف في بيان الخطبة أن في بعض النسخ ( بدية ) .
( 4 ) نهج البلاغة ، ج 1 ، ص 300 .
[ 28 ]
بيان : ( الساطح ) الباسط ، و ( المسيل ) المجري ، و ( الوهاد ) جمع ( وهدة )
وهي الارض المنخفضة ، وأخصب الله الارض أي جعلها كثيرة العشب والكلاء ، و
( النجاد ) بالكسر جمع ( نجد ) بالفتح وهو المرتفع من الارض ( ولا لازليته انقضاء )
أي في جانب الابد ، أي أزليته أزلية مقرونة بالابدية ، ويمكن أن يكون إشارة
إلى أن الازلية تستلزم الابدية إذ ماثبت قدمه امتنع عدمه ، أو في جانب الازل
إذا رجع الوهم إليه . ولا يخفى دلالة تلك الفقرات على اختصاص الازلية به و
حدوث ما سواه ، إذ ذكر الصفات المشتركة بينه وبين خلقه لا يناسب مقام المدح .
ثم صرح عليه السلام بذلك بقوله ( لم يخلق الاشياء من أصول أزلية ) ردا على مازعمته
الحكماء من الهيولى القديمة ونحو ذلك و ( الابد ) بالتحريك الدهر ، و ( الدائم )
و ( القديم ) الازلي كما ذكره في القاموس وقيل : الزمان الطويل الذي ليس
بمحدود ، والظاهر أنه تأكيد وتفسير للفقرة الاولى ، ويحتمل أن يكون المراد
الامثلة التي يخلق الله تعالى الاشياء على حذوها . وفي بعض النسخ ( بدية ) والبدي
كرضي الاول ( من أوائل ) سابقة على إيجادها ( 1 ) .
* ( هامش ) * ( 1 ) الازلية والقدم مترادفان ، ومعناهما كون الموجود بحيث لا يسبقه
عدم ، فان أضيف
إلى العدم الذاتى سمى قدما ذاتيا ، وإن اضيف إلى العدم الزمانى سمى قدما زمانيا
وحيث
إن الزمان مقدار الحركة ، والحركة تختص بالاجسام ، فاذا لم يكن جسم لم يكن زمان ،
وكل
شيئ غير جسمانى فانه خارج عن حيطة الزمان البتة ، فلو وجد شئ مجرد عن المادة كان
لامحالة
غير محدود بالزمان .
وحيث إن الجسم لا ينفك عن الحركة بناء على القول بالحركة الجوهرية فكلما
فرض جسم كان حادثا زمانيا .
والواجب تعالى قديم أزلى ذاتا بمعنى كون الوجود عين ذاته واستحالة العدم عليه بوجه
وزمانا بمعنى كونه خارجا عن ظرف الزمان ومنزها عن مقارنته لا بمعنى كونه مقارنا
لزمان
غير متناه من جهة البدء وأما ما سواه فعلى القول بوجود المجردات المحضة والموجودات
النورية العالية فانها أيضا غير مقيدة بالزمان لكنها لا تشارك الواجب تعالى في
الازلية الذاتية .
وأما المادة أعنى الهيولى الاولى فليست من الموجودات المتحصلة ، وتحصلها إنما يكون
بالصور ، ولا شئ من الصور الجسمانية بقديم لما ذكرنا . نعم على القول بقدم الصور
الفلكية
كما يراه بعض الفلاسفة تكون مادتها أيضا قديمة لكنها على كل حال ليست موجودة قيل
الاشياء ولا أصلا أزليا للكائنات .
[ 29 ]
4 شرح النهج للكيدري : ورد في الخبر أن الله تعالى لما أراد خلق السماء
والارض خلق جوهرا أخضر ، ثم ذوبه فصار ماء مضطربا ، ثم أخرج منه بخارا
كالدخان فخلق ( 1 ) منه السماء كما قال ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان ) ثم
فتق تلك السماء فجعلها سبعا ، ثم جعل من ذلك الماء زبدا فخلق منه أرض مكة ، ثم
بسط الارض كلها من تحت الكعبة ولذلك تسمى مكة ام القرى لانها أصل جميع
الارض ، ثم شق من تلك الارض سبع أرضين وجعل بين كل سماء وسماء مسيرة
خمسمأة عام ، وكذلك بين كل أرض وأرض ، وكذلك بين هذه السماء وهذه
الارض ، ثم بعث ملكا من تحت العرش حتى نقل الارض على منكبه وعنقه ومد
اليدين فبلغت إحداهما إلى المشرق والاخرى إلى المغرب ، ثم بعث لقرار قدم
ذلك الملك بقرة من الجنة كان لها أربعون ألف قرن وأربعون ألف رجل ويد ، و
بعث ياقوتا من الفردوس الاعلى حتى يوضع بين سنام تلك البقرة واذنها ، فاستقر
قدما ذلك الملك على السنام والياقوت ، وإن قرون تلك البقرة لمرتفعة من أقطار
الارض إلى تحت العرش . وإن مناخر انوفها بإزاء الارض فإذا تنفست البقرة
مد البحر ، وإذا قبضت أنفاسها جزر البحر ، من ذلك ، ثم خلق لقرار قوائم تلك
البقرة صخرة ، وهي التي حكى الله عن لقمان في قوله ( فتكن في صخرة ) فيزيد
مقدار سعة تلك الصخرة سبع مرات على مقدار سبع السماوات وسبع أرضين ، ثم
خلق حوتا وهو الذي أقسم الله فقال : ( ن والقلم ) والنون الحوت ، وأمر تعالى
بوضع تلك الصخرة على ظهر ذلك الحوت وجعل ذلك الحوت في الماء وأمسك الماء
على الريح ويحفظ الله الريح بقدرته .
5 النهج والاحتجاج : في خطبة لاميرالمؤمنين عليه السلام : الدال على قدمه
بحدوث خلقه ، وبحدوث خلقه على وجوده إلى قوله عليه السلام مستشهد بحدوث الاشياء
على أزليته ( 2 ) .
* ( هامش ) * ( 1 ) في بعض النسخ : وخلق .
( 2 ) نهج البلاغة ، ج 1 ، ص 350 . الاحتجاج ، ص 107 .
[ 30 ]
6 وفي خطبة اخرى مشهورة : لا نصحبه الاوقات ، ولا ترفده ( 1 ) الادوات
سبق الاوقات كونه ، والعدم وجوده ، والابتداء أزله إلى قوله عليه السلام لا يجري
عليه السكون والحركة وكيف يجري عليه ما هو أجراه ، ويعود فيه ما هو
أبداه ، ويحدث فيه ما ه أحدثه ؟ إذا التفاوتت ذاته ، ولتجزأ كنهه ، ولامتنع
من الازل معناه إلى قوله عليه السلام يقول لما ( 2 ) أراد كونه : كن ، فيكون ، لا
بصوت
يقرع ، ولانداء ( 3 ) يسمع ، وإنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه ومثله ، لم يكن
من قبل ذلك كائنا ، ولو كان قديما لكان إلها ثانيا ، لا يقال كان بعد أن لم يكن
فتجري عليه الصفات المحدثات ، ولا يكون بينها وبينه فصل ، ولاله عليها فضل
فيستوي الصانع والمصنوع ، ويتكافأ المبتدع والبديع ، خلق الخلائق على غير مثال
خلا من غيره ، ولم يستعن على خلقها بأحد من خلقه ، وأنشأ الارض فأمسكها
من غير اشتغال ، وأرساها على غير قرار ، وأقامها بغير قوائم ، ورفعها بغير دعائم
وحصنها من الاود والاعوجاج ، ومنعها من التهافت والانفراج . أرسى أوتادها
وضرب أسدادها ، واستفاض عيونها ، وخد أوديتها ، فلم يهن ما بناه ، ولا ضعف
ما قواه إلى قوله عليه السلام هو المنفي لها بعد وجودها حتى يصير موجودها
كمفقودها ، وليس فناء الدنيا بعدابتدائها بأعجب من إنشائها واختراعها إلى قوله
عليه السلام وإنه ( 4 ) سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شئ معه كما كان
قبل ابتدائها ، كذلك يكون بعد فنائها . بلا وقت ولا مكان ، ولا حين ولا زمان
عدمت عند ذلك الآجال والاوقات ، وزالت السنون والساعات ، فلا شئ إلا الواحد
القهار ، الذي إليه مصير جميع الامور ، بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها ، وبغير
امتناع منها كان فناؤها ، ولو قدرت على الامتناع لدام بقاؤها ، لم يتكاءده صنع شئ
* ( هامش ) * ( 1 ) في بعض النسخ ، ولا تردفه .
( 2 ) في المصدر : لمن أراد .
( 3 ) في المصدر : بنداء .
( 4 ) في المصدر : وإن الله .
[ 31 ]
منها إذ صنعه ، ولم يؤده منها خلق ما برأه وخلقه ( 1 ) ، ولم يكونها لتشديد سلطان
ولا لخوف من زوال ونقصان ، ولا للاستعانة بها على ند مكاثر ، ولا للاحتراز بها من
ضد مثاور ، ولا للازدياد بها في ملكه ، ولا لمكاثرة شريك في شركه ، ولا لوحشة
كانت منه فأراد أن يستأنس إليها ، ثم هو يفنيها بعد تكوينها لا لسأم دخل عليه في
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 50 من صفحه 31 سطر 5 إلى صفحه 39 سطر 5
تصريفها وتدبيرها ، ولا لراحة واصلة إليه ، ولا لثقل شئ منها عليه ، لم يمله طول
بقائها فيدعوه إلى سرعة إفنائها ، لكنه سبحانه دبرها بلطفه وأمسكها بأمره ، و
أتقنها بقدرته ، ثم يعيدها بعد الفناء من غير حاجة منه إليها ، ولا استعانة بشئ
منها
عليها ، ولا لا نصراف من حال وحشة إلى حال استئناس ، ولا من حال جهل وعمى
إلى علم ( 2 ) والتماس ، ولا من فقر وحاجة إلى غنى وكثرة ، ولا من ذل وضعة إلى
عز وقدرة ( 3 ) .
ايضاح : ( الدال على قدمه بحدوث خلقه ) فيه وفيما بعده دلالة على أن علة
الفاقة إلى المؤثر الحدوث ، وأنه لا يعقل التأثير في الازلي القديم ( 4 ) .
وكذا
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : ما خلقه وبرأه .
( 2 ) في المصدر : إلى حال علم .
( 3 ) نهج البلاغة : ج 1 ، ص 354 .
( 4 ) الحدوث والقدم قد يستعملان بمعنى المسبوقية بالعدم الذاتى ومقابلها ، وقد
يستعملان
بمعنى المسبوقية بالعدم الزمانى ومقابلها فان كان المراد بهما في كلامه عليه السلام
المعنى
الاول كان المعنى أن العالم لمكان إمكانه يدل على وجود الواجب . وان كان المراد
بالحدوث
الحدوث الزمانى وبالقدم ، القدم الذاتى كان المعنى أن الحدوث الزمانى في الزمانيات
دليل
على وجود الواجب ، وذلك لان الحدوث تغير والتغير يختص بالممكن والممكن يحتاج إلى
الواجب ، وايضا الحادث مسبوق بالعدم وكل ما كان كذلك أمكن عدمه فاحتاج في الوجود
إلى
الواجب ، وإن كان المراد بهما الحدوث والقدم الزمانيين كان المعنى أن الحدوث
الزمانى في
الزمانيات يدل على كون الواجب قديما غير مقيد بالزمان وذلك لان الحدوث نقص ومحدودية
ووجود الواجب تام وفوق التمام فلا يتصف به . وإن كان المراد بالحدوث ، الحدوث
الذاتى
وبالقدم ، القدم الزمانى كان المعنى أن امكان الخلق يدل على قدم الواجب وعدم تقيده
بالزمان
لكنه في غاية البعد وعلى الاولين فكلامه عليه السلام ناظر إلى إثبات الواجب وعلى
الاخرين
[ 32 ]
قوله ( مستشهد بحدوث الاشياء على أزليته ) .
( لا تصحبه الاوقات ) يحتمل وجهين : أحدهما نفي المصاحبة على الدوام بل
وجوده سابق على الازمان كالزمانيات ( 1 ) كما قال : ( سبق الاوقات كونه ) و
ثانيهما نفي الزمانية عنه سبحانه مطلقا كما ذهب إليه الحكماء من أن الزمان
نسبة المتغير إلى المتغير ولا يكون فيما لا تغير فيه أصلا ، فالمراد بسبق كونه على
الاوقات عدم لحوقها له وامتناع مقارنته سبحانه لها ، وربما يؤيد ذلك بقوله عليه
السلام
( وكيف يجري عليه ما هو أجراه ؟ ) فإنه عليه السلام استدل على عدم جريان السكون
والحركة عليه بأنه موجدهما فلا يكونان من صفاته الكمالية ، لان الفعل لا
يكون كمالا للفاعل واتصافه بهما لا على وجه الكمال يوجب التغير أو النقص
وهذا جار في الزمان أيضا .
وكذا قوله ( ويعود فيه ما هو أبداه ) أي أظهره ، فقيل : المعنى أنه سبحانه
أظهر الحركة والسكون فكانا متأخرين عنه ذاتا ، فلو كانا من صفاته لزم أن
يعود المتأخر ويصير متقدما لان صفاته سبحانه عين ذاته فلا يجوز خلوه عنها في
مرتبة الاظهار والايجاد ، ( ويحدث فيه ما هو أحدثه ) لان الشئ لايكون فاعلا
وقابلا لشئ واحد ، أو لما مر من لزوم الاستكمال بغيره والنقص في ذاته .
* ( هامش ) * ( 1 ) فناظر إلى إثبات قدمه وعلى كل حال فلا يستفاد من كلامه عليه
السلام أن ما يحتاج إلى العلة
ينحصر في الحادث الزمانى بحيث لو فرض ممكن غير حادث زمانا لم يحتج إلى الواجب فتأمل
.
وأما تحقيق القول في أن ملاك الاحتياج إلى العلة هل هو الحدوث أو الامكان فله محل
آخر .
وأما النكتة في جعله عليه السلام ( الدال ) صفة له سبحانه لا لخلقه مع أن الظاهر أن
الخلق
يدل بحدوثه على قدم الواجب فهى أن الذى يدل الناس إلى الحق حقيقة هو الحق سبحانه
كما
في الدعاء المأثور ( وأنت دللتنى عليك ودعوتنى إليك ) ويدل على ذلك روايات كثيرة و
أدعية ماثورة ووجوه عقلية يضيق المجال عن ذكرها .
( 1 ) يعنى أن الزمانيات تصحب الزمان مادامت موجودة لكن وجود الواجب غير مقارن
للزمان دائما ، لانه تعالى كان موجودا ولم يكن زمان فلما خلق الزمان صار مقارنا له
، وأما
الحكماء فينفون مقارنته سبحانه للزمان مطلقا ، لان الزمان أمر تدريجى لا يقارنه إلا
ما شأنه
الحركة والتغير وهو الجسم لا غير ، ودلالة كلامه عليه السلام على مقالتهم لاغبار
عليه .
[ 33 ]
( إذا لتفاوتت داته ) أي حصل الاختلاف والتغير في ذاته ( ولتجزأكنهه )
أي كانت حقيقته ذات أجزاء وأبعاض ، لان الحركة والسكون مستلزمان للتحيز
المستلزم للجسمية ، أو لكان فيه ما به بالقوة وما به بالفعل ( ولا متنع من الازل
معناه ) أي ذاته المقصودة من أسمائه الحسنى ، والامتناع من الازل للجسمية وحدوث
ما لا ينفك عن الحركة والسكون ( لا بصوت يقرع ) أي يقرع الاسماع ، والقرع
الدق ، وفي بعض النسخ على بناء المجهول أي يحصل من قرع شئ .
( ومثله ) أي أقامه ، وقيل : البارئ تعالى مثل القرآن لجبرئيل عليه السلام
بالكتابة في اللوح ، ويقال ( مثلته بين يدي ) أي أحضرته ، فلما كان الله تعالى
فعل القرآن واضحا بينا كأن قد مثله للمكلفين انتهى والظاهر أن المراد أن
قوله ( كن فيكون ) ليس المراد به الكلام الحقيقي الذي له صوت بل كناية عن
تعلق الارادة وتمثيل لحول الاشياء بمحض إرادته بلا تأخر ولا توقف على أمر .
( ولو كان قديما لكان إلها ثانيا ) هذا صريح في أن الامكان لا يجامع القدم
وأن الايجاد إنما يكون لما هو مسبوق بالعدم ( 1 ) ، فالقول بتعدد القدماء مع القول
بإمكان بعضها قول بالنقيضين ( فتجري ) على المعلوم ( 2 ) وفي بعض النسخ على المجهول
.
( عليه الصفات المحدثات ) في أكثر النسخ ( الصفات ) معرفة باللام ، فالمحدثات صفة
له
وفي بعضها بدون اللام على الاضافة وهو أنسب ، أي لو كان محدثا لجرت عليه صفات
الاجسام المحدثة فلم يكن بينه وبينها فرق .
و ( الفصل ) القطع ، والحاجز بين الشيئين ، و ( المبتدع ) في بعض النسخ على
صيغة الفاعل ، وفي بعضها على صيغة المفعول ، فعلى الاول ( البديع ) بمعنى المبدع
على بناء المفعول ، وعلى الثاني بمعنى ( المبدع ) على بناء الفاعل .
( على غير مثال خلا ) أي مضى وسبق ( من غير اشتغال ) أي لم يشغله إمساكها
* ( هامش ) * ( 1 ) كلامه عليه السلام صريح في أن القدم يلازم الالوهية ولا يجامع
الامكان ، لكنه ليس
بصريح في أن المراد به القدم الزمانى فان كانت هناك قرينة عقلية وجب حمله على القدم
الذاتى .
( 2 ) يعنى أن لفظة ( تجرى ) في كلامه على صيغة المعلوم أى المبنى للفاعل .
[ 34 ]
عن غيره من الامور ( وأرساها ) أي أثبتها ( على غير قرار ) أي مقر يتمكن عليه بل
قامت بأمره لا على شئ ( بغير قوائم ) أي لا كدابة تقوم بقوائمها . و ( الدعامة )
بالكسر : عماد البيت الذي يقوم عليه . وحصنه تحصينا أي جعله منيعا . و ( الاود )
بالتحريك : الاعوجاج ، والعطف للتفسير . و ( التهافت ) التساقط قطعة قطعة ( أوتادها
)
أي جبالها التي هي للارض بمنزلة الاوتاد ( وضرب أسدادها ) السد بالفتح و
بالضم الجبل والحاجز بين الشيئين ، وقيل : بالضم ما كان مخلوقا لله تعالى وبالفتح
ما كان من فعلنا . وضرب الاسداد نصبها ، يقال : ضربت الخيمة أي نصبتها ، أو تعيينها
كضرب الخراج ، ولعل المعنى خلق الجبال فيها والانهار التي هي كالحدود لها
ليتميز بعضها عن بعض على حسب اقتضاء الحكمة الكاملة . وقال الجوهري : السد
أيضا واحد السدود وهي السحائب السود ، عن أبي زيد .
( واستقاض عيونها ) أي جعلها فائضة جارية ( وخد أوديتها ) أي شقها ومنه
( الاخدود ) أي الحفرات المستطيلة في الارض ( حتى يصير موجودها كمفقودها )
لعل المراد بالمفقود ما لم يوجد أصلا أي حتى يصير كأن لم يكن ، ويحتمل أن
تكون الكاف زائدة . وقوله عليه السلام ( كما كان قبل ابتدائها ) إلى آخر الكلام
صريح
في حدوث ما سوى الله تعالى ، وظاهره نفي الزمان أيضا قبل العالم ، وعدم زمانيته
سبحانه إلى أن يحمل على الازمنة المعينة من الليالي والايام والشهور والسنين و
يدل على فناء جميع أجزاء الدنيا بعد الوجود . وهذا أيضا ينافي القدم لانهم أطبقوا
علم أن ما ثبت قدمه امتنع عدمه ، وأقاموا عليه البراهين العقلية .
( لم يتكاده ) في أكثر النسخ على صيغة التفاعل ( 1 ) وفي بعضها على صيغة
النفعل ( 2 ) ، وكلاهما بمعنى نفي المشقة . وفي بعض النسخ ( لم يتكاره ) على صيغة
التفاعل من الكره ، يقال : فعل الامر على تكره وتكاره أي على تسخط وعدم
الرضا به . والغرض أنه سبحانه لم يكن مجبورا مكرها في خلق الاشياء .
* ( هامش ) * ( 1 ) أى بالالف وتشديد الدال .
( 2 ) أى بالهمزة المشددة وتخفيف الدال .
[ 35 ]
وآده الامر يؤده : أثقله و ( برأه ) أي خلقه ، و ( تشديد السلطان ) إحكام
السلطنة وحفظها عن تطرق الخلل فيها ، و ( الند ) بالكسر : المثل ، قالوا : ولا
يكون الند إلا مخالفا . و ( المكاثرة ) المغالبة بالكثرة ، و ( الضد ) بالكسر :
النظير
والكفو ، وقيل ، مثل الشئ وخلافه ، وهو من الاضداد . ( والثور ) بالفتح :
الهيجان والوثب ، وثاوره أي واثبه ، و ( الشرك ) بالكسر الاسم من شركته كعلمت
في البيع والميراث شركة . وفي النسخ ( في شركة ) بالتاء موضع الضمير . ( والاستئناس
)
اتخاذ الانيس ضد الاستيحاش ، ( والسأم ) بالتحريك الملال ، و ( التصريف )
التغيير وتحويل الشئ من حال إلى حال ومن وجه إلى وجه ، ( والثقل ) بالكسر
كما في بعض النسخ وكعنب كما في بعضها : ضد الخفة . و ( لم يمله ) على صيغة
الافعال أي لم يجعله سئما ، وفي بعض النسخ ( ولا يمله ) . وذكر السرعة لان
الافناء لا يستدعي زمانا طويلا إذا كان عن قدرة كاملة ، أو لانه إذا كان عن ملالة
من البقاء يكون بسرعة .
و ( أتقنها ) أحكمها ، و ( الالتماس ) الطلب ، والمراد طلب علم مجهول . و
( الضعة ) بالفتح كما في النسخ وبالكسر : انحطاط الدرجة ضد الرفعة ، والضمير
في قوله عليه السلام ( يعيدها ) راجع إلى الدنيا كالضمائر السابقة ، وجوز بعض شارحي
النهج عودها إلى ( الامور ) في قوله عليه السلام ( إليه مصير جميع الامور ) وعلى أي
حال ظاهره انعدام جميع المخلوقات حتى الارواح والملائكة ثم عودها فيدل على
جواز إعادة المعدوم وقد سبق الكلام فيه في المجلد الثالث .
7 التوحيد والعيون : عن محمد بن علي ما جيلويه عن عمه محمد بن أبي القاسم
عن أبي سمينة ( 1 ) عن محمد بن عبدالله الخراساني عن الرضا عليه السلام قال : هو
أين
* ( هامش ) * ( 1 ) هو محمد بن على الصيرفى الكوفى ضعيف مرمى بالكذب وفساد الاعتقاد
، والظاهر
اتحاده مع محمد بن على بن إبراهيم بن موسى أبى جعفر القرشى ومحمد بن على بن إبراهيم
الكوفى كما يؤيده تتبع الاسانيد ، وإن كان تكرار العنوان في كتب الرجال ربما يوهم
التعدد .
[ 36 ]
الاين ، كان ولا أين ، وهو كيف الكيف ، كان ولا كيف ( 1 ) ( الخبر ) .
8 الاحتجاج : عن صفوان بن يحيى قال : سألني أبوقرة المحدث أن ادخله
إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام فاستأذنته فأذن له ، فدخل وسأله عن مسائل ، فكان
فيما سأله : أخبرني جعلني الله فداك عن كلام الله لموسى وساق الكلام إلى أن
قال : فما تقول في الكتب ، فقال : التوراة والانجيل والزبور والفرقان وكل
كتاب انزل كان كلام الله أنزله للعالمين نورا وهدى ، وهي كلها محدثة ، وهي غير
الله . فقال أبوقرة : فهل يفنى ؟ فقال أبوالحسن عليه السلام : أجمع المسلمون على أن
ما
سوى الله فان ، وما سوى الله فعل الله ، والتوراة والانجيل والزبور والفرقان
فعل الله ، ألم تسمع الناس يقولون : رب القرآن ، وإن القرآن يقول يوم القيامة :
يا رب هذا فلان وهو أعرف به قد أظمأت نهاره وأسهرت ليله فشفعني فيه ؟ و
كذلك التوراة والانجيل والزبور كلها محدثة مربوبة أحدثها من ليس كمثله شئ
هدى لقوم يعقلون ، فمن زعم أنهن لم يزلن فقد أظهر أن الله ليس بأول قديم ولا
واحد ، وأن الكلام لم يزل معه وليس له بدء وليس بإله ( 2 ) .
بيان : ( وليس له بدء ) أي ليس للكلام علة ، لان القديم لا يكون مصنوعا
( وليس بإله ) أي والحال أنه ليس بإله فكيف لم يحتج إلى الصانع ؟ أو الصانع
يلزم أن لا يكون إلها لوجود الشريك معه في القدم . وفي بعض النسخ ( وليس بإله
له ) أي يلزم أن لا يكون الله إلها للكلام لكونه معه دائما .
9 المهج : بإسناده ، عن أحمد بن محمد بن غالب ، عن عبدالله بن أبي حبيبة
وخليل بن سالم ، عن الحارث بن عمير ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه ، عن أميرالمؤمنين
عليهم السلام قال : علمني رسول الله صلى الله عليه وآله هذا الدعاء ، وذكر له فضلا
كثيرا :
الحمد لله الذي لا إله إلا هو الملك الحق المبين ، المدبر بلا وزير ، ولا خلق من
عباده
يستشير ، الاول غير مصروف ، والباقي بعد فناء الخلق ، العظيم الربوبية ، نور
* ( هامش ) * ( 1 ) العيون : ص 131 ، ح 28 ، التوحيد ، ص 178 ، ح 3 .
( 2 ) الاحتجاج ، ص 220 ، احتجاج أبى الحسن الرضا عليه السلام ابا قرة المحدث .
[ 37 ]
السماوات والارضين ، وفاطرهما ومبتدعهما ، بغير عمد خلقهما ، فاستقرت الارضون
بأوتادها فوق الماء ، ثم علا ربنا في السماوات العلى ، الرحمن على العرش استوى
له ما في السماوات وما في الارض ، وما بينهما وما تحت الثرى إلى قوله أنت
الله لا إله إلا أنت ، كنت إذ لم تكن سماء مبنية ، ولا أرض مدحية ، ولا شمس مضيئة
ولا ليل مظلم ، ولا نهار مضيئ ، ولا بحر لجي ، ولا جبل راس ، ولا نجم سار ، ولا
قمر منير ، ولا ريح تهب ، ولا سحاب يسكب ، ولا برق يلمع ، ولا روح تتنفس
ولا طائر يطير ، ولا نار تتوقد ، ولا ماء يطرد ، كنت قبل كل شئ ، وكونت كل
شئ ، وابتدعت كل شئ ( إلى آخر الدعاء ) .
10 ومنه : بأسانيد ذكرها إلى ابن عباس وعبدالله بن جعفر ، عن
أميرالمؤمنين عليه السلام في الدعاء اليماني المعروف : وأنت الجبار القدوس الذي لم
تزل أزليا دائما في الغيوب وحدك ، ليس فيها غيرك ، ولم يكن لها سواك .
11 ومنه : في دعاء علمه جبرئيل النبي صلى الله عليهما : الاول والآخر
والكائن قبل كل شئ ، والمكون لكل شئ ، والكائن بعد فناء كل شئ .
12 التوحيد : عن محمد بن الحسن ( 1 ) عن محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد
ابن عيسى ( 2 ) عن سليمان الجعفري ، قال : قال الرضا عليه السلام : المشية من صفات
الافعال ، فمن زعم أن الله لم يزل مريدا شائيا فليس بموحد ( 3 ) .
بيان : لعل الشرك باعتبار أنه إذا كانت الاراده والمشية أزليتين فالمراد و
المشيئ أيضا يكونان أزليين ، ولا يعقل التأثير في القديم ، فيكون إلها ثانيا كما مر
مرارا ، أو إنهما لما لم يكونا عين الذات ، فكونهما دائما معه سبحانه ، يوجب إلهين
* ( هامش ) * ( 1 ) هو محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد أبوجعفر المتوفى سنة 343
شيخ القميين
وفقيههم ثقة جليل القدر عظيم المنزلة .
( 2 ) في المصدر : محمد بن عيسى بن عبيد .
( 3 ) التوحيد ، باب صفات الافعال ، ص 93 .
[ 38 ]
آخرين بتقريب ما مر ( 1 ) . ويؤيد الاول ما رواه في التوحيد أيضا عن عاصم بن
حميد ، عن أبي عبدالله قال : قلت له : لم يزل الله مريدا ؟ فقال : إن المريد لا
يكون إلا لمراد معه ، بل لم يزل عالما قادرا ثم أراد .
13 التوحيد : بإسناده عن سلمان ، قال : سأل الجاثليق أميرالمؤمنين عليه السلام
أخبرني عن الرب أفي الدنيا هو أو في الآخرة ؟ قال علي عليه السلام : لم يزل ربنا
قبل
الدنيا ( 2 ) هو مدبر الدنيا وعالم بالآخرة ( 3 ) .
14 وبإسناده عن أبي عبدالله عليه السلام قال : الحمد لله الذي كان قبل أن يكون
كان ، لم يوجد لوصفه كان ، ثم قال : كان إذ لم يكن شئ ولم ينطق فيه ناطق فكان
إذ لا كان ( 4 ) .
15 النهج : من خطبة له عليه السلام : وكان من اقتدار جبروته وبديع لطائف
صنعته أن جعل من ماء البحر الزاخر المتراكم المتقاصف يبسا جامدا ، ثم فطر منه
أطباقا ففقتها سبع سماوات بعد ارتتاقها ، فاستمسكت بأمره ، وقامت على حده
يحملها ( 5 ) الاخضر المثعنجر ، والقمقام المسخر ، قد ذل لامره ، وأذعن لهيبته
ووقف الجاري منه لخشيته ، وجبل جلاميدها ونشوزمتونها وأطوادها فأرسيها
* ( هامش ) * ( 1 ) المشية والارادة من صفات الافعال كما نطقت به روايات كثيرة ،
والصفات الفعلية
ما ينتزع من نفس الافعال ولا يوصف الواجب تعالى بها من حيث ذاته من قطع النظر عن
الافعال
التى تصدر عنه ولا قبل صدورها . فليست أفعالا خارجية حتى تكون ممكنة لا استقلال لها
، ولا
صفات ذاتية حتى تكون عين ذات الواجب غير زائدة عليها بل هى عناوين انتزاعية فمن قال
بأزليتها ووجودها قبل تحقق الافعال لزمه القول يكونها موجودات حقيقية خارجية ، وحيث
إنها لا تكون ممكنة ولا عين ذات الواجب لزم كونها واجبات مستقلة ، كما تقول
الاشاعرة في
الصفات الذاتية فالقول بأزليتها يستلزم القول بتعدد الاله ، وذلك قوله عليه السلام
( فمن زعم
أن الله لم يزل مريدا شائيا فليس بموحد ) .
( 2 ) في المصدر : ولا يزال أبدا .
( 3 ) التوحيد : باب الرحمن على العرش استوى ، ص : 232 .
( 4 ) التوحيد : 28 . وسيأتى الحديث مسندا تحت الرقم 19 .
( 5 ) في المصدر : وأرسى أرضا يحملها .
[ 39 ]
في مراسيها ، وألزمها قرارتها ( 1 ) فمضت رؤسها في الهواء ، ورست اصولها في الماء
فأنهد جبالها عن سهولها ، وأساخ قواعدها في متون أقطارها ، ومواضع أنصابها
فأشهق قلالها ، وأطال أنشازها ، وجعلها للارض عمادا ، وأرزها فيها أوتادا . فسكنت
على حركتها ( 2 ) من أن تميد بأهلها أو تسيح بحملها ، أو تزول عن مواضعها ، فسبحان
من أمسكها بعد موجان مياهها ، وأجمدها بعد رطوبة أكنافها ، فجعلها لخلقه مهادا
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 50 من صفحه 39 سطر 6 إلى صفحه 47 سطر 6
وبسطها لهم فراشا ، فوق بحر لجي راكد لا يجري ، وقائم لا يسري ، تكركره
الرياح العواصف ، وتمخضه الغمام الذوارف ، إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ( 3 ) .
بيان : الاقتدار على الشئ القدرة على ، و ( الجبروت ) فعلوت من الجبر
وهو القهر ، و ( البديع ) بمعنى المبدع بالفتح ، و ( اللطيف ) الدقيق . وزخر البحر
كمنع أي تملا وارتفع ، و ( المتراكم ) المجتمع بعضه فوق بعض . وتقاصف البحر
تزاحمت أمواجه . وقال ابن أبي الحديد : اليبس بالتحريك المكان يكون رطبا ثم
يبس ، قال الله تعالى ( فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا ) واليبس بالسكون اليابس
خلقة ، يقال ( حطب يبس ) وهكذا يقول أهل اللغة وفيه كلام لان الحطب ليس
يابسا خلقة بل كان رطبا من قبل ، والاصوب أن يقال : لا تكون هذه اللفظة محركة
إلا في المكان خاصة ( انتهي ) والجامد ضد الذائب ، والمراد باليبس الجامد : الارض
و ( الفطر ) بالفتح : الخلق والانشاء ، و ( الاطباق ) بالفتح : جمع ( طبق )
بالتحريك
وهو غطاء كل شئ ، والطبق أيضا من كل شئ ما ساواه . وقوله عليه السلام ( ففتقها )
إشارة إلى قوله تعالى ( أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والارض كانتا رتقا
ففتقناهما ) وقد مرت الوجوه في تفسيرها ، وهذا مما يؤيد بعضها فتذكر . ويدل
على حدوث السماوات وكونها اولي ( 4 ) طبقات منفصلة في الحقيقة متصلة في الصورة
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : قراراتها .
( 2 ) في بعض النسخ : عن حركتها .
( 3 ) نهج البلاغة ، ج 1 ، 426 .
( 4 ) في بعض النسخ : أولا .
[ 40 ]
بعضها فوق بعض ، ففتقها وفرقها وباعد بعضها عن بعض ، فحصلت سبع سماوات
متميزات بينها أفضية للملائكة .
و ( الاستمساك ) الاحتباس والاعتصام ، والغرض عدم تفرقها كأن بعضها
معتصم ببعض ، وقيامها على حده كناية عن وقوفها على ما حده لها من المكان و
المقدار والشكل والهيئة والنهايات والطبائع وعدم خروجها عن تلك ، والضمير
في ( حده ) راجع إلى الله أو إلى اليبس .
وقال الكيدري : ( الاخضر ) الماء ، والعرب تصفه بالخضرة و ( المثعنجر )
على صيغة اسم الفاعل كما في النسخ : السائل من ماء أودمع ، وبفتح الجيم : وسط
البحر ، وليس في البحر ما يشبهه ذكره الفيروز آبادي . وقال الجزري في حديث
علي عليه السلام ( يحملها الاخضر المثعنجر ) هو أكثر موضع في البحر ماء ، والميم و
النون زائدتان ، ومنه حديث ابن عباس ( فإذا علمي بالقرآن في علم علي كالقرارة
في المثعنجر ) القرارة : الغدير الصغير .
و ( القمقام ) بالفتح كما في النسخ وقد يضم : البحر ، ويكون بمعنى السيد
والامر العظيم ، والعدد الكثير . و ( المسخر ) في بعض النسخ بالخاء المعجمة ، و
في بعضها بالجيم ، في القاموس : سجر النهر ملائه وتسجير الماء تفجيره . والضمير
في قوله عليه السلام ( منه ) راجع إلى ماء البحر ، أو إلى اليبس الجامد ، فيكون
الدخان
الذي خلق منه السماوات مرتفعا منه . وفي ( استمسكت ) إلى الاطباق ، أو إلى
ما يرجع إليه الضمير في يحملها وهو اليبس الجامد ( 1 ) والتأنيث لان المراد به
الارض .
و ( أذعن له ) أي خضع وانفاد ، و ( الجاري منه ) أي السائل بالطبع . فوقوفه
عدم جريانه طبعا بإرادته سبحانه ، أو السائل منه قبل إرادته وأمره بالجمود . ويحتمل
* ( هامش ) * ( 1 ) هذا إذا لم يكن لفظة الارض في الكلام ، وأما على نسخة المصدر (
وأرسى أرضأ
يحملها ) فلا شبهة في رجوع الضمير إلى الارض .
[ 41 ]
أن تكون الضمائر في ( ذل ) و ( أذعن ) و ( وقف ) راجعة إلى الاخضر أو القمقام
وهو أنسب بتذكير الضمير والجريان .
و ( جبل ) كنصر وضرب : أي خلق ، و ( الجلمد ) بالتفح و ( الجلمود ) بالضم :
الحجر العظيم الصلب ، و ( النشز ) بالفتح : المكان المرتفع والجمع ( نشوز ) بالضم .
والمتن : ما صلب من الارض وارتفع ، والطود بالفتح : الجبل أو العظيم منه ، و
الضمائر راجعة إلى الارض المعبر عنها باليبس الجامد ، و ( أرسيها ) أي أثبتها ( في
مراسيها ) أي في مواضعها المعينة بمقتضى الحكم الالهية ، و ( القرارة ) موضع القرار
و ( رست ) أي ثبتت ، وفي بعض النسخ ( رسبت ) يقال : رسب كنصر إذا ذهب إلى
أسفل وإذا ثبت ويقال : نهدثدي الجارية كمنع ونصر أي كعب وأشرف . والسهل
من الارض ضد الحزن ، وساخت قوائمه في الارض تسوخ وتسيخ أي دخلت فيها
وغابت ، وأساخها غيبها . وقواعد البيت أساسه . والقطر بالضم : الناحية ، أي
غيب قواعد الجبال في متون نواحي الارض ، وقيل : أي في جوانب أقطارها . و
( النصب ) بالفتح ويحرك : العلم المنصوب ، وبالضم وبضمتين : كل ما جعل علما
وكل ما عبد من دون الله . والمراد بالانصاب الجبال . وبمواضعها الامكنة الصالحة
للجبال بمقتضى الحكمة . و ( القلال ) بالكسر جمع ( قلة ) بالضم ، وهي أعلى الجبل
أو أعلى كل شئ ، و ( الشاهق ) المرتفع ، أي جعل قلالها مرتفعة ، وإطالة الانشاز
مؤكدة لها . والعماد بالكسر الخشبة التي تقوم عليها البيت والابنية الرفيعة ، و
الظاهر أن المراد بجعلها للارض عمادا ما يستفاد من الفقرة التالية ، وقيل : المراد
جعلها مواضع رفيعة في الارض . و ( أرز ) بتقديم المهملة كنصر وضرب وعلم أي
ثبت ، و ( أرز ) بتشديد المعجمة أي أثبت ، وفي أكثر النسخ بالتخفيف وفتح العين
وفي بعضها بالتشديد . قال في النهاية : في كلام علي عليه السلام ( أرزها فيها
أوتادا )
أي أثبتها ، إن كانت الزاي مخففة فهي من أرزت الشجرة تأرز إذا أثبت في الارض
وإن كانت مشددة فهي من ( أرزت الجرادة ) إذا أدخلت دنبها في الارض لتلقي
فيها بيضها ، ورززت الشئ في الارض رزا : أثبتته فيها ، وحينئذ تكون الهمزة زائدة
[ 42 ]
( انتهى ) وقيل : وروي آرز بالمد من قولهم شجرة آرزة أي ثابتة في الارض .
( فسكنت على حركتها ) أي حال حركتها التي هي من شأنها ، لانها محمولة
على سائل متموج كما قيل ، أو على أثر حركتها بتموج الماء ( من أن تميد ) أي
تتحرك وتضطرب ( أو تسيخ بحملها ) أي تغوص في الماء مع ما عليها . قال ابن أبي
الحديد : لو تحركت الارض فإما أن تتحرك على مركزها أولا ، والاول هو
المراد بقوله عليه السلام ( تميد بأهلها ) والثاني ينقسم إلى أن تنزل إلى تحت ، وهو
المراد
بقوله عليه السلام ( تسيخ بحملها ) وأن لا تنزل إلى تحت ، وهو المراد بقوله ( تزول
عن
مواضعها ) ( انتهى ) .
ويحتمل أن يراد بقوله عليه السلام ( تميهد بأهلها ) تحركها واضطرابها بدون
الغوص في الماء كما يكون عند الزلزلة ، وبسوخها بحملها حركتها على وجه يغوص
أهلها في الماء سواء كانت على المركز أم لا ، فتكون الباء للتعدية ، وبزوالها عن
مواضعها خراب قطعاتها بالرياح والسيول أو بتفرق القطعات وانفصال بعضها عن
0
بعض ، فإن الجبال كالعروق السارية فيها تضبطها عن التفرق كما سيأتي ، ويويده
إيراد المواضع بلفظ الجمع .
وصيغة ( فعلان ) بالتحريك في المصدر تدل على الاضطراب والتقلب والتنقل
كالميدان والنزوان والخفقان ، ولعل المراد بهذا الموجان ما كان غامرا للارض
أو أكثرها ، وإمساكها بخلق الجبال التي تقدم في الكلام . ورطوبة أكنافها أي
جوانبها لميدانها قبل خلق الجبال ، و ( المهاد ) بالكسر : الفراش ، والموضع يهيأ
للصبي ويوطأ ، و ( الفراش ) ما يبسط ، و ( اللجة ) بالضم : معظم الماء ، وركد
كنصر أي ثبت وسكن ، وسرى عرق الشجر كرمى أي دب تحت الارض .
وقال الجوهري : الكركرة تصريف الرياح ( 1 ) السحاب إذا جمعته بعد تفرق
وقال ( باتت تكركره الجنوب ) وأصله تكرره من التكرير ( 2 ) و كركرته عني
* ( هامش ) * ( 1 ) في الصحاح : الريح .
( 2 ) في الصحاح : وكركرت بالدجاجة : صحت بها وكركرته عنى . . .
[ 43 ]
أى دفعته ورددته .
و ( الرياح العواصف ) الشديدة الهبوب ، ومخض اللبن يمخضه مثلة أي أخذ
زبدة ، وفي النسخ الفتح والضم . و ( الغمام ) جمع ( غمامة ) وهي السحابة البيضاء
أو الاعم . وذرف الدمع كضرب أي سال ، وذرف عينه أي سال دمعها ، وذرف
العين دمعها أي أسالها . و ( من يخشى ) العلماء ، كما قال سبحانه ( إنما يخشى الله
من عباده العلماء ) ويحتمل أن يكون التخصيص لاجل أن عدم الخشية يوجب عدم
المبالاة بالعبر والالتفات إليها .
16 العلل : بإسناده عن معاذ بن جبل ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إن
الله
خلقني وعليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف
عام . قلت : فأين كنتم يا رسول الله ؟ قال : قدام العرش ، نسبح الله ونحمده و
نقدسه ونمجده . قلت : على أي مثال ؟ قال : أشباح نور ( 1 ) ( الخبر ) .
17 التوحيد والعيون : عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن عمرو الكاتب ، عن
محمد بن زياد القلزمي ، عن محمد بن أبي زياد الجدي ، عن محمد بن يحيى العلوي عن
الرضا عليه السلام في خطبته الطويلة قال : أول عبادة الله معرفته ، وأصل معرفة الله
توحيده
ونظام توحيد الله نفي الصفات عنه لشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق
وشهادة كل مخلوق أن له خالقا ليس بصفة ولا موصوف ، وشهادة كل صفة وموصوف
بالاقتران ، وشهادة الاقتران بالحدث ( 2 ) وشهادة الحدث ( 3 ) بالامتناع من الازل
الممتنع من الحدث ( 4 ) إلى قوله سبق الاوقات كونه ، والعدم وجوذه ، والابتداء
أزله إلى قوله ففرق بها بين قبل وبعد ، ليعلم أن لا قبل له ولا بعد إلى قوله مخبرة
بتوقيتها أن لا وقت لموقتها إلى قوله له معنى الربوبية إذ لا مربوب ، و
حقيقة الالهية إذ لا مألوه ، ومعنى العالم إذ ( 5 ) لا معلوم ، ومعنى الخالق إذ ( 6
)
* ( هامش ) * ( 1 ) علل الشرائع : ج 1 ، ص 198 وسيأتى ايضا تحت الرقم ( 133 ) .
( 2 و 3 و 4 ) في العيون : الحدوث .
( 5 ) في العيون : ولا معلوم .
( 6 ) في العيون : وليس .
[ 44 ]
لا مخلوق ، وتأويل السمع ولا مسموع ، ليس منذ خلق استحق معنى الخالق ( 1 )
ولا بإحداثه البرايا استفاد معنى البرائية ، كيف ؟ ولا تغيبه ( 2 ) مذ ، ولا تدنيه
قد ، وتحجبه لعل ، ولا يوقته ( 3 ) متى ، ولا تشمله حين ، ولا تقارنه ( 4 ) مع
إلى قوله فكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه ، وكلما يمكن فيه يمتنع من ( 5 )
صانعه ، لا تجري عليه الحركة والسكون ، وكيف يجري عليه ما هو أجراه أو
يعود إليه ( 6 ) ما هو ابتدأه ؟ إذا لتفاوتت ذاته ، ولتجزأكنهه ، ولامتنع من الازل
معناه إلى قوله ليس في محال القول حجة ، ولا في المسألة عنه جواب ، ولا في معناه
لله ( 7 ) تعظيم ، ولا في إبانته عن الخلق ضيم ، إلا بامتناع الازلي أن يثنى ، ولما
( 8 )
لابدء له أن يبدأ ( 9 ) ( إلى آخر الخطبة ) .
الاحتجاج : مرسلة ( 10 ) مثله .
مجالس ابن الشيخ : عن أبيه ، عن المفيد ، عن الحسن بن حمزة العلوى ، عن
محمد بن عبدالله الحيمري ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن مروك بن عبيد
* ( هامش ) * ( 1 ) قال المؤلف رحمه الله في بيان هذه الفقرة ( ج 4 ، ص 241 ) ما
هذا لفظه :
إذا الخالقية التى هى كماله هى القدرة على خلق كل ما علم أنه أصلح ، ونفس الخلق من
آثار
تلك الصفة الكمالية ولا يتوقف كماله عليه ( انتهى ) يعنى بذلك أن المراد بالخالقيه
ليس
التى من الصفات الفعلية بل التى من الصفات الكمالية الذاتية وهى القدرة على الخلق
لا عنوان
الخالق فتبصر وقس عليه البرائية وماضاهاها .
( 2 ) في العيون : ولا توقته .
( 3 ) في العيون : ولا تشمله .
( 4 ) في العيون : ولا تقاربه .
( 5 ) في العيون : في صانعه .
( 6 ) في العيون : فيه .
( 7 ) في بعض النسخ : له .
( 8 ) في التوحيد : ولا بداله أن يبدو وفي بعض النسخ ( وما لا بدء . ) وهو الاظهر .
( 9 ) التوحيد : ص 15 . العيون : ص 150 .
( 10 ) الاحتجاج : باب احتجاج الرضا عليه السلام ص 217 .
[ 45 ]
عن محمد بن زيد الطبري ، عن الرضا عليه السلام مثله .
مجالس المفيد : عن الحسن بن حمزة مثله .
بيان : قد مر شرح الخطبة في كتاب التوحيد ، وقد دلت على تنافي الحدوث
أي المعلولية والازلية ، وتأويل الازلية بوجوب الوجود مع بعده يجعل الكلام
خاليا عن الفائدة ، ودلالة سائر الفقرات ظاهرة كما فصلناه سابقا ، وظاهر أكثر
الفقرات نفي الزمانية عنه سبحانه ، وكذا قوله عليه السلام ( إلا بالامتناع الازلي
أن
يثنى ) يدل على امتناع تعدد القدماء ، وكذا الفقرة التالية لها .
18 التوحيد : عن محمد بن الحسن ، عن الصفار ، وسعد بن عبدالله ، عن
أحمد بن محمد بن عيسى ، والهيثم بن أبي مسروق ، ومحمد بن الحسين كلهم عن الحسن
ابن محبوب ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن إسحق بن غالب ، عن أبي عبدالله عن آبائه
عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض خطبة : الحمد لله الذي
كان في أزليته ( 1 )
وحدانيا إلى قوله ابتدأ ما ابتدع ، وأنشأ ما خلق ، على غير مثال كان سبق
لشئ مما خلق ، ربنا القديم بلف ربوبيته وبعلم خبره فتق ، وباحكام قدرته خلق
جميع ما خلق ( 2 ) ( الخبر ) .
19 ومنه : عن على بن أحمد الدقاق ، عن محمد بن أبي عبدالله الكوفي
عن موسى بن عمران ، عن الحسين بن يزيد ، عن إبراهيم بن الحكم ، عن عبدالله بن
جرير ، عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه كان يقول : الحمد لله الذي كان قبل أن
يكون
كان ، لم يوجد لوصفه كان ، بل كان أولا ( 3 ) كائنا ، لم يكونه مكون جل ثناؤه
بل كون الاشياء قبل كونها ، فكانت كما كونها ، علم ما كان وما هو كائن ، كان
إذ لم يكن شئ ، ولم ينطق فيه ناطق ، فكان إذ لا كان ( 4 ) .
* ( هامش ) * ( 1 ) في بعض النسخ : أوليته .
( 2 ) التوحيد : ص 20 .
( 3 ) في نسخة : أزلا .
( 4 ) التوحيد : ص 28 . وقد مرمقطعا تحت الرقم 14 .
[ 46 ]
20 ومنه : عن أبيه ، عن محمد ( 1 ) بن إدريس ، عن محمد بن أحمد ، عن سهل
ابن زياد ، عن أحمد بن بشر ( 2 ) عن محمد بن جمهور العمي ، عن محمد بن الفضيل ، عن
عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال : في الربوبية العظمى
والالهية
الكبرى لا يكون الشئ لامن شئ إلا الله ، ولا ينقل الشئ من جوهريته إلى جوهر
آخر إلا الله ولا ينقل الشئ من الوجود إلى العدم إلا الله ( 3 ) .
21 ومنه : عن محمد بن إبراهيم الطالقاني ، عن الحسن بن علي العدوي
عن الهيثم عبدالله الرماني ، عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال : خطب
أميرالمؤمنين عليه السلام
الناس في مسجد الكوفة فقال : الحمد لله الذي لا من شئ كان ، ولا من شئ كون
ما كان ( 4 ) مستشهد بحدوث الاشياء على أزليته ، وبفطورها على قدمته ( 5 ) ( الخطبة
) .
22 ومنه : عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن ابن
أبي عمير ، عن منصور بن حازم ( 6 ) قال : قلت : أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم
القيامة أليس كان في علم الله تعالى ؟ قال : فقال : بلى ، قبل أن يخلق السماوات و
الارض ( 7 ) .
23 ومنه : عن الحسين بن أحمد بن إدريس ، عن أبيه ، عن محمد بن أحمد الاشعري
عن علي بن إسماعيل وإبراهيم بن هاشم ، جميعا عن صفوان ، عن منصور بن حازم
قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام : هل يكون اليوم شئ لم يكن في علم الله عزوجل ؟
قال : لا ، بل كان في علمه قبل أن ينشئ السماوات والارض ( 8 ) .
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : أحمد بن إدريس ، وهو الصحيح .
( 2 ) كذا في نسخ الكتاب والصمدر ، لكن الظاهر أنه مصحف ( أحمد بن بشير ) لرواية
سهل بن زياد عنه .
( 3 ) التوحيد : ص 32 .
( 4 ) في المصدر : ماقد كان .
( 5 ) التوحيد : ص 33 .
( 5 ) التوحيد : ص 33 .
( 6 ) في المصدر : عن أبى عبدالله عليه السلام قال : قلت له .
( 7 ) التوحيد : 85 .
( 8 ) التوحيد : ص 85 .
[ 47 ]
24 ومنه : عن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب ، عن أحمد بن الفضل ، عن
منصور بن عبدالله ، عن علي بن عبدالله ، عن الحسين بن بشار ، عن أبي الحسن
الرضا عليه السلام ، قال : إن الله ( 1 ) العالم بالاشياء قبل كون الاشياء إلى قوله
فلم
يزل الله عزوجل علمه سابقا للاشياء ، قديما قبل أن يخلقها ، فتبارك ربنا وتعالى
علوا كبيرا ، خلق الاشياء وعلمه بها سابق لها كما شاء ، كذلك لم يزل ربنا عليما
سميعا بصيرا ( 2 ) .
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 50 من صفحه 47 سطر 7 إلى صفحه 55 سطر 7
25 وبهذا الاسناد عن علي بن عبدالله ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، قال :
سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الله تبارك وتعالى أكان يعلم المكان قبل أن يخلق
المكان
أم علمه عندما خلقه وبعد ما خلقه ؟ فقال : تعالى الله ، بل لم يزل عالما بالمكان
قبل
تكوينه كعلمه به بعد ما كونه ، وكذلك علمه بجميع الاشياء كعلمه بالمكان ( 3 ) .
26 ومنه : عن علي بن أحمد الدقاق ، عن محمد بن أبي عبدالله الكوفي ، عن
محمد بن إسماعيل البرمكي ، عن الفضل بن سليمان ، عن الحسين بن خالد ، قال :
قلت للرضا عليه السلام : إن قوما يقولون : إنه عزوجل لم يزل عالما بعلم ، وقادرا
بقدرة ، وحيا بحياة ، وقديما بقدم ، وسميعا بسمع ، وبصيرا ببصر فقال عليه السلام :
من قال ذلك ودان به فقد اتخذ مع الله آلهة اخرى ، وليس من ولايتنا على شئ ( 4 ) .
27 العيون والتوحيد : عن جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمي ، عن
الحسن بن محمد بن علي بن صدقة ، عن محمد بن عبدالعزيز الانصاري ، قال : حدثني
من سمع الحسن بن محمد النوفلي ( 5 ) قال : قال عمران الصابي للرضا عليه السلام :
أخبرني
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : إن الله تعالى هو العالم .
( 2 ) التوحيد : 86 .
( 3 ) التوحيد : ص 86 .
( 4 ) التوحيد : ص 88 .
( 5 ) هذا الاسم مشترك بين ( الحسن بن محمد بن سهل النوفلى ) الذى ضعفه النجاشى
وبين الحسن بن محمد بن الفضل بن يعقوب بن سعيد بن نوفل بن الحرث بن عبدالمطلب ،
[ 48 ]
عن الكائن الاول وعما خلق . قال عليه السلام : سألت فافهم ، أما الواحد فلم يزل
واحد
كائنا لا شئ معه بلا حدود ولا أعرض ، ولا يزال كذلك ، ثم خلق خلقا مبتدعا
مختلفا بأعراض وحدود مختلفة ، لافي شئ أقامه ، ولا في شئ حده ، ولا على شئ
حذاه ( 1 ) ومثله ( 2 ) له ، فجعل من بعد ذلك الخلق صفوة وغير صفوة ، واختلافا
وائتلافا ، وألوانا وذوقا وطعما ، لا لحاجة كانت منه إلى ذلك ، ولا لفضل منزلة
لم يبلغها إلا به ، ولا رأى لنفسه فيما خلق زيادة ولا نقصا ( 3 ) تعقل هذا يا عمران
؟
قال : نعم والله يا سيدي ، قال عليه السلام : واعلم يا عمران أنه لو كان خلق ما خلق
لحاجة لم يخلق إلا من يستعين به على حاجته ، ولكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما
خلق ، لان الاعوان كلما كثروا كان صاحبهم أقوى ، والحاجة يا عمران لا تسعها ( 4 )
لانه لم يحدث من الخلق شيئا إلا حدثت فيه ( 5 ) حاجة اخرى ، ولذلك أقول :
* ( هامش ) * الثقة الجليل ، وللعلامة البهبهانى كلام في تنقيح المقال ( ج 1 ص 308
) حاصله : أن الظاهر
اتحاد الحسن بن محمد بن الفضل النوفلى المذكور مع الحسين بن محمد بن الفضل النوفلى
و
أن الصحيح هو الحسن مكبرا والشاهد عليه تصريح النجاشى بأن الحسن بن محمد بن الفضل
روى عن الرضا عليه السلام نسخة وبأن الحسين بن محمد بن الفضل صنف مجالس الرضا عليه
السلام
مع أهل الاديان . وكذا الظاهر اتحاد الحسن بن محمد بن الفضل مع الحسن بن محمد بن
سهل
النوفلى وأن ( سهل ) مصحف ( سعيد ) أو اسم جده الاتى والشاهد عليه رواية الحسن بن
محمد
ابن جمهور العمى مجالس الرضا عليه السلام عنهما ( انتهى ) لكن يحتمل كون الحسين أخا
الحسن لعدم تصريح النجاشى بكون الحسن مصنف الكتاب بل قال ، روى عن الرضا عليه
السلام
نسخة وأما احتمال اتحاد الحسن بن محمد بن الفضل مع الحسن بن محمد بن سهل فقوى جدا
والظاهر أن الراوى عن الحسن بن محمد النوفلى في هذه الرواية هو الحسن بن محمد بن
جمهور العمى .
( 1 ) في بعض النسخ : حاذاه .
( 2 ) في التوحيد : مثله .
( 3 ) في التوحيد : ولا نقصانا .
( 4 ) في نسخة ، لا يسعها .
( 5 ) منه ( خ ل ) .
[ 49 ]
لم يخلق الخلق لحاجة ، ولكن نقل بالخلق بالحوائج بعضهم إلى بعض ، وفضل
بعضهم على بعض ، بلا حاجة منه إلى من فضل ، ولا نقمة منه على من أذل ، فلهذا
خلق ( 1 ) .
قال عمران : يا سيدي ، ألا تخبرني عن حدود خلقه كيف هي ؟ وما معانيها ؟
وعلى كم نوع تكون ؟ ( 2 ) قال : قد سألت فافهم ، إن حدود خلقه على ستة أنواع :
ملموس وموزون ومنظور إليه ، وما لا وزن له ، وما لا ذوق ( 3 ) له وهو الروح
ومنها منظور إليه وليس له وزن ولا لمس ولا حس ولا لون ( 4 ) والتقدير والاعراض
والصور والطول والعرض ، ومنها العمل والحركات التي تصنع ( 5 ) الاشياء وتعملها
وتغيرها من حال إلى حال وتزيدها وتنقصها . وأما الاعمال والحركات فإنها
تنطلق لانه ( 6 ) لا وقت لها أكثر من قدر ما يحتاج إليه ، فإذا فرغ من الشئ
انطلق بالحركة وبقي الاثر ويجري مجرى الكلام الذي يذهب ويبقى أثره .
قال له عمران : يا سيدي ، ألا تخبرني عن الخالق إذا كان واحدا لا شئ غيره ولا
شئ معه أليس قد تغير بخلقه الخلق ؟ قال [ له ] الرضا عليه السلام : لم يتغير عزوجل
بخلق الخلق ، ولكن الخلق يتغير بتغييره ( 7 ) .
قال عمران : يا سيدي ، ألا تخبرني عن الله عزوجل هل يوحد بحقيقة أو
يوحد بوصف ؟ قال عليه السلام : إن الله المبدأ الواحد الكائن الاول ، لم يزل واحدا
لا
شئ معه ، فردا لا ثاني معه ، لا معلوما ولا مجهولا ، ولا محكما ولا متشبها ، ولا
* ( هامش ) * ( 1 ) من هنا اسقط شطر من الحديث .
( 2 ) في المصدر : يتكون .
( 3 ) في نسخة ( لا لون له ) وهو الاظهر .
( 4 ) في التوحيد ، ولا لون ولا ذوق .
( 5 ) في نسخة : فيها الاشياء .
( 6 ) في التوحيد : لانها .
( 7 ) قه اسقط هنا أيضا شطر من الحديث .
[ 50 ]
مذكورا ولا منسيا ، ولا شيئا يقع عليه اسم شئ من الاشياء ( 1 ) ولا من وقت كان
ولا إلى وقت يكون ، ولا بشئ قام ، ولا إلى شئ يقوم ، ولا إلى شئ استند ، ولا
في شئ استكن ، وذلك كله قبل الخلق إذ لا شئ غيره ، وما أوقعت ( 2 ) عليه من
الكل فهي صفات محدثة ، وترجمة يفهم بها من فهم .
واعلم أن الابداع والمشية والارادة معناها واحد ، وأسماؤها ثلاثة ، وكان
أول إبداعه وإرادته ومشيته الحروف التي جعلها أصلا لكل شئ ، ودليلا على
كل مدرك ، وفاصلا لكل مشكل ، وبتلك الحروف تفريق ( 3 ) كل شئ من اسم
حق أو باطل ، أو فعل أو مفعول ، أو معنى أو غير معنى ، وعليها اجتمعت الامور
كلها ، ولم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى غير أنفسها بتناه ( 4 ) ولا وجود لها
لانها مبدعة بالابداع ، والنور في هذا الوضع ( 5 ) أول فعل الله الذي هو نور
السماوات
والارض ، والحروف هي المفعول بذلك الفعل ، وهي الحروف التي عليها الكلام
والعبارات كلها من الله عزوجل علمها خلقه ، وهي ثلاثة وثلاثون حرفا ، فمنها
ثمانيه وعشرون حرفا تدل على اللغات العربية ، ومن الثمانية والعشرين اثنان
وعشرون حرفا تدل على اللغات السريانية والعبرانية ومنها خمسة أحرف متحرفة
في سائر اللغات من العجم لاقاليم ( 6 ) اللغات كلها وهي خمسة أحرف تحرفت من
الثمانية والعشرين الحروف من اللغات ، فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفا ، فأما
الخمسة المختلفة فبحجج ( 7 ) لا يجوز ذكرها أكثر مما ذكرناه ، ثم جعل الحروف
* ( هامش ) * ( 1 ) في التوحيد : من الاشياء غيره .
( 2 ) في التوحيد : وما اوقع عليه من المثل .
( 3 ) في نسخة ، تفرق .
( 4 ) في المصدرين : يتناهى .
( 5 ) في بعض النسخ وكذا في التوحيد ( الموضع ) .
( 6 ) في العيون : والاقاليم واللغات ،
( 7 ) النسخ ههنا في غاية الاختلاف وسيأتى الاشارة إليه من العلامة المؤلف رحمه
الله .
[ 51 ]
بعد إحصائها وإحكام عدتها فعلا منه كقوله عزوجل ( كن فيكون ) و ( كن )
منه صنع وما يكون به المصنوع ، فالخلق الاول من الله عزوجل : الابداع ، لا
وزن له ولا حركة ولا سمع ولا لون ولا حس ، والخلق الثاني : الحروف ، لا وزن
لها ولا لون وهي مسموعة موصوفة ( 1 ) غيرمنظورإليها والخلق الثالث : ما كان من
الانواع كلها محسوسا ملموسا ذاذوق منظورا إليه ، والله تبارك وتعالى سابق للابداع
لانه ليس قبله عزوجل شئ ، ولا كأن معه شئ ، والابداع سابق للحروف
والحروف لا تدل على غير أنفسها ( 2 ) .
قال المأمون : وكيف لا تدل على غير أنفسها ( 3 ) ؟ قال الرضا عليه السلام : لان
الله عزوجل لا يجمع منها شيئا لغير معنى أبدا ، فإذا ألف منها أحرفا أربعة أو خمسة
أو ستة أو أكثر من ذلك أو أقل لم يؤلفها لغير ( 4 ) معنى ، ولم يك ( 5 ) إلا لمعنى
محدث لم يكن قبل ذلك شيئا .
قال عمران : فكيف لنا معرفة ذلك ؟ قال الرضا عليه السلام : أما المعرفة فوجه ذلك
وبيانه ( 6 ) أنك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير نفسها ، ذكرتها فردا فقلت : ا ،
ب ، ت ، ث ، ج ، ح ، خ ، حتى تأتي على آخرها فلم تجدلها معنى غير أنفسها
فإذا ألفتها وجمعت منها أحرفا وجعلتها اسما وصفة لمعنى ما طلبت ووجه ما عنيت
كانت دليلة على معانيها ، داعية إلى الموصوف بها ، أفهمته ؟ قال : نعم ، ثم قال :
يا
سيدي ، ألا تخبرني عن الابداع أخلق هو أم غير خلق ؟ قال الرضا عليه السلام : بل خلق
ساكن لا يدرك بالسكون ، وإنما صار خلقا لانه شئ محدث والله الذي أحدثه ، فصار
* ( هامش ) * ( 1 ) في التوحيد : موضوعة .
( 2 و 3 ) نفسها ( خ ل ) .
( 4 ) في العيون : بغير .
( 5 ) في بعض النسخ : ولم تكن .
( 6 ) في بعض النسخ : بابه .
[ 52 ]
خلقا له ، وإنما هو الله عزجل وخلقه لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما ، فما خلق
الله عزوجل لم يعد أن يكون خلقه ، وقد يكون الخلق ساكنا ومتحركا ومختلفا
ومؤتلفا ومعلوما ومتشابها ، وكل ما وقع عليه حد فهو خلق الله عزوجل .
واعلم أن كل ما أوجدتك الحواس فهو معنى مدرك للحواس ، وكل حاسة
تدل على ما جعل ( 1 ) الله عزوجل لها في إدراكها ، والفهم من القلب بجميع ذلك
كله واعلم أن الواحد الذي هو قائم بغير تقدير ولا تحديد خلق خلقا مقدرا
بتحديد وتقدير ، وكان الذي خلق خلقين اثنين التقدير والمقدر وليس في ( 2 ) واحد
منهما لون ولا وزن ولا ذوق فجعل أحدهما يدرك بالآخر وجعلهما مدركين بنفسهما
ولم يخلق شيئا فردا قائما بنفسه دون غيره للذي أراد من الدلالة على نفسه وإثبات
وجوده ، فالله تبارك وتعالى فرد واحد لا ثاني معه يقيمه ، ولا يعضده ولا يكنه ( 3 )
والخلق يمسك بعضه بعضا بإذن الله ومشيته ، وإنما اختلف الناس في هذا الباب حتى
تاهوا وتحيروا ، وطلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة في وصهم الله بصفة أنفسهم
فازدادوا من الحق بعدا ، ولو وصفوا الله عزوجل بصفاته ووصفوا المخلوقين
بصفاتهم لقالوا بالفهم واليقين ، ولما اختلفوا ، فلما طلبوا من ذلك ما تحيروا فيه
ارتبكوا والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ( 4 ) ( تمام الخبر ) .
بيان : ( لا في شئ أقامه ( 5 ) ) أي في مادة قديمة كما زعمته الفلاسفة ، و ( مثله
* ( هامش ) * ( 1 ) في بعض النسخ : خلق .
( 2 ) في العيون : في كل واحد .
( 3 ) في التوحيد : ولا يمسكه .
( 4 ) التوحيد : ص 318 . العيون ، ج 1 ، ص 169 .
( 5 ) ظاهر كلامه عليه السلام أن الله تعالى حين خلق المخلوق الاول لم يقمه في شئ
أى لم يجعله في مكان ولا موضوع ولا محل ، لانه لم يكن عندئذ شئ آخر حتى يقوم فيه ،
ويلزم
من ذلك أن لا يكون المخلوق الاول أمرا ماديا ، وإلالاحتاج إلى مكان أول محل لا
محالة . و
أما حديث قدم المادة فقد مرمنا أنها ليست أمرا متحصلا حتى يقال : هل هى قديمة أو
حادثة
زمانا ؟ وتحصلها إنما يكون بالصور ، والصور الجسمانية حادثة زمانا عند الكل الا
الصور
الفلكية ، فانها على فرض وجودها غير حادثة زمانا عند بعض الفلاسفة فتدبر .
[ 53 ]
له ) أي مثل أولا ذلك الشئ للشئ الكائن ثم خلق الكائن على حذوه كما هو شأن
المخلوقين ، ويحتمل أن يكون ضمير ( له ) راجعا إلى الصانع تعالى ، ( والحاجة
يا عمران لا يسعها ) أي لا يسع خلق الحاجة ولا يدفعها ، لان كل من خلق لو كان
على وجه الاحتياج لكان يحتاج لحفظه وتربيته ورزقه ودفع الشرور عنه إلى أضعافه
وهكذا . ( على ستة أنواع ) لعل الاول ما يكون ملموسا وموزونا ومنظورا إليه
والثانى ما لاتكون له تلك الاوصاف كالروح ، وإنما عبر عنه بما لا ذوق له
اكتفاء ببعض صفاته ، وفي بعض النسخ ( وما لا لون له ) وهو الروح وهو أظهر
للمقابلة ، والثالث ما يكون منظورا إليه ولا يكون ملموسا ولا محسوسا ولا موزونا
ولا لون له كالهواء والسماء ، فالمراد بكونه منظورا إليه أنه يظهر للنظر بآثاره ،
وقد
يرى ولا لون له بالذات ، أو يراد به الجن والملك وأشباههما ، والظاهر أن قوله
( ولا لون ) زيد من النساخ . والرابع التقدير ، ويدخل فيه الصور والطول والعرض
والخامس الاعراض القارة المدركة بالحواس كاللون والضوء وهو الذي عبر
عنه بالاعراض والسادس الاعراض غير القارة كالاعمال والحركات [ التي ] تذهب
هي وتبقى آثارها . ويمكن تصوير التقسيم بوجوه اخر تركناها لمن تفكر فيه .
( هل يوحد بحقيقة ) بالحاء المهملة المشددة ، أي هل يتأتى توحيده مع
تعقل كنه حقيقته ، أو إنما ( 1 ) يوحد مع تعقله بوجه من وجوهه وصفة من صفاته
وفي بعض النسخ بالجيم من الوجدان ، أي يعرف وهو أظهر ؟ فأجاب عليه السلام بأنه
سبحانه يعرف بالوجوه التي هي محدثة في أذهاننا ، وهي مغائرة لحقيقته تعالى ، وما
ذكره أولا لبيان أنه قديم أزلي ، والقديم يخالف المحدثات في الحقيقة ، وكل
شئ غيره فهو حادث . وقوله عليه السلام ( لا معلوما ) تفصيل وتعميم للثاني ، أي ليس
معه غيره : لا معلوم ولا مجهول . والمراد بالمحكم ما يعلم حقيقته وبالمتشابه ضده
ويحتمل أن يكون إشارة إلى نفي قول من قال بقدم القرآن ، فإن المحكم والمتشابه
* ( هامش ) * ( 1 ) في بعض النسخ : وإنما .
[ 54 ]
يطلق ( 1 ) على آياته . ( ولم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى ) أي إنما خلق
الحروف المفردة التي ليس لها موضوع غير أنفسها ، ولم يجعل لها وضعا ولا معنى
ينتهي إليه ويوجد ويعرف بذلك الحرف ، ويحتمل أن يكون المراد بالمعنى الصفة
أي أول ما خلقها كان غير موصوف بمعنى وصفة ينتهي إليها ويوجد ، لانها كانت
مبدعة بمحض الابداع ولم يكن هناك شئ غير الابداع والحروف حتى يكون
معنى للحروف أو صفة لها ، والمراد بالنور الوجود ، إذ به تظهر الاشياء كما تظهر
الموجودات للحس بالنور ، والابداع هو الايجاد ، وبالايجاد تصير الاشياء موجودة
فالابداع هو التأثير ، والحروف هي الاثر موجودة بالتأثير ، وبعبارة اخرى :
الحروف محل التأثير ، وعبر عنه بالمفعول والفعل ، والاثر هو الوجود .
( فأما الخمسة المختلفة فبحجج ) كذا في أكثر النسخ ، أي إنما حدثت بأسباب
وعلل من انحراف لهجات الخلق ، واختلاف منطقهم ، لا ينبغي ذكرها . وفي بعضها
( فبحح ) بالحائين من ( البحة ) وهي الغلظة في الصوت ، والاظهر أنه عليه السلام ذكر
تلك الحروف فاشتبه على الرواة وصحفوها ، فالخمسة : ( الكاف ) في قولهم ( بكو )
أي تكلم ، و ( الجيم ) المنقوطة بثلاث نقاط كما في قولهم ( جه ميكوئى ؟ ) و ( الزاء
)
في قولهم ( زاله ) و ( الباء ) في قولهم ( بياده ) و ( بياله ) والتاء الهندية . ثم
ركب
الحروف وأوجد الاشياء ( 2 ) وجعلها فعلا منه ، كما قال ( إنما أمره إذا أراد شيئا
أن يقول له كن فيكون ) فكن صنع وإيجاد للاشياء ، وما يوجد به هو المصنوع
فأول صادر عنه تعالى هو الايجاد ، وهو معنى لا وزن له ولا حركة ، وليس بمسموع
ولا ملون ولا محسوس ، والخلق الثاني يعنى الحروف غير موزون ولا ملون لكنها
مسموعة موصوفة ولا يمكن إبصارها والخلق الثالث وما هو وجد بهذه الحروف من
السماوات والارضين وغيرهما هي محسوسة ملموسة مذوقة مبصرة فالله مقدم بوجوده
* ( هامش ) * ( 1 ) في بعض النسخ ، يطلقان .
( 2 ) في نسخة : بها الاشياء .
[ 55 ]
على الابداع الذي هو الخلق الاول ، لانه ليس شئ قبله حتى يسبقه أيضا إبداع
ولا كان شئ دائما معه ، والابداع متقدم على الحروف لوجودها به ، ومعنى كون
الحروف غير دالة على معنى غير نفسها هو أن الحروف المفردة إنما وضعت للتركيب
وليس لها معنى تدل عليه إلا بعد التركيب .
قوله عليه السلام ( بل خلق ساكن ) أي نسبة وإضافة بين العلة والمعلول ، فكأنه
ساكن فيهما ، أو عرض قائم بمحل لا يمكنه مفارقته . وقوله ( لا يدركه بالسكون )
أي أمر إضافي اعتباري ينتزعة العقل ، ولا يشار إليه في الخارج ولا يدرك بالحواس
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 50 من صفحه 55 سطر 8 إلى صفحه 63 سطر 8
وإن كان ما يتعلق به من المحسوسات . وإنما قلنا إنه خلق ، لان هذه النسبة
والتأثير غيره تعالى وهو محدث ، ولا يمكن نفي الوجود عنه رأسا لانه شئ حادث
بعد أن لم يكن ، فله خروج عن كتم العدم ودخول في نحو من أنحاء الوجود وكل
محدث معلول ، فلا يتوهم أنه خلق يحتاج إلى تأثير آخر وهكذا حتى يلزم
التسلسل ، بل ليس في الحقيقة إلا الرب ومخلوقه الذي أوجده ، والايجاد معنى
صار سببا لوجود المعلول بتأثيره تعالى ، فكل شئ خلقه الله لم يعد ولم يتجاوز
أن يصدق عليه أن الله خلقه ، فهذا هو معنى الابداع لا غير ، وهذا المعنى يقع عليه
حد ، وكل ما يقع عليه حد فهو خلق الله ، أو يقال : أشار بقوله ( والله الذي
أحدثه ) إلى رفع توهم أنه مع كونه موجودا حادثا لا يجوز أن يستند إليه تعالى
لانه حينئذ يجب أن يتعلق به إبداع آخر وهكذا إلى غير النهاية ، واستناد كل
من هذه السلسلة موقوف على استناد سابقه فلا يحصل إلا بعد تحقق الامور الغير
المتناهية وهو محال ، فكذا الموقوف عليه ، فأثبت عليه السلام أولا استناده إليه
تعالى من
جهة أن الحادث بتبعية حادث آخر في مرتبته من محدث لا يتصور أن يكون مستندا
إلى غيره ، ثم أيده ثانيا بنفي ثالث بينهما صالح لان يستند إليه كما هو المفروض
ثم أكده ثالثا بنفي ثالث صالح لذلك مطلقا بناء على أن الكلام في مطلق الابداع
ومن أفراده الابداع الاول الذي لا يتصور تقدم شئ عليه سوى الله تعالى ، فسائر
[ 56 ]
أفراده كذلك ، لعدم الفرق ضرورة . ثم أوثقه رابعا بدفع توهم بعيد هو أن يكون
مستندا إليه ولا يكون مخلوقا له ، بالاشارة إلى أن الاستناد وكل ما يعبر به
عن هذا المعنى يرجع إلى معنى الخلق ، فلا يمكن أن يكون خلقه فتجاوز عن كونه
مخلوقا له ، ثم أحكمه خامسا بدفع شبهة لزوم التسلسل بالفرق بين حقائق
الموجودات ، وتفاوت مراتبها في المقتضيات ، وعدم جواز قياس بعضها على بعض في
جميع الحالات ، ليسهل به التصديق بجواز أن يكون حكم الموجودات الرابطية
مخالفا لحكم الموجودات الحقيقية ، فلا يلزم من ثبوت إبداع لها ثبوته للرابطية
أيضا كما اشتهر أن الارادة ليس لها إرادة اخرى فلا يلزم التسلسل . ويمكن أن
يحمل على الاشارة إلى دفع مثل هذا التسلسل باعتبار الفرق المذكور ما روي في
الكافي عن أبي عبدالله عليه السلام قال : خلق الله المشية بنفسها ، ثم خلق الاشياء
بالمشية ( 1 )
ثم أفاد عليه السلام سادسا ضابطة وعلامة لمعرفة خلقه تعالى تتميما للمقصود وتأكيدا
لصحته بأن كل ما لوجوده حد لم يكن قبله موجودا ، فلابد له من أن يكون
مخلوقا له تعالى لثبوت الامكان ولزوم الاحتياج .
قوله عليه السلام ( وكان الذي خلق خلقين اثنين ) لعله إشارة إلى الخلق الاول
وهي الحروف ، ففي خلقتها يخلق شيئان : حرف ، وتحديد وتقدير قائم به ، وليس
شئ من الحروف و العرض القائم به ذالون ووزن وذوق ، وجعل أحدهما يدرك
بالآخر ، أي الحروف تعرف بالحدود القائمة بها ، فيعرف بأنه شئ محدود ، والمعنى :
أنه لو لم يكن محدودا لم يكن مدركا بالحواس ، وجعل الحرف وحده كليهما
مدركين بنفسهما لابآثارهما ، فإن الامور المحسوسة إنما تدرك بأنفسها لابآثارها
( ولم يخلق شيئا فردا عن الحدود والتقديرات قائما بنفسه دون غيره ) أي من غير أن
يخلق معه غيره كالحدود ، لانه أراد أن يكون حروفا وأصواتا دالة على نفسه
وإثبات وجوده ، وما يكون دالا على المعاني هاديا للناس إلى المعرفة لا يكون
* ( هامش ) * ( 1 ) اصول الكافى ، 1 ص 110 .
[ 57 ]
إلا محسوسا وكل محسوس يكون محدودا ، والمعنى أنه أراد أن يكون محدودا ليدل
بكونه على هذه الحالة على إمكانه وافتقاره إلى الصانع ، فيكون بوجوده بنفسه
دالا على الصانع لا باعتبار مدلوله ، ويحتمل أن يكون المراد بالتقدير أولا الابداع
أيضا ، والمحدث إنما يدرك ويظهر بالابداع ، وفي كل خلق يحدث شيئان : مبدع
وإبداع متعلق به ، لكن في تطبيق ما بعده عليه يحتاج إلى نوع عناية تظهر بالتأمل
الصادق وقد سبق الخبر بتمامه مع شرحه في المجلد الرابع وإنما أوردنا هنا ما
يناسب المقام .
28 العيون والتوحيد : بالاسناد المتقدم ، عن الحسن بن محمد النوفلي
في خبر طويل يذكر فيه مناظرة الرضا عليه السلام مع سليمان المروزي ، قال سليمان :
فإنه لم يزل مريدا . قال عليه السلام : يا سليمان ! فإرادته غيره ؟ قال : نعم ، قال
: فقد
أثبت معه شيئا غيره لم يزل . قال سليمان : ما أثبت . فقال عليه السلام : هي محدثة
يا
سليمان ، فإن الشئ إذا لم يكن أزليا كان محدثا ، وإذا لم يكن محدثا كان أزليا
وجرى المناظرة إلى أن قال عليه السلام : ألا تخبرني عن الارادة فعل هي أم غير فعل ؟
قال : بل هي فعل ، قال : فهي محدثة ، لان الفعل كله محدث . قال : ليست بفعل
قال : فمعه غيره لم يزل . قال سليمان : إنها مصنوعة قال : فهي محدثة وساق الكلام
إلى أن قال : قال سليمان : إنما عنيت أنها فعل من الله لم يزل قال عليه السلام :
ألا تعلم أن مالم يزل لا يكون مفعولا وقديما حديثا في حالة واحدة . فلم يحر
جوابا ، ثم أعاد الكلام إلى أن قال عليه السلام : إن ما لم يزل لا يكون مفعولا .
قال
سليمان : ليس الاشياء إرادة ولم يرد شيئا . قال عليه السلام : وسوست يا سليمان !
فقد
فعل وخلق ما لم يرد خلقه وفعله ؟ ! وهذه صفة ما لا يدري ما فعل ، تعالى الله
عن ذلك . ثم أعاد الكلام إلى أن قال عليه السلام : فالارادة محدثة ، وإلا فمعه غيره
( 1 ) .
الاحتجاج : مرسلا مثله ( 2 ) .
* ( هامش ) * ( 1 ) العيون : ج 1 ، ص 183 . التوحيد : ص 323 .
( 2 ) الاحتجاج : ص 218 .
[ 58 ]
حكم عليه السلام في هذا الخبر مرارا بأنه لا يكون قديم سوى الله ، وأنه لا يعقل
التأثير بالارادة والاختيار في شئ لم يزل معه ( 1 ) .
29 العيون : عن الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي ، عن فرات بن إبراهيم
الكوفي ( 2 ) ، عن محمد بن أحمد بن علي الهمداني ، عن العباس بن عبدالله البخاري
عن محمد بن القاسم بن إبراهيم ، عن عبدالسلام بن صالح الهروي ، عن الرضا ، عن
آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن أول ما خلق الله
عزوجل أرواحنا
فأنطقها بتوحيده وتحميده ، ثم خلق الملائكة ( 3 ) . ( الخبر )
30 الكافي : عن محمد بن يحيى ، عن ابن محبوب ( 4 ) ، عن عبدالله بن سنان
* ( هامش ) * ( 1 ) يستفاده من الرواية كون الارادة صفة حادثة فعلية لا أزلية ذاتية
، كما يستفاد من
أمثالها من الروايات التى وردت في باب المشية والارادة ، وقد مر نظيرتها تحت الرقم
12
من هذا الباب واوضحناها بما كان يقتضيه المقام وبناء على هذا فذات البارئ من حيث هى
لا تتصف بالمشية والارادة بل ينتزع من أفعاله عنوان المراد لها والمريد لفاعلها
فتأثيره تعالى
في الموجودات ليس بحدوث ارادة في ذاته فضلا عن كونها سابقة على الفعل وكون الفعل
متأخرا
عنها زمانا . وان اطلقت هنالك ارادة كانت لا محالة بمعنى العلم بالاصلح وهو مقدم
على كافة
الافعال كتقدم ذاته سبحانه عليها وقد بينا في ما مضى أن تقدم البارئ على الممكنات
ليس من
قبيل تقدم الزمانيات بعضها على بعض . وأما استحالة قدم ما سوى الله فقد مر الكلام
فيه وسيأتى
أيضا بوجه أبسط والله الهادى .
( 2 ) في المصدر : فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفى . وهو من مشايخ الشيخ أبى الحسن
على بن بابويه ، وقد اكثر لصدوق ره في كتبه الرواية عنه بواسطة الحسن بن محمد بن
سعيد
الهاشمى وهو يروى عن الحسن بن سعيد غالبا ، ويروى عن محمد بن أحمد بن على الهمدانى
أيضا .
ولفرات تفسير بلسان الاخبار جلها في شأن الائمة الاطهار ، يعد في عداد تفسيرى
العياشى وعلى بن
ابراهيم القمى وظاهر صاحب الوسائل والعلامة المجلسى ره اعتمادهما عليه ، كما أن ذلك
ظاهر الصدوق وغيره .
( 3 ) العيون : ج 1 ، ص 262 .
( 4 ) في المصدر : عنه عن عبدالله بن سنان ، والضمير راجع إلى ابن محبوب بدليل
الرواية السابقة عليها وهو الحسن بن محبوب الثقة الجليل . وأما على نسخ البحار ،
فان كان
[ 59 ]
قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إن الله خلق الخير يوم الاحد ، وكان
ليخلق
الشر قبل الخير ، وفي يوم الاحد والاثنين خلق الارضين ، وخلق أقواتها في يوم
الثلثاء ، وخلق السماوات في يوم الاربعاء ويوم الخميس ، وخلق أقواتها يوم الجمعة
وذلك قول الله عزوجل ( خلق السماوات والارض وما بينهما في ستة أيام ) ( 1 ) .
العياشي : عن ابن سنان ، مثله ، إلا أن فيه : وخلق يوم الاربعاء السماوات
وخلق يوم الخميس أقواتها والجمعة ، وذلك قوله ( 2 ) ( خلق السماوات والارض في
ستة أيام ) فلذلك أمسكت اليهود يوم السبت .
بيان : ( وما كان ليخلق قبل الخير ) لعل الغرض أنه سبحانه ابتدأ
خلق الجميع يوم الاحد ، إذ خيريته تعالى تقتضي أن لا يقدم خلق الشر على خلق
الخير ، وابتداء خلق الخير كان يوم الاحد فلم يخلق قبله شئ أصلا . ثم اعلم أن
مدلول هذا الخبر ينافي ما مر من الآيات الكريمة وظواهرها من جهتين :
الاولى أن ظاهر الآية أن خلق أقوات الارض وتقديرها كان في يومين ، والخبر
يدل على أنه خلق أقوات الارض في يوم وأقوات السماء في يوم . والثانية أن ظاهر
الآية تقدم يومي خلق الاقوات على يومي خلق السماوات ، والخبر يدل على تأخر
أحد يومي خلق الاقوات عنهما . ويمكن أن يجاب عن الاولى بأن المراد بخلق أقوات
السماء خلق أسباب أقوات أهل الارض الكائنة في السماء من المطر والثلج والالواح
التي يقدر فيها الاقوات والملائكة الموكلين بها ، ويؤيده أن ليس لاهل السماء
قوت وطعام وشراب ، ففي يوم واحد قدر الاسباب الارضية لاقوات أهل الارض
وفي يوم الآخر قدر الاسباب السماوية لها ، وفي الآية نسبهما إلى الارض لكونهما
* ( هامش ) * المراد بابن محبوب ( الحسن بن محبوب ) كما هو الظاهر فلا يروى عنه
محمد بن يحيى بلاواسطة
وإن كان المراد به ( محمد بن على بن محبوب الثقة ) فلا يروى عن عبدالله بن سنان بلا
واسطة
والصحيح ما في المصدر يعنى : محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب الخ .
( 1 ) روضة الكافى : ص 145 .
( 2 ) قول الله عزوجل . ( نسخة )
[ 60 ]
لاهلها ، وفي الخبر فصل ذلك لبيان اختلاف موضع التقديرين . وعن الثانية بنحو
مما ذكره البيضاوي بأن لا تكون لفظة ( ثم ) لترتيب والتراخي في المدة .
ومن غرائب ما سنح لي أني لما كتبت شرح هذا الخبر اضطجعت فرأيت فيما
يرى النائم أني أتفكر في هذه الآية ، فخطر ببالي في تلك الحالة أنه يحتمل أن
يكون المراد بأربعة أيام تمامها لا تتمتها ، ويكون خلق السماوات أيضا من جملة
تقدير أرزاق أهل الارض ، فإنها من جملة الاسباب ، ومحال بعض الاسباب كالملائكة
العاملة والالواح المنقوشة والشمس والقمر والنجوم المؤثرة بكيفياتها كالحرارة
والبرودة في الثمار والنباتات ، وتكون لفظة ( ثم ) في قوه تعالى ( ثم استوى )
للترتيب في الاخبار ، لتفصيل ذلك الاجمال ، بأن يومين من تلك الاربعة كانا
مصروفين في خلق السماوات والآخرين في خلق سائر الاسباب ، ولو لا أنه سنح لي
في هذه الحال لم أجسر على إثبات هذا الاحتمال ، وإن لم يقصر عما ذكره المفسرون
وبه يندفع الاشكالان . وأما رواية العياشي فالظاهر أن فيه تصحيفا وتحريفا ولا
يستقيم على وجه .
31 تفسير علي بن إبراهيم : قل لهم يا محمد ( ءإنكم لتكفرون بالذي خلق
في يومين ) ومعنى يومين أي وقتين : ابتداء الخلق ، وانقضاؤه ( وجعل فيها رواسي
من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها ) أي لاتزول وتبقى ( 1 ) ( في أربعة أيام
سواء
للسائلين ) يعني في أربعة أوقات ، وهي التي يخرج الله فيها أقوات العالم ، من الناس
و
البهائم والطير وحشرات الارض وما في البر والبحر من الخلق والثمار ( 2 ) والنبات
والشجر وما يكون فيه معايش ( 3 ) الحيوان كله ، وهو الربيع والصيف والخريف
والشتاء . ففي الشتاء يرسل الله الرياح والامطار والانداء والطلول من السماء
فيلقح الشجر ويسقي الارض والشجر وهو وقت بارد ، ثم يجيئ بعده الربيع وهو
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : لا يزول ولا يفنى .
( 2 ) في المصدر : ومن الثمار .
( 3 ) في المصدر : معاش .
[ 61 ]
وقت معتدل حار وبارد ، فيخرج الشجر ثمارها والارض نباتها فيكون أخضر ضعيفا
ثم يجيئ من بعده وقت الصيف وهو حار فينضج الثمار ويصلب ( 1 ) الحبوب التي
هي أقوات العباد وجميع الحيوان ، ثم يجئ من بعده وقت الخريف فيطيبه ويبرده
ولو كان الوقت كله شيئا واحدا لم يخرج النبات من الارض ، لانه لو كان الوقت
كله ربيعا لم تنضج ( 2 ) الثمار ولم تبلغ الحبوب ، ولو كان الوقت كله صيفا لاحترق
كل شئ في الارض ولم يكن للحيوان معاش ولا قوت ، ولو كان الوقت كله خريفا
لم يتقدمه شئ من هذه الاوقات لم يكن شئ يتقوت به العالم ، فجعل الله هذه
الاقوات في هذه الاربعة الاوقات : في الشتاء ، والربيع ، والصيف ، والخريف .
وقام به العالم واستوى وبقي ، وسمى الله هذه الاوقات ( أياما سواء للسائلين )
يعني المحتاجين لان كل محتاج سائل ، وفي العالم من خلق الله من لا يسأل ولا يقدر
عليه من الحيوان كثير ، فهم سائلون وإن لم يسألوا . وقوله ( ثم استوى إلى
السماء ) أي دبر وخلق ، وقد سئل أبوالحسن الرضا عليه السلام عمن ( 3 ) كلم الله لا
من
الجن ولا من الانس ، فقال : السماوات والارض في قوله ( ائتيا طوعا أو كرها
قالتا أتينا طائعين ) . ( فقضيهن ) أي خلقهن ( سبع سماوات في يومين ) يعني في وقتين
:
ابتداء ، وانقضاء ( وأوحى في كل سماء أمرها ) فهذا وحي تقدير وتدبير ( 4 ) .
بيان : هذا التأويل للآية أقرب مما مر ، ولعله من بطون الآية ، ولا ينافي
ظاهرها . قوله ( أي لا تزول وتبقى ) أي المراد بالتقدير التقدير الدائمي ، ويحتمل
أن يكون تفسير ( بارك فيها ) قوله ( وإن لم يسألوا ) أي هم سائلون بلسان افتقارهم
واضطرارهم الرب سبحانه بسمع فيضه وفضله ورحمانيته ، ولسان الحال أبلغ من
لسان المقال .
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : فتضج الثمار وتصلب .
( 2 ) في المصدر : لما تنضج .
( 3 ) في المصدر : عما .
( 4 ) تفسير على بن ابراهيم : ص 590 .
[ 62 ]
32 التوحيد : عن علي بن أحمد الدقاق ، عن الكليني ، رفع الحديث
إلى ابن أبي العوجاء حين كلمه أبوعبدالله عليه السلام عاد إليه في اليوم الثاني ثم
في اليوم
الثالث فقال : ما الدليل على حدوث الاجسام ؟ فقال : إني ما وجدت شيئا صغيرا
ولا كبيرا إلا وإذا ضم إل مثله صار أكبر ، وفي ذلك زوال وانتقال عن الحالة
الاولى ، ولو كان قديما مازال ولا حال ، لان الذي يزول ويحول يجوز أن يوجد
ويبطل ، فيكون بوجوده بعد عدمه دخول ( 1 ) في الحدث ( 2 ) وفي كونه في الازل
دخوله في القدم ( 3 ) ولن تجتمع صفة الازل والعدم في شئ واحد . فقال عبدالكريم :
هبك علمت في جري الحالتين والزمانين ما ذكرت واستدللت على حدوثها ، فلو
بقيت الاشياء على صغرها من أين كان لك أن تستدل على حدثها ( 4 ) ؟ فقال العالم
عليه السلام : إنما نتكلم على هذا العالم المصنوع ( 5 ) فلو رفعناه ووضعنا عالما
آخر
كان لا شئ أدل على الحدث من رفعنا إياه ووضعنا غيره ، ولكن اجيبك من حيث
قدرت أن تلزمنا ونقول : إن الاشياء لو دامت على صغرها لكان في الوهم أنه متى
ما ضم شئ إلى مثله كان أكبر ، وفي جواز التغيير عليه خروجه من القدم ، كما أن
في تغييره دخوله في الحدث ، ليس لك وراءه شئ يا عبدالكريم ! فانقطع وخزي ( 6 ) .
الكافى والاحتجاج : ( 7 ) مرفوعا مثله . وفي الاحتجاج : ولن تجتمع صفة
الحدوث والقدم في شئ .
بيان : قد مر الخبر بطوله وشرحه في كتاب التوحيد ، وفيه إجمال ، ويحتمل أن
يراد فيه بكل من الحدوث والقدم ، الذاتي أو الزماني فإن كان المراد الاول كان الغرض
* ( هامش ) * ( 1 ) دخوله ( خ ل ) .
( 2 ) الحدوث ( خ ل ) .
( 3 ) في المصدر : وفي كونه في الاولى دخوله في العدم .
( 4 ) في المصدر : على حدوثها .
( 5 ) في المصدر : الموضوع .
( 6 ) التوحيد : ص 216 .
( 7 ) الكافى : ج 1 ، ص 76 . الاحتجاج : 183 .
[ 63 ]
إثبات أن الاجسام ممكنة الوجود مصنوعة معلومة تحتاج إلى صانع يصنعها ويوجدها وعلى
الثاني يكون مبنيا على ما سبق في الاخبار الكثيرة أن كل قديم لا يكون إلا واجبا
بالذات ، والمعلول لا يكون إلا حادثا بالزمان ، وهو أظهر ، وهكذا فهمه الصدوق
وأورده في باب حدوث العالم وعقبه بالدلائل المشهورة عند المتكلمين على الحدوث .
وقيل : حاصل استدلاله عليه السلام إما راجع إلى دليل المتكلمين من أن عدم الانفكاك
من الحوادث يستلزم الحدوث ، وإما إلى أنه لا يخلو إما أن يكون بعض تلك الاحوال
الزائلة المتغيرة قديما أن يكون كلها حوادث ، وهما محالان ، أما الاول فلما تقرر
عندهم أما ما ثبت قدمه امتنع عدمه ، وأما الثاني فلاستحالة التسلسل في الامور
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 50 من صفحه 63 سطر 9 إلى صفحه 71 سطر 9
المتعاقبة ، والاول أظهر ( 1 ) .
33 الكافى : عن أحمد بن مهران ، عن عبدالعظيم الحسني ، عن علي بن
أسباط ، عن خلف بن حماد ، عن ابن مسكان ، عن مالك الجهني ، قال : سألت
أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزوجل ( أو لم ير الانسان أنا خلقناه ولم يك
شيئا )
قال : فقال لا مقدارا ولا مكونا . قال : وسألته عن قوله عزوجل ( هل أتى على
الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ) قال : كان مقدرا غير مذكور ( 2 ) .
* ( هامش ) * ( 1 ) يظهر بالتأمل في الرواية ، أن الامام عليه السلام يستدل بتغير
العالم وأخيرا
بامكان تغيره على حدوثه يعنى أنه يمكن عدمه ؟ وهو معنى الحدوث الذاتى وهو أول
الاحتمالمين المذكورين في كلام العلامة المؤلف رضوان الله عليه فأمعن النظر في قوله
عليه السلام ( لان الذى يزول ويحول يجوز أن يوجد أو يبطل ) وفي قوله ( وفي جواز
التغيير عليه خروجه من القدم ) فان إمكان التغير لا يثبت عدمه في زمان ما حتى يثبت
الحدوث
الزمانى ، وإنما يثبت إمكانى عدمه ذاتا وهو الحدوث الذاتى . ولسنا نعنى بهذا أن
العالم ليس
بحادث زمانى ، كلا ! وإنما نعنى أن المراد بهذا الكلام إثبات الصانع وحدوث ما سواء
ذاتا .
وربما يظهر من هنا أن المراد بالحدوث والقدم في سائر الروايات التى تجرى هذا المجرى
الحدوث والقدم الذاتيان ، ولكن حيث كان يصعب تفكيك الذاتيين من الزمانيين على افهام
العامة بل على كثير من أهل البحث والنظر جرى كلامهم عليهم الصلوة والسلام مجرى
يحتمل
الوجهين فتأمل جيدا .
( 2 ) الكافى : ج 1 ، 147 .
[ 64 ]
بيان : يدل ظاهرا على حدوث نوع الانسان .
35 تفسير على بن ابراهيم : سميت مكة ام القرى لانها أول بقعة
خلقها الله من الارض ، لقوله ( إن اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا ) ( 1 ) .
36 العلل والعيون : سأل الشامي أميرالمؤمنين عليه السلام : لم سميت مكة
ام القرى ؟ قال عليه السلام : لان الارض دحيت من تحتها . وسأل عن أول بقعة بسطت
من الارض أيام الطوفان ، فقال له : موضع الكعبة ، وكانت زبرجدة خضراء ( 2 ) .
بيان : لعل المراد بأيام الطوفان أيام تموج الماء و اضطرار به قبل خلق
الارض .
37 ارشاد القلوب : سئل أميرالمؤمنين عليه السلام : لم سميت مكة ؟ قال : لان
الله مك الارض من تحتها أي دحاها .
38 مجالس الصدوق والتوحيد وكنز الكراجكي والاحتجاج ( 3 ) :
بأسانيدهم في مناظرة الصادق عليه السلام لابن أبي العوجاء قال عليه السلام : هذا
بيت استبعد الله
به خلقه ( 4 ) إلى قوله خلقه الله قبل دحو الارض بألفي عام .
39 العلل والعيوب : في علل ابن سنان عن الرضا عليه السلام : علة وضع البيت
وسط الارض أنه الموضع الذي من تحته دحيت الارض ، وكل ريح تهب في الدنيا
فإنها تخرج من تحت الركن الشامي ، وهي أول بقعة وضعت في الارض ، لانها
الوسط ليكون الفرض لاهل المشرق والمغرب ( 5 ) في ذلك سواه ( 6 ) .
40 العلل : عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن يحيى ، وأحمد بن
* ( هامش ) * ( 1 ) تفسير على بن إبراهيم القمى : ص 595 .
( 2 ) العيون : ج 1 ، ص 241 .
( 3 ) التوحيد : ص 180 . الاحتجاج : ص 182 .
( 4 ) في الاحتجاج : عباده .
( 5 ) في المصدرين : لاهل الشرق والغرب سواء .
( 6 ) العلل : ج 2 ، ص 82 . العيون : ج 2 ، ص 90 .
[ 65 ]
إدريس عن محمد بن أحمد الاشعري ، عن الحسن بن علي ( 1 ) ، عن مروان بن مسلم ، عن
أبي حمزة الثمالي ، قال : قال أبوجعفر عليه السلام : إن خلق البيت قبل الارض ( 2 )
، ثم
خلق [ الله ] الارض من بعده ، فدحاها من تحته ( 3 ) .
الكافى : عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن الحسن بن علي ، عن عدة
من أصحابنا عن الثمالي مثله .
41 العياشي : عن الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إنه وجد في حجر
من حجرات البيت مكتوبا : إني أنا الله ذوبكة خلقتها يوم خلقت السماوات والارض
ويوم خلقت الشمس والقمر ، وحففتهما بسبعة أملاك حفيفا .
42 الكافى : عن أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن عبدالله ، عن محمد بن عيسى
ومحمد بن عبيدالله ، عن علي بن الحديد ، عن مرازم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال
:
قال الله تبارك وتعالى : يا محمد إني خلقتك وعليا نورا يعني روحا بلا بدن قبل
أن أخلق سماواتي [ وأرضي وعرشي ] وبحري ( الخبر ) ( 4 ) .
43 وعنه عن الحسين بن محمد ، عن المعلى ، عن عبدالله بن إدريس ، عن محمد
بن سنان ، قال : كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام فأجريت اختلاف الشيعة ، فقال
:
* ( هامش ) * ( 1 ) هو الحسن بن على بن فضال التيملى مولى تيم الله بن ثعلبة ، كوفى
، روى عن الرضا
عليه السلام وكان خصيصا به ثقة في رواياته ، وكان فطحيا مشهورا بذلك حتى حضره الموت
فمات وقد قال بالحق . قال النجاشى ( ص : 28 ) مات سنة 224 . ويروى عنه جماعة منهم
موسى بن عمر ولم يذكر في جملتهم محمد بن احمد بن يحيى ، نعم في موضع من الاستبصار
( محمد بن احمد بن يحيى عن موسى بن عمر عن ابن فضال ) وهو الحسن بن على بن فضال .
فكأن في هذا السند إرسالا ويؤيده أن محمد بن احمد بن يحيى الاشعرى راويه على ومحمد
ابنى الحسن بن على بن فضال ، فيشبه أن يكون رواية محمد بن أحمد الاشعرى عن الحسن بن
فضال بواسطة ابنيه او بواسطة اخرى والله اعلم .
( 2 ) في المصدر : قبل الخلق .
( 3 ) العلل : ج 2 ، ص 85 .
( 4 ) الكافى : ج 1 ، ص 440 .
[ 66 ]
يا محمد إن الله تبارك وتعالى لم يزل متفردا بوحدانيته ، ثم خلق محمدا وعليا وفاطمة
صلوات الله علهيم أجمعين فمكثوا ألف دهر ، ثم خلق جميع الاشياء فأشهدهم خلقها
وأجرى طاعتهم عليها ( 1 ) ( الحديث ) .
بيان : ( لم يزل متفردا بوحدانيته ) أي متفردا بأنه متوحد لا شي ء معه أوالباء
للسببية أي متفردا بسبب أنه كان واحدا من جميع الوجوه ، وما كان كذلك فهو
واجب بالذات ، فيجوز عليه القدم بخلاف غيره ، فإن القدم ينافي التكثر والامكان
الذي هو لازمه ( فأشهدهم خلقها ) أي كانوا حاضرين عند خلقها عالمين بكيفيته ، و
لذا قال تعالى في شأن إبليس وذريته وأتباعه : ( ما أشهدتهم خلق السماوات
والارض ولا خلق أنفسهم ) بعد قوله ( أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني ) إشارة
إلى أن المستحق للولاية والمتابعة من كان شاهدا خلق الاشياء ، عالما بحقائقها و
كيفياتها وصفاتها والغيوب الكامنة فيها والمستنبطة منها .
44 التوحيد : عن علي بن أحمد الدقاق ، عن محمد بن جعفر الاسدي ( 2 )
عن محمد بن إسماعيل البرمكي ، عن الحسين بن الحسن ، عن أبي سمينة ، عن إسماعيل
بن أبان ، عن زيد بن جبير ، عن جابر الجعفي قال : جاء رجل من علماء أهل الشام
إلى ابي جعفر عليه السلام فقال : جئت أسألك عن مسألة لم أجد أحدا يفسرها لي ، وقد
سألت ثلاثة أصناف من الناس ، فقال كل صنف غير ما قال الآخر ! فقال أبوجعفر
عليه السلام : وما ذلك ؟ فقال : أسألك ما أول ما خلق الله عزوجل من خلقه ؟ فإن
بعض من سألته قال القدرة ، وقال بعضهم العلم : وقال بعضهم الروح . فقال
أبوجعفر عليه السلام : ما قالوا شيئا ، اخبرك أن الله علاذكره كان ولا شئ غيره
عزيزا ولا
* ( هامش ) * ( 1 ) قد مر الحديث عنه مرسلا في تفسير آية ( ما أشهدتهم خلق السماوات
. . . )
( 2 ) في المصدر : عن محمد بن أبى عبدالله الكوفى . قال النجاشى ( ص : 289 ) محمد
ابن جعفر بن محمد بن عون الاسدى أبو الحسين الكوفى ساكن الرى يقال له ( محمد بن أبى
عبدالله ) كان ثقة صحيح الحديث ، إلا أنه روى عن الضعفاء وكان يقول بالجبر والتشبيه
إلى
أن قال : مات أبوالحسين محمد بن جعفر ليلة الخميس لعشر خلون من جمادى الاولى سنة
312
[ 67 ]
عز لانه كان قبل عزه ، وذلك قوله ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون ) وكان
خالقا ولا مخلوق ( 1 ) ، فأول شئ خلقه من خلقه الشئ الذي جميع الاشياء منه
وهو الماء . فقال السائل : [ فالشئ ] خلقه من شئ أو من لا شئ ؟ فقال : خلق
الشئ لا من شئ كان قبله ، ولو خلق الشئ من شئ إذا لم يكن له انقطاع أبدا
ولم يزل الله إذا ومعه شئ ، ولكن كان الله ولا شئ معه ، فخلق الشئ الذي
جميع الاشياء منه ، وهو الماء ( 2 ) .
بيان : قوله ( فإن بعض من سألته قال القدرة ) لعل هذا القائل زعم أن
صفاته تعالى زائدة عى ذاته مخلوقة له ، كما ذهب إليه جماعة من العامة ، وسيأتي
برواية الكليني ( القدر ) فلعله توهم أن تقديره تعالى جوهر ، أو يكون مراده
بالقدرة اللوح الذي أثبت الله تعالى فيه تقديرات الامور ، وكذا القول بأن أول
المخلوقات العلم مبني على القول بمخلوقية الصفات . وفي الكافي مكانه ( القلم ) وهو
موافق لبعض ما سيأتي من الاخبار ، وسنذكر وجه الجمع بينها وبين غيرها . قوله
عليه السلام ( لانه كان قبل عزه ) لعل المراد أنه كان غالبا وعزيزا قبل أن يظهر
عزه وغلبته على الاشياء بخلقها ، ولذا قال ( رب العزة ) إذ فعلية العزة وظهورها
مسبب عنه ، والمعنى : ولا عز لغيره . فالمراد بالعزة في الآية عزة المخلوقات . و
في الكافي ( ولا أحد كان قبل عزه وذلك قوله ) أي لم يكن أحد قبل عزة يكون
عزه به . واستدل عليه بقوله ( رب العزة ) إذ هو يدل على أنه سبحانه سبب كل
* ( هامش ) * ( 1 ) قد نقلنا في ذيل الحديث 17 في معنى كونه تعالى خالقا اذ لا
مخلوق من المؤلف
رحمه الله أن المراد بالخالقية قبل الخلق القدرة على خلق كل ما علم أنه أصلح
والسرفيه أن الصفات
الفعلية خارجة عن الذات ومتأخرة عنها لكن ملاكاتها موجودة فيها ومتحدة بها فكذا
المراد
بكونه عزيزا ولا عز أنه كان واجدا لما هو ملاك العزة وهو الكمالات الذاتية . وأما
هذا المفهوم
الانتزاعى فليس عين ذات البارئ ولذا استشهد عليه السلام بقوله تعالى ( رب العزة )
فان
المربوب وهو العز غير الرب ومتأخر عنه .
( 2 ) التوحيد : ص 32 .
[ 68 ]
عزة ، فلو كان عزه بغيره كان ذلك الغير ( رب العزة ) وهذا الخبر نص صريح في
الحدوث ولا يقبل التأويل بوجه .
45 الاحتجاج وتفسير الامام ابى محمد العسكرى : عن آبائه عليهم
السلام قال : احتج رسول الله صلى الله عليه وآله على الدهرية فقال : ما
الذي دعاكم إلى القول بأن الاشياء لا بدء لها ، وهي دائمة لم تزل ولا تزال ؟
فقالوا : لانا لا نحكم إلا بما شاهدنا ( 1 ) ، ولم نجد للاشياء حدثا فحكمنا بأنها
لم
تزل ، ولم نجد لها انقضاء وفناء فحكمنا بأنها لا تزال . فقال رسول الله صلى الله
عليه وآله :
أفوجدتم لها قدما أم وجدتم لها بقاء أبدا ( 2 ) ؟ فإن قلتم إنكم وجدتم ذلك أنهضتم
لانفسكم أنكم لم تزالوا على هيئتكم وعقولكم بلانهاية ولا تزالون كذلك ! ولئن
قلتم هذا دفعتم العيان وكذبكم العالمون الذين يشاهدونكم . قالوا : بل لم نشاهد
لها قدما ولا بقاء أبد الآبدين ( 3 ) . قال رسول الله صلى الله عليه وآله : فلم
صرتم بأن تحكموا
بالبقاء والقدم ( 4 ) لانكم لم تشاهدوا حدوثها وانقضائها أولى من تارك التميز لها
مثلكم ، فيحكم لها بالحدوث والانقضاء والانقطاع لانه لم يشاهد لها قدما ولا بقاء
أبد الابد ( 5 ) ؟ أو لستم تشاهدون الليل والنهار وأحدهما بعد الآخر ؟ فقالوا : نعم
فقال : أترونهما لم يزالا ولا يزالان ؟ فقالوا : نعم ، فقال : أفيجوز عندكم اجتماع
الليل والنهار ؟ فقالوا : لا ، فقال صلى الله عليه وآله : فإذن ينقطع أحدهما عن
الآخر فيسبق
أحدهما ويكون الثاني جاريا بعده ، قالوا : كذلك هو ، فقال : قد حكمتم بحدوث
ما تقدم من ليل ونهار ولم تشاهدوهما فلا تنكروا الله قدره . ثم قال صلى الله عليه
وآله : أتقولون
ما قبلكم من الليل والنهار متناه أم غير متناه ؟ فإن قلتم إنه غير متناه فقد وصل
إليكم آخر بلا نهاية لاوله ، وإن قلتم إنه متناه فقد كان ولا شئ منهما . قالوا :
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : بما نشاهد .
( 2 و 3 ) في المصدر : أبد الابد .
( 4 ) في المصدر : بالقدم والبقاء دائما .
( 5 ) في المصدر : أبدا .
[ 69 ]
نعم . قال لهم : أقلتم إن العالم قديم ليس بمحدث ( 1 ) وأنتم عارفون بمعنى ما
أقررتم به وبمعنى ما جحدتموه ؟ قالوا : نعم . قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
فهذا الذي
نشاهده ( 2 ) من الاشياء بعضها إلى بعض يفتقر ، لانه لاقوام للبعض إلا بما يتصل
إليه ( 3 ) ، كما ترى ( 4 ) البناء محتاجا بعض أجزائه إلى بعض ، وإلا لم يتسق ولم
يستحكم ، وكذلك سائر ما نرى ( 5 ) . قال : فإن كان هذا المحتاج بعضه إلى بعض
لقوته وتمامه هو القديم ، فأخبروني أن لو كان محدثا كيف كان يكون ؟ وكيف
إذا كانت تكون صفته ؟ قال : فبهتوا وعلموا أنهم لا يجدون للمحدث صفة يصفونه
بها إلا وهي موجودة في هذا الذي زعموا أنه قديم ، فوجموا وقالوا سننظر في
أمرنا . ( 6 ) ( الخبر )
بيان : ذهبت الدهرية إلى أن العالم قديم زماني ( 7 ) ، و قالوا إن الاشياء
دائمة الوجود لم تزل ولا تزال ، بل بعضهم أنكروا الحوادث اليومية أيضا وذهبوا
إلى الكمون والبروز لتصحيح قدم الحوادث اليومية ، و أنكروا وجود ما لم تدكره
الحواس الخمس ، ولذا أنكروا وجود الصانع لعدم إدراك الحواس له تعالى ، و
قالوا وجود الموجودات من الطبائع المتعاقبة لا إلى نهاية . إذا تقرر هذا فاعلم أن
الظاهر أن المطلوب أولا إثبات الحدوث الزماني ، فإن الظاهر من ( البدء )
البدء الزماني ، ويؤيده قوله ( وهي دائمة لم تزل ولا تزال ) .
وقوله ( أفوجدتم إلى قوله أتقولون ما قبلكم من الليل والنهار ) إبطال
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : غير محدث .
( 2 ) في المصدر : تشاهدونه .
( 3 ) في المصدر : به .
( 4 ) في بعض النسخ : ترى .
( 5 ) في بعض النسخ : ( ماترون ) وفى بعضها ( ما يرى ) .
( 6 ) الاحتجاج : 10 .
( 7 ) بل إلى أنه قديم ذاتى .
[ 70 ]
إنكارهم ( 1 ) وجود مالاتدركه الحواس وإثبات لوجود الايمان بالغيب عند قيام
البرهان ، وذلك لانهم يحكمون بالقدم وبتقدم الليل والنهار في الازمنة الماضية و
عدم اجتماعهما فيها ، مع أنهم لم يشاهدوا شيئا من ذلك ، فيلزمهم أن يعترفوا بوجود
ما يغيب عن حواسهم . ويحتمل أن يكون إلى قوله ( أولستم تشاهدون الليل و
النهار ) إثباتا للحدوث الزماني جدلا بأنهم كما يحكمون بالقدم لعدم مشاهدة
الحدوث يلزمهم أن يحكموا بالحدوث لانهم لم يشاهدوا القدم ، والبقية لاثبات
الايمان بالغيب أو البقية لاثبات الحدوث بالدليل المشهور عند المتكلمين من عدم
الانفكاك عن الحوادث ، أو أن الحكم بحدوث كل ليل ونهار يكفي لاحتياجها إلى
الصانع ، ولا ينفع قدم الطبيعة . ومن قول ( أتقولون ما قبلكم ) إلى قوله عليه
السلام
( أقلتم ) إثبات لانقطاع الليل والنهار من جهة الماضي ، لاستحالة مالا نهاية له وهو
انقطاع الزمان ، ويلزم منه انقطاع الحركات وحدوث الاجسام والاعراض القائمة
بها ، ومن قوله ( أقلتم ) إثبات لامكان العالم المستلزم لوجود الصانع تعالى شأنه .
ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وآله تدرج في الاحتجاج ، فنزلهم أولا عن مرتبة
الانكار إلى الشك ، ثم أخذفي الاحتجاج ، فمن قوله ( أتقولون ) إلى آخر الكلام
يحتمل أن يكون دليلا واحدا حاصله : أنه لا يخلو من أن يكون الزمان متناهيا
أو غيره متناه ، وعلى الاول لابد للاشياء لحدوثها من صانع ، فقوله ( فقد كان ولا
شئ منهما ) أي كان الصانع قبل وجود شئ منهما ، ثم أبطل الثاني بأنكم إنما
حكمتم بقدمها لئلا يحتاج إلى صانع ، والعقل يحكم بأن ما يوجب الحكم في
الحادث بالحاجة إلى الصانع يحكم في القديم أيضا . ويحتمل أن يكون إلى آخر
الكلام دليلين ، وقد فصلنا الكلام فيه في المجلد الرابع فلا نعيدهنا ودلالته على
الحدوث على كل الوجوه ظاهرة .
46 تفسير على بن إبراهيم : ( وهو الذي خلق السماوات والارض في ستة
أيام وكان عرشه على الماء ) وذلك في مبدأ الخلق ، إن الرب تبارك وتعالى خلق
* ( هامش ) * ( 1 ) في بعض النسخ : لانكارهم .
[ 71 ]
الهواء ثم خلق القلم فأمره أن يجري ، فقال : يا رب بما أجري ؟ فقال : بما هو
كائن ، ثم خلق الظلمة من الهواء ، وخلق النور من الهواء ، وخلق الماء
من الهواء
وخلق العرش من الهواء ، وخلق العقيم من الهواء وهو الريح الشديد وخلق
النار من الهواء ، وخلق الخلق كلهم من هذه الستة التي خلقت من الهواء ، فسلط
العقيم على الماء فضربته فأكثرت الموج والزبد وجعل يثور دخانه في الهواء ، فلما
بلغ الوقت الذي أراد قال للزبد : اجمد فجمد ، فقال للموج : اجمد فجمد ، فجعل الزبد
أرضا وجعل الموج جبالا رواسي للارض فلما أجمدهما قال للروح والقدرة : سويا عرشي
على السماء ، فوسيا عرشه على السماء ( 1 ) ، وقال للدخان : اجمد ، فجمد ، ثم قال
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 50 من صفحه 71 سطر 10 إلى صفحه 79 سطر 10
له : ازفر ، فزفر ، فناداها والارض جميعا : ائتيا طوعا أو كرها ، قالتا أتينا
طائعين
فقضيهن سبع سماوات في يومين ، ومن الارض مثلهن ، فلما أخذ في رزق خلقه
خلق السماء وجناتها والملائكة يوم الخميس ، وخلق الارض يوم الاحد ، وخلق
دواب البر والبحر يوم الاثنين ، وهما اليومان اللذات يقول الله عزوجل ( أئنكم
لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين ) وخلق الشجر ونبات الارض وأنهارها
وما فيها والهوام في يوم الثلثاء ، وخلق الجان وهو أبوالجن يوم السبت ، وخلق
الطير في يوم الاربعاء ، وخلق آدم في ست ساعات من يوم الجمعة ، ففي هذه الستة
أيام ( 2 ) خلق الله السماوات والارض وما بينهما ( 3 ) .
بيان : ( يوم السبت ) ليس في بعض النسخ ، وهو أظهر ، وعلى تقديره وإن
كان خلاف المشهور يمكن أن لا يكون الجمعة محسوبا في الستة ، لتأخره عن خلق
العالم ، أو لم يحسب خلق الجان من خلق العالم بأن المراد بالعالم ما يشاهد ويرى
ويكون ذكر الملائكة استطرادا لشرفهم ، أو يكون بناء الحساب على التلفيق بأن
يكون ابتداء الخلق من ظهر يوم السبت وانتهاؤه عند ظهر يوم الجمعة ، فيكون ستة
* ( هامش ) * ( 1 ) في بعض النسخ ( على الماء ) في الموضعين ، وهو الاظهر .
( 2 ) في بعض النسخ : الستة الايام .
( 3 ) تفسير على بن إبراهيم : ص 297 .
[ 72 ]
أيام على حساب أهل النجوم ويؤيده قوله ( في ست ساعات ) وعلى التقادير لا يخلو
عن غرابة ، وسيأتى بعض القول في ذلك .
47 التفسير : عن أبيه عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي
بكر الحضرمي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : خرج هشام بن عبدالملك حاجا ومعه
الابرش الكلبي ، فلقيا أبا عبدالله عليه السلام في المسجد الحرام ، فقال هشام
للابرش :
تعرف هذا ؟ قال : لا ، قال : هذا الذي تزعم الشيعة أنه نبي من كثرة علمه ! فقال
الابرش : لاسألنه عن مسألة ( 1 ) لا يجيبني فيها إلا نبي أو وصي نبي ! فقال هشام
[ للابرش ] وددت أنك فعلت ذلك . فلقي الابرش أبا عبدالله عليه السلام فقال : يا أبا
عبدالله
أخبرني عن قول الله عزوجل ( أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والارض كانتارتقا
ففتقناهما ) فما كان رتقهما وما كان ( 2 ) فتقهما ؟ فقال أبوعبدالله عليه السلام :
يا أبرش هو كما
وصف نفسه ( كان عرشه على الماء ) والماء على الهواء ، والهواء لا يحد ، ولم يكن
يومئذ خلق غيرهما ، والماء يومئذ عذب فرات فلما أراد ( 3 ) أن يخلق الارض أمر
الرياح فضربت الماء حتى صارموجا ، ثم أزبد فصار زبدا واحدا ، فجمعه في موضع
البيت ثم جعله جبلا من زبد ، ثم دحى الارض من تحته ، فقال الله تعالى : ( إن
أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا ) ثم مكث الرب تبارك وتعالى ما شاء
فلما أراد أن يخلق السماء أمر الرياح فضربت البحور حتى أزبدتها ، فخرج من
ذلك الموج والزبد من وسطه دخان ساطع من غير نار ، فخلق منه السماء ، فجعل فيها
البروج والنجوم ومنازل الشمس والقمر ، وأجراها في الفلك ، وكانت السماء خضراء
على لون الماء العذب الاخضر ( 4 ) ، وكانت الارض خضراء ( 5 ) على لون الماء
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : مسائل .
( 2 ) في المصدر : ( بما كان ) في الموضعين .
( 3 ) في المصدر : أراد الله .
( 4 ) في المصدر : على لون الماء الاخضر .
( 5 ) في المصدر : غبراء على لون الماء العذب .
[ 73 ]
وكانتا مرتوقتين ليس لهما أبواب ولم يكن للارض أبواب وهو النبت ، ولم تمطر ( 1 )
السماء عليها فتنبت ، ففتق السماء بالمطر ، وفتقل الارض بالنبات ، وذلك قوله عز
وجل ( أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والارض كانتا رتقا ففتقناهما ) فقال
الابرش : [ والله ] ما حدثني بمثل هذا الحديث أحد قط ! أعد علي ، فأعاد عليه
وكان الابرش ملحدا فقال : [ و ] أنا أشهد أنك ابن بني ثلاث مرات ( 2 ) .
48 ومنه : ( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في ستة أيام )
قال : في ستة أوقات ( ثم استوى على العرش ) أي علا ( 3 ) على العرش ( 4 ) .
بيان : تأويل الايام بالاوقات إما لعدم خلق الليل والنهار بعد ، فأول
اليوم بمقداره ، أو المراد باليوم النوبة والمرة فيكون خلق كل منها في أسرع
الازمنة وعبر عنه باليوم مجازا كما قيل .
49 العيون : عن محمد بن عمرو بن علي البصري ، عن محمد بن علي الواعظ ( 5 )
عن عبدالله بن أحمد بن عامر الطائي ، عن أبيه ، عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال
: كان
علي عليه السلام في جامع الكوفة إذ قام إليه رجل من أهل الشام فقال : أخبرني عن أول
ما خلق الله . قال : خلق النور . قال : فمم خلقت ( 6 ) السماوات ؟ قال : من بخار
الماء . قال : فمم خلقت الارض ؟ قال : من زبد الماء قال : فمم خلقت الجبال ؟
قال : من الامواج ( الخبر ) ( 7 ) .
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : لم تقطر .
( 2 ) تفسير على بن أبراهيم : ص 427 وسيأتى في باب السحاب والمطر بعينه تحت
الرقم ( 1 ) .
( 3 ) في المصدر : علا بقدرته على العرش .
( 4 ) تفسير على بن إبراهيم ، ص 219 .
( 5 ) في المصدر : محمد بن عبدالله بن أحمد بن جبلة الواعظ . ولم نجد ذكره في كتب
الرجال وكذا محمد بن عمرو البصرى الذى روى عنه
( 6 ) في بعض النسخ : خلق .
( 7 ) العيون : ج 1 ، ص 240 .
[ 74 ]
بيان : يمكن أن يكون المراد بالنور نور النبي والائمة عليهم السلام كما ورد في
أكثر الاخبار .
49 التوحيد : عن علي بن أحمد الدقاق : عن الكليني ، عن العلان ( 1 ) عن محمد بن
عيسى ، عن الحسين بن خالد ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه قال : اعلم علمك
الله
الخير أن الله تبارك وتعالى قديم والقدم صفة دلت ( 2 ) العاقل على أنه لا شئ قبله ،
ولا شئ
معه في ديمومته ( 3 ) فقد بان لنا بإقرار العامة ( 4 ) معجزة الصفة أنه لا شئ قبل
الله ولا شئ
مع الله في بقائه ، وبطل قول من زعم أنه كان قبل أو كان معه شئ ، وذلك أنه لو كان
معه شئ في بقائه لم يجز أن يكون خالقا له ، لانه لم يزل معه فكيف يكون خالقا
لمن لم يزل معه ؟ ولو كان قبله شئ كان الاول ذلك الشئ لا هذا ، وكان الاول
أولى بأن يكون خالقا للثاني ( 5 ) .
الكافى : عن علي بن محمد مرسلا عن أبي الحسن الرضا عليه السلام مثله ( 6 ) .
بيان : هذا الخبر صريح في الحدوث ومعلل ، وقد مر شرحه في كتاب
التوحيد .
50 التوحيد والعيون : عن تميم بن عبدالله القرشي ، عن أبيه ، عن أحمد
* ( هامش ) * ( 1 ) العلان : بفتح العين المهملة وتشديد اللام ، وحكى عن الشهيد
الثانى تخفيفه
على بن محمد بن ابراهيم بن أبان الرازى الكليني ويكنى أباالحسن ثقة عين له كتاب
اخبار
القائم عجل الله فرجه وكان استأذن الصاحب في الحج فخرج ( توقف عنه في هذه السنة )
فخالف فقتل
بطريق مكة .
( 2 ) في الكافى : صفته التى دلت .
( 3 ) في التوحيد والكافى : ديموميته .
( 4 ) في التوحيد والكافى : مع معجزة الصفة .
( 5 ) في الكافى ( خالقا للاول ) وفي التوحيد ص 125 ( خالقا للاول الثانى ) .
( 6 ) الكافى : ج 1 ، ص 120 .
[ 75 ]
علي الانصاري ( 1 ) عن أبي الصلت الهروي ، قال : سأل المأمون أبا الحسن علي بن
موسى الرضا عليه السلام عن قول الله عزوجل ( وهو الذي خلق السماوات والارض في ستة
أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) فقال : إن الله تبارك وتعالى
خلق العرش والماء والملائكة قبل خلق السماوات والارض ، وكانت الملائكة تستدل
بأنفسها وبالعرش والماء على الله عزوجل ، ثم جعل عرشه على الماء ليظهر بذلك
قدرته للملائكة فتعلم ( 2 ) أنه على كل شئ قدير ، ثم رفع العرش بقدرته ، ونقله
فجعله فوق السماوات السبع ، ثم ( 3 ) خلق السماوات والارض في ستة أيام وهو مستول
على عرشه ، وكان قادرا على أن يخلقها في طرفة عين ، ولكنه عزوجل خلقها في
ستة أيام ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شئ فتستدل ( 4 ) بحدوث ما يحدث ( 5
)
على الله تعالى ذكره مرة بعد مرة . ولم يخلق الله العرش لحاجة به إليه لانه غني
عن العرش وعن جميع ما خلق . لا يوصف بالكون على العرش لانه ليس بجسم تعالى ( 6 )
عن صفة خلقه علوا كبيرا .
وأما قوله عزوجل ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) فإنه عزوجل خلق
خلقه ليبلوهم بتكليف طاعته وعبادته لا على سبيل الامتحان والتجربة ، لانه لم
يزل عليما بكل شئ .
* ( هامش ) * ( 1 ) هو أحمد بن على بن مهدى بن صدقة بن هشام بن غالب بن محمد بن على
الرقى الانصارى
قال الشيخ في رجاله : سمع منه التلعكبرى بمصر سنة أربعين وثلثمائة عن أبيه عن الرضا
عليه السلام
وله منه اجازة ( انتهى ) وقال في التعليقة : إن كونه شيخ الاجازة يشير إلى الوثاقة
( انتهى )
وروايته بواسطة أبيه عن الرضا عليه السلام تدل على إمكان روايته عن أبى الصلت بلا
واسطة و
ان لم يذكر في كتب الرجال في من يروى عنه .
( 2 ) في التوحيد : فيعلمون .
( 3 ) في التوحيد : وخلق .
( 4 ) في التوحيد : ويستدل .
( 5 ) في نسخة مخطوطة : ما يحدث الله .
( 6 ) في التوحيد : تعالى الله .
[ 76 ]
فقال المأمون : فرجت عني يا أبا الحسن ، فرج الله عنك ( 1 ) .
51 العلل : عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن محمد بن أحمد السياري ( 2 )
عن محمد بن عبدالله بن مهران الكوفي ، عن حنان بن سدير ، عن أبيه عن أبي إسحق
الليثي قال : قال لي أبوجعفر عليه السلام : يا إبراهيم إن الله تبارك وتعالى لم يزل
عالما ( 3 )
خلق الاشياء لا من شئ ، ومن زعم أن الله عزوجل خلق الاشياء من شئ فقد
كفر ، لانه لو كان ذلك الشئ الذي خلق منه الاشياء قديما معه في أزليته و
هويته كان ذلك ( 4 ) أزليا بل خلق الله عزوجل الاشياء كلها لا من شئ ، فكان مما
خلق الله عزوجل أرضا طيبة ، ثم فجر منها ماء عذبا زلالا ، فعرض عليه ( 5 )
ولايتنا أهل البيت فقبلها ( 6 ) ، فأجرى ذلك الماء عليها سبعة أيام حتى طبقها وعمها
ثم نضب ( 7 ) ذلك الماء عنها فأخذ من صفوة ذلك الطين طينا فجعله طين الائمة عليهم
السلام
ثم أخذ ثقل ذلك الطين فخلق منه شيعتنا ( الخبر ) ( 8 ) .
52 العلل : في خبر ابن سلام ، قال : أخبرني عن أول يوم خلق الله عز
وجل قال النبي صلى الله عليه وآله : يوم الاحد قال : ولم سمي يوم الاحد ؟ قال :
لانه واحد محدود
قال : فالاثنين ؟ قال : هو اليوم الثاني من الدينا قال : فالثلثا ؟ قال : الثالث من
الدنيا قال :
فالاربعاء ؟ قال : اليوم الرابع من الدنيا . قال : فالخميس ؟ قال : هو يوم خامس
من الدنيا ، وهو يوم أنيس ، لعن فيه إبليس ، ورفع فيه إدريس . قال : فالجمعة ؟
* ( هامش ) * ( 1 ) التوحيد : ص 236 .
( 2 ) كذا في نسخ البحار ، وفي المصدر : محمد بن احمد ، عن احمد بن محمد السيارى .
وهو الصحيح ، لعدم ذكر ( محمد بن احمد السيارى ) في كتب الرجال .
( 3 ) في المصدر : عالما قديما .
( 4 ) في المصدر : ذلك الشئ .
( 5 ) في المصدر : عليها .
( 6 ) في المصدر : فقبلتها .
( 7 ) نضب عنه الماء نضوبا بالضاد المعجمة : انحسروانفرج ونزح ونشف .
( 8 ) العلل ، ج 2 ص 295 .
[ 77 ]
قال : هو يوم مجموع له الناس ، وذلك يوم مشهود ، ويوم شاهد ومشهود . قال :
فالسبت ؟ قال : يوم مسبوت ، وذلك قوله عزوجل في القرآن ( ولقد خلقنا
السماوات والارض وما بينهما في ستة أيام ) فمن الاحد إلى الجمعة ستة أيام
والسبت معطل ( الخبر ) ( 1 ) .
بيان : قال في القاموس : السبت الراحة والقطع . وقال في النهاية : قيل :
سمي يوم السبت لان الله تعالى خلق العالم في ستة أيام آخرها الجمعة ، وانقطع
العمل فسمي يوم السابع يوم السبت .
53 الاحتجاج : عن هشام بن الحكم ، قال : سأل الزنديق أبا عبدالله عليه السلام
فقال : من أي شئ خلق الله الاشياء ؟ قال عليه السلام : من لا شئ قال : فكيف يجيئ من
لا شئ
شئ ؟ قال عليه السلام : إن الاشياء لا تخلو أن تكون خلقت من شئ أو من غير شئ فإن
كان خلقت من شئ كان معه فإن ذلك الشئ قديم ، والقديم لا يكون حديثا ولا
يفنى ولا يتغير ، ولا يخلو ذلك الشئ من أن يكون جوهرا واحدا ولونا واحدا
فمن أين جاءت هذه الالوان المختلفة والجواهر الكثيرة الموجودة في هذا العالم
من ضروب شتى ؟ ومن أين جاء الموت إن كان الشئ الذي انشئت منه الاشياء
حيا ؟ و ( 2 ) من أين جاءت الحياة إن كان ذلك الشئ ميتا ؟ ولا يجوز أن يكون
من حى وميت قديمين لم يزالا ، لان الحي لا يجئ منه ميت وهو لم يزل حيا
ولا يجوز أيضا أن يكون الميت قديما لم يزل بما نسبوا ( 3 ) من الموت ، لان الميت
لا قدرة له فلا بقاء ( 4 ) . قال : فمن أين قالوا إن الاشياء أزلية ؟ قال : هذه
مقالة
قوم جحدوا مدبر الاشياء فكذبوا الرسل ومقالتهم ، والانبياء وما أنبؤوا عنه
* ( هامش ) * ( 1 ) العلل : ج 2 ، 156 .
( 2 ) في المصدر : أو .
( 3 ) في المصدر : لما هو به من الموت .
( 4 ) في المصدر : ولا بقاء .
[ 78 ]
وسموا كتبهم أساطير الاولين ( 1 ) ، ووضعوا لانفسهم دينا برأيهم ( 2 ) واستحسانهم .
إن الاشياء تدل على حدوثها من دوران الفلك بما فيه وهي سبعة أفلاك
وتحرك الارض ومن عليها ، وانقلاب الازمنة واختلاف الوقت ، والحوادث التي
تحدث في العالم من زيادة ونقصان وموت وبلاء ( 3 ) واضطرار النفس إلى القرار ( 4 )
بأن لها صانعا ومدبرا . أما ترى الحلويصير حامضا ، والعذب مرا ، والجديد
باليا ، وكل إلى تغير وفناء ؟ وساق الحديث إلى أن قال : قال الزنديق :
ومن زعم أن الله لم يزل ومعه طينة مؤية فلم يستطع التفصي منها إلا بامتزاجه بها و
دخوله فيها ، فمن تلك الطينة خلق الاشياء ! قال عليه السلام : سبحان الله ! ما أعجز
إلها
يوصف بالقدرة لا يسستطيع التفصي من الطينة ! إن كانت الطينة حية أزلية فكانا
إلهين قديمين فامتزجا ودبرا العالم من أنفسهما ، فإن كان ذلك كان فمن أين
جاء الموت والفناء ؟ وإن كانت الطينة ميتة فلا بقاء للميت مع الازلي القديم والميت
لا يجيئ ( 5 ) منه حي ، هذه مقالة الديصانية أشد الزنادقة قولا .
ثم قال عليه السلام في مواضع من هذا الخبر ، لو كانت قديمة أزلية لم تتغير من
حال إلى حال ، وإن الازلي لا تيغره الايام ، ولا يأتي عليه الفناء ( 6 ) .
بيان : ( والقديم لا يكون حديثا ) أي ما يكون وجوده أزليا لا يكون محدثا
معلولا فيكون الوجب الوجود بذاته ، فلا يعتريه التغير والفناء . وقد نسب إلى
بعض الحكماء أنه قال : المبدع الاول هو مبدع الصور فقط دون الهيولى ، فإنها
* ( هامش ) * ( 1 ) ليس في المصدر لفظة ( الاولين ) .
( 2 ) في المصدر : بآرائهم .
( 3 ) في المصدر : وبلى .
( 4 ) في بعض النسخ ( إلى الاقرار ) وعليه فقوله ( واضطرار النفس ) معطوف على قوله
( حدوثها ) اى الاشياء تدل على اضطرار النفس إلى الاقرار بان لها صانعا .
( 5 ) في بعض النسخ : لا يحيى .
( 6 ) الاحتجاج : 184 ، 188 .
[ 79 ]
لم تزل مع المبدع . فأنكر عليه سائر الحكماء وقالوا : إن الهيولى لو كانت أزلية
قديمة
لما قبلت الصور ، ولما تغيرت من حال إلى حال ولما قبلت فعل غيرها ، إذ الازلي
لا يتغير .
وقوله عليه السلام ( فمن أين جاءت هذه الالوان المختلفة ) لعله مبني على ما زعموا
من أن كل حادث لابدله من منشأ ومبدأ يشاكله ويناسبه في الذات والصفات
فألزمه عليه السلام بحسب معتقدة ، أو المراد أن الاحتياج إلى المادة إن كان لعجز
الصانع
تعالى عن إحداث شئ لم يكن فلابد من وجود الاشياء بصاتها في المادة حتى
يخرجها منها ! وهذا محال لاستلزامه كون المادة ذات حقائق متبائنة واتصافها
بصفات متضادة ، وإن قلتم إنها مشتملة على بعضها فقد حكمتم بإحداث بعضها من
غير مادة فليكن الجميع كذلك ، وإن قلتم إن جوهر المادة يتبدل جواهر ( 1 )
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 50 من صفحه 79 سطر 11 إلى صفحه 87 سطر 11
اخر ، وأعراضها أعراضا اخرى فقد حكمتم بفناء ما هو أزلي وهذا محال ، و
بحدوث شئ آخر من غير شئ وهو مستلزم للمطلوب .
وأما ما ذكره عليه السلام في الحيات والموت فيرجع إلى ما ذكرنا وملخصه أنه إما
أن تكون مادة الكل حية بذاتها أوميتة بذاتها أو تكون الاشياء من أصلين أحدهما
حي بذاته والآخر ميت ، وهذا أيضا يحتمل وجهين : أحدهما أن يكون كل شي
مأخوذا من كل من الحي والميت ، والثاني أن يكون الحي مأخوذا من الحي
والميت من الميت ، فأبطل عليه السلام الاول بأنه لو حصل الميت بذاته عن الحي بذاته
يلزم زوال الحياة الازلية من هذا الجزء من المادة وقد مر امتناعه أو تبدل
الحقيقة الذي يحكم العقل ضرورة بامتناعه . ولو قيل بإعدام الحي وإنشاء الميت
فيلزم المفسدة الاولى مع الاقرار بالمدعى وهو حدوث الشئ لا من شئ ، وبهذا
يبطل الثاني وكذا الثالث ، لان الجزء الحي من المادة يجري فيه ما سبق إذا
حصل منه ميت ، وأشار إليه بقوله ( لان الحي لا يجيئ ( 2 ) منه ميت ) وأشار
* ( هامش ) * ( 1 ) في بعض النسخ : جوهرا آخر .
( 2 ) في بعض النسخ : لا يحيى .
[ 80 ]
إلى الرابع بقوله ( ولا يجوز أن يكون الميت قديما ) وبه يبطل الثاني الثالث
أيضا ، وتقريره أن الازلي لابد أن يكون واجب الوجود بذاته كاملا بذاته ، لشهادة
العقول بأن الاحتياج والنقص من شواهد الامكان المحوج إلى المؤثر والموجد
فلا يكون الازلي ميتا . وربما يحمل الحي في هذا الخبر على الموجود ، والميت
على الاعتباري المعدوم . والظاهر أن أكثر الكلام مبني على مقدمات موضوعة
مسلمة عند الخصم . وقد مر الخبر بتمامه وشرحه في الجمله في المجلد الرابع .
54 التوحيد : عن أبيه وابن عبدوس ، عن ابن قتيبة ، عن الفضل بن شاذان
عن ابن أبي عمير ، قال : قال موسى بن جعفر عليهما السلام : هو الاول الذي لا شئ
قبله
والآخر الذي لا شئ بعده ، وهو القديم وما سواه مخلوق محدث ، تعالى عن صفات
المخلوقين علوا كبيرا ( 1 ) .
55 ومنه : عن الفضل بن عباس الكندي ، عن محمد بن سهل ، عن عبدالله
ابن محمد البلوي ( 2 ) عن عمارة بن زيد ، عن عبيد الله بن العلاء ( 3 ) عن صالح بن
سبيع
عن عمرو بن محمد بن صعصعة ، عن أبيه ، عن محمد بن أوس ( 4 ) عن أميرالمؤمنين عليه
السلام في
خطبة طويلة : لم يخلق الاشياء من اصول أزلية ، ولا من أوائل كانت قبله بدية ( 5 )
بل خلق ما خلق وأتقن خلقه ، وصور ما صور فأحسن صورته ( الخبر ) ( 6 ) .
56 ومنه : عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن يحيى الطعار ، عن
* ( هامش ) * ( 1 ) التوحيد : ص 29 .
( 2 ) بفتح اللام نسبة إلى ( بلى ) كرضى قبيلة من اهل مصر كما صرح به الشيخ في
الفهرست أو من قضاعة كما قال غيره .
( 3 ) في المصدر ( عبدالله بن العلاء ) والظاهر أنه الصحيح لعدم ذكر ( عبيدالله بن
العلاء ) في التراجم .
( 4 ) في المصدر : عن أبى المعتصر مسلم بن أوس .
( 5 ) في المصدر : أبدية .
( 6 ) التوحيد : ص 40 .
[ 81 ]
الحسين بن الحسن بن أبان : عن محمد بن اورمة ( 1 ) عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير
عن عبدالله بن جوين ( 2 ) العبدي ، عن أبي عبدالله عليه السلام أنه كان يقول :
الحمد لله
الذي كان إذ لم يكن شئ غيره ، وكون الاشياء فكانت كما كونها وعلم ما كان
وما هو كائن ( 3 ) .
57 ومنه : عن محمد بن موسى بن المتوكل ، عن محمد العطار ، عن محمد بن
أحمد ، عن عبدالله بن محمد ، عن علي بن مهزيار ، قال : كتب أبوجعفر عليه السلام في
دعاء :
ياذا الذي كان قبل كل شئ ، ثم خلق كل شئ ( الخبر ) ( 4 ) .
58 ومنه عن ابن المتوكل ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الصقر
ابن دلف ( 5 ) عن أبي الحسن الثالث عليه السلام قال : ياابن دلف ، إن الجسم محدث
والله محدثه ومجسمه ( الخبر ) ( 6 ) .
59 ومنه : عن محمدبن علي ما جيلويه ، عن عمه محمد بن أبي القاسم ، عن
محمد بن علي الصيرفي ، عن علي بن حماد ، عن المفضل عن أبي عبدالله عليه السلام في
كلام
يصف [ فيه ] البارئ تعالى : كذلك لم يزل ولا يزال أبد الآبدين ، وكذلك كان
إذ لم تكن أرض ولا سماء ، ولا ليل ولا نهار ، ولا شمس ولا قمر ، ولا نجوم ولا سحاب
* ( هامش ) * ( 1 ) محمد بن اورمة أبوجعفر القمى له كتب مثل كتب الحسين بن سعيد ،
رماه القميون
بالغلو وغمزوا عليه حتى دس عليه من يفتك به فوجدوه يصلى من اول الليل إلى آخره
فوقفوا
عنه وحكى انه ورد توقيع من أبي الحسن الثالث إلى اهل قم في براءته مما قذف به . قال
في
الخلاصة وقد يقال ( ابن ارومه ) بتقديم الراء .
( 2 ) في المصدر : عبدالله بن جون .
( 3 ) التوحيد : ص 38 .
( 4 ) التوحيد : ص 22 .
( 5 ) كذا في نسخ البحار والمصدر ، والظاهر أنه العقر بن أبى دلف الكرخى من شيعة
الامام الهادى عليه السلام بسر من رآى ، ولعل لفظة ( أبى ) سقطت من قلم النساخ
والله العالم .
( 6 ) التوحيد : ص 61 .
[ 82 ]
ولا مطر ولا رياح ، ثم إن الله [ تبارك وتعالى ] أحب أن يخلق خلقا يعظمون
عظمته ، ويكبرون كبرياءه ، ويجلون جلاله ، فقال : كونا ظلين ، فكانا ( 1 ) .
أقول : تمام الخبر في باب جوامع التوحيد .
60 ومنه : عن ماجيليوه ، عن عمه ، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، عن
أبيه ، عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال
:
إن الله تبارك وتعالى كان ولا شئ غيره ( الخبر ) ( 2 ) .
61 ومنه : عن أبيه ، عن محمد العطار ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب
عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام
قال :
سمعت يقول : كان ولا شئ غيره . ولم يزل الله ( 3 ) عالما بما كون ، فعلمه به قبل
كونه كعلمه به بعد ما كونه ( 4 ) .
62 ومنه : عن علي بن أحمد الدقاق ، عن محمد بن جعفر الاسدي ، عن
محمد بن بشر ، عن أبي هاشم الجعفري ( 5 ) قال : كنت عند أبي جعفر الثاني عليه
السلام
فسأله رجل فقال : أخبرني عن الرب تبارك وتعالى له أسماء وصفات في كتابه
فأسماؤه وصفاته هي هو ؟ فقال أبوجعفر عليه السلام : إن لهذا الكلام وجهين ، إن كنت
تقول ( هي هو ) أنه ( 6 ) ذو عدد وكثرة فتعالى الله عن ذلك ، وإن كنت تقول :
لم تزل هذه الصفات والاسماء ، فإن ( لم تزل ) يحتمل معنيين ، فإن قلت : لم تزل
* ( هامش ) * ( 1 ) التوحيد : ص 80 .
( 2 ) في المصدر : ص 89 .
( 3 ) في المصدر : كان الله ولا شئ غيره ولم يزل عالما .
( 4 ) التوحيد : ص 92 .
( 5 ) هو داود بن القاسم بن إسحاق بن عبدالله بن جعفر بن أبى طالب ثقة شريف القدر
عظيم المنزلة عند الائمة عليهم السلام وقد أدرك الرضا والجواد والهادى والعسكرى
وصاحب
الامر صلوات الله عليهم وروى عن كلهم .
( 6 ) في الكافى : أى أنه .
[ 83 ]
عنده في علمه وهو مستحقها فنعم ، وإن كنت تقول : لم تزل تصويرها وهجائها و
تقطيع حروفها فمعاذ الله أن يكون معه شئ غيره ، بل كان الله ولا خلق ، ثم خلقها
وسيلة بينه وبين خلقه ، يتضرعون بها إليه ويعبدونه ، وهي ذكره وكان الله سبحانه
ولا ذكر ، والمذكور بالذكر هو الله القديم الذي لم يزل ، [ و ] الاسماء والصفات
مخلوقات والمعني بها هو الله ( الخبر ) ( 1 ) .
الاحتجاج : عن الجعفري مثله ( 2 ) .
الكافى : عن محمد بن أبي عبدالله رفعه إلى أبي هاشم الجعفري مثله ( 3 ) .
أقول : قد مر شرحه في كتاب التوحيد ، ودلالته على المدعى صريحة .
63 التوحيد والكافى : روي أنه سئل أميرالمؤمنين عليه السلام : أين كان ربنا
قبل أن يخلق سماء وأرضا ؟ فقال عليه السلام : ( أين ) سؤال عن مكان ، وكان الله ولا
مكان ( 4 ) .
64 الاحتجاج : سئل أبوالحسن علي بن محمد عليه السلام عن التوحيد فقيل :
لم يزل الله وحده لا شئ معه ، ثم خلق الاشياء بديعا واختار لنفسه أحسن ( 5 )
الاسماء ؟
أو لم تزل الاسماء والحروف معه قديمة ؟ فكتب : لم يزل الله موجودا ثم كون
ما أراد ( الخبر ) ( 6 ) .
65 التوحيد : عن على بن أحمد الدقاق ، عن الكليني رفعه قال : سأل
ابن أبي العوجاء أبا عبدالله عليه السلام فقال : ما الدليل على حدوث ( 7 ) الاجسام
؟ فقال :
إني ما وجدت شيئا صغيرا ولا كبيرا إلا وإذا ضم إليه مثله صار أكبر ، وفي ذلك
* ( هامش ) * ( 1 ) التوحيد : ص 130 .
( 2 ) الاحتجاج : 244 .
( 3 ) الكافى : ج 1 ، ص 116 .
( 4 ) التوحيد : ص 115 ، الكافى : ج 1 ، ص 90 .
( 5 ) في المصدر : لنفسه الاسماء .
( 6 ) الاحتجاج : 249 .
( 7 ) في المصدر : حدث .
[ 84 ]
زوال وانتقال عن الحالة الاولى ، ولو كان قديما ما زال ولا حال ، لان الذي
يزول ويحول يجوز أن يوجد ويبطل فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث
وفي كونه في الاولى دخوله في العدم ، ولن تجتمع صفة الازل والعدم في شئ
واحد ( الخبر ) ( 1 ) .
66 ومنه : عن محمد بن الحسن الصفار ، عن العباس بن معروف ، عن
عبدالرحمان بن أبي نجران ، عن حماد بن عثمان ، عن عبدالرحيم ، قال : كتبت
على يدي عبدالملك بن أعين ( 2 ) إلى أبي عبدالله عليه السلام : جعلت فداك ، اختلف
الناس
في القرآن ، فزعم قوم أن القرآن كلام الله غير مخلوق ، وقال آخرون : كلام الله
مخلوق . فكتب عليه السلام : القرآن كلام الله محدث غير مخلوق وغير أزلي مع الله
تعالى
ذكره وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ، كان الله عزوجل ولا شئ غير الله معروف ولا
مجهول ، وكان عزوجل ولا متكلم ولا مريد ولا متحرك ولا فاعل عزوجل ربنا
فجميع هذه الصفات محدثة عند حدوث الفعل منه عزوجل ربنا ، والقرآن كلام
الله غير مخلوق ، فيه خبر من كان قبلكم وخبر ما يكون بعدكم ، انزل من عند الله
على محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ( 3 ) .
قال الصدوق رحمه الله : معنى قوله عليه السلام ( غير مخلوق ) غير مكذوب ، ولا
يعني به أنه غير محدث ، لانه قد قال ( محدث غير مخلوق وغير أزلي مع الله تعالى
ذكره ) وإنما منعنا من إطلاق المخلوق عليه لان المخلوق في اللغة قد يكون مكذوبا
* ( هامش ) * ( 1 ) التوحيد : ص 216 . وقد مر الحديث بتمامه مع شرحه تحت الرقم 32 .
( 2 ) عبدالملك بن أعين الشيبانى الكوفى تابعى أخو زرارة بن أعين ووالد ضريس مات
في حياة أبى عبدالله عليه السلام ويذكر في عداد اصحاب الباقر والصادق عليهما السلام
كان
مستقيما دعا له ابوعبدالله عليه السلام واجتهد في الدعاء والترحم عليه . روى الكشى
عن زرارة
أن ابا عبدالله عليه السلام قال بعد موت عبدالملك ، اللهم إن أبا الضريس كنا عنده
خيرتك من
خلقك فصيره في ثقل محمد صلواتك عليه وآله يوم القيامة . ثم قال عليه السلام سبحان
الله !
أين مثل أبى الضريس ؟ لم يأت بعد !
( 3 ) التوحيد : ص 159 .
[ 85 ]
ويقال ( كلام مخلوق ) أي مكذوب ، قال الله تبارك وتعالى ( إنما تعبدون من
دون الله أوثانا وتخلقون إفكا ) أي كذبا .
أقول : الظاهر أن فيه نوعا من التقية أو الاتقاء لا متناع المخالفين من إطلاق
هذا اللفظ على القرآن أشد الامتناع .
67 قصص الراوندى : بإسناده إلى الصدوق ، عن أبيه وابن الوليد معا
عن سعد بن عبدالله ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن ابن محبوب ( 1 ) عن
عمرو بن أبي المقدام ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قال أميرالمؤمنين
عليه السلام :
إن الله لما خلق الارضين خلقها قبل السماوات .
أقول : تمامه في باب العوالم .
68 البصائر : عن أحمد بن محمد وعبدالله بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن ابن
رئاب ، عن سدير ، قال : سأل حمران أبا جعفر عليه السلام عن قول الله تبارك وتعالى (
بديع
السماوات والارض ) قال عليه السلام : إن الله ابتدع الاشياء كلها على غير مثال كان
وابتدع السماوات والارض ولم يكن قبلهن سماوات ولا أرضون أما تسمع لقوله
تعالى ( كان عرشه على الماء ) ؟
العياشى : عن حمران مثله .
69 ثواب الاعمال : عن أبيه ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد البرقي ، عن
أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن أبي العلاء ، عن أبي خالد الصيقل ، عن أبي جعفر عليه
السلام
قال : إن الله عزوجل فوض الامر إلى ملك من الملائكة ، فخلق سبع سماوات
وسبع أرضين وأشياء ، فلما رأى الاشياء قد انقادت له قال : من مثلي ؟ فأرسل الله
* ( هامش ) * ( 1 ) هو الحسن بن محبوب لا ( محمد بن على بن محبوب ) لروايته عن عمرو
بن أبي
المقدام ورواية محمد بن الحسين عنه ، ومحمد بن على بن محبوب لا يروى عن ( عمرو )
بلا
واسطة ، ومحمد بن الحسين راوية الحسن بن محبوب .
[ 86 ]
عزوجل نويرة من نار . قال : ( 1 ) وما نويرة ( 2 ) من نار ؟ قال : نار بمثل ( 3 )
أنملة . قال : فاستقبلها بجميع ما خلق فتخللت ( 4 ) لذلك حتى وصلت إليه لما أن
أدخله ( 5 ) العجب ( 6 ) .
المحاسن : عن أبيه ، عن ابن سنان مثله .
70 ومنه : عن أبيه ، عن بعض أصحابه ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن
أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى كان وليس شئ غيره ، نورا لا ظلام
فيه ، وصدقا لا كذب فيه ، وعلما لا جهل فيه ، وحياة لا موت فيه ، وكذلك ( 7 )
لا يزال أبدا ( 8 ) .
71 العياشى : عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان الله تبارك
وتعالى كما وصف نفسه ، وكان عرشه على الماء ، والماء على الهواء ، والهواء لا
يجري ، ولم يكن غير الماء خلق ، والماء يومئذ عذب فرات ، فلما أراد الله أن يخلق
الارض أمر الرياح الاربع فضربن الماء حتى صار موجا ، ثم أزبد زبدة واحدة
فجمعه في موضع البيت ، فأمر الله فصار جبلا من زبد ، ثم دحى الارض من تحته
ثم قال : إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين .
72 ومنه : عن عيسى بن أبي حمزة ( 9 ) قال : قال رجل لابي عبدالله عليه السلام
* ( هامش ) * ( 1 ) في ثواب الاعمال : قلت .
( 2 ) في المحاسن : وما النويرة .
( 3 ) في المحاسن : مثل الانملة .
( 4 ) في المحاسن : ( فتخبل ) والظاهر أنه تصحيف .
( 5 ) في ثواب الاعمال : فاستقبلها بجميع ما خلق حتى وصلت إليه لما دخله العجب .
( 6 ) ثواب الاعمال : ص 242 ، المحاسن : ص 123 .
( 7 ) في المصدر : وكذلك هو اليوم وكذلك .
( 8 ) المحاسن : ص 242 .
( 9 ) كذا في جميع النسخ ، لكن الظاهر ان الصحيح ( عيسى بن حمزة ) لعدم ذكر عيسى
[ 87 ]
جعلت فداك ، إن الناس يزعمون أن الدنيا عمرها سبعة آلاف سنة فقال : ليس كما
يقولون ، إن الله خلق لها خمسين ألف عام ، فتركها قاعا قفرا خاوية عشرة آلاف
عام ، ثم بدالله بداء ، فخلق فيها خلقا ليس من الجن ولا من الملائكة ولا من الانس
وقدرلهم عشرة آلاف عام ، فلما قربت آجالهم أفسدوا فيها فدمر الله عليهم تدميرا
ثم تركها قاعا قفرا خاوية عشرة آلاف عام ، ثم خلق فيها الجن ، وقدر لهم عشرة
آلاف عام [ فيها ] فلما قربت آجالهم أفسدوا فيها وسفكوا الدماء وهو قول الملائكة
( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) كما سفكت بنو الجان ، فأهلكهم الله .
ثم بدا الله فخلق آدم وقرر ( 1 ) له عشرة آلاف ، وقد مضى من ذلك سبعة آلاف عام
ومائتان وأنتم في آخر الزمان .
73 تفسير الامام : قال عليه السلام : قال أميرالمؤمنين عليه السلام : قال رسول الله
صلى الله عليه وآله في قوله عزوجل ( الذي جعل لكم الارض فراشا ) : إن الله
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 50 من صفحه 87 سطر 12 إلى صفحه 95 سطر 12
عزوجل لما خلق الماء فجعل عرشه عليه قبل أن يخلق السماوات والارض وذلك
قوله عزوجل ( هو الذي خلق السماوات والارض في ستة أيام وكان عرشه على
الماء ) يعني وكان عرشه على الماء قبل أن يخلق السماوات والارض ، فأرسل الله
* ( هامش ) * ابن أبى حمزة في التراجم ، وهو عيسى بن حمزة بن حمزة المدائنى : عده
الشيخ تارة من
اصحاب الباقر واخرى من اصحاب الصادق عليهما السلام قال النجاشى ( ص : 226 ) عيسى بن
حمزة المدائنى الثقفى روى عن ابى عبدالله عليه السلام وقال في تنقيح المقال ( ج 2 ،
ص 359 )
ما حاصله انه امامى إلا أن حاله مجهول لكن يمكن الوثوق بروايته لما روى في الفقيه
في باب
ما يأخذ الاب من مال ابنه قال : روى عن عيسى الثقفى وكان ساحرا يأتيه الناس فيأخذ
على
ذلك الاجر قال فحججت فلقيت ابا عبدالله عليه السلام بمنى فقلت : جعلت فداك انا رجل
وكانت
بضاعتى السحر وكنت آخذ عليه الاجر ومن الله عزوجل على بلقائك وقد تبت إلى الله ،
فهل
لى في شئ منه ؟ فقال : حل ولا تعقد فان توبته تكشف عن ديانته ولا أقل من كون توبته
بمنزلة
المدخ فيكون الرجل من الحسان .
( 1 ) في بعض النسخ ( فتبحز الماء ) وفي بعضها ( ففجر البحر ) .
[ 88 ]
الرياح على الماء ، فتفجر الماء ( 1 ) من أمواجه ، فارتفع عنه الدخان ، وعلا فوق
الزبد ، فخلق من دخانه السماوات السبع ، فخلق من زبده الارضين السبع ، فبسط
الارض على الماء ، وجعل الماء على الصفا ، والصفا على الحوت ، والحوت على الثور
والثور على الصخرة التي ذكرها لقمان لابنه فقال ( يا بني إنها إن تك مثقال
حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الارض يأت بها الله ) والصخره
على الثرى ، ولا يعلم ما تحت الثرى إلا الله . فلما خلق الله الارض دحاها من تحت
الكعبة ثم بسطها على الماء ، فأحاطت بكل شئ ، ففخرت الارض وقالت : أحطت
بكل شئ فمن يغلبني ؟ وكان في كل اذن من آذان الحوت سلسلة من ذهب مقرونة
الطراف بالعرش ، فأمر الله الحوت فتحركت ( 1 ) فتكفأت الارض بأهلها كما تكفئ
السفينة على متن الماء قد اشتدت أمواجه ، ولم تستطع الارض الامتناع ، ففخرت
الحوت وقالت : غلبت الارض التي أحاطت بكل شئ فمن يغلبني ؟ فخلق الله عز
وجل الجبال فأرسيها ، وثقل الارض بها ، فلم يستطع الحوت أن يتحرك ، ففخرت
الجبال وقالت : غلبت الحوت التي غلبت الارض فمن يغلبني ؟ فخلق الله عزوجل
الحديد ، فقطعت به الجبال ، ولم يكن عندها دفاع ولا امتناع ، ففخر الحديد وقال :
غلبت الجبال التي غلبت الحوت فمن يغلبني ؟ فخلق الله عزوجل النار فألانت الحديد
وفرقت أجزاءه ولم يكن عند الحديد دفاع ولا امتناع ، ففخرت النار وقالت :
غلبت الحديد الذي غلب الجبال فمن يغلبني ؟ فخلق الله عزوجل الماء فأطفأ النار
ولم يكن عندها دفاع ولا امتناع ، ففخر الماء وقال : غلبت النار التي غلبت الحديد
فمن يغلبني ؟ فخلق الله عزوجل الريح ( 2 ) فأيبست الماء ففخرت الريح و
قالت : غلبت الماء الذي غلب النار فمن يغلبني ؟ فخلق الله عزوجل الانسان
فصرف الرياح ( 3 ) عن مجاريها بالبنيان ففخر الانسان وقال : غلبت الريح التي
* ( هامش ) * ( 1 ) في بعض النسخ ( فتحرك ) وفيها اثبتت الافعال الاتية المسندة إلى
ضمير الحوت
مذكرة أما التذكير فظاهر وأما التأنيث فباعتبار أن معناه ( السمكة ) .
( 2 ) في النسخة ( قال : غلبت فأيبست الماء ) وهو حشو ( ب ) .
( 3 ) في بعض النسخ : الريح .
[ 89 ]
غلبت الماء فمن يغلبني ؟ فخلق الله عزوجل ملك الموت فأمات الانسان ففخر ملك
الموت وقال : غلبت الانسان الذي غلبت الريح فمن يغلبني ؟ فقال الله عزوجل :
أنا القهار الغلاب الوهاب ، أغلبك وأغلب كل شئ ، فذلك قوله ( إليه يرجع
الامر كله ) .
74 العياشى : عن أبي جعفر عن رجل عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن الله
خلق السماوات والارض في ستة أيام ، فالسنة تنقص ستة أيام .
بيان : لعل المعنى أن مقتضى ظاهر الحال كان تساوي الشهور وكون كلها
ثلاثين يوما ، فأسقط الله الستة عن الشهور ، وجعل حركة القمر بحيث تصير السنة
القمرية ثلاث مائة وأربعة وخمسين يوما ، ولذا تطلق السنة في عرف الشرع وعرف
العرب على الثلاث مائة والستين ، مع أنه لا يوافق حركة الشمس ولا حركة القمر
والله يعلم .
75 العياشى : عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله جل ذكره
وتقدست أسماؤه خلق الارض قبل السماء ثم استوى على العرش لتدبير الامور .
ومنه : عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان الله تبارك وتعالى
كما وصف نفسه ، وكان عرشه على الماء ، والماء على الهواء ، والهواء لا يجري .
76 ومنه : عن محمد بن عمران العجلي ، قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام :
أي شئ كان موضع البيت حيث كان الماء في قول الله عزوجل ( وكان عرشه على
الماء ) ؟ قال : كانت مهاة بيضاء . يعني درة .
77 المناقب : سأل ضباع ( 1 ) الهندي : ما أصل الماء ؟ قال عليه السلام : أصل
الماء من خشية الله ( 2 ) .
بيان : أي خشية الله صار سببا لذوبان الدرة وصيرورتها ماء كما سيأتي
* ( هامش ) * ( 1 ) كذا وفي المصدر : صباح بن نصر الهندى .
( 2 ) المناقب : ج 4 ، ص 354 .
[ 90 ]
78 تنبيه الخاطر للورام : عن ابن عباس عن أميرالمؤمنين عليه السلام : قال :
إن الله تعالى أول ما خلق الخلق خلق نورا ( 1 ) ابتدعه من غير شئ ، ثم خلق منه
ظلمة ، وكان قديرا أن يخلق الظلمة لا من شئ كما خلق النور من غير شئ ، ثم
خلق من الظلمة نورا ، وخلق من النور ياقوتة غلظها كغلظ سبع سماوات وسبع
أرضين ، ثم زجر الياقوتة فماعت لهيبته فصارت ماء مرتعدا ، ولا يزال مرتعدا إلى
يوم القيمة ، ثم خلق عرشه من نوره ، وجعله على الماء ، وللعرش عشرة آلاف
لسان يسبح الله كل لسان منها بعشرة آلاف لغة ليس فهيا لغة تشبه الاخرى ، وكان
العرش على الماء ، من دون حجب ( 2 ) الضباب ( 3 ) .
79 تفسير الفرات : عن عبيد بن كثير معنعنا عن الحسن بن علي بن أبي
طالب عليهما السلام قال : شهدت أبي ( 4 ) عند عمر بن الخطاب وعنده كعب الاحبار وكان
رجلا قد قرأ التوراة وكتب الانبياء عليهم السلام ، فقال له عمر : يا كعب ، من كان
أعلم
بني إسرائيل بعد موسى بن عمران عليه السلام ؟ قال : كان أعلم بنى إسرائيل بعد موسى
ابن عمران يوشع بن نون ، وكان وصى موسى بن عمران بعده ( 5 ) وكذلك كل
نبي خلا من بعد ( 6 ) موسى بن عمران كان له وصي يقوم في امته من بعده . فقال له
عمر : فمن وصي نبينا وعالمنا ؟ أبوبكر ؟ قال وعلي ساكت لا يتكلم . فقال كعب :
مهلا ( 7 ) ! فإن السكوت عن هذا أفضل ، كان أبوبكر رجلا خطا ( 8 ) بالصلاح فقدمه
المسلمون لصلاحه ولم يكن بوصي ، فإن موسى [ بن عمران ] لما توفي أوصى إلى
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : إنه عزوجل خلق نورا .
( 2 ) في بعض النسخ ( من دونه حجب الضياء ) وفي المصدر ( ومن دونه حجب الضباب ) .
( 3 ) تنبيه الخاطر : ج 2 ، ص 5 6 .
( 4 ) في المصدر : مع أبى .
( 5 ) في المصدر : وصى موسى من بعده .
( 6 ) في المصدر : من قبل موسى ومن بعده .
( 7 ) في المصدر : مهلا يا عمر .
( 8 ) في بعض النسخ ( حظا ) وكلاهما بمعنى .
[ 91 ]
يوشع بن نون فقبله طائفة من بني إسرائيل وأنكرت فضله طائفة ، وهي ( 1 ) التي
ذكر الله تعالى في القرآن ( فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا
الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ( 2 ) ) وكذلك الانبياء السالفة والامم
الخالية لم يكن نبي إلا وقد كان له وصي يحسده قومه ويدفعون فضله ! فقال :
ويحك يا كعب ! فمن ترى وصى نبينا ؟ قال كعب : معروف في جميع كتب الانبياء
والكتب المنزلة من السماء ( علي أخوالنبي العربي عليه السلام يعينه على أمره
ويوازره
على من ناواه [ و ] له زوجة مباركة [ و ] له منها ابنان يقتلهما امته من بعده ، و
يحسدون ( 3 ) وصيه كما حسدت الامم أوصياء أنبيائها ، فيدفعونه عن حقه ، ويقتلون
من ولده بعده ( 4 ) كحسد ( 5 ) الامم الماضية ) . وقال : فأفحم عندها وقال ( 6 ) :
يا
كعب ! لئن صدقت في كتاب الله المنزل قليلا فقد كذبت كثيرا ! فقال كعب : والله
ما كذبت في كتاب الله قط ، ولكن سألتني عن أمرلم يكن لي بد من تفسيره و
الجواب فيه ، فإني لاعلم أن أعلم هذه الامة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه
السلام
بعد نبيها ( 7 ) لاني لم أسأله عن شئ إلا وجدت عنده كلما ( 8 ) تصدقه به التورية
وجميع كتب الانبياء عليهم السلام فقال له عمر : اسكت يا ابن اليهودي ( 9 ) ! فو
الله إنك
لكثير التخرص ( 10 ) بكذب ( 11 ) فقال كعب : والله ما علمت أني كذبت في شي من
* ( هامش ) * ( 1 ) في بعض النسخ : فهى
( 2 ) الصف : 14
( 3 ) في بعض النسخ : ويحسد .
( 4 ) في بعض النسخ : ولده من بعده وكذا في المصدر .
( 5 ) في بعض النسخ : كحذو .
( 6 ) في بعض النسخ : قال : فأفحم عمر وفي المصدر : قال فأفحم عمر عندها وقال له .
( 7 ) في بعض النسخ : نبينا .
( 8 ) في المصدر : علما .
( 9 ) في المصدر : يا ابن اليهودية .
( 10 ) في بعض النسخ : لكثيرالتخرص
( 11 ) في المصدر : لكثير التحرض والكذب .
[ 92 ]
كتاب الله منذجرى لله علي الحكم ، ولئن شئت لالقين عليك شيئا من علم التوراة
فإن فهمته فأنت أعلم منه ، وإن فهم فهو أعلم منك . فقال له عمر : هات بعض هناتك
فقال كعب : أخبرني عن قول الله ( وكان عرشه على الماء ) فأين كانت الارض ؟ و
أين كانت السماء ؟ وأين كان جميع خلقه ؟ فقال له عمر : ومن يعلم غيب ( 1 ) الله منا
إلا ما سمعه رجل من نبينا ؟ قال : ولكن إحال أبا حسن لو سئل عن ذلك لشرحه
بمثل ما قرأناه في التوراة . فقال له عمر : فدونك إذا اختلف المجلس . قال : فلما
دخل علي عليه السلام على عمر وأصحابه ( 2 ) أرادوا إسقاط أميرالمؤمنين علي بن أبي
طالب
عليه السلام فقال كعب : يا أبا الحسن أخبرني عن قول الله تعالى في كتابه ( وكان
عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) قال أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه
السلام :
نعم ، كان عرشه على الماء حين لا أرض مدحية ، ولا سماء مبنية ولا صوت يسمع
ولا عين تنبع ، ولا ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، ولا نجم يسري ، ولا قمر يجري
ولا شمس تضيئ ، عرشه على الماء ، غير مستوحش إلى أحد من خلقه ، يمجد نفسه
ويقدسها كما شاء أن يكون كان ، ثم بداله أن يخلق الخلق ، فضرب بأمواج البحور
فثار منها مثل الدخان كأعظم ما يكون من خلق الله ، فبنابها سماء رتقا ، ثم دحا ( 3
)
الارض من موضع ( 4 ) الكعبة وهي وسط الارض فطبقت إلى البحار ، ثم فتقها
بالبنيان وجعلها سبعا بعد إذ كانت واحدة ، ثم استوى إلى السماء وهي دخان من
ذلك الماء الذي أنشأه من تلك البحور ، فجعلها سبعا طباقا بكلمته التي لا يعلمها
غيره
وجعل في كل سماء ساكنا من الملائكة خلقهم معصومين من نور من بحور عذبة
وهو ( 5 ) بحر الرحمة ، وجعل طعامهم التسبيح والتهليل والتقديس ، فلما قضى أمره
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : بغيب الله .
( 2 ) في المصدر : ( فلما دخل على عمر أصحابه ) والظاهر أنه الصحيح .
( 3 ) في المصدر : ثم انشق .
( 4 ) في بعض النسخ : في موضع .
( 5 ) وهى ( خ ) .
* ( هامش ) * ( 1 )
[ 93 ]
وخلقه استوى على ملكه فمدح كما ينبغي له أن يحمد ، ثم قدر ملكه فجعل في
كل سماء شهبا معلقة ( 1 ) كواكب كتعليق القناديل من المساجد لا يحصيها ( 2 ) غيره
تبارك وتعالى ، والنجم من نجوم السماء كأكبر مدينة في الارض ، ثم خلق الشمس
والقمر فجعلهما شمسين ، فلو تركهما تبارك وتعالى كما كان ابتدأهما في أول مرة
لم يعرف خلقة الليل من النهار ، ولا عرف الشهر ولا السنة ، ولا عرف الشتاء من
الصيف ، ولا عرف الربيع من الخريف ، ولا علم أصحاب الدين متى يحل دينهم
ولا علم العامل متى يتصرف ( 3 ) في معيشته ومتى يسكن لراحة بدنه ، فكان الله تبارك
وتعالى لرأفته بعباده نظر ( 4 ) لهم فبعث جبرئيل عليه السلام إلى إحدى الشمسين فمسح
بها جناحه فأذهب منها الشعاع والنور وترك فيها الضوء ، فذلك قوله ( وجعلنا
الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل فجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من
ربكم ولتعلمواعدد السنين والحساب وكل شئ فصلناه تفصيلا ) وجعلهما يجريان
في الفلك ، والفلك بحر ( 5 ) فيما بين السماء والارض مستطيل في السماء ، استطالته
ثلاثة فراسخ يجري في غمرة الشمس والقمر ، كل واحد منهما على عجلة يقودهما ( 6 )
ثلاثمائة ملك بيد كل ملك منها عروة يجرونها في غمرة ذلك البحر ، لهم زجل
بالتهليل والتسبيح والتقديس ، لوبرز واحد منهما من غمر ذلك البحر لاحترق كل
شئ على وجه الارض حتى الجبال والصخور ما خلق الله من شئ ، فلما خلق
الله السماوات والارض والليل والنهار والنجوم والفلك وجعل الارضين على ظهر
حوت ( 7 ) أثقلها فاضطربت فأثبتها بالجبال ، فلما استكمل خلق ما في السماوات
* ( هامش ) * ( 1 ) في بعض النسخ : معلقة الكواكب .
( 2 ) ما لا يحصيها ( خ ) .
( 3 ) في المصدر : ينصرف .
( 4 ) في المصدر : أراف بعباده وأنظر .
( 5 ) في المخطوط : يجرى .
( 6 ) في المصدر : يقوده .
( 7 ) في المصدر : الحوت .
[ 94 ]
والارض يومئذ خالية ليس فيها أحد قال للملائكة : إني جاعل في الارض خليفة
قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك
قال : إني أعلم ما لا تعلمون . فبعث الله جبرئيل عليه السلام فأخذ من أديم الارض
قبضة
فعجنه بالماء العذب و ؟ ؟ ( 1 ) وركب فيه الطبائع قبل أن ينفسخ فيه الروح ، فخلقه
من أديم الارض فلذلك سمي ( آدم ) لانه لما عجن بالماء استأدم فطرحه في الجبل
كالجبل العظيم ، وكان إبليس يومئذ خازنا على السماء الخامسة يدخل في منخر آدم
ثم يخرج من دبره ، ثم يضرب بيده على بطنه فيقول : لاى أمر خلقت ؟ لئن جعلت
فوقي لا أطعتك ، وإن جعلت أسفل مني لا اعينك ! فمكث في الجنة ألف سنة ما
بين خلقه إلى أن ينفخ فيه الروح فخلقه من ماء وطين ، نور وظلمة ، وريح ونور
من نور الله ، فأما النور فيورثه الايمان ، وأما الظلمة فيورثه الكفر والضلالة
وأما الطين فيورثه الرعدة والضعف والاقشعرار ( 2 ) عند إصابة الماء ، فينعت ( 3 )
به
على أربع الطبائع : على الدم ، والبلغم ، والمرار ، والريح . فذلك قوله تبارك
وتعالى ( أو لا يذكر الانسان أنا خلقناه من قبل ولم يكن شيئا ) .
قال : فقال كعب : يا عمر ! بالله أتعلم كعلم أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ؟
فقال : لا فقال كعب : علي بن أبي طالب عليه السلام وصى الانبياء ، ومحمد خاتم
الانبياء
عليهم السلام ، وعلي خاتم الاوصياء ، وليس على الارض اليوم منفوسة إلا [ و ]
علي بن أبي طالب أعلم منه ، والله ما ذكر من خلق الانس والجن والسماء
والارض والملائكة شيئا إلا وقد قرأته في التوراة كما قرأ ! قال : فمارئي عمر غضب
قط مثل غضبه ذلك اليوم ( 4 ) .
بيان : الخرص : الكذب والقول بالظن ، والتخرص : الافتراء . ( بعض
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : والماء المالح .
( 2 ) في المصدر : القشعريرة
( 3 ) في المصدر : فينبعث .
( 4 ) تفسير فرات : 65 .
[ 95 ]
هناتك ) أي شرورك ، أو كلماتك العجيبة ( ( ولكن إخال ) بكسر الهمزة وقد تفتح
أي أظن ( ثم فتقها بالبنيان ) لعل المراد جعل الفرج بين قطعاتها فصارت كالبنيان
أو جعل فيها البناء والعمارة فقسمت بالاقاليم على قول . والجبل بالفتح الساحة .
وكان في الخبر تصحيفات وهو مشتمل على رموز ولعنا نتكلم في بعض أجزائه في
موضع يناسبه .
80 الكافى : عن محمد بن الحسن ، عن سهل ، عن ابن محبوب ، عن عبدالرحمن
ابن كثير ، عن داود الرقي ، قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزوجل
( وكان عرشه على الماء ) فقال : ما يقولون ( 1 ) ؟ قلت : يقولون : إن العرش كان
على الماء والرب فوقه ! فقال : كذبوا ، من زعم هذا فقد صير الله محمولا ، ووصفه
بصفة المخلوق ( 2 ) ولزمه أن الشئ الذي يحمله أقوى منه ! قلت : بين لي جعلت
فداك ، فقال : إن الله حمل دينه وعلمه الماء قبل أن تكون أرض أو سماء ، أوجن
أو إنس ، أو شمس أو قمر ، فلما أراد أن يخلق الخلق نثرهم بين يديه ، فقال لهم :
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 50 من صفحه 95 سطر 13 إلى صفحه 103 سطر 13
من ربكم ؟ فأول من نطق رسول الله صلى الله عليه وآله وأميرالمؤمنين والائمة عليهم
السلام فقالوا :
أنت ربنا ، فحملهم العلم والدين ، ثم قال للملائكة : هؤلاء حملة ديني وعلمي و
امنائي في خلقي وهم المسؤولون ، ثم قال لبني آدم : أقروالله بالربوبية ، ولهؤلاء
النفر بالولاية والطاعة . فقالوا : نعم ، ربنا أقررنا . فقال الله للملائكة :
اشهدوا
فقالت الملائكه : شهدنا على أن لا يقولوا غدا إنا كنا من هذا غافلين أو يقولوا
إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ؟ يا
داود ولايتنا مؤكدة عليهم في الميثاق ( 3 ) .
التوحيد : عن على بن أحمد الدقاق ، عن محمد بن أبي عبدالله الكوفي ، عن
* ( هامش ) * ( 1 ) في التوحيد : فقال لى ما يقولون في ذلك .
( 2 ) في التوحيد : المخلوقين .
( 3 ) الكافى : ج 1 ، ص : 132 .
[ 96 ]
محمد بن إسماعيل البرمكي ، عن جزعان ( 1 ) بن نصر الكندي ، عن سهل مثله .
بيان : ظاهره أن الله سبحانه أعطى الماء حالة صار قابلا لحمل دينه وعلمه
ويحتمل أن يكون المعنى أنه لما كان الماء أول المخلوقات وكان الله تعالى جعله
قابلا لان يخرج منه خلقا يكونون قابلين لعلمه ودينه وكان يهيئ أسباب خروجهم
منه فكأنه حمل دينه وعلمه الماء ، ومن يسلك مسلك الحكماء قد يؤول الماء بالعقل
وقد يؤوله بالهيولى ، ونحن من ذلك بمعزل بفضله تعالى .
81 الكافى : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد
عن محمد بن داود ، عن محمد بن عطية ( 2 ) قال : جاء إلى أبي جعفر عليه السلام رجل
من أهل
الشام من علمائهم فقال : يا أبا جعفر ! جئت أسألك عن مسأله قد أعيت علي أن أجد
أحدا يفسرها ! وقد سألت عنها ثلاثة أصناف من الناس فقال كل صنف منهم شيئا
غير الذي قال الصنف الآخر . فقال له أبوجعفر عليه السلام : ما ذاك ؟ قال : فإني
أسألك
عن أول ما خلق الله من خلقه ، فإن بعض من سألته قال : القدر ، وقال بعضهم :
القلم ، وقال بعضهم : الروح . فقال أبوجعفر : ما قالوا شيئا ! اخبرك أن الله تبارك
وتعالى كان ولا شئ غيره ، وكان عزيزا ولا أحد كان قبل عزه ، وذلك قوله
( سبحان ربك رب العزة عما يصفون ) وكان الخالق قبل المخلوق ، ولو كان أول
ما خلق من خلقه الشئ من الشئ إذا لم يكن له انقطاع أبدا ، ولم يزل الله إذا
ومعه شئ ليس هو يتقدمه ، ولكنه كان إذ لا شئ غيره ، وخلق الشئ الذي جميع
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : جذعان بن أبى نصر الكندى .
( 2 ) هو محمد بن عطية الحناط الكوفى اخو الحسن وجعفر ، قال النجاشى عند ترجمة
اخيه الحسن ، : الحسن بن عطة الحناط كوفى ، مولى ، ثقة ، واخواه أيضا ، وكلهم يروون
عن
أبى عبدالله عليه السلام وظاهره وثاقة محمد وجعفر أيضا . لكن في روايته عن ابى جعفر
بلا واسطة اشكال ، لانه روى عن أبى عبدالله عليه السلام وهو صغير كما صرح به
النجاشى ، فكأن
في السند ارسالا . ويؤيده أنه لم يذكر روايته في سائر كتب الرجال أيضا إلا عن
الصادق
عليه السلام .
[ 97 ]
الاشياء منه وهو الماء الذي خلق الاشياء منه ، فجعل نسب كل شئ إلى الماء ، ولم
يجعل للماء نسبا يضاف إليه ، وخلق الريح من الماء ، ثم سلط الريح على الماء
فشققت الريح متن الماء حتى ثار من الماء زبد على قدر ما شاء أن يثور ، فخلق من
ذلك الزبد أرضا بيضاء نقية ليس فيها صدع ولا ثقب ( 1 ) ولا صعود ولا هبوط ، ولا
شجرة ثم طواها فوضعها فوق الماء ، ثم خلق الله النار من الماء ، فشققت النار متن
الماء حتى ثار من الماء دخان على قدر ما شاء الله أن يثور ، فخلق من ذلك الدخان
سماء صافية نقية ليس فيها صدع ولا نقب ( 2 ) وذلك قوله ( أم السماء بنيها * رفع
سمكها فسويها * وأغطش ليلها وأخرج ضحيها ) قال : ولا شمس ولا قمر ، ولا نجوم
ولا سحاب ، ثم طواها فوضعها فوق الارض ، ثم نسب الخليقتين ، فرفع السماء قبل
الارض ، فذلك قوله عز ذكره ( والارض بعد ذلك دحيها ) يقول : بسطها .
قال : فقال له الشامي : يا أبا جعفر ! قول الله عزوجل ( أو لم يرالذين كفروا
أن السماوات والارض كانتا رتقا ففتقناهما ) ؟ فقال له أبوجعفر عليه السلام : فلعلك
تزعم أنهما كانتا رتقا ملتزقتين ملتصقتين ففتقت إحداهما من الاخرى ؟ فقال : نعم
فقال أبوجعفر عليه السلام : استغفر ربك ! فإن قول الله عزوجل ( كانتا رتقا ) يقول :
كانت السماء رتقا لا تنزل المطر ، وكانت الارض رتقا لا تنبت الحب ، فلما خلق
الله تبارك وتعالى الخلق وبث فيها من كل دابة ففتق السماء بالمطر ، والارض
بنبات الحب . فقال الشامي : أشهد أنك من ولد الانبياء ، وأن علمك علمهم ( 3 ) .
توضيح : قوله عليه السلام ( ولو كان أول ما خلق ) أي لو كان كما تزعمه الحكماء
كل حادث مسبوقا بمادة فلا يتحقق شئ يكون أول الاشياء من الحوادث ، فيلزم
وجود قديم سوى الله تعالى وهو محال ( فجعل نسب كل شئ إلى الماء ) أي
* ( هامش ) * ( 1 ) نقب ( خ ) .
( 2 ) ثقب ( خ ) .
( 3 ) روضة الكافى : 94 .
[ 98 ]
بأن خلق جميعها منه ، لا بقوله ( وجعلنا من الماء كل شئ حي ) لانه ظاهرا مختص .
بذوي الحياة ، إلا أن يقال : المراد بكل شئ هنا أيضا ذو والحياة ، أو يقال : انتساب
ذوي الحياة إليه مستلزم لانتساب غيرهم أيضا من العناصر لانها جزء الحيوان .
( ثم نسب الخليقتين ) أي رتبهما في الوضع ، وجعل إحداهما فوق الاخرى ، أو
بين نسبة خلقهما في كتابه بقوله ( والارض بعد ذلك دحيها ) فبين أن دحو الارض
بعد رفع السماء .
82 الكافى : عن محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن العلاء بن
رزين ، عن محمد بن مسلم ، والحجال عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، قال : قال لي
أبوجعفر عليه السلام : كان كل شئ ماء ، وكان عرشه على الماء ، فأمر الله عزوجل
الماء فاضطرم نارا ، ثم أمر النار فخمدت ، فارتفع من خمودها دخان ، فخلق الله
السماوات من ذلك الدخان ، وخلق الارض من الرماد ، ثم اختصم الماء والنار و
الريح ، فقال الماء : أنا جند الله الاكبر ، وقال الريح : أنا جند الله الاكر ،
وقالت
النار : أنا جند الله الاكبر ، فأوحى الله عزوجل إلى الريح : أنت جندي الاكبر ( 1 )
.
بيان : ( وخلق الارض من الرماد ) لعل المراد بقية الارض التي حصلت
بعد الدحو ، ويحتمل أيضا أن يكون الزبد المذكور في الاخبار الاخرمادة بعيدة
للارض بأن يكون الرماد تكون من الزبد ، ومن الرماد تكونت الارض ، أو
يكون الرماد أحد أجزاء الارض مزج بالزبد فجمد الزبد بذلك المزج وتصلب .
83 الكافى : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي
جعفر الاحول ، عن سلام بن المستنير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله عزوجل
خلق الجنة قبل أن يخلق النار ، وخلق الطاعة قبل أن يخلق المعصية ، وخلق الرحمة
قبل الغضب ، وخلق الخير قبل الشر ، وخلق الارض قبل السماء ، وخلق الحياة
قبل الموت ، وخلق الشمس قبل القمر ، وخلق النور قبل ( 2 ) أن يخلق الظلمة ( 3 ) .
* ( هامش ) * ( 1 ) روضة الكافى : 95 و 153 .
( 2 ) في المصدر : قبل الظلمة .
( 3 ) روضة الكافى : 145 .
[ 99 ]
بيان : لعل المراد بخلق الطاعة تقديرها ، بل الظاهر في الاكثر ذلك ، و
الخلق بمعنى التقدير شائع ، والمراد بخلق الشر خلق ما يترتب عليه شر ظاهرا
وإن كان خيره غالبا ووجوده صلاحا .
84 الكافى : عن علي بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن
صدقة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : ما خلق
الله عزوجل خلقا
إلا وقد أمر عليه آخر يغلبه فيه ، وذلك أن الله تبارك وتعالى لما خلق السحاب ( 1 )
السفلى فخرت وزخرت ( 2 ) وقالت أى شي ء يغلبني ؟ فخلق الارض فسطحها على
ظهرها فذلت ، ثم إن الارض فخرت وقالت : أي شئ يغلبني ؟ فخلق الجبال
فأثبتها على ظهرها أوتادا من أن تميد بما عليها فذلت الارض واستقرت ، ثم إن
الجبال فخرت على الارض فشخمت واستطالت وقالت : أي شئ يغلبني ؟ فخلق
الحديد فقطعها فقرت الجبال وذلت ، ثم إن الحديد فخر على الجبال وقال :
أي شئ يغلبني ؟ فخلق النار فأذابت الحديد فذل الحديد ، ثم إن النار زفرت
وشهقت وفخرت وقالت : أي شئ يغلبني ؟ فخلق الماء فأطفأها فذلت النار ، ثم
إن الماء فخر وزخر وقال : أي شئ يغلبني ؟ فخلق الريح فحركت أمواجه
وأثارت ما في قعره وحبسته عن مجاريه فذل الماء ، ثم إن الريح فخرت وعصفت
ولوحت ( 3 ) أذيالها وقالت : أي شئ يغلبني ؟ فخلق الانسان فبنى واحتال واتخذ
ما يستتر به من الريح وغيرها فذلت الريح ، ثم إن الانسان طغى وقال : من
أشد مني قوة ؟ فخلق الله له الموت فقهره فذل الانسان ، ثم إن الموت فخر في
نفسه فقال الله عزوجل : لا تفخر فإني ذابحك بين الفريقين أهل الجنة وأهل
النار ، ثم لا احييك أبدا فترجى وتخاف ( 4 ) . وقال أيضا : والحلم يغلب الغضب
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : البحار السفلى .
( 2 ) في المخطوط : زحزحت .
( 3 ) في المصدر : وأرخت أذيالها .
( 4 ) في المصدر : أوتخاف .
[100]
والرحمة تغلب السخط ، والصدقة الخطيئة . ثم قال أبوعبدالله عليه السلام : وما
أشبه هذا مما يغلب غيره ! ( 1 )
ايضاح : في القاموس : زخرالبحر كمنع زخرا وزخورا وتزخر طمأ
وتملا ، والوادي مد جداوارتفع ، والنبات طال ، والرجل بما عنده فخر
( انتهى ) ( 2 ) والظاهر أن هذه الجمل جرت على سبيل الاستعارة التمثيلية لبيان
أن سوى الحق تعالى مقهور مغلوب عن غيره ، والله سبحانه هوالغالب القاهر لجميع
ما سواه ، وأنه سبحانه بحكمته دفع في الدنيا عادية كل شئ بشئ ليستقيم للناس
التعيش فيها . و ( الميل ) الحركة والاضطراب .
وقال الجوهري : الزفير اغتراق ( 3 ) النفس للشدة ، والزفير أول صوت
الحمار ، والشهيق آخره ( 4 ) . وقال الفيروزآبادي : زفر النار سمع لتوقدها
صوت ( 5 ) . قوله عليه السلام ( إن الماء فخر ) لعل المراد بالماء ههنا المياه التي
استكنت
في الارض وخلقت على وجهها ، ولذا قيد الماء في أول الخبر بالبحار السفلى
وغلبة الارض إنما هي عليها دون المياه الظاهرة ، فلا ينافي تأخر خلق هذا الماء
عن كثير من الاشياء تقدم خلق أصل الماء وحقيقته على غيره من سائر الاشياء .
قوله ( وعصفت ) أي اشتدت و ( لوحت أذيالها ) أي رفعتها وحركتها تبخترا
وتكبرا ، وهذا من أحسن الاستعارات ( فترجى أو تخاف ) أي لا احييك فتكون
حياتك رجاء لاهل النار وخوفا لاهل الجنة . وذبح الموت لعل المراد به ذبح
شئ يسمى بهذا الاسم ليعرف الفريقان رفع الموت عنهما عيانا إن لم نقل بتجسم
الاعراض في تلك النشأة ، ويحتمل أن يكون هذا أيضا على الاستعارة التمثيلية .
* ( هامش ) * ( 1 ) روضة الكافى : 148 .
( 2 ) القاموس : ج 2 ، ص : 38 .
( 3 ) كذا في المصدر ، وفي بعض نسخ الكتاب ( اغتراف ) بالفاء .
( 4 ) الصحاح : ج 2 ، ص 670 وزاد : لان الزفير ادخال النفس والشهيق إخراجه .
( 5 ) القاموس : ج 2 ، ص 39 .
[101]
85 الاختصاص : قال يونس بن عبدالرحمن يوما لموسى بن جعفر عليه السلام :
أين كان ربك حيث لاسماء مبنية ولا أرض مدحية ؟ قال : كان نورا في نور ، ونورا
على نور ، خلق من ذلك النور ماء منكدرا فخلق من ذلك الماء ظلمة ، فكان عرشه
على تلك الظلمة . قال : إنما سألتك عن المكان ! قال : كلما قلت أين فأين هو
المكان . قال : وصفت فأجدت ( 1 ) إنما سألتك عن المكان الموجود المعروف ! قال :
كان في علمه لعلمه ، فقصر علم العلماء عند علمه . قال : إنما سألتك عن المكان !
قال : يا لكع ! أليس قد أجبتك أنه كان في علمه لعلمه ، فقصر علم العلماء عند
علمه ؟
86 سعد السعود للسيد ابن طاوس : قال : وجدت في صحف إدريس عليه السلام
من نسخة عتيقة : أول يوم خلق الله جل جلاله يوم الاحد ، ثم كان صباح يوم الاثنين
فجمع الله جل جلاله البحار حول الارض ، وجعلها أربعة بحار : الفرات والنيل وسيحان
وجيحان . ثم كان مساء ليلة الثلثاء جاء الليل بظلمته ووحشته ثم كان صباح يوم
الثلثاء فخلق الله جل جلاله الشمس والقمر وشرح ذلك وما بعده شرحا طويلا
وقال : ثم كان مساء ليلة الاربعاء فخلق الله ألف ألف صنف من الملائكة منهم على خلق
الغمام ، ومنهم على خلق النار متفاوتين في الخلق والاجناس ثم كان صباح يوم الاربعاء
فخلق الله من الماء أصناف البهائم والطير وجعل لهن رزقا في الارض ، وخلق النار
العظام وأجناس الهوام ، ثم كان مساء ليلة الخميس فميز الله سباع الدواب وسباع
الطير ، ثم كان صباح يوم الخميس فخلق الله ثمان جنان وجعل كل باب واحدة
منهن إلى بعض ، ثم كان مساء ليلة الجمعة فخلق الله النور الزهراء ، وفتح الله
مائة باب رحمة في كل باب جزء من الرحمة ، ووكل بكل باب ألفا من ملائكة
الرحمة ، وجعل رئيسهم كلهم ( ميكائيل ) فجعل آخرها بابا لجميع الخلائق يتراحمون
به بينهم ، ثم كان صباح يوم الجمعة فتح الله أبواب السماء بالغيث ، وأهب الرياح
* ( هامش ) * ( 1 ) فأوجدت ( خ ) .
[102]
وأنشأ السحاب ، وأرسل ملائكة الرحمة للارض تأمر السحاب تمطر على الارض و
زهرت ( 1 ) الارض بنباتها وازدادت حسنا وبهجة ، وغشى الملائكة النور ، وسمى الله
يوم الجمعة لذلك ( يوم أزهر ) و ( يوم المزيد ) وقال الله : قد جعلت يوم الجمعة
أكرم
الايام كلها وأحبها إلي ثم ذكر شرحا جليلا بعد ذلك ثم قال : إن الارض
عرفها الله جل جلاله أنه يخلق منها خلقا فمنهم من يطيعه ومنهم من يعصيه
فاقشعرت الارض واستعفت الله وسألته أن لا يأخذ منها من يعصيه ويدخله النار ، و
أن جبرئيل أتاها ليأخذ عنها طينة آدم ، فسألته بعزة الله أن لا يأخذ منها شيئا
حتى تتضرع إلى الله تعالى ، وتضرعت فأمره الله تعالى بالانصراف عنها ، فأمر الله
ميكائيل عليه السلام فاقشعرت وسألت وتضرعت فأمره الله تعالى بالانصراف عنها ، فأمر
الله
تعالى إسرافيل بذلك فاقشعرت وسألت وتضرعت فأمره الله تعالى بالانصراف عنها
فأمر عزرائيل فاقشعرت وسألت وتضرعت فقال : قد أمرني ربي بأمرأنا ماض له
سرك ذاك ( 2 ) أم ساءك ؟ فقبض منها كما أمره الله ، ثم صعد بها إلى موقفه ، فقال
الله
[ له ] : كما وليت قبضها من الارض وهو كاره كذلك تلي قبض أرواح كل من عليها
وكلما قضيت عليه الموت من اليوم إلى يوم القيامة . فلما غابت شمس يوم الجمعة
خلق الله النعاس فغشاه دواب الارض ، وجعل النوم سباتا وسمى الليلة لذلك ليلة
السبت ، وقال : أنا الله لا إله إلا أنا خالق كل شئ ، خلقت السموات والارض وما
بينهما وما تحت الثرى في ستة أيام من شهر ( نيسان ) وهو أول شهر من شهور الدنيا
وجعلت الليل والنهار ، وجعلت النهار نشورا ومعاشا ، وجعلت الليل لباسا وسكنا
ثم كان صباح يوم السبت فميز الله لغات الكلام فسبح جميع الخلائق لعزة الله جل
جلاله فتم خلق الله وتم أمره في الليل والنهار ، ثم كان صباح يوم الاحد الثاني
اليوم
الثامن من الدنيا ، فأمر الله ملكا فعجن طينة آدم فخلط بعضها ببعض ثم خمرها
* ( هامش ) * ( 1 ) في المخطوطة : تزهرت .
( 2 ) ذلك ( خ ) .
[103]
أربعين سنة ، ثم جعلها لازبا ( 1 ) ثم جعلها حمئا مسنونا أربعين سنة ثم جعلها
صلصالا
كالفخار أربعين سنة ، ثم قال للملائكة بعد عشرين ومائة سنة مذخمر طينة آدم :
إني خالق بشرا من طين ! فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين .
فقالوا : نعم .
فقال في الصحف ما هذا لفظه : فخلق الله آدم على صورته التي صورها في اللوح
المحفوظ .
يقول علي بن موسى بن طاوس : فأسقط بعض المسلمين بعض هذا الكلام وقال :
إن الله خلق آدم على صورته . فاعتقد التجسيم ، فاحتاج المسلمون إلى تأويلات
الحديث ، ولو نقله بتمامه استغنى عن التأويل بتصديق ( 2 ) وشهد العقل المستقيم .
وقال في الصحف ثم جعلها جسدا ملقى على طريق الملائكة ، الذي تصعد فيه
إلى السماء أربعين سنة . ثم ذكر تناسل الجن وفسادهم وهرب إبليس منهم إلى الله و
سؤاله أن يكون مع الملائكة وإجابة سؤاله ، وما وقع من الجن حتى أمر الله
إبليس أن ينزل مع الملائكة لطرد الجن ، فنزل وطردهم عن الارض التي أفسدوا
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 50 من صفحه 103 سطر 14 إلى صفحه 111 سطر 14
فيها وشرح كيفية خلق الروح في أعضاء آدم واستوائه جالسا ، وأمر الله الملائكة
بالسجود فسجدوا له إلا إبليس كان من الجن فلم يسجد له ، فعطس آدم فقال الله : يا
آدم قل الحمد لله رب العالمين ، فقال : الحمد لله رب العالمين . قال الله : يرحمك
الله !
لهذا خلقتك لتوحدني وتعبدني وتحمدني وتؤمن بي ولا تكفربي ولا تشرك بي
شيئا .
87 اقول : قد مر تمامه في كتاب النبوة وكتاب الغيبة : ووجدت في بعض
الكتب : عن الصادق عليه السلام في كلام له : فالزم ما أجمع عليه أهل الصفاء والنقاء
من اصول الدين ، وحقائق اليقين ، والرضا والتسليم ، ولا تدخل في اختلاف الخلق
فيصعب عليك ، وقد اجتمعت الامة المختارة بأن الله واحد ليس كمثله شئ ، وأنه
* ( هامش ) * ( 1 ) هذه الجملة أعنى ( ثم جعلها لازبا ) غير موجودة في النسخة
المخطوطة .
( 2 ) كذا .
[104]
عدل في حكمه ، ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، ولا يقال له في شئ من صفته ( لم ؟ )
ولا كان ولا يكون شئ إلا بمشيته ، وأنه قادر على ما يشاء ، صادق في وعده ووعيده
وأن القرآن كلامه ، وأنه كان قبل الكون والمكان والزمان ، وأن إحداثه وإفناءه
غيره سواء ، ما ازداد هو بإحداثه علما ، ولا ينقص بفنائه ملكه ، عز سلطانه وجل
سبحانه فمن أورد عليك ما ينقض هذا الاصل فلا تقبله . ( الخبر )
88 الاخبار المسلسلات لجعفر بن أحمد القمي ( 1 ) قال : حدثنا محمد
بن علي بن الحسين وشبك بيدي ، قال : شبك بيدي عتاب بن محمد بن عتاب
أبوالقاسم ، قال : شبك بيدي أحمد بن محمد بن عمار ببغداد ، وقال لنا : شبك بيدي
محمد بن همام العراقي ، قال : شبك بيدي إسمعيل بن إبراهيم ، قال : شبك بيدي
عبدالكريم بن هشام ، قال شبك بيدي إبراهيم بن أبي يحيى ، قال : شبك بيدي
صفوان بن سليمان ، قال : شبك بيدي أيوب بن خالد ، قال : شبك بيدي عبيدالله
بن رافع ، قال : شبك بيدي أبوهريرة ، قال : شبك بيدي رسول الله صلى الله عليه وآله
وقال :
خلق الله الارض يوم السبت ، والجبال يوم الاحد ، والبحر يوم الاثنين ، والمكروه
يوم الثلثاء ، والنور يوم الاربعاء ، والدواب يوم الخميس ، وآدم يوم الجمعة .
أقول : الحديث ضعيف مخالف للمشهور وسائر الاخبار فلا يعول عليه .
89 كتاب زيد النرسى : عن عبيد بن زرارة ، قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام
إذا أمات الله أهل الارض لبث مثل ما كان الخلق ومثل ما أماتهم وأضعاف ذلك ، ثم
* ( هامش ) * ( 1 ) هو الشيخ النبيل ابومحمد جعفر بن أحمد بن على القمى نزيل الرى ،
قال في روضات
الجنات : هو من قدماء المحدثين الاعيان ، قريبا من عصر المفيد أو في عصره ، يروى عن
الصفوانى والصدوق وله تصنيفات منها كتاب ( ادب الامام والمأموم ) إلى أن قال وكتاب
مسلسلات الاخبار وقد جمع في المسلسلات ما وقع في جميع طبقات اسناده لفظه خاصة إلى
أن اتصل
بالمعصوم . ثم قال : والسيد ابن طاوس يروى عن كتبه في كتاب الاقبال وغيره وهذا مما
يؤيد
الوثوق عليها وروى عن بعض كتبه الشهيد الثانى في شرح الارشاد ايضا ( انتهى ) واما
رجال
هذا السند فجلهم عامى أو مجهول .
[105]
أمات أهل السماء الدنيا ، ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ما أمات أهل الارض و
السماء الدنيا وأضعاف ذلك ، ثم أمات أهل السماء الثانية ثم لبث مثل ما خلق الخلق
ومثل ما أمات أهل الارض والسماء الدنيا والسماء الثانية وأضعاف ذلك ، ثم أمات
أهل السماء الثالثة ، ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ما أمات أهل الارض والسماء
الدنيا والسماء الثانية والسماء الثالثة وأضعاف ذلك ، ثم أمات أهل السماء الرابعة
ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ما أمات أهل الارض وأهل السماء الدنيا والسماء
الثانية
والسماء الثالثة والسماء الرابعة وأضعاف ذلك ، ثم أمات أهل السماء الخامسة
ثم لبس مثل ما خلق الخلق الارض ومثل ما أمات أهل الارض وأهل السماء الدنيا والثانية
والثالثة والرابعة والخامسة وأضعاف ذلك ، ثم أمات أهل السماء السادسة ، ثم لبث
مثل ما خلق الخلق ومثل ما امأت أهل الارض وأهل السماء الدنيا والثانية والثالثة
والرابعة والخامسة والسادسة وأضعاف ذلك ، ثم أمات أهل السماء السابعة ، ثم لبث
مثل ما خلق الخلق ومثل ما أمات أهل الارض وأهل السماوات إلى السماء السابعة
وأضعاف ذلك ثم أمات ميكائيل ، ثم لبث مثل ما خلق الخلق ومثل ذلك كله وأضعاف
ذلك [ كله ] ثم أمات جبرئيل ، ثم لبث [ مثل ] ما خلق الخلق ومثل ذلك كله وأضعاف
ذلك كله ، ثم أمات إسرافيل ، ثم لبث [ مثل ] ما خلق الخلق ومثل ذلك كله وأضعاف
ذلك [ كله ] ثم أمات ملك الموت . قال : ثم يقول تبارك وتعالى : لمن الملك اليوم ؟
فيرد على نفسه : لله الواحد القهار . أين الجبارون ؟ أين الذين ادعوا معي إلها ؟
أين المتكبرون ؟ ونحو هذا ، ثم يلبث مثل ما خلق الخلق ومثل ذلك كله وأضعاف
ذلك ثم يبعث الخلق أو ينفخ في الصور .
قال عبيد بن زرارة : فقلت : إن هذا الامر كائن ؟ طولت ذلك ! فقال :
أرأيت ما كان قبل أن يخلق الخلق أطول أوذا ؟ قال : قلت : ذا . قال : فهل علمت
به ؟ قال : قلت : لا . قال : فكذلك هذا .
بيان : الخبر صريح في الحدوث ، وقوله ( قلت ذا ) الظاهر أنه إشارة إلى المدة
[106]
قبل خلق الخلق ويدل على الزمان الموهوم . ( 1 ) .
90 النهج : روى مسعدة بن صدقة عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال :
خطب أميرالمؤمنين علي عليه السلام بهذه الخطبة على منبر الكوفة ، وذلك أن رجلا أتاه
فقال : يا أميرالمؤمنين ، صف لنا ربنا لنزداد له حبا وبه معرفة ، فغضب عليه السلام
ونادى : الصلوة جامعة ، فاجتمع الناس [ عليه ] حتى غص المسجد بأهله ، فصعد المنبر
وهو مغضب متغير اللون ، فحمد الله سبحانه وصلى على النبى عليه السلام ثم قال :
الحمد لله الذي لا يفره ( 2 ) المنع ، ولا يكديه الاعطاء والجود ، إذ كل معط
منتقص سواه ، وكل مانع مذموم ما خلاه ، [ و ] هو المنان بفوائد النعم ، وعوائد
المزيد والقسم ، عياله الخلائق ( 3 ) ضمن أرزاقهم ، وقدر أقواتهم ، ونهج سبيل
الراغبين إليه ، والطالبين ما لديه ، وليس بما سئل بأجود منه بمالم يسأل ، الاول
الذي لم يكن له قبل فيكون شئ قبله ، والآخر الذي ليس له بعد فيكون شئ بعده
والرادع ( 4 ) أناسي الابصار عن أن تناله أو تدركه ، ما اختلف عليه دهر فتختلف
منه الحال ، ولا كان في مكان فيجوز عليه الانتقال ، ولو وهب ما تنفست عنه معادن
الجبال ، وضحكت عنه أصداف البحار من فلز اللجين والعقيان ، نثارة الدر وحصيد
المرجان ، ما أثر ذلك في جوده ، ولا أنفد سعة ما عنده ، ولكان عنده من ذخائر
* ( هامش ) * ( 1 ) أن كان المراد بالخلق جميع ما سوى الله فلا ريب أنه لم يكن قبله
شئ سوى الله تعالى
لازمان ولا مكان ولا أى شئ فرض حتى يقايس به الازمنة الطويلة في الغاية ، ولا يتوهم
عندئذ
شئ اصلا ( واطلاق ( عند ) و ( اذ ) من ضيق العبارة ) على أن مقايسة الامر الحقيقى
بالموهوم غير
صحيح كما لا يخفى وان كان المراد بالخلق اهل السماوات والارض دون نفسها وماوراءها
فيمكن
تصوير الزمان الحقيقى قبل خلق اهل السماوات والارض ولا يحتاج إلى فرض الزمان
الموهوم .
وللرواية معنى دقيق يطلب من محله .
( 2 ) في المخطوطة : لا يعزه المنع وفي المصدر : لا يفره المنع والجمود .
( 3 ) في المصدر : الخلق .
( 4 ) في بعض النسخ : فالرادع
[107]
الانعام ما لا تنفده مطالب الانام ، لانه الجواد الذي لا يغيضه سؤال السائلين ، ولا
يبخله إلحاح الملحين ، فانظر أيها السائل ! فما دلك القرآن عليه من صفته فائتم
به واستضئ بنور هدايته ، وما كلفك الشيطان علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه
ولا في سنة النبي وأئمة الهدى أثره فكل علمه إلى الله سبحانه ، فإن ذلك منتهى
حق الله عليك . واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد
المضروبة دون الغيوب الاقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب ، فمدح
الله تعالى اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما ، وسمى تركهم التعمق
فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخا ، فاقتصر على ذلك فلا تقدر عظمة الله سبحانه
على قدر عقلك فتكون من الهالكين ، هو القادر الذي إذا ارتمت الاوهام لتدرك
منقطع قدرته ، وحاول الفكر المبرأمن خطر الوساوس ( 1 ) أن يقع عليه من عميقات ( 2 )
غيوب ملكوته ، وتولهت القلوب إليه لتجري في كيفية صفاته ، وغمضت مداخل
العقول في حيث لا تبلغه الصفات لتنال علم ذاته ، ردعها وهي تجوب مهاوي سدف
الغيوب متخلصة إليه سبحانه [ وتعالى ] فرجعت إذجبهت معترفة بأنه لا ينال بجور
الاعتساف كنه معرفته ، ولا تخطر ببال اولي الرويات خاطرة من تقدير جلال عزته
الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله ، ولا مقدار احتذى عليه من خالق معبود
كان قبله ، وأرانا من ملكوت قدرته وعجائب ما نطقت به آثار حكمته ، واعتراف
الحاجة من الخلق إلى أن يقيمها بمساك قوته ( 3 ) ما دلنا باضطرار قيام الحجة على
معرفته ، وظهرت في البدائع التي أحدثها آثار صنعته وأعلام حكمته ، فصار كل
ما خلق حجة له ودليلا عليه ، وإن كان خلقا صامتا فحجته بالتدبير ناطقة ، ودلالته
على المبدع قائمة فأشهد ( 4 ) أن من شبهك بتباين أعضاء خلقك ، وتلاحم حقاق
* ( هامش ) * ( 1 ) سيأتى من المؤلف رحمه الله أنه روى ، من خطرات الوساوس .
( 2 ) في بعض النسخ وكذا في المصدر : في عميقات .
( 3 ) في المصدر : قدرته .
( 4 ) في المصدر ، وأشهد . وهكذا فيما يأتى .
[108]
مفاصلهم المحتجبة لتدبير حكمتك لم يعقد غيب ضميره على معرفتك ، ولم يباشر قلبه
اليقين بأنه لاندلك ، وكأنه لم يسمع تبرء التابعين من المتبوعين إذ يقولون
( تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين ) كذب العادلون بك إذ
شبهوك بأصنامهم ، ونحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم ، وجزؤوك تجزئة المجسمات
بخواطرهم ، وقدروك على الخلقة المختلفة القوى بقرائح عقولهم ، فأشهد أن
من ساواك بشئ من خلقك فقد عدل بك ، والعادل بك كافر بما تنزلت به محكمات
آياتك ، ونطقت به عنه شواهد حجج بيناتك ، وأنك أنت الله الذي لم يتناه في
العقول فيكون في مهب فكرها مكيفا ، ولا في روايات خواطرها محدودا ( 1 ) مصرفا .
ومنها : قدرما خلق فأحكم تقديره ، ودبره فألطف تدبيره ، ووجهه
لوجهته فلم يتعد حدود منزلته ، فلم يقصر ( 2 ) دون الانتهاء إلى غايته ، ولم يستصعب
إذ أمر بالمضي على إرادته ، وكيف ؟ وإنما صدرت الامور عن مشيته ، المنشئ
أصناف الاشياء بلا روية فكر آل إليها ، ولا قريحة غريزة أضمر عليها ، ولا تجربة
أفادها من حوادث الدهور ، ولا شريك أعانه على ابتداع عجائب الامور ، فتم خلقه
وأذعن لطاعته ، وأجاب إلى دعوته ، ولم يعترض دونه ريث المبطئ ، ولا أناة المتلكئ
فأقام من الاشياء أودها ، ونهج حدودها ( 3 ) ولاءم بقدرته بين متضادها ، ووصل أسباب
قرائنها وفرقها أجناسا مختلفات في الحدود والاقدار ، والغرائز والهيئات ، بدايا
خلائق أحكم صنعها ، وفطرها على ما أراد وابتدعها .
منها في صفة السماء : ونظم بلا تعليق رهوات فرجها ، ولاحم صدوع
انفراجها ، وشج بينها وبين أزواجها ، وذلل للهابطين بأمره والصاعدين بأعمال
خلقه حزونة معراجها ( 4 ) وناداها بعد إذ هي دخان فالتحمت عرى أشراجها ، وفتق
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : فتكون محدودا .
( 2 ) في المصدر وكذا في بعض النسخ : فلم يقصر .
( 3 ) في النسخة المخطوطة : جددها .
( 4 ) في بعض النسخ : معارجها .
[109]
بعد الارتتاق صوامت أبوابها ، وأقام رصدا من الشهب الثواقب على نقابها ، وأمسكها
من أن تمور في خرق ( 1 ) الهواء بائدة [ رائدة ] وأمرها أن تقف مستسلمة لامره
وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها ، وقمرها آية ممحوة من ليلها ، وأجراهما ( 2 )
في مناقل مجراهما ، وقدر مسيرهما ( 3 ) في مدارج درجهما ، ليميزبين الليل والنهار
بهما ، وليعلم عدد السنين والحساب بمقاديرها ، ثم علق في جوها فلكها ، وناط
بها زينتها من خفيات دراريها ومصابيح كواكبها ، ورمى مسترقي السمع بثواقب
شهبها ، وأجراها على إذلال تسخيرها ، من ثبات ثابتها ومسير سائرها ، وهبوطها
وصعودها ، ونحوسها وسعودها .
منها في صفة الملائكة عليهم السلام : ثم خلق سبحانه لاسكان سماواته ، وعمارة
الصفيح الاعلى من ملكوته ، خلقا بديعا من ملائكته ، ملابهم فروج فجاجها ، و
حشابهم فتوق أجوائها ، وبين فجوات تلك الفروج زجل المسبحين منهم في حظائر
القدس وسترات الحجب وسرادقات المجد ، ووراء ذلك الرجيج الذي تستك منه
الاسماع سبحات نور تردع الابصار عن بلوغها ، فتقت خاسئة على حدودها ، أنشأهم
على صور مختلفات ، وأقدار متفاوتات . اولي أجنحة تسبح جلال عزته ، لا ينتحلون
ما ظهر في الخلق من صنعه ( 4 ) ولا يدعون أنهم يخلقون شيئا معه مما انفرد به ، بل
عباد مكرمون ، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ، جعلهم فيما هنالك أهل الامانة
على وحيه ، وحملهم إلى المرسلين ودائع أمره ونهيه ، وعصمهم من ريب الشبهات
فما منهم زائغ عن سبيل مرضاته ، وأمدهم بفوائد المعونة ( 5 ) وأشعر قلوبهم تواضع
إخبات السكينة ، وفتح لهم أبوابا ذللا إلى تماجيده ، ونصب لهم منارا واضحة على
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : في خراق .
( 2 ) في بعض النسخ وكذا في المصدر : فأجراهما .
( 3 ) في المصدر : سيرهما .
( 4 ) في المصدر : صنعته .
( 5 ) في المخطوطة : بفوائد امره .
[110]
أعلام توحيده ، لم تثقلهم مؤصرات الآثام ، ولم ترتحهلم عقب الليالى والايام ، ولم
ترم الشكوك بنوازعها عزيمة إيمانهم ، ولم تعترك الظنون على معاقد يقينهم ، ولا
قدحت قادحة الاحن فيما بينهم ، ولا سلبتهم الحيرة مالاق من معرفته بضمائرهم
وسكن بعظمته ( 1 ) وهيبة جلاله ( 2 ) في أثناء صدورهم ، ولم تطمع فيهم الوساوس
فتقترع برينها ( 3 ) على فكرهم ، منهم من هو في خلق الغمام الدلح ( 4 ) وفي عظم
الجبال
الشمخ ، وفي قترة الظلام الايهم ، ومنهم من [ قد ] خرقت أقدامهم تخوم الارض
السفلى ، فهي كرايات بيض قد نفذت في مخارق الهواء ، وتحتها ريح هفافة تحبسها
على حيث انتهت من الحدود المتناهية ، قد استفرغتهم ( 5 ) أشغال عبادته ، ووسلت
حقائق الايمان بينهم وبين معرفته ، وقطعهم الايقان به إلى الوله إليه ، ولم تجاوز
رغابتهم ما عنده إلى ما عند غيره ، قد ذاقوا حلاوة معرفته ، وشربوا من كأس
الروية من محبته ، وتمكنت من سويداء قلوبهم وشيجة خيفته ، فحنوا بطول الطاعة
اعتدال ظهورهم ، ولم ينفد طول الرغبة إليه مادة تضرعهم ، ولا أطلق عنهم عظيم
الزلفة ربق خشوعهم ، ولم يتولهم الاعجاب فيستكثروا ما سلف منهم ، ولا تركت
لهم استكانة الاجلال نصيبا في تعظيم حسناتهم ، ولم تجر الفترات فيهم على طول دؤوبهم
ولم تغض ( 6 ) رغباتهم فيخالفوا عن رجاء ربهم ، ولم تجف لطول المناجات أسلات
ألسنتهم ، ولا ملكتهم الاشغال فتنقطع بهمس الخير ( 7 ) إليه أصواتهم ، ولم تختلف
* ( هامش ) * ( 1 ) في بعض النسخ : من عظمته .
( 2 ) في بعض النسخ وكذا في المصدر : جلالته .
( 3 ) في بعض النسخ : بريبها .
( 4 ) الدلح : بالحاء المهملة وزان عنق جمع ( دلوح ) اى كثير الماء ، ويحتمل ان
يكون بتشديد اللام المفتوحة كركع جميع ( دالح ) .
( 5 ) في المخطوطة : قد استفزعتهم .
( 6 ) في المخطوطة : لم تفض .
( 7 ) في بعض النسخ : بهمس الحنين .
[111]
في مقاوم الطاعة مناكبهم ، ولم يثنوا إلى راحة التقصير في أمره رقابهم ، ولا تعدوا
على عزيمة جدهم بلادة الغفلات ، ولا تنتضل في هممهم ( 1 ) خدائع الشهوات ، قد
اتخذوا ذا العرش ذخيرة ليوم فاقتهم ، ويمموه عند انقطاع الخلق إلى المخلوقين
برغبتهم ، لا يقطعون أمد غاية عبادته ، ولا يرجع بهم الاستهتار بلزوم طاعته ، إلا
إلى
مواد من قلوبهم غير منقطعة من رجائه ومخافته ، لم تنقطع أسباب الشفقة منهم فينوا في
جدهم ، ولم تأسرهم الاطماع فيؤثروا وشيك السعي على اجتهادهم ، ولم يستعظموا
ما مضى من أعمالهم ، ولو استعظموا ذلك لنسخ الرجاء منهم شفقات وجلهم ، ولم يختلفوا
في ربهم باستحواذ الشيطان عليهم ، ولم يفرقهم سوء التقاطع ، ولا تولاهم غل التحاسد
ولا شعبتهم ( 2 ) مصارف الريب ، ولا اقتسمتهم أخياف الهمم ، فهم اسراء إيمان لم
يفكهم من ربقته زيغ ولا عدول ، ولاونى ولا فتور ، وليس في أطبقال السموات موضع
إهاب إلا وعليه ملك ساجد ، أو ساع حافد ، يزدادون على طول الطاعة بربهم علما
وتزداد عزة ربهم في قلوبهم عظما .
ومنها في صفة الارض ودحوها على الماء : كبس الارض على مورأمواج
مستفحلة ، ولجج بحار زاخرة ، تلتطم أواذي أموجها ، وتصطفق متقاذفات
............................................................................
-بحار الانوار جلد: 50 من صفحه 111 سطر 15 إلى صفحه 119 سطر 15
أثباجها ، وترغو زبدا كالفحول عند هياجها ، فخضع جماح الماء المتلاطم لثقل حملها
وسكن هيج ارتمائه إذ وطأته بكلكلها ، وذل مستخذيا إذ تمعكت عليه بكواهلها
فأصبح بعد اصطخاب أمواجه ساجيا مقهورا ، وفي حكمة الذل منقادا أسيرا ، وسكنت
الارض مدحوة في لجة تياره ، وردت من نخوة بأوه واعتلائه ، وشموخ أنفه
وسمو غلوائه ، وكعمته على كظة جريته فهمد بعد نزقاته ( 3 ) ، ولبد بعد زيفان
وثباته ، فلما سكن هيج ( 4 ) الماء من تحت أكنافها ، وحمل شواهق الجبال البذخ ( 5 )
* ( هامش ) * ( 1 ) في بعض النسخ : همهم .
( 2 ) في بعض النسخ : ولا تشعبتهم .
( 3 ) في المخطوطة : خرقاته .
( 4 ) في المصدر : هياج .
( 5 ) في المصدر : الشمخ البذخ .
[112]
على أكنافها ، فجر ينابيع العيون من عرانين انوفها ، وفرقها في سهوب بيدها
وأخاديدها ، وعدل حركاتها بالراسيات من جلاميدها ، وذوات الشناخيب الشم
من صياخيدها ، فسكنت من الميدان برسوب الجبال في قطع أديمها وتغلغلها
متسربة في جوبات خياشيمها ، وركوبها أعناق سهول الارضين وجراثيمها ، وفسح
بين الجو وبينها ، وأعد الهواء متنسما لساكنها ( 1 ) ، وأخرج إليها أهلها على
تمام مرافقها ، ثم لم يدع جرز الارض التي تقصر مياه العيون عن روابيها ، و
لا تجد جداول الانهار ذريعة إلى بلوغها ، حتى أنشألها ناشئة سحاب تحيي مواتها
وتستخرج نباتها الف غمامها ، بعد افتراق لمعه ، وتباين قزعه ، حتى إذا تمخضت
لجة المزن فيه ، والتمع برقة في كففه ، ولم ينم وميضه في كنهور ربابه ، ومتراكم
سحابه ، أرسله سحا متداركا قد اسف هيدبه تمر به الجنوب درر أهاضيبه ودفع
شئابيبه ، فلما ألقت السحاب برك بوانيها ، وبعاع ما استقلت به من العب المحمول
عليها ، أخرج به من هوامل ( 2 ) الارض النبات ، ومن زعر الجبال الاعشاب ، فهى
تبهج بزينة رياضها ، وتزدهي بما ألبسته من ربط أزاهيرها ، وحلية ما شمطت ( 3 )
به من ناضر أنوارها ، وجعل ذلك بلاغا للانام ، ورزقا للانعام وخرق الفاج في
آفاقها وأقام المنار للسالكين على جواد طرقها ، فلما مهد أرضه وأنفذ أمره اختار آدم
عليه السلام خيره من خلقه ، وجعله أول جبلته ، وأسكن ( 4 ) جنته ، وأرغد فيها
أكله ، وأوعز إليه فيما نهاه عنه ، وأعلمه أن في الاقدام عليه التعرض لمعصيته
والمخاطرة بمنزلته ، فأقدم على ما نهاه عنه موافاة لسابق علمه ، فأهبطه بعد التوبة
ليعمر أرضه بنسله ، وليقيم الحجة به على عباده ، ولم يخلهم بعد أن قبضه مما يؤكد
عليهم حجة ربوبيته ، ويصل بينهم و بين معرفته ، بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخيرة
* ( هامش ) * ( 1 ) لساكنيها ( خ ) .
( 2 ) في بعض النسخ : ( هوامد الارض ) وهو الاظهر .
( 3 ) في المصدر : سمطت . وسيأتى من المؤلف رحمه الله ذكر النسختين وبيان معناهما .
( 4 ) في بعض النسخ : أسكنه .
[113]
من أنبيائه ، ومتحملي ودائع رسالاته قرنا فقرنا حتى تمت بنبينا [ محمد ] صلى الله
عليه وآله
حجته ، وبلغ المقطع عذره ونذره ، وقدر الارزاق فكثرها وقللها ، وقسمها
على الضيق والسعة ، فعدل فيها ليبتلي من أراد بميسورها ومعسورها ، وليختبر
بذلك الشكر والصبر من غنيها وفقيرها ، ثم قرن بسعتها عقابيل فاقتها ، وبسلامتها
طوارق آفتها ، وبفرج أفراجها غصص أتراحها ، وخلق الآجال فأطالها وقصرها
وقدمها وأخرها ، ووصل بالموت أسبابها ، وجعله خالجا لاشطانها ، وقاطعا لمرائر
قرانها ( 1 ) ، عالم السر من ضمائر المضمرين ، ونجوى المتخافتين ، وخواطر رجم
الظنون ، وعقد عزيمات اليقين ، ومسارق إيماض الجفون ، وما ضمنته أكناف
القلوب ( 2 ) وغيابات الغيوب ، وما أصغت لاستراقه مصائخ الاسماع ، ومصايف
الذر ، ومشاتي الهوام ، ورجع الحنين من المولهات ، وهمس الاقدام ، ومنفسح
الثمرة من ولائج غلف الاكمام ، ومنقمع الوحوش من غيران الجبال وأوديتها
ومختباء البعوض بين سوق الاشجار وألحيتها ، ومغرز الاوراق من الافنان ، ومحط
الامشاج من مسارب الاصلاب ، وناشئة الغيوم ومتلاحمها ، ودرور قطر السحاب
ومتراكمها ، وما تسفي ( 3 ) الاعاصير بذيولها ، وتعفو الامطار بسيولها ، وعوم
نبات الارض في كثبان الرمال ، ومستقر ذوات الاجنحة بذرى شناخيب الجبال
وتغريد ذوات المنطق في دياجير الاوكار ، وما أوعته الاصداف وحضنت عليه أمواج
البحار ، وما غشيته سدفة ليل أو ذر عليه شارق نهار ، وما اعتقبت عليه أطباق
الدياجير وسبحات النور ، وأثر كل خطوة ، وحس كل حركة ، ورجع كل
كلمة ، وتحريك كل شفة ، ومستقر كل نسمة ، ومثقال كل ذرة ، وهماهم
كل نفس هامة ، وما عليها من ثمر شجرة ، أو ساقط ورقة ، أو قرارة نطفة ، أو نقاعة
دم ومضعة ، أو ناشئة خلق وسلالة ، لم تلحقه في ذلك كلفة ، ولا اعترضته في حفظ
* ( هامش ) * ( 1 ) في المخطوطة والمصدر : اقرانها .
( 2 ) في المصدر : أكنان القلوب .
( 3 ) في بعض النسخ : تسقى .
[114]
ما ابتدع من خلقه عارضة ، ولا اعتورته في تنفيد الامور وتدابير المخلوقين ملالة
ولافترة ، بل نفذفيهم علمه وأحصاهم عده ووسعهم عدله ، وغمرهم فضله ، مع
تقصيرهم عن كنه ما هو أهله .
اللهم أنت أهل الوصف الجميل ، والتعدد ( 1 ) الكثير ، إن تؤمل فخير
مأمول ( 2 ) ، وإن ترج فخير مرجو ( 3 ) ، اللهم وقد بسطت لي [ لسانا ] فيمالا
أمدح به غيرك ، ولا اثني به على أحد سواك ، ولا اوجهه إلى معادن الخيبة ومواضع
الريبة ، وعدلت بلساني عن مدائح الآدميين ، والثناء على المربوبين المخلوقين .
اللهم ولكل مثن على من أثنى عليه مثوبة من جزاء ، أو عارفة من عطاء
وقدرجوتك دليلا على ذخائر الرحمة ، وكنوز المغفرة .
اللهم وهذا مقام من أفردك بالتوحيد الذي هو لك ، ولم يرمستحقا لهذه
المحامد والممادح غيرك ، وبي فاقة إليك لا يجبر مسكنتها إلا فضلك ، ولا ينعش من
خلتها إلا منك وجودك ، فهب لنا في هذا المقام رضاك ، أغننا عن مد الايدي إلى
من سواك ، إنك على كل شئ قدير ( 4 ) .
التوحيد : عن علي بن أحمد الدقاق عن محمد بن جعفر الاسدي ، عن محمد بن
إسماعيل البرمكي ، عن علي بن العباس ، عن إسماعيل بن مهران ، عن إسمعيل
ابن الحق الجهني ، عن فرج بن فروة ، عن مسعدة ابن صدقة ، عن أبي عبدالله عليه
السلام
مثله مع اختصار ، وقد مر في كتاب التوحيد ( 5 ) .
* ( هامش ) * ( 1 ) في المصدر : التعداد .
( 2 ) في المصدر : فخير مؤمل وإن ترج فأكرم مرجو .
( 3 ) يظهر من شرح المؤلف رحمه الله لهذه الفقرة في بيانه الاتى ان هناك لفظة
( اكرم ) لكن النسخ خالية منها إلا نسخة المصدر وهى هكذا ( وان ترج فاكرم مرجو )
فيحتمل ان سخة المؤلف ايضا كانت مثله او كانت هكذا ( ان تؤمل فاكرم مأمول وان ترج
فخير مرجو ) .
( 4 ) نهج البلاغة : 160 181 .
( 5 ) التوحيد : 23 .
[115]
بيان : قد مضى شرح أكثر أجزاء هذه الخطبة في كتاب التوحيد ، ولعل
غضبه عليه السلام لعلمه بأن غرض السائل وصفه سبحانه بصفات الاجسام ، أو لانه سأل
بيان كنه حقيقته سبحانه او وصفه بصفات أرفع وأبلغ مما نطق به الكتاب والآثار
لزعمه أنه لا يكفي في معرفته سبحانه ، ويؤيد كلا من الوجوه بعض الفقرات .
و ( جامعة ) منصوبة على الحالية ، أي : عليكم الصلاة . على رفع الصلاة كما حكي
أو احضروا الصلاة على نصبها جامعة لكل الناس . وربما يقرء برفعهما على الابتداء
والخبرية . وهذا النداء كان شائعا في الخطوب الجليلة وإن كان أصله للصلاة .
( لا يفره ) أي لا يكثره ( المنع ) ( 1 ) أي ترك العطاء ( ولا يكديه الاعطاء )
أي لا يجعله قليل الخير مبطئا فيه ، يقال ( كدت الارض ) إذا أبطأ نباتها ، ( وأكدى
* ( هامش ) * ( 1 ) قول عليه الصلاة والسلام ( لا يفره المنع ) أى لا يكثره ترك
الاعطاء ولا يزيد في
ملكه ( ولا يكديه الاعطاء ) أى لا يفقره ولا ينتقص من ملكه ( اذ كل معط منتقص سواه
وكل
مانع مذموم ملا خلاه ) حسن الاعطاء والجود وقبح المنع والبخل من احكام العقل العملى
، و
ملاك الحكم أنه يرى الانسان محتاجا إلى بنى نوعه مفتقرا إلى التعاون والتعاضد معهم
حتى يسعد في حياته
ويبلغ غاية مناه ، فلكل فرد من افراد المجتمع قدم في تشكيله ، وأثر في ابقائه ، وحق
على
زملائه ، وحق عليهم جميعا ان يتحفظوا على الاجتماع ، ويراقبوا ثغوره ، ويذبوا عن
حدوده
فحق على الاغنياء المثرين ان يبذلوا على الفقراء المعدمين ولا يدعوهم مفتقرين حتى
يهلكوا
ويفقد المجتمع بعض اعضائه فينتقض الغرض ويخيب المسعى .
ومن الواضح عدم وجود هذا الملاك في الحق سبحانه لتعاليه عن الحاجة ، وترفعه عن
النقصان ، وتنزهه عن الغرض الزائد على الذات ، لكن حيث إن له تعالى مطلق الكمال
لجمال وله الاسماء الحسنى والصفات العليا كان ذاته المتعالية وصفاته الجميلة الغير
الزائدة
عليها مقتضية لصدور الافعال الحسنة وكان كل افعاله لا محالة حسنة جميلة ، لكن ليس
للعقل
أن يحكم عليه بوجوب فعل الخير وترك الشر الا بمعنى ادراكه لاقتضاء ذاته سبحانه لهما
، و
على هذا فلو صدر عنه سبحانه منع ايضا كان حسنا لانه ليس لاحد عليه تعالى حق حتى
يحسن
اعطاؤه ويقبح منعه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون . وهذا هو المراد بقول الامام
الثامن عليه
السلام ( فهو الجواد ان أعطى وهو الجواد أن منع لانه ان اعطى عبدا اعطاه ما ليس له
وان
منعه منعه ما ليس له ) .
[116]
فلان الارض ) إذا جعلها كادية ، أو لا ترده كثرة العطاء عن عادته فيه ، من قولهم
( أكديت الرجل عن الشئ ) أي رددته عنه ، ذكره الجوهري ، وقال : الكدية :
الارض الصلبة ، وأكدى الحافر : إذا بلغ الكدية فلا يمكنه أن يحفر ، وأكدى
الرجل : إذ قل خيره وانتقض ، يكون متعديا ولازما كنقص . وهذا في النسخ
على بناء المفعول ، والتعليل بالجملتين باللف والنشر المرتب أو المشوش لمطابقة
الاعطاء والمنع في كل منهما ، وعلى التقديرين التعليل في الاولى ظاهر ، والفقرة
الثانية ليست في نسخ التوحيد وهو الصواب ، وعلى تقديرها ففي أصل الجملة
والتعليل بها معا إشكال ، أما الاول فلانه إن اريد بالمنع ما كان مستحسنا أو
الاعم فكيف يصح الحكم بكونه مذموما ، وإن اريد به ما لم يكن مستحسنا فلا
يستقيم الاستثناء .
ويمكن أن يجاب باختيار الثاني من الاول أي الاعم ويقال : المراد
بالمذموم من أمكن أن يلحقه الذم ، يصير حاصل الكلام أن كل مانع غيره يمكن
أن يلحقه الذم بخلافه سبحانه ، فإنه لا يحتمل أن يلحقه بالمنع ذم أو يقال المانع
لا يصدق على غيره تعالى إلا إذا بخل بما افترض عليه ، وإذا اطلق عليه سبحانه
يرادبه مقابل المعطي ، والمراد بالعنوان المعنى الشامل لهما . ويدل عليه مامر
مرويا عن الرضا عليه السلام أنه سئل عن الجواد فقال عليه السلام : إن لكلامك وجهين
: فان
كنت تسأل عن المخلوق فإن الجواد هو الذي يؤدي ما افترض الله سبحانه عليه
والبخيل هو الذي يبخل بما افترض الله عليه ، وإن أردت الخالق لهو الجواد إن
أعطى ، وهو الجواد إن منع ، لانه إن أعطى عبدا أعطاه ما ليس له ، وإن منعه
منعه ما ليس له .
وأما الثاني فيحتمل أن تكون جملة مستقلة غير داخلة تحت التعليل مسوقة
لرفع توهم ينشأ من التعليل بعدم الانتقاص بالاعطاء ، فإن لمتوهم أن يقول : إذا
لم ينقص من خزائنه شئ بالاعطاء فيجب أن لا يتصف بالمنع أصلا ، ولو اتصف به
لكان مذموما ، مع أن من أسمائه تعالى المانع . فرد ذلك الوهم بأن منعه سبحانه
[117]
ليس للانتقاص بالاعطاء ، بل لقبح الاعطاء وعدم اقتضاء المصلحة له ، ومثل ذلك
المنع لا يستتبع الذم واستحقاقه . ولو حملت على التعليل فيمكن أن يكون من قبيل
الاستدلال بعدم المعلول على عدم العلة ، فلان الوفور بالمنع أو إكداء الاعطاء ( 1 )
علة للبخل التابع للخوف من الفاقة ، وهو علة لترتب الذم من حيث إنه نقص
أو لاقتضائه المنع ورد السائل ، ونفي الذم يدل على عدم الوفور أو الاكداء
المدعى في الجملتين المتقدمتين .
( المنان بفوائد النعم ) المن يكون بمعنى الانعام وبمعنى تعديد النعم
والاول هنا أظهر ، وربما يحمل على الثاني فإن منه سبحانه حسن وإن كان
في المخلوق صفة ذم . والفائدة : الزيادة تحصل للانسان من مال أو غيره والعائد :
المعروف [ والعطف ] ، وقيل : عوائد المزيد والقسم : معتادهما ، والمزيد : الزيادة
ولعل المراد به ما لا يتوهم فيه استحقاق العبد . و ( القسم ) جمع القسمة ، هي
الاسم من قسمه [ كضربه ] وقسمه بالتشديد أي جزأه . وعيال الرجل بالكسر أهل
بيته ومن يمونهم ، جمع ( عيل ) وجمعه ( عيائل ) ) .
( ضمن أرزاقهم ) أي كفلها ( وقد رأقواتهم ) أي جعل لكل منهم من القوت قدرا
تقتضيه الحكمة والمصلحة . ( ونهج سبيل الراغبين إليه ) نهجت الطريق : أبنته وأوضحته
ونهج السبيل لصلاح المعاد كما أن ضمان الارزاق لصلاح المعاش ، ويحتمل الاعم
( ليس بما سئل الخ ) عدم الفرق بينهما بالنظر إلى الجود لا ينافي الحث على السؤال
لانه من معدات السائل لاستحقاق الانعام ، لان نسبته سبحانه إلى الخلق على
السواء ، وإن استحق السائل ما لا يستحقه ( 2 ) غيره ، بخلاف المخلوقين فإن السؤال
يهيج جودهم بالطبع مع قطع النظر عن الاستعداد .
( الاول الذي لم يكن له قبل فيكون شئ قبله ) قيل : وجوده سبحانه ليس
بزماني فلا يطلق عليه القبلية والبعدية كما يطلق على الزمانيات ، فمعناه الاول
* ( هامش ) * ( 1 ) أو الاكداء بالاعطاء ( ظ )
( 2 ) في بعض النسخ : ما لم يستحقه .
[118]
الذي لا يصدق عليه القبلية ليمكن أن يكون شئ [ ما ] قبله ، وال